معركة حلب: تمدد النفوذ والمصالح الخفية والإرهاب تحت غطاء الردع
تحليل: الباحث السياسي/ محمد صابر
يشكل هجوم “هيئة تحرير الشام” على الجيش السوري في حلب نقطة انطلاق جديدة للتصعيد في الملف السوري، حيث أسفر الهجوم عن سيطرة الهيئة على أجزاء واسعة من المدينة ومن أهمها الطريق الدولي “m5“، الذي يربط حلب بدمشق، وهو ما يشكل تهديد خطير بالبلاد، وإعادة انتشار وإحياء الإرهاب، وله تداعياته المتعددة بمختلف أبعادها، خاصًة بعد انسحاب القوات السورية، وتدخل روسيا.
ذلك الهجوم الذي شنته الهيئة(جبهة النصرة) والفصائل الموالية لتركيا(الجيش الوطني السوري) في 27 نوفمبر المنقضي لم يكن مجرد حدث عسكري عابر، بل أنه نتاج لتركامات سياسية وعسكرية شديدة التعقيد، وأجندات دولية وإقليمية، فلم يكن مفاجئًا بقدر ما قدمته الظروف الإقليمية وعامل الوقت من فرص النجاح لدى فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، مع استغلال انشغال موسكو في الأزمة الأوكرانية، وإيران وحزب اللله بالتطورات على جبهات لبنان وفلسطين، كما أنها أضعفت قدرة الحكومة السورية على مواجهة التهديدات، مما أسهم في حدوث حالة فراغ ميداني في حلب، وسمح لهيئة تحرير الشام بالتحرك بسرعة ومرونة على الأرض، بل أن ما حدث بالأساس قد يمكن اعتباره امتداد لحرب غزة ولبنان، ونتاج مخطط أمريكي إسرائيلي تركي لتقسيم سوريا، بما يهدد الأمن القومي العربي لاكتساب التكفيريين والإخوان معنويات من جبهة النصرة في فرص العودة من جديد.
حيث استغلت هيئة تحرير الشام الظروف الإقليمية والدولية، وبدأت بالضغط مستغلة الفراغ الميداني في حلب، الذي أفرزه انشغال طهران في لبنان وغزة، وتحويل بعض مواردها العسكرية لدعم حرب الله، وشنت الهيئة الهجوم على حلب، بعد يوم من وقف إطلاق النار في لبنان، كما استطاعت السيطرة على أجزاء كبيرة من المدينة، مما يستدعي البحث في التطورات الأخيرة، ومخاطرها بمختلف الأبعاد، على سوريا من جهة، وعلى المستويين الإقليمي والدولي من جهة أخرى.
تطورات حادة:
كان الهجوم على حلب خطوة استراتيجية من هيئة تحرير الشام لإعادة رسم خطوط التماس مع مواقع سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية، فمن بداية العام الجاري، أظهرت الفصائل استعدادها للتمدد نحو مناطق جديدة في الشمال السوري، يبدو أنها كانت تمهيدًا للهجوم الأكبر الذي استهدف السيطرة على مناطق استراتيجية واسعة في مدينة حلب.
ويُعَد نجاح هيئة تحرير الشام في السيطرة على الطريق الدولي “M5” الذي يربط مدينتي دمشق وحلب، بمثابة ضربة قاسية للحكومة السورية، لأنه كان نقطة اتصال أساسية بين مختلف مناطق الدولة التي تقع تحت سيطرتها، وقد سيطرت الهيئة على نحو نصف مدينة حلب في وقت قياسي، مما يعبر عن انكشاف النظام في المدينة وضعف قدراته على التصدي لهذا التوسع، الذي قد يحفذ الجماعات الإرهابية والمتطرفة على اتخاذ خطوات تصعيدية، وفرص لتنظيمات مثل “داعش” للتحرك بمرونة أكبر.
من جهة أخرى، يمكن القول أن الملاحظة الأبرز في هذا الهجوم هي هشاشة الموقف العسكري للجيش السوري في حلب، واعتماد دمشق على الدعم الروسي في ساحة المعركة، خاصًة في المجال الجوي، لكن العمليات الجوية الروسية لم تكن كافية لردع هجوم الهيئة، خصوصًا في ظل غياب الدعم الأرضي الكافي من الميليشيات الموالية لإيران، لانشغال طهران في الجبهات الأخرى ولاسيما لبنان وغزة، وهو ما أظهر حالة العجز العسكري للجيش السوري، وضعف التنسيق بين القوات التيتقدم الدعم للحكومة السورية، وتزايد حدة الاستياء داخل صفوف بعض المجموعات العسكرية الموالية للنظام، والتي بدأت بتراجع دورها في المعركة ضد المعارضة، مما يسهم في تفاقم الأوضاع على الصعيد الميداني في شمال سوريا. وكما أن الملاحظة قدرت هذه المجاميع الإرهابية ووجود منظومة تقنية وأسلحة متطورة لديها.
وكان من أخطر تداعيات هذا الهجوم تهجير حوالي 200 ألف كردي من مدينة حلب، من المهجرين من عفرين، وهذا جانب مهم في هذه الحرب تسعى لها تركيا في ظل سياسة الإبادة ضد المكون الكردي في سوريا، مما يشكل أزمة إنسانية شديدة الخطورة، بما يعكس الضغوط العسكرية في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، ويعزز مخاوف سياسة التهجير ومحاولة فرض تغييرات ديمغرافية، بما يهدد بتوترات بين مختلف المكونات السورية، في ظل حدة الهجوم على الهوية الكردية، ودعم أنقرة لهذه السياسات والعمليات، الذي ينجم عنه توتر الأوضاع في الشمال السوري، ومضاعفة تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في سوريا.
دوافع الهجوم:
تعتبر هيئة تحرير الشام أن الهجوم الذي نفذته على مدينة حلب يأتي في سياق الرد على العدوان المشترك من روسيا والحكومة السورية في أكتوبر 2024 ضد فصائلها في إدلب، وفي جزء منه كان أيضًا لاستعادة المبادرة والرد على التصعيد العسكري ضدها، ومع ذلك فإن الهجوم على حلب سمثل رسالة سياسية وعسكرية قوية إلى الحكومة الورية وحلفائها الداعمين لها روسيا وإيران.
بالتالي، فإن هناك رغبة واضحة لدى الهيئة في استباق أي تحولات في مواقف القوى الإقليمية والدولية تجاه الأزمة السورية، ففي ضوء التقارب المحتمل بين سوريا وتركيا، وتحركات روسيا في الأزمة الأوكرانية، تسعى الهيئة لتأكيد وجودها كلاعب رئيسي في المعادلة السورية، ولذلك تقوم بتوجيه ضربات مباشرة للنظام والميليشيات الإيرانية في حلب، لإبراز دورها كطرف أساسي يمكن أن يساهم في أي تسوية سياسية قادمة، وفي هذا الإطار يمكن توضيح دوافع هجوم الهيئة وفصائل المعارضة على حلب على النحو التالي:
(*) السيطرة على مناطق استراتيجية: أن حلب مدينة استراتيجية في سوريا بسبب موقعها الجغرافي كمركز اقتصادي وتجاري هام، وهي نقطة الوصل بين مختلف مناطق البلاد، وبالسيطرة عليها تتحكم هذه الفصائل في الطرق التجارية والموارد الطبيعية والممرات الإنسانية واللوجستية.
(*) إضعاف الحكومة السورية: يستهدف الهجوم بدرجة أولى محاولة إضعاف النظام السوري وحلفائه، خاصًة روسيا وإيران، بعد أن تمكن الأسد من استعادة السيطرة عليها في عام 2016 بعد معركة طويلة، وبالتالي يشكل الهجوم محاولة لاستعادة نفوذ المعارضة وإضعاف نفوذ النظام.
(*) التأثير في المجريات السياسية: تمثل معركة حلب نقطة انطلاق الصراع السياسي الأكبر في سوريا، باعتبارها خطوة نحو تغيير موازين القوى في سوريا وتقوية موقف الهيئة وفصائل المعارضة السورية على طاولة المفاوضات، وزيادة النفوذ في أية مفاوضات محتملة بشان مستقبل سوريا.
(*) تحقيق مكاسب دعائية وإعلامية: الهجوم على حلب حدث إعلامي هام في الصراع السوري، ويمكن أن يكون بمثابة رسالة إعلامية لإظهار قوة هيئة تحرير الشام أو فصائل المعارضة، وأنهم مازالوا يشكلون تهديدًا كبيرًا للنظام، والتعويل على تمسكهم بالمسار الثوري والتأكيد على المواقف الثورية، لإحياء أمل الثورة ورفض الاستسلام للواقع الحالي.
(*) تحقيق مكاسب اقتصادية: تشكل حلب مركزًا صناعيًا وتجاريًا هامًا في سوريا، ومن يسيطر عليها يهيمن على الكثير من المصانع وأسواق النفط والموارد التي كانت تمثل مصدرًا هامًا للتمويل.
ولتركيا أيضًا دور كبير في الصراع حول حلب ودعم فصائل المعارضة والهيئة، فهي لاعب رئيسي في النزاع السوري، وقد تدخلت بشكل مباشر في العديد من المعارك، لما في ذلك تلك التي تدور في حلب، وهناك دوافع عديدة لدى تركيا في دعمها للمعارضة والهيئة بهجوم حلب، ومن أهمها ما يلي:
(*) إنهاء الوجود الكردي في شمال سوريا: تعارض تركيا بشدة أي تطور يؤدي إلى نجاح الكرد في بناء أي كيانية لهم سوريا، أو تعزيز قوة “وحدات حماية الشعب الكردي”، تحت ذريعة أنها تعتبر قوات سوريا الديمقراطية تشكل تهديدًا للأمن التركي، وبالتالي ترغب تركيا بالأساس في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة لمنع هذه التهديدات حسب قولها.لتقويض الطموحات الكردية وفرض الوجود العسكري، من أجل تقليل قدرة الكرد على تشكيل منطقة حكم ذاتي.
(*) تعزيز النفوذ الإقليمي: تعتبر تركيا أن وجودها في سوريا هو جزء من سعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي، بما يسمح لها للتأثيرعلى نتائج الصراعات الإقليمية، وتوجيه التطورات السياسية والعسكرية بما يتناسب مع مصالحها، وفي دعمها للفصائل بهجوم حلب تعزيز لقدراتها على اللعب كلاعب رئيسي في مستقبل سوريا، سواء عبر النفوذ المباشر أو التأثير على الحلول السياسية.
(*) الضغط على الحكومة السورية وحلفائها: دعم هجوم حلب بأتي كوسيلة للضغط على النظام السوري وحلفائه مثل روسيا وإيران، بتعزيز النفوذ في حلب، واستغلال انشغال الأطراف الداعمة للجيش السوري عن الملف السوري، وبالتالي التمكن من فرض شروط تركيا في أي مفاوضات سياسية مستقبلية حول مصير سوريا، وزيادة دورها في أي تسوية سلمية محتملة، خاصًة بعد أن أظهرت دمشق وحلفاؤها مرونة في التعامل مع القوى الكبرى في المنطقة، وفرض أنقرة نفسها كطرف رئيسي في التفاوض حول سوريا.
(*) أهمية حلب الإستراتيجية: تعتبر حلب ذات أهمية استراتيجية لتركيا، كونها نقطة ربط حيوية بين الشرق الأوسط وتركيا، بما يعزز دور أنقرة في التجارة الإقليمية والسيطرة على طرق النقل الرئيسية، كما أن حلب تمثل ساحة لصراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية المشاركة في الصراع السوري، وبالتالي هيمنة الفصائل عليها تجل لتركيا دور أكبر في التنسيق الأوضاع بحلب والتوازنات السياسية في المنطقة.
مواقف عديدة:
جاءت هذه التطورات في وقت حساس على المستويين الإقليمي والدولي، وقد تزامنت زيارة الرئيس السوري “بشار الأسد” إلى روسيا في 28 نوفمبر المنقضي مع الهجوم على حلب، بما يعكس مساعي الحكومة السورية لإعادة ترتيب أوراق التعاون مع موسكو، وهناك حالة من الحذر تسود الموقف في سوريا، خاصًة في ظل محدودية الخيارات المتاحة لدى الأطراف، وفي إطار المواقف الدولية بشأن الهجوم على حلب، يمكن تقسيم أهم ردود الفعل على النحو التالي:
(*) الحكومة السورية: في إطار التطورات العسكرية نفذ الجيش السوري إخلاء العديد من المناطق الحيوية في المدينة، مما شكل العامل الرئيسي لنجاح الفصائل في السيطرة على حلب، لكن الحكومة السورية أكدت أن هذا الانسحاب لم يكن نتيجة الضعف أو الهزيمة، بل أنه “انسحابًا تكتيكيًا”، لإعادة تنظيم القوات وتنسيق الرد بشكل أفضل، وهو ما يتماشى مع تصريحات “الأسد” بشأن إعادة الانتشار وترتيب خطوط الدفاع، ومع ذلك يثير الانسحاب تساؤلات عديدة حول فعالية واستعداد الجيش السوري لمواجهة هجمات مفاجئة من هذا النوع، وفي كل الاحوال يمكن أن يُفهم الانسحاب السوري في سياق التنسيق مع الحلفاء، حيث قد يكون الهدف هو تجنب الاصطدام المباشر في مرحلة حساسة من الصراع، والاستعداد لمرحلة أكثر تنسيقًا للرد على الهجوم، إلا أن الفرضية الأكثر ترجيحًا هي أن الانسحاب لم يكن مجرد خيار تكتيكي، بل أنه نتيجة لانهيار الخطوط الأمامية بسبب ضعف التحصينات أو انهيار الروح المعنوية بين بعض الوحدات العسكرية.
(*) قوات سوريا الديمقراطية “قسد “: أعلنت “قسد” التعبئة العامة في مواجهة التصعيد العسكري المتزايد في الشمال السوري، بعد هجوم هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة لحلب، تحسبًا لأي تطورات قد تؤثر على مناطقها في الشمال الشرقي، خصوصًا في ظل الذرائع التركية بشأن وحدات حماية الشعب الكردية، للتدخل في سوريا بدعم الفصائل المعارضة او بشكل مباشر، ولاسيما العمليات العسكرية التي نفذتها سابقًا ضد قوات سوريا الديمقراطية، كما أن هذا الهجوم كان له تداعياته على المجتمع الكردي بشكل خاص، ولاسيما التهجير القسري، الذي تم تنفيذه بحق 200 ألف كردي في مدينة حلب خلال التصعيد العسكري، خاصًة في المناطق ذات الغالبية الكردية بمدينة حلب، مثل حي “الشعار” و”الشيخ مقصود”، مما يشكل جزء من الهجوم على الهوية الكردية في سوريا، ومحاولة تغيير ديمغرافي، قد تستمر في حال تصاعد العنف في حلب ومحيطها، وقد صرح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” بأن فصائل المعارضة قطعت ممرًا إنسانيًا حاولت “قسد” فتجه بين مناطقها وبين حلب وتل رفعت والشهباء، مؤكدًا استمرار العمل على إخراج السكان بأمان، رغم تعرضها إلى هجمات مكثقة من عدة جبهات مع انسحاب الجيش السوري من حلب، .
(*) روسيا وإيران: لم تظهر روسيا الحليف الأبرز للحكومة السورية دورًا فعالًا في إيقاف الهجوم حتى الآن، فلم يتمكن سلاح الجو الروسي من تقديم الدعم الكافي على الأرض، مقارنة بما كان يقدمه في السابق، فقد اكتفت موسكو بشن عارات جوية وصفتها تقارير للمرصد السوري بأنها “شكليسة”، مما يثير القلق حول مدى التزام روسيا بحماية حليفها الاستراتيجي في ظل الظروف الحالية، والتفاهمات الروسية التركية في إطار الأزمة الأوكرانية، أما إيران فلم تقدم أيضًا الدعم الكافي للنظام، بما يطرح تساؤلات أخرى بشأن التخلي عن الدعم المباشر لحليفها “الأسد” في هذه الظروف، لكن زيارة وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي” إلى دمشق تعكس رغبة طهران في الحفاظ على تحالفاتها بالمنطقة، لكنها لا تنفي خيبة الأمل في النتائج السياسية والميدانية للحكومة السورية.
(*) تركيا: تشكل أنقرة بالأساس رقمًا صحيحًا في مسار تطورات الأزمة السورية، كما أنه لا يمكن أن يتم اعتبارها على الحياد إزاء الأحداث في حلب، فهؤ الداعم الأكبر لفصائل المعارضة، وعلى الرغم من تنديدها بالهجوم والإشارة للحاجة إلى التنسيق والعمل المشترك لضمان استقرار الوضع في سوريا، فإن هذا الموقف متناقض، نظرًا لسعيها لتفادي مواجهة مباشرة مع القوات الروسية أو السورية، ويمكن القول ان هدفها الرئيسي حاليًا ضمان التأثير الأكبر في العملية السياسية، وهو ما يتضح جليًا في الاتصالات التي يجريها وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” مع نظيره الروسي “سيرجي لافروف”. ولايخفى على أحد رغبة تركيا في تقسيم سوريا وضمن الشمال أو مناطق الميثاق الملي لتركيا مرة أخرى.
(*)الولايات المتحدة والغرب: كان الموقف الأمريكي واضحًا في تحميل “الأسد” مسؤولية الخسائر في حلب، باعتبار أن السبب في هذا الوضع اعتماد النظام على روسيا وإيران، وقد اسهم الهجوم على حلب في إعادة تفعيل الخطاب الأمريكي ضد النظام السوري، على الرغم من رفضها المعلن للهجوم، بل أنها قد تجد في الهيئة ورقة ضغط على الحكومة السورية، كذلك دعت القوى الأوروبية على رأسها فرنسا لضرورة حماية المدنيين، والتفاوض لحل سياسي ينهي النزاع، رغم تصاعد العنف الواضح في البلاد.
(*) جامعة الدول العربية: أصدرت الجامعة بيانًا بشأن التطورات في حلب، أكد على ضرورة احترام وحدة وسيادة وسلامة الأراضي السورية، وأعرب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة “جمال رشدي” عن انزعاج الأمين العام إزاء التطورات المتلاحقة في سوريا وتأثيرها على المدنيين، ما يفتح المجال أمام فوضى، قد تستغلها الجماعات الإرهابية لاستئناف أنشطتها، بما يعكس التوجهات التقليدية للجامعة العربية في عدم التدخل بشؤون الدول الأعضاء.
ختامًا، يمكن القول أن التطورات الأخيرة في حلب تشكل تحولًا هامًا في مسار الأزمة السورية، مع بروز دور فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، في ظل ضعف قدرة الحكومة السورية على استعادة السيطرة الكاملة، بما يضع قوات سوريا الديمقراطية أيضًا في موقف حرج، أمام ضرورة حماية مصالحها ومواجهة تمدد الميليشيات المدعومة من أنقرة، والحفاظ على استقرار مناطق السيطرة في شمال شرقي البلاد، بل وعمليات التغيير الديمغرافي التي تهدد ذلك الوضع، مما يشير لتعقد الأزمة السورية بدرجة أكبر.
بعد سيطرة وتمدد النصرة أو القاعدة، تشجع الكثير من الجماعات التكفيرية وعلى رأسهم تنظيم الإخوان الإرهابي وداعش وزاد من تحركاتهم، وهنا نحن أمام مرحلة صعبة يشبهه الكثير من المراقبين بسقوط الموصل وما حصل.
ولايزال مستقبل الأزمة السورية غامضًا، لكن هذا الهجوم قد أوضح حقيقة الكثير من الموقف الدولية والإقليمية، ويمكن أن يمهد الطريق لجولات جديدة من الصراع، قد تكون أشد تعقيدًا من التصعيد السابق، فقد يسهم الهجوم في إعادة توزيع القوى على الأرض واشتداد المعارك، ويترك هذا التصعيد مجالًا حقيقيَا للتنظيمات الإرهابية ولا سيما تنظيم “داعش” للاستفادة من مخرجاته، والتحرك بمرونة كبيرة، وفي إطار المخاطر المرتقبة لهذه التطورات وتداعياتها الإنسانية، من المقرر عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة ذلك يوم الثلاثاء 3 من ديسمبر الجاري، وبالأخص مسألة كيفية التعامل مع هيئة تحرير الشام، ما قد يحمل تأثيرًا جديدًا على ديناميكيات الصراع، سواء على الصعيد الميداني أو في خضم التفاوض السياسي مستقبلًا.
من جهة أخرى، قد تبقى هذه الجلسة دون تأثير فعلي فيما يخص الوضع على الأرض، خاصًة في ظل الظروف الدولية وتضارب المصالح، وفي حال عدم توافر تسويات بين القوى الخمس بالأخص صاحبة حق الفيتو بمجلس الأمن، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومن المتوقع أن تبادر العديد من دول المنطقة منها العربية في دعم كل الجهود السورية الساعية إلى كسر القاعدة الإرهابية وتمددها في حلب لما يشكل ذلك من تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة.