مقالات

شركات التكنولوجيا الناشئة تُحدث ثورة في قطاع الدفاع وسط التوترات الجيوسياسية العالمية

تحليل: د. أحمد فتحي

استجابةً لعصر جديد من عدم اليقين الجيوسياسي والاضطرابات التي اجتاحت العالم مثل الحرب الروسية الأوكرانية والصراع بين إسرائيل وحلفائها في الشرق الأوسط بعد عملية “طوفان الأقصى”، تقوم الدول في مختلف أنحاء العالم بتحويل قدراتها العسكرية. ومع ظهور احتياجات جديدة للمهام في هذا التحول عبر العمليات متعددة المجالات، أصبح هناك طلب متزايد على حلول عسكرية جديدة، يتم توفيرها بشكل متزايد من قبل مجموعة من الشركات الناشئة التي تدخل صناعة الدفاع، حيث تتسابق الدول والأنظمة العملاء على الاستثمار لطلب التقنيات التي توفرها الشركات خارج القاعدة الصناعية الدفاعية التقليدية التي طالما احتكرت الصناعات الدفاعية، وهذه الديناميكية ليست جديدة، ولكنها ظهرت على شكل ثلاث موجات مميزة من الشركات الناشئة في تكنولوجيا الدفاع على مدار العشرين عامًا الماضية.

على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، كانت شركات مثل “سبايس إكس” التي يمتلكها الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك و”بالانتير” من أبرز الشركات في الموجة الأولى في أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، حيث صممت كلتاهما تقنيات موجهة للقنوات الحكومية غير التابعة لوزارة الدفاع. وبدأت الموجة الثانية في منتصف إلى أواخر العقد الثاني من الألفية، وتمثلها شركات ناشئة مثل “أندوريل” و”شيلد إيه آي” – وكلاهما أصبحتا شركتين بقيمة مليار دولار – التي استخدمت تقنيات تجارية مُشتقة لتطبيقات دفاعية، مثل دمج المستشعرات والمسيرات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. أما الموجة الثالثة من التحولات فهي الآن في صعود، وهي تضم نظامًا أكبر من الشركات الناشئة وغير التقليدية التي تدفع بالابتكار، وتجذب تمويلًا كبيرًا من رؤوس الأموال المخاطرة (VC)، وتسعى إلى إيجاد طرق لتوسيع نطاق أعمالها.

وفي العديد من الحالات في أوروبا والولايات المتحدة، فإن هذه الشركات الناشئة (جنبًا إلى جنب مع نظرائها من الشركات العملاقة في مجال الحوسبة السحابية مثل “أمازون) في وضع جيد لتلبية احتياجات الأمن القومي، مما يكمل القاعدة الصناعية التقليدية التي قد لا تكون لديها القدرات الكافية للاستجابة للمتطلبات المتطورة بمفردها، بينما يمكن أن يكون الاستفادة من التكنولوجيا المزدوجة الاستخدام (التي تصلح لكل من التطبيقات العسكرية وغير العسكرية) أمرًا حاسمًا في تسريع نمو الشركات الناشئة في هذا المجال.

جيل جديد يصارع عملاقة السلاح

ومع ظهور جيل جديد من شركات التكنولوجيا الأمنية، تضم كلًا من الشركات الناشئة والشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا، ويمكنها تقديم فوائد مختلفة ومتكاملة، مثل:

  • زيادة الإنفاق على البحث والتطوير عالي المخاطر، بالنسبة للحجم، مقارنةً بمقاولي الدفاع التقليديين.
  • إنتاج تطبيقات ذكاء اصطناعي من الدرجة الأولى، من خلال جيل جديد في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، الذين يتمتعون بالتمكن من التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة، والإلكترونيات الدقيقة المتقدمة.
  • تدشين نماذج أعمال موجهة نحو المنتجات تميل إلى أن تكون أسرع وأرخص وأكثر ابتكارًا.
  • التركيز على المنتجات والخدمات القابلة للتوسع والمباعة بأسعار تجارية.

لقد أبدت كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اهتمامًا بهذه القدرات الجديدة. فقد اتخذت وزارة الدفاع الأمريكية خطوات للوصول إلى التقنيات التجارية من خلال سلطات جديدة للاستحواذ والميزانية، على سبيل المثال، زيادة أهمية وحدة الابتكار الدفاعي (DIU) وإطلاق مبادرة “ريبليكيتر” في عام 2023 لتوفير الأنظمة الذاتية القابلة للتدمير بسرعة. كما قامت حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتشكيل مسرع ابتكار (DIANA) لتعزيز التعاون مع الشركات الناشئة والشركات التكنولوجية الأخرى، وأعلنت عن صندوق ابتكار الناتو بقيمة مليار يورو، الذي يركز على تقنيات الاستخدام المزدوج.

كما أبدت رؤوس الأموال الخاصة رغبتها في متابعة الفرص في تكنولوجيا الدفاع، وقد لوحظ أن الاستثمارات في هذه التقنيات من قبل رأس المال المغامر قد تجاوزت النمو العام في الإنفاق على المشاريع بين عامي 2019 و2024. وفي الوقت نفسه، قامت شركات الدفاع التقليدية بزيادة صناديقها الاستثمارية المؤسسية للوصول إلى التقنيات الناشئة.

شركة “أندوريل Anduril

لقد أثبتت شركة “أندوريل” أن الشركة الناشئة الشابة يمكنها التفوق على الأسماء الراسخة في الفوز بعقود دفاعية مربحة. تركز “أندوريل” على مجالات رئيسية مثل البرمجيات، وأمن الحدود والقواعد، والمركبات الجوية والبحرية غير المأهولة. جميع منتجات “أندوريل” تستخدم نظام التشغيل المدعوم بالذكاء الاصطناعي “لاتيس”، الذي يدمج المعلومات من أجهزة الاستشعار ومصادر البيانات لتمكين القادة على الأرض من اتخاذ قرارات مستنيرة. وبفضل الدعم المالي الكبير، تُعد الشركة واحدة من أسرع الشركات نموًا في قطاع الدفاع اليوم.

ومن بين العديد من المنتجات الجديدة المثيرة للاهتمام، يأتي طراز “بولت-إم” من “أندوريل”، الذي سيتم تزويد به مشاة البحرية الأمريكية: وهي نسخة أمريكية متطورة من الطائرات المسيّرة الانتحارية FPV التي تم نشرها من قبل أوكرانيا وروسيا.

في أوكرانيا، يتم تجميع مثل هذه الطائرات في كثير من الأحيان على موائد المطبخ من مكونات تجارية صينية. ورغم بساطتها، فإنها تعتبر محركات فعّالة للتدمير، وبسعر حوالي 500 دولار لكل طائرة، فإنها تدمر الدبابات والمدفعية والشاحنات والمخابئ بمعدل عالٍ.

وكانت شركة أندوريل واحدة من شركتين، إلى جانب شركة جنرال أتوميكس للمقاولات الدفاعية الراسخة، تم اختيارهما لوضع نموذج أولي لنوع جديد من الطائرات المقاتلة ذاتية التشغيل تسمى الطائرات القتالية التعاونية، أو CCA، للقوات الجوية والبحرية الأمريكية. وقد تم اختيار أندوريل قبل مجموعة مما يطلق عليه مصطلح “الشركات الدفاعية الأساسية” – بوينج، ولوكهيد مارتن، ونورثروب جرومان.

شركة “شيلد Shield AI

رسخت شركة الدفاع “Shield AI” مكانتها في طليعة الشركات الناشئة، معتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي المستقلة لتعزيز القدرات العسكرية، وقد طورت الشركة مجموعة من الطائرات الرباعية المسيرات، التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لمسح المباني بفعالية بحثًا عن التهديدات. كما طورت طائرة أكبر تعرف باسم “V-BAT”، تتميز بقدرتها على الإقلاع العمودي، والتحول إلى الطيران الأمامي، والعمل كجزء من فريق طائرات متكاملة تعمل بنظام السرب الآلي. وتؤكد الشركة أن تقنيتها تتميز بالمرونة العالية، إذ يمكن تطبيقها على منصات مختلفة بشكل مستقل عن المعدات الخاصة بالشركة، مما يجعلها قابلة للتوسع والاستخدام على نطاق واسع في أنظمة متنوعة.

وأعلنت الشركة مطلع الشهر الحالي عن شراكة استراتيجية مع شركة الدفاع الهندية JSW Defence Pvt. Ltd. لبناء أنظمة المسيرات V-BAT من Shield في الهند، مع تصنيع مكونات الطائرات بدون طيار في الهند أيضًا.ستشهد الشراكة استثمار مجموعة JSW 90 مليون دولار على مدار العامين المقبلين. وسيتم إنفاق 65 مليون دولار على مدار أول 12 شهرًا لإنشاء “برنامج الامتثال العالمي” لشركة JSW، وبناء منشأة تصنيع لضمان الترخيص التكنولوجي المناسب، وتدريب القوى العاملة.

وفي النهاية أصبحت التكنولوجيا الموجهة نحو الدفاع مكونًا حيويًا ودائمًا للصراعات الجيوسياسية. ومازالت الشركات الناشئة لا تعمل فقط على إحداث ثورة في التكنولوجيا العسكرية فحسب، بل أيضًا على إعادة تشكيل مشهد المشتريات الدفاعية والاستثمار فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى