متابعات

ما الذي تريده إيران من وراء تطوير علاقاتها مع السعودية الفترة المقبلة؟

تحليل: شروق صابر

التقى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية الفريق الأول الركن “فياض بن حامد الرويلي”، مع رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء “محمد باقري” يوم 10 نوفمبر 2024، وذلك في إطار زيارة نادرة لضابط عسكري سعودي كبير إلى إيران. إذ كان آخر تواصل عسكري مباشر بين القيادات العسكرية السعودية والإيرانية، في اتصال هاتفي ديسمبر 2023، بين اللواء “باقري” مع وزير الدفاع السعودي “خالد بن سلمان”، تناول التطورات الإقليمية، ورفع مستوى التعاون الدفاعي بين القوات المسلحة في البلدين، والقضايا المهمة في العالم الإسلامي.

ورغم أن تلك الزيارة تأتي في إطار جهود تعزيز العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة في المجالات العسكرية والدفاعية، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أبريل 2024، إلا أن توقيتها يحمل العديد من الدلالات في سياق التطورات الإقليمية والدولية الحالية.

أولًا: قراءة في مسار الدبلوماسية الإيرانية- السعودية في الفترة الأخيرة

اتفقت طهران والرياض في مارس 2023، بوساطة صينية، على إعادة العلاقات بعد سبع سنوات من العداء بين الدولتين، والذي هدد الاستقرار والأمن في الخليج وساعد في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا. وتأتي الزيارة التي أجراها رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية إلى إيران، كإشارة إلى التزام البلدين بعملية الانفراج التي بدأت العام الماضي. ويعتبر الرويلي ثاني مسؤول سعودي رفيع المستوى يسافر إلى طهران منذ اتفقت الدولتين على استعادة العلاقات الدبلوماسية، فقد زار وزير الخارجية فيصل بن فرحان إيران في يونيو 2023.

وقد ترأس الرويلي وفدًا عسكريًا سعوديًا رفيع المستوى في طهران والتقى رئيس أركان القوات المسلحة اللواء محمد باقري. وقالت وسائل إعلام رسمية إيرانية إن “المسؤولين العسكريين ناقشا قضايا مختلفة”، بما في ذلك “تطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي”.

وتأتي بعد زيارة أجراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، يوم 9 أكتوبر الماضي، إلى السعودية، كانت أولى محطاته ضمن جولة خليجية شملت قطر أيضًا. وفي الثاني من أكتوبر أيضًا، التقى كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في الدوحة. وهناك أعرب بزشكيان للأمير فيصل عن “ارتياحه للعلاقات المتنامية بين إيران والسعودية”.

وفي سياق منفصل، تحدث الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هاتفيًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، “حسبما ذكرت وسائل إعلام إيرانية”. وذكرت وكالة مهر للأنباء أن “بزشكيان أبلغ ولي العهد أنه لن يتمكن من حضور قمة منظمة التعاون الإسلامي في الرياض بسبب جدول أعماله المزدحم، وأنه سيرسل النائب الأول للرئيس الإيراني كممثل.

ثانيًا: الأهداف الإيرانية من تطوير العلاقات مع السعودية الفترة المقبلة

جاءت الزيارات المتبادلة بين مسؤولين من الدولتين خلال الفترة الأخيرة في سياق التطورات الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس العديد من الدلالات، يمكن إيضاحها على النحو التالي:

1- التخوف الإيراني من عودة ترامب والتأثير على خطط التقارب الإسرائيلي مع الدول العربية: تنظر إيران إلى زيارة الفريق الأول الركن “فياض بن حامد الرويلي”، على أنها جاءت بعد أيام من انتخاب “دونالد ترامب”، الذي تبدأ ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة في يناير المقبل. ورغم أنه لا توجد معلومات تشير إلى أن هذه الزيارة كانت نتيجة مباشرة لفوز ترامب. إلا أن طهران تعلم أن التغيرات في القيادة الأمريكية قد تؤثر على سياسات المنطقة، مما يدفعها إلى تطوير علاقاتها مع الدول الإقليمية لمواجهة التحديات المستقبلية. فقد تعهد ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط، حيث تخوض إسرائيل حليفة الولايات المتحدة حروبًا ضد الميليشيات المدعومة من إيران في غزة ولبنان. كما أنه خلال فترة ولايته الأولى، بادر ترامب إلى تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، والمعروفة باسم “اتفاقيات أبراهام”. ولم تقيم المملكة العربية السعودية علاقات مع إسرائيل، وقد تستخدم طهران قرار السعودية بإرسال المسؤول العسكري الأعلى إليها في ذلك التوقيت، كإشارة إلى التزام البلدين بعملية الانفراج التي بدأت العام الماضي.

2- محاولة ايران تعزيز موقفها الإقليمي: ستعمل إيران خلال الفترة المقبلة على تحقيق توازن في علاقاتها مع دول الخليج، مع مراعاة التحالفات الإقليمية والدولية لكل دولة، بهدف تجنب العزلة وتعزيز موقفها الإقليمي. وذلك لما تتوقعه من تبني إدارة ترامب مرة أخرى تطبيق سياسة “الضغوط القصوى” عليها. لذا تركز إيران حاليًا على الحوار والدبلوماسية لتفادي أي توترات قد تستغلها واشنطن لزيادة الضغط عليها والتي قد تشكل عوائق أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى بينها وبين الدول الغربية، بالإضافة إلى رغبتها في التركيز على أوضاعها الداخلية المتأزمة.

3- تصاعد المساعي الإقليمية الرامية إلى التهدئة في المنطقة: تحظىزيارة الفريق الأول الركن “فياض بن حامد الرويلي”، بأهمية خاصة، إذ تأتي في خضم توتر إقليمي على وقع الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة من جهة، وحزب الله في لبنان من جهة أخرى، وتوتر إسرائيلي إيراني متصاعد يحتمل أن يتطور لحرب شاملة. لذا ترغب دول الخليج في ضبط الصراعات والتوترات في الشرق الأوسط. ويمكن للتعاون السعودي-الإيراني أن يساهم في حلحلة بعض الأزمات في المنطقة وخاصة “الأزمة اليمنية” التي للعديد من الدول العربية موقف واضح تجاهها من ضرورة إنهائها بطرق سلمية تحفظ أمن دول المنطقة وتحقق الاستقرار للشعب اليمني. فقبل المصالحة دعمت الدولتان منذ فترة طويلة أطرافًا متعارضة في مناطق الصراع الإقليمية، ولا سيما في سوريا واليمن. ويمكن للتحركات الدبلوماسية والتفاهمات بين الدولتين في عدة ملفات أن تُحدث انفراجة في الوصول إلى حلها. فلم تشهد دول مجلس التعاون الخليجي منذ المصالحة السعودية- الإيرانية أي توترات من جهة إيران أو عبر أذرعها في المنطقة، فلم تقم جماعة أنصار الله الحوثية باستهداف السفن العربية في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر 2023، ويعد ذلك دليل على الرغبة الإيرانية في خلق في علاقات متوازنة مع الدول العربية في المرحلة الحالية.

4- تطوير العلاقات العسكرية: هدفت إيران زيارة الفريق الأول الركن “فياض بن حامد الرويلي”، تطوير العلاقات الثنائية مع السعودية في المجالين العسكري والدفاعي، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي هذا الإطار كانت الدولتان ودول أخرى قد أجروا في أكتوبر 2024، مناورات حربية مشتركة في بحر عمان. ووفقًا لوكالة “أنباء فارس” فإن باقري أشار في الاجتماع إلى زيادة التعاون الأمني ​​بين البلدين، مشيرًا: “نود أن تنضم البحرية السعودية إلى التدريبات البحرية الإيرانية العام المقبل، إما كمشاركين أو مراقبين”. إذ قد تسعى إيران في الفترة المقبلة إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج في قضايا إقليمية مثل الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، بهدف بناء جسور الثقة وتقديم نفسها كشريك مسؤول في المنطقة.

ختامًا، يمكن القول أن إيران خلال الفترة المقبلة، ستعمل على تطوير علاقاتها مع الدول الإقليمية، لتجنب العزلة الدولية، التي قد تفرضها عليها سياسة “الضغوط القصوى” التي قد يطبقها عليها ترامب مرة أخرى، إذ تريد التركيز بشكل أكبر على أوضاعها الداخلية المتأزمة التي قد يضاعفها تطبيق ترامب سياسة صارمة تجاهها بما يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد طهران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى