أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخميس 20 نوفمبر 2024 مذكرات توقيف بحق” نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي، و “يوآف غالانت” وزير الدفاع الإسرائيلي السابق في مجلس الحرب، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب في غزة، ومذكرة توقيف أخرى بحق “إبراهيم المصري” والمشهور باسم “محمد الضيف” القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”، وبارتكابه جريمة القتل الجماعي خلال هجوم السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل، وقد دعا “كريم خان” المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الدول الأعضاء في المحكمة، والبالغ عددها 124 بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف، ومن حيث المبدأ، من شأن قرار المحكمة أن يقيّد تنقّلات “نتنياهو” إذ يتوجّب على أي من الدول الأعضاء في هذه الهيئة توقيفه في حال دخوله أراضيها، وأكدت المحكمة أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة “غير ضروري”، بسبب “وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب”، حيث استخدما التجويع كسلاح ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، إلى جانب الحرب والقتل والاضطهاد و غيرها من الأفعال غير الإنسانية.
أهمية القرار:
قرار المحكمة يحمل في طياته عناصر قانونية غاية في الأهمية، فهو يتسم بأنه غير قابل للاستئناف، ونهائي ولا يمكن الطعن فيه وفق مواد نظام اتفاقية روما المنشئة للمحكمة، إلا في حالة مثول المتهمين أمام المحكمة، وهذا مستبعد، كما يعد إصدار هذا القرار من قبل المحكمة بمثابة اختبار حقيقي لمصداقية واستقلالية المحكمة، لاسيما بعد اتهام “كريم خان” المدعي العام بالمحكمة بسوء السلوك الجنسي.
ردود الأفعال على إصدار الجنائية الدولية مذكرات الاعتقال:
تباينت ردود الأفعال الدولية حول مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، فقد أصدر الرئيس “بايدن” بيانًا أكد فيه القرار معاد للسامية، وأن إسرائيل لا يمكن أن تتساوى مع حماس، في رفض قاطع لقرار المحكمة، وفي السياق ذاته أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أنها لا تملك تقييمًا قانونيًا لما يحدث في غزة، ولكنها ترفض وبشدة قرار المحكمة الجنائية الدولية، كما أيد مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض رفض القرار، وذكر “ليندسي جراهام” السيناتور الجمهوري ، الحليف المقرب للرئيس المنتخب “دونالد ترامب” إن “المحكمة مزحة خطيرة، وحان الوقت لمجلس الشيوخ الأميركي للتحرك ومعاقبة هذه الهيئة غير المسؤولة”، ويذكر أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوتين بالمحكمة، ولن تستجيبا للتنفيذ، وأن واشنطن لا تملك أي تأثير على المحكمة كونها مستقلة، ولكنهما تحاولان التأثير بشكل أو بآخر على بعض الدول الأعضاء في المحكمة.
أما رد كل من بريطانيا وفرنسا فلم يكن حاسمًا وانطوى على الامتعاض الضمني من القرار، فرئاسة الوزراء ببريطانيا أكدت أنها تحترم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية، ومع ذلك، فإنه لا يوجد “تكافؤ أخلاقي بين إسرائيل والديمقراطية وحماس وحزب الله اللبناني، فهما منظمتان إرهابيتان”، وكذلك أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن رد الفعل الفرنسي سيكون “متماشياً مع قوانين المحكمة الجنائية الدولية” لكنها رفضت أن توضح قرار باريس بشأن اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى البلاد، متذرعة بـ”أنها نقطة معقدة من الناحية القانونية”.
وفي المقابل أكدت كل من إيطاليا وهولندا وسويسرا والسويد احترامهم لقرار المحكمة، وضرورة التعاون معها، وقد رحب “محمود عباس” الرئيس الفلسطيني بالخطوة الشجاعة، وأكد أن هذا القرار يُعد انتصاراً للعدالة الدولية ولحقوق الإنسان، وجاءت الردود العربية والإسلامية مرحبة بقرار المحكمة.
تداعيات القرار:
- من المقرر أن يشل القرار تحركات المسئولين الإسرائيليين، في الدول الموقعة على تنفيذ المذكرة، خاصة مع وجود مواقف إيجابية من عدة دول أوروبية، وهذا يجعل إسرائيل في مأزق، ويحرجها دوليًا، لاسيما أن القرار لا يسقط بالتقادم ولا توقفه الحصانة، ويعتبر إدانة غير مباشرة بشأن ارتكاب جرائم حرب، كما يضعف القرار المركز القانوني والدبلوماسي لإسرائيل في منظمات المجتمع الدولي، ويعطي زخمًا لدعوات مساءلتها من قبل الهيئات والمنظمات الدولية.
- تصعيداً دراماتيكياً للإجراءات القانونية، ومن المرجح أن تزيد من عزلة إسرائيل وتعرقل الجهود المبذولة للتفاوض على وقف إطلاق النار لإنهاء الصراع.
- انتصار أخلاقي للقضية الفلسطينية، وزيادة الضغط الدولي على إسرائيل، إلى جانب أنه يدعم تحركات بعض الدول لوقف تصدير السلاح إليها وربما مقاطعتها.
- الحد من سردية ما ترتكبه إسرائيل ضد المدنيين من جرائم بحجة الدفاع عن النفس.
- دعم قضية جنوب أفريقيا التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاق منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في حربها بغزة.
السيناريو المرجح:
لن يؤدي قرار المحكمة الجنائية الدولية بالضرورة إلى اعتقال “نتنياهو” و”غالانت”، لاسيما في الدول الحليفة لإسرائيل التي عبرت عن عدم قبولها لهذا القرار ضمنيًا أو بشكل صريح، ولكنه من المتوقع أن يسبب هذا الحرج لهذه الدول، خاصة إن كانت عضوًا في المحكمة إن لم تنفذ قرار الأخيرة بالتوقيف، ومن ناحية أخرى فإنه من المتوقع أن تتحايل إسرائيل وحلفاؤها على قرار المحكمة، لاسيما مع تقديمها يوم الجمعة 22/11/2024 طعنًا رسميًا في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية القضائي، وفي شرعية طلبات المدعي العام إصدار مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، ناهيك عن أن قواعد المحكمة تسمح لمجلس الأمن بتبني قرار إيقاف أو تأجيل تحقيق أو ملاحقة قضائية لمدة عام، مع إمكانية تجديده سنوياً، وبعد صدور مذكرة اعتقال يمكن للبلد المعني أو الشخص المستهدف أن يطعن في اختصاص المحكمة، أو في ما إذا كانت الدعوى مستوفية للشروط القانونية، ويزيد من هذا السيناريو تضافر عدد من الظروف السياسية الدولية، على رأسها وصول “ترامب” لرأس السلطة في الولايات المتحدة مرة أخرى، ولا تخفى علاقته الوطيدة بنتنياهو واستعداده لتقديم الدعم اللازم له .