ندوات

القضية الكردية والتطورات الإقليمية في الشرق الأوسط.. ندوة جديدة بمركز آتون

عقد مركز آتون للدراسات، أمس الأربعاء، حلقة نقاشية جديدة تحت عنوان: القضية الكردية والتطورات الإقليمية في الشرق الأوسط، وسط حضور واسع لعدد من الكتاب والصحفيين والسياسين والمثقفين، جرى خلالها مناقشة عديد من الزوايا المهمة للملف الكردي لا سيما في ظل الظروف الحساسة والتحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة في الوقت الحالي.

أدارت الندوة الدكتورة سحر حسن أحمد الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر بمركز تاريخ مصر الحديث والمعاصر بدار الكتب والوثائق القومية المصرية، والتي ضمت متحدثين، هما الدكتور طه علي أحمد الباحث السياسي والذي لديه العديد من الكتابات في الشؤون الكردية والأمازيغية، والدكتور علي ثابت الباحث في علم التاريخ وله كذلك العديد من الكتابات المتخصصة في الملف الكردي.

بارقة أمل

وفي مستهل الندوة، رحبت الدكتورة سحر حسن أحمد بالحضور الكرام، مشيرة إلى أننا بصدد الحديث عن موضوع في غاية الأهمية ويشغل مساحة من النقاشات وهو القضية الكردية في ظل التطورات الإقليمية، حيث تسير القضية الكردية بين مسارات التاريخ بحثاً عن هوية تتجاوز الحدود المرسومة وحلماً يتحرر من قيود القومية التقليدية، وقضية شعب يكتب تاريخه عبر المقاومة والصمود.

وأضافت أن المصائر الكردية تتداخل مع مصائر الشعوب الأخرى في الشرق مترامي الأطراف، وفي ظل هذه التحديات يظهر مفهوم الأمة الديمقراطية، كبارقة أمل تدعو إلى خلق عالم جديد، كمفهوم يتجاوز القومية إلى أفق أوسع من العدل والشراكة، وقد شكل نقطة جوهرية من الوعي السياسي الكردي وفي إعادة تعريف الأحزاب السياسية الكردية ومواقفها في مواجهة الواقع المتغير.

ونوهت الدكتور سحر حسن أحمد إلى أن موضوع الندوة يغوص في أعماق هذه التحولات، وتقدم فصلاً من تاريخ القضية الكردية، وسبر غور التحديات التي تواجه الأحزاب الكردية في ظل هذه الرؤية الجديدة، وللتعرف على طموحات الأمة الكردية التي تطمح في أن تكون أمة ديمقراطية تتسع للجميع، ثم قدمت عرضاً موجزاً عن ضيفي الندوة، وما قدماه من دراسات وكتابات ذات صلة بملف القضية الكردية والأوضاع في الشرق الأوسط.

القضية الكردية “ابنة التاريخ”

انتقلت الكلمة إلى الدكتور طه علي أحمد الذي أكد أنه لا يمكن دراسة القضية الكردية دون التاريخ، فهي “ابنة التاريخ”، والتاريخ هنا يبعث العديد من الرسائل بشأن تلك القضية المهمة، التي خلقها لنا الاستعمار في الشرق الأوسط لتبقى تؤرقه، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت بيئة الشرق الأوسط حاضنة للاستعمار وسهلت عليه مهمته.

وأضاف أن التاريخ هنا يكشف لنا أن سمات الشعب الكردي كانت عنصراً سهل للاستعمار مهمته، والتي كان أولها القبلية والعشائرية، التي لعب دوراً كبيراً في تسهيل كثير من السياسات الاستعمارية، وهنا يضرب مثالاً بالألوية الحميدية أو الفرسان الحميدية التي ابتكرها السلطان عبالحميد الثاني للسيطرة على الشرق الأوسط، إما بغرض السيطرة على المكونات الكردية، لأنه في لحظة من اللحظات كان لدينا وعياً لدى الكرد بقضيتهم، وبالتالي كان لا بد من ضرب ذلك الوعي.

وقال إنه لهذا لعب السلطان عبدالحميد الثاني على فكرة العشائرية في المجتمع الكردي، فميز بعض النخب العشائرية على حساب أخرى، وبالتالي هذه الطبيعة وقفت كممهد للسياسات الاستعمارية ممثلاً في العثمانيين، ثم يؤكد أن أحد عثرات تحول العقل الكردي نحو وضع أفضل، هي فكرة العشائرية، مشيراً إلى أنه حتى الكيان الذي ولد في شمال العراق ظل عشائرياً، وبالتالي العشائرية أكبر حجر عثرة أمام تطور العقل الكردي.

كتلة واحدة؟

ثم تساءل الدكتور طه علي هل القضية الكردية مسار واحد؟، ويجيب أنه درس الأمازيع ولا يمكن القول إنهم كتلة واحدة، وكذلك الكرد ليسوا كتلة واحدة وكل منهم له رؤيته وتوجهاته، ومن هنا نجد على سبيل المثال أن غياب الرؤية الشاملة والاستراتيجية الموحدة، إشكالية تواجه الكرد، نتيجة غياب العقل الجمعي للكرد.

واعتبر الباحث السياسي أنه لهذا كان سهلاً أمام تركيا التدخل واستقطاب طرف على حساب الآخر من الأطراف الكردية، وتدخل إسرائيل وتدعم طرف على حساب آخر لتحقيق سياساتها في المنطقة، مشيراً كذلك إلى أن عدم وجود صوت كردي موحد ارتبط كذلك بمسألة العشائرية.

مرحلة انتقالية

ثم يقول الدكتور طه علي إن القضية الكردية مرت بمرحلة انتقالية مهمة في فترة السبعينات، حيث رافقها ظهور القائد عبدالله أوجلان، الذي قرأ المشهد بشكل جيد، وكان لديه سمتين لعبتا دوراً رئيسياً في إنتاج مشروعه الأمة الديمقراطية، أولها أنه درس وقرأ التاريخ وهو مفكر غاص في عمق التاريخ فاستطاع قراءة الواقع، والسمة الثانية أنه شخص نضالي وحركي، وهذا وضح من سيرته وانخراطه في أكثر من تنظيم وتأسيس بعضها، كما أنه تأثر بالماركسية وتوافرت لديه الرؤية النقدية، ولهذا تميز بأنه تخطى النطاقات الفكرية والحركية التقليدية التي كانت سائدة.

ويلفت إلى أن أوجلان أخضع الظواهر للتحليل وعاد لعشرات السنين في عمق التاريخ، ليصل في نهاية المطاف إلى أن البشرية لحقت بها العديد من الرذائل والآفات التي تنامت مع الحداثة الرأسمالية مثل الملاوعة والمكر والخداع، فكان من قراءة التاريخ يدرس تطور البشرية، ورأى أن الحداثة والانتقال من مربع إلى مربع يبدو سطحياً حداثة، لكنه في واقع الأمر اختفاء للقيم الأصلية المعبرة التي كانت سائدة في العصر الأمومي.

الدولة القومية

تطرق كذلك الدكتور طه على إلى مفهوم الأمة الديمقراطية ورؤية المفكر عبدالله أوجلان له، فهي بالنسبة له شر أعظم خلفته الحداثة والرأسمالية، وبالتالي رأى أن الأولوية محاربة فكرة الدولة القومية قبل الاستعمار، خاصة أنها تقوم على نموذج الدمج الطائفي الإقصائي، وقد لعب الاستعمار دوراً كبيراً في هذه المسألة.

وأوضح أن هذا الدعم جعل بعض الجماعات في الشرق الأوسط تفرض نمطاً قيمياً معيناً، ولهذا شهدت الدول التي حصلت على الاستقلال أزمات عديدة، من خلال التعريب في بعض الدول وتم إغفال التاريخ غير العربي أو المكون غير العربي، وكذلك التفريس في مناطق الفرس، وأيضاً التتريك في مناطق تركيا.

ويقول إنه بالتالي كانت فترة السبعينات شاهدة على تحولات كبيرة مثل انتشار الاشتراكية في المنطقة والحرب في لبنان والانتفاضة الفلسطينية، وهذه الأمور شكلت النطاق الفكري لأوجلان، ومن ثم ظهر تشكيل حزب العمال الكردستاني كأحد مراحل تطور العقل الكردي من النطاق العشائري إلى النطاق المنظم، حيث أصبح لدى الكرد حزباً لا يقوم على النطاق العشائري.

مبادرة جديدة؟

تطرق الدكتور طه علي إلى الفترة الأخيرة وتحديداً تصريحات زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشالي، فيقول إن الدولة التركية تعاملت مع الكرد بأسلوب طائفي، وهي الدولة التي تعاملت مع حزب العمال الكردستاني كشر مطلق، وهي التي وحدت بينه وبين الإرهاب، رغم أن أوجلان أبدى مرونة في 2013 تقوم على فكرة الحل الديمقراطي وأن القضية الكردية يمكن استيعابها في إطار ديمقراطي وسياسي.

أما بخصوص مبادرة دولت بهتشالي، يقول الدكتور طه علي إنه يصعب عليه أن يتصور أن شخصاً مثل زعيم الحركة القومية الأشد تطرفاً في التعاطي مع القضية الكردية، الذي وصل إلى درجة المطالبة بتصفية أوجلان أن ينادي بحل للقضية، معتبراً أنها مناورة تعبر عن منعطف ومأزق تاريخي تمر به الدولة التركية.

الحداثة الرأسمالية

انتقلت الكلمة إلى بعد ذلك إلى الدكتور علي ثابت الباحث في التاريخ، والذي أعرب عن سعادته لتواجده في مركز آتون ومناقشة موضوع الندوة، التي تأتي تزامناً مع الذكرى 46 لميلاد حزب العمال الكردستاني، قائلاً إنه حزب “قام قيامة وطنية” على يد المفكر والقائد عبدالله أوجلان و5 من رفاقه في هذا التوقيت، منوهاً إلى أن ملاحقة أنصار الحداثة الرأسمالية كانت شديدة للغاية وكذلك من الدولة التركية، إلا أنه استطاع عام 1978 إعلان نشأة الحزب وبدء نضاله.

وخصص ثابت حديثه عن فكرة الحداثة الرأسمالية التي جعلت الأحزاب السياسية أداة بيد الدولة القومية من ناحية للسيطرة على مقومات الدولة، ومن ناحية أداة لتمزيقها إذا خرجت عن الإطار المرسوم من المنظومة الدولية الحاكمة، الممتدة منذ 1916 أي ما بعد “سايكس-بيكو”، معرباً عن أسفه إلى أن تنوع هذه المنظومات خلقت صراعات بين أحزاب المنطقة.

وأشار الباحث في التاريخ إلى مصلطح الثورة المضادة الذي طرحه أوجلان، والتي قال إنها تشكلت من قبل أصحاب المصالح المضادة للمنطقة، والتي تسود العالم منذ سايكس-بيكو، وعملت على التفرقة، وأحلت الحضارة الغربية في الشرق الأوسط ما أدخل المنطقة في تيه واسع، جعل كل شعب أو مجتمع يقاتل من أجل حدود لم تكن موجودة من قبل.

معالجة الأمراض الفكرية

يقول الدكتور علي ثابت كذلك إنه عندما أعلن أوجلان قيام الحزب كان يريد تجميع أجزاء كردستان الأربعة التي أفقدها الفكر القومي فاعليته، إلا أن مفهوم الحزب في إطار الأمة الديمقراطية بالأساس يعالج الأمراض الفكرية داخل المجتمعات والشرق الأوسط وما يستنزفها ويسلبها مواردها.

ويقول ثابت إنه في 27 نوفمبر من كل عام تحل الذكرى التأسيسية لحزب العمال الكردستاني الذي قاد ثورة ذهنية حقيقية في الشرق الأوسط بفلسفته وأفكاره في مواجهة المدرسة الاستشراقية التي دخلت المنطقة وأحلت الثقافة الغربية، فتبنى أفكاراً ديمقراطية على أساس وعي حقيقي وقراءة للتاريخ تهدف إلى إعادة المنطقة إلى سابق عهدها.

إحياء الأمة الكردية

يقول ثابت كذلك إن أوجلان هدف إلى إعادة إحياء الأمة الكردية، مؤكداً أهمية المرأة التي أصبحت أساساً للحزب، كما رفض الهجوم الإمبريالي الذي يسلب وينهب الطبيعة ويدمرها وهو مفهوم الحياة الإيكولوجية في فكره، كما أنه عمل على تعزيز فكرة الفرد الحر عبر الكومونات الديمقراطية، موضحاً أن فكر الحزب وإن كان موجهاً في فلسفته بالكامل للشعب الكردي، وبالتالي لا يميل للتعددية الحزبية لأنها تفتت الجهود، إلا أنه يقيم تعددية داخلية تقوم على المرأة والكومونات والفرد الحر، مشيراً إلى أن المرأة في الحزب تحظى بدعم كبير وقد حاربت جميع أشكال العبودية.

وأكد أن حزب العمال الكردستاني تطوري فكري كبير في القضية الكردية، وحتى لما نجحت مؤامرة اعتقال عبدالله أوجلان، فإنها أعلت من شأن القضية خصوصاً من خلال فترة وجوده في إمرالي والمطالبات المستمرة له بالحرية الجسدية، داعياً إلى أن تتكاتف الجهود الشعبية في الشرق الأوسط لتحرير جسد أوجلان وفتح حوار مع الكرد وحل القضية الكردية.

عقب ذلك استمع المتحدثان الرئيسيان إلى مداخلات من الحضور، إحداهما للسيدة ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر التي أكدت أن العشائرية الكردية رغم بعض سلبياتها إلا أنها لعبت دوراً في الحفاظ على الهوية الكردية، وكذلك الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث الذي أشار إلى أن الطبيعة الجغرافية لمناطق الكرد لعبت دوراً كبيراً في التحولات التي تشهدها الشعوب الكردية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى