إن الحق في الحياة هو مبدأ أخلاقي يستند على الوجود الحقيقي، فطالما وُجد الإنسان على الأرض فله حق الحياة الآمنة والعيش دون خوف أو تسلط أو قتل أوتشريد، ولا يحتاج مفهوم الحق في الحياة للتجديد أو المجادلة على ذلك الحق؛ طالما أن صاحب الحق قد نشأ ووُجِد على الأرض، فهو حق ينشأ بصورة طبيعية بنشأة الإنسان ويلازمه مدى الحياة.
حق الحياة:
وقد يختلف العديد من الأفراد الذين يملكون وجهات نظر مؤيدة لحق الحياة على المجالات التي ينطبق عليها هذا المفهوم، ولكننا نرى أن مفهوم الحق في الحياة – رغم كونه حقًا فطريًا لجميع البشر؛ وأنه لا ينتظر المنع والمنح كامتياز يكفُلهُ ويتحكم فيه من يملكون السلطة الاجتماعية والسياسية – إلا أنه رغم ذلك قد مرَّ أيضًا بمراحل التطور شأنه في ذلك شأن كافة المفاهيم، ولكنه تطور اتسم بالبُطء مثل مفهوم حقوق الإنسان بشكل عام، ولم يُستثنى الحق في الحياة من هذا التطور، وشهدت الألفية الماضية على وجه الخصوص مجموعة كبيرة من القوانين الوطنية، والقوانين الدولية تدعمها وثائق قانونية؛ عنيت بتدوين وصياغة المُثل العليا لحقوق الإنسان، وضمنتها العديد من المبادئ والقيم (مثل “الماجنا كارتا “الوثيقة العظمى [1] والإعلان العالمي لحقوق الإنسان)[2].
ويُعد الحق في الحياة أهم و أول حق حثت عليه الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان، و هو حق مخول لجميع الأشخاص، مما يجعله ضروريًا في نظام الحقوق والحريات الأساسية للإنسان التي تعمل هذه الاتفاقية على حمايتها و المحافظة عليها. وهنا يأخذنا التساؤل إلى واقع الحياة الحقيقة، فهل هذا الحق الذي نادت به منظمات حقوق الإنسان، والهيئات والمنظمات الحقوقية العالمية يتحقق لجميع البشر على وجه الأرض بلا استئناء؟ وهل ينعم الجميع بحق الوجود الآمن؟
لا نستطيع في هذا الصدد أن نُجيب على مثل تلك التساؤلات الشائكة بالقبول التام للأوضاع الراهنة فيما يتعلق بالوجود والحريات البشرية، فهنا تقابلنا العديد من أوجه المشقة وإشكاليات الدفاع عن حقوق بعض الكيانات البشرية.
فإن تحدثنا عن الكيان الكُردي فإن الدفاعُ عنه في وقتنا الراهن وفي ظل الظروف التي يحياها الشرق الأوسط والأمة الشرق أوسطية، أصبح يمثل إشكالية كبرى يصعُب تخطيها كما يصعُب التخلي عن وضعها موضع التفكير والتحليل المنطقي، لذا تتعدد قضايا هذا الكيان، وتتعاظم بمضي الزمن، وتَفرضُ وجودَها، فإن لم يكن ذلك متأتيًا بصيغة المواجهة المباشرة؛ فإنه يتأتى بالصيغة الدفاعية الحقوقية المرتكنة على الدعم الثقافي وأبجدية التواصل الفكري، فلا يمكننا أن ننظر لقضية الكيان الكُردي من نافذة التحرر الطبقيِّ والوطنيِّ السائدة في مجتمعاتنا في تلك الفترة؛ فالاشتراكيةُ غير المحققة بالفعل كان من شأنها أن تكون هي الدواء الناجع والمصل المضاد لسموم الليبرالية، كما كان لها أن تقدم مساهماتها الفاعلة في حرب الوجود لهذا الكيان وتجاه محاولات إبادته ثقافيًا واجتماعيًا بل وإبادته إنسانيًا.
إن قضية الوجودِ الكُرديِّ في احتياج شديد للتعرف على حقيقة هذا الوجود كشرطٌ أوليٌّ قبل التعرض للنقاش حول القضيةِ ذاتها، ويجب أن يتسع الإدراك لاستيعاب كل ما يتعلق بهذا الوجود منذ البدايات الأولى، أما الحقيقة؛ فهي هدفٌ لا يمكن الوصول إليه إلا في حالة من الوعي واليقظة الكاملة، وتعتبر الحقيقة هي حالة اليقظة لهذا الواقعُ؛ وإلا أصبح واقعًا في حالة جمود، ومن هذا المنطلق يجب تسليط الضوء على الدور التنويريِّ الذي أداه الكُردُ في فجرِ الحضارة الإنسانية، والحقائقُ المعنيةُ بالواقعِ الكُرديِّ وقضيته.
- التراكم المعرفي والتاريخي للحقيقة الكُردية:
تأخذنا النظرية المتعلقة بالنشأة والوجود الكُردي إلى تتبع المسار التاريخي للحقيقة الكُردية، وكيف تراكمت المعرفة بهذا الوجُود وهذه الحقيقة، وهي حقيقة مرت بالفعل بالعديد من التحولات، مثلها في ذلك كمختلف الظواهر الاجتماعية؛ حتى بلغت في تحوُّلُها في حالتِها الراهنة مسارًا أسرع وأكثر تطورًا؛ حيث تَشهد الظاهرة الكُردية في يومِنا الحاليِّ شُمولًا ثقافيًا يسعى للتعبير عن هذا الكيان، والتعريف بذاتيته بكافة السُبُل المُمْكنة؛ مستندًا في ذلك إلى كافة المناحي المؤدية لتحقيق الهدف المنشود، فما بين تنوع الأيديولجيات المطروحة على الساحة حاليًا – ومنها ما يتعلق بالأيديولوجية السياسية، الأيديولوجية الاجتماعية، وكذا الأيديولوجية الثقافية – إلا أن كل منها لا يُمثل ولا يُسْهم سوى بجزءٍ من الحقيقة، بالإضافةِ إلى احتواء كل منها على المزيد من الأهدافِ التحررية، وإنه ليس من ثمة شك في وجوب تطبيق كافة الأيديولجيات سالفة الذكر؛ لاستبيان الحقيقة من كافة جوانبها، فلا تكفي دراسة أيديولجية واحدة لاستيضاح حقيقة هذا الكيان ونظرية تطوره؛ لذلك فإننا في أمس الاحتياج لدراسة تلك الأيديولجيات جميعها لكي نستنبط الحقيقة بصورتها الأقرب إلى الدقة.
الكردُ “النشأة والوجود”
إن المطالع لتاريخ الكُرد والدارس الجيد لمراحل النشُوء والتطور الكُردي يستطيع أن يتبين مدى المشقة التي يُكابدها من يضطلع بتلك المهمة الشائكة، فتشخيصُ الوجود الكُردِي ينطوي على مشقات متعددة؛ إذا ما درسناه من الجانب الجغرافي، فجغرافيا نشأة الوجود الكُردي، والأحداث التي مر بها الكُرد، قد أَرغَمَت هذا الكيان على البقاءِ على هامشِ الحياة؛ فإن انتقال مجتمع الهلال الخصيب إلى مرحلة الزراعة، ونشأة القرية، وهو ما يطلق عليه زمن الثورة النيوليتية Neolithic، والتي تعتبر بحق ثورة التغير الجِذري في تاريخِ البشرية؛ قد مَهَدَّ السبيلَ أمام تطوراتٍ عظيمةٍ في الهلالِ الخصيب.
إنّ ذلك التغيير في الموارد الطبيعية أدى بدوره إلى تلك الطفرة في اللغةِ والفكرِ البشري مع ثورةِ الزراعةِ ونشُوء القرية، ونتج عن ذلك فكرة التشكيل الاجتماعي، وهي فكرة غيرِ مسبوقةٍ في عهدِها، وقد كان الكُرد بمثابة نُواة الخلية الأولى للمجموعاتِ الهندوأوروبية، كما تؤكد ذلك وتُبرهن عليه كافة بحوثُ اللغةِ والثقافةِ الكُردية.[3]
ويمكننا بالدراسة المتأنية الرصينة أن نرصُد المزايا الجِذرية العريقةِ وكذا المزايا القبليةِ للوجود الكُردي؛ فبرغم أنّ ظاهرةَ التحولِ إلى فكرة الشعبٍ لَم تَكُنْ قد تكوّنت في العهدِ النيوليتيّ[4]؛ إلا أننا قد شهدنا ولادة المجتمع الطبقي؛ فالانتقالُ إلى نظام العشيرةِ التي تُعَدُّ شكلاً مجتمعيًا جديدًا بالمقارنةِ مع مجتمعِ الكلان، يُعد تطورًا ثوريًا بلا جِدال.
ومن هنا يمكننا أن نصف الثورةِ النيوليتيةِ بالثورةِ القَبَلِيّةِ؛ فقد بدأَ اختلافُ اللغاتِ والثقافاتِ يتطور ويزدهر في المجتمعِ القَبَلِيّ. واتضحت سمات الترابط الديني التي لا تنفكُّ راسخةً لدى الكُردِ، الذين وصلوا في تلك الحقبة التاريخية إلى مستوى ثقافيٍّ مُبهر للجميع؛ لا يزال تاركًا آثارَه على التاريخِ الاجتماعيّ للكُرد، ومن هُنا؛ لا بدَّ من إسنادِ نشوءِ الحقيقةِ الكُرديةِ إلى هذه الثقافة، ما دامَت آثارُ هذه الثقافة تنعكس بوضوح بين الكُرد، الذين تحقق وجودهم كأقدمِ الشعوبِ الآهلةِ في تلك الأراضي حتى وقتنا الراهن[5].
إن من يتتبع روح الحضارة الكُردية ونشأتها المرتبطة بالثورةَ الزراعية المعَمِّرة على مدى الأربعة عشر ألفِ عام الماضية، يرصد وبوضوح تلك البصمات العالقة بالثقافةِ الكُرديةِ المستقرة. والخرائطُ الجينيةُ تُبَرهنُ على أن رسم ملامحَ الحضارةِ الكردية وتكوينِها لمضمونِها وتطورِها لا يرتكن بأي حال من الأحوال على مجرد فكرة الكلان والعشيرة فحسب؛ بل تدينُ بالفضلِ في الذهنيةِ المؤسساتيةِ إلى تلك الثقافة المُعَمِّرة آلاف السنين.
أما صَونُ الكُردِ لوجودِهم بطابعِه الثقافيّ ومحافظتهم على صيرورة أصوليتهم العريقة، فيتأتى من قوةِ الثقافةِ التاريخيةِ التي يرتكزون إليها. لذا، يستحيلُ إيضاحُ تفضيلِهم الحياةَ الثقافيةَ على حياةِ المدنيةِ بكونِه تخلفًا أو سذاجة أوبدائيةً بسيطة؛ فالثقافةُ التي عاشوها ليست ثقافةَ مدينةٍ أو طبقةٍ أو دولة، بل هي ثقافةٌ تتشبث بكل قوة بالديمقراطيةِ القَبائليّة، ولا مجال فيها للتحولِ السلطويِّ أو الطبقيّ، والعجزُ عن التحكمِ بالكُردِ يُعزى إلى ديمقراطيتِهم الثقافيةِ المتميزة بصلابة المنشأ ومرونة التطور والمعايشة.
أوجلان والقضية الوجودية للكُرد:
ويرى المُفكر “عبد الله أوجلان” إن أمر المغالاة في رهن القضية الوُجودية للكُرد في تحقيق فكرة الأُمة، أو ما يُطلق عليه “أمة الدولة” يعتبر تضييعًا لفرص الاندماج في قائمة المجتمعات المدنية المتحضرة، ويرى أن الذهنية “القوموية” المرتبطة بمفهوم الدولة تعتبر من عوامل الاستغلال والتحكم من منطلق الحداثة الرأسمالية.[6]
ومن هنا يرى أن من يتشبثون بأذيال تلك الفكرة العقيمة؛ هم من يرغبون في فرض السلطة والسيطرة الرأسمالية مستغلين في ذلك فكرة “القوموية” أو “الدولتية” بمنحاها المُغْرض وأهدافها القمعية المُضادة لفكرة النشأة والوجود المتعلق بالمجتمع الكوني على انطلاقه وشموليته، ويعلل ذلك بأنّ منافعَهم في الهيمنةِ الأيديولوجيةِ والماديةِ تلعبُ دوراً كبيرًا في ذلك.
ومن هذا المنطلق يستثني تمامًا مفهوم “القوموية” أو”الدولتية” لينطلق إلى مفهوم أكثر رحابةً وانفتاحًا على العالم، فهو لا يرى أن وضع القوالب والأُطر الجامدة يمكن أن يُجدي نفعًا في سبيل تحقيق مكانة ووضع للكيان الكُردي المُستقل؛ الذي يرتبط بالتاريخ والمجتمع في صورة عالمية منفتحة وغير محدودة بإطار نشأة الدولة.
ولا يُغالطنا التعبير عما يجري في واقعنا الحاضر ضد هذا الكيان الكُردي ولا يمكننا أن نصف ذلك الفعل؛ إلا بأنه حالة من “البَتْر” لهذا المُجتمع، فكيف يتحول هذا الكيان الذي يحيا الحاضرَ بكل وقائعه وأحداثه إلى كيان افتراضي من وجهة نظر ذوي المصالح الرأسمالية؛ لأنهم فرضوا عليه قهرًا أن يحيا من دونِ دولة، فهل تكون غلبة البقاء لمن هو بالفعل كيان يُمثل جزءًا من التاريخ والمجتمع العالميين، ومن المنطلق الأشمل للحياة والوجود، أم يخضع هذا الكيان لمفهوم “الأمة” و”القوموية” ويُحكم عليه بالإقصاء والضياع تحقيقًا لأهداف وذهنيات مناهضة للعلم والحياة، منفتحةِ على شتى أنواعِ الأحكامِ المُسبَقة؟
الكُرد “الشعب الجبلي”
عودٌ على بدء؛ ومما طرحناه سابقًا كان لا بد لنا من التغلغل والتعمق في مفهوم الكيان الكُردي – محل الجدال الدائم – و كذا الشكل الأولي للإنشاء المجتمعي؛ والذي تحقق بالفعل في مفهوم الكيان الكُردي في إطار “العشيرة” فإن كان الشكل الأولي للإنشاءِ المجتمعيِّ هو”العشيرة” قد تحقق بالفعل؛ فكيف ننكر عليهم ما نُجيزه ونقبله للمجتمعات الأخرى في الأمة الشرق أوسطية وغيرها؟
إن صفحات التاريخ لم تُنكِر وجود ذلك الكيان، والذي أُطلق عليه “شعب الجبال” فقد وصفتهم المصادر التاريخية بمسمى “الكورتيين” وهي تعني لفظيًا المعنى سالف الذكر أي “الشعب الجبلي”، وما زالت هذه الأصُولية تُذكر كخاصيةٍ أساسية دالة على ذلك الكيان الكُردي، فمهما مر الواقع المجتمعي بتغييرات طبقية أو تمايُز بين الأجناس؛ ستظل حقيقة الوجُود الكُردي قائمة، ورغم كافة الأيديولجيات المُضللة الهادفة إلى تحريف وتشويش الإِدراك التاريخي والمجتمعي؛ والتي تستمد هذا الفكر التضليلي من المَعِين الليبرالي المُناهض لحقيقة الوجود الكُردي.
ويرى المفكر”عبد الله أوجلان” أن الكُرد الأوائل قد تشكلت طبقاتهم الحاكمة قبل العصر الإسلامي، وترسخت في واقعه الممتد لما ينوف عن الألفَي عام، فكان بالنسبةِ للكُردِ الأوائلِ عصرًا زاهرًا، شُيدت فيه دولتهم، ورُسخت فيه جذور ثقافتهم، ما بين أطراف الجبال والمناطق السهلية؛ فانصهرت في بوتقة واحدة احتوت ثقافة المدنية ومحاكاة الواقع، كما احتوت الثقافة الذاتية وبصمات التكوين الأولى، مما وسمها بطابع ثُنائي الثقافة التكوينية، وهذا التشكيل الانصهاري المُزدوج، والتمازُج الثنائي داخلَ الثقافةِ السهليةِ والمدنية يُمَثِّلان خاصيةً أصيلةً لهذه
الثقافة.
ويرى “أوجلان” أن الطبقة الحاكمة قد لعبت دورًا كبيرًا في السلبيات والمعوقات التي يواجهها الكيان الكُردي حتى وقتنا الراهن، فالمصالح الطبقية هي المتسببةَ في ذلك الانصهارِ بين ثقافة الشرق والغرب، وهي المتسببة في الانشقاق الواقع حاليًا لهذا الكيان، بينما حافظت الثقافةُ القَبَلِيّةُ للكُرد “الجبليين” على وجودِها آلافَ السنين؛ حتى الوصولِ إلى وقتنا الراهن، دون انصهارٍ أو تغيير، من خلالِ التمسك بثقافة النشوء والوجُود الحقيقي، دون التمسك بفكرة “القوموية الوطيدة” في عهدِ الحداثةِ الرأسمالية.
الواقع الكُردي دينيًا:
يغلب على الكًرد الدين الإسلامي، وأغلبيتهم من السنيين الشوافع، ويوجد بينهم القليل من الشيعة يرتكزون في جنوب كُردستان. أما النصارى في كُردستان فهم من السٌريان، ويسمون أنفسهم “أشوريين”، وهم يعيشون في النصف الشمالي من كُردستان العراق، وكذلك “الكلدان” وهم أقل من”الأشوريين” ويعيشون في مدينة “السليمانية”. كما توجد بعض الطوائف الدينية الأخرى كالطائفة “الكاكائية”، و”طائفة أهل الحق” وأغلبهم يتركزون في الجزء الجنوبي من كُردستان العراق، وإيران، كما توجد الطائفة “اليزيدية” وأعضاؤها يتركزون في الجزء الشمالي من كردستان العراق.
الواقع الكُردي “اجتماعيًا”:
لا غرو أن هُوية الفرد هي هُوية نابعة من الانتماء للحقيقة المجتمعية التي نشأ فيها؛ فالمجتمع هو البوتقة التي تنصهر فيها مفردات الجنس البشري، وتضع له صفات تميزه عن أي جنس آخر بمجتمعات أخرى، والتعبير عن المجتمع الكُردي في حد ذاته يسُوقنا إلى الهوية الكُردية، فلا فرق بين مصطلح “الواقع الكُردي” وبين مصطلح “المجتمع الكُردي” إذا وضعنا المصطلحين في موازنة الوصفية والدلالة؛ حيث لا فرق بين بُعدُ “الكلانِ” وبُعدُ “الأمةِ” في إطارِ الحقيقةِ الكُرديّة، فبينما تظل حقيقة النشُوء والوجُود ثابتة؛ فإنّ مصطلح “الكلانَ” ومصطلح”الأمةَ” يُعَبِّران عن المجتمعِ المتغايرِ والمتجسمِ شكلاً. وسيصبح مفيدًا لنا أمر هذا السرد والتحليل لأحداث البعُد الاجتماعيّ.
ويرى المفكر “عبد الله أوجلان” أن واقعَ المجتمعِ الوطنيِّ الكُرديّ وماهيته وإن ظهرت في مجتمع الحداثة بصورة مغايرة، فإن هذا لا يعطي الحق لأي فكر مُناهض للحقيقة أن يضعه موضع الإنكار أو التحريف، فالواقع في مجمله سواء قديمًا كان أو حديثًا؛ هو واقع متكامل البنيان والتطور، وهو واقع لا يمكن لأحد أن يُنكره، ورغم أنه يتعرض في هذه الآونة الأخيرة للإنكارِ والتحريف، وكأنّهم يرغبُون التعمية عن معايشة الكرُد لذلك الواقع الزمني؛ إلا أن ما يجري تحليلُه من هذا المنطلق هو الواقعُ الكُرديُّ بصفتِه مجتمعًا أمسى هُويةً وطنية، لا يمكن لأحد مهما كانت قدرته على التعمية أن يُنكرها، ولكن نظرًا لهذه المحاولات المُضللة؛ فإن تلك التجربة الكُردية الواقعية تحتاج في ظل أزمتها الراهنة أن تكون دائمًا في موضع التحليل والشرح؛ لإزالة ما غمُض على جميع الكيانات الأخرى في العالم العربي والدولي.
الواقع الكُردي “جغرافيًا”:
لم تشكل كُردستان “موطن الكُرد” بلدًا مستقلًا ذا حدود سياسية مُرسمّة في يوم من الأيام، على الرغم من تجانس شعبها نشأةً وأصولًا وفكرًا وثقافة، وتتوزع كُردستان بصورة رئيسية في أربعة دول هي؛ العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، بينما يوجد عدد من الكُرد في بعض الدول الأخرى التي نشأت على أنقاض الاتحاد السوفيتي السابق، وتشكل كُردستان حاليًا ما يقارب مساحة العراق في العصر الحديث، ورغم صعوبة تحديد إقليم كُردستان وترسيم حدوده؛ فإنه يمكن تحديد المنطقة التي يقيم بها الكُرد بكثافة، وهي منطقة العراق، كما يعيش بعض الكُرد بشكل متفرق في أرمينيا، وكذلك في أذربيجان، وباكستان، وبلوشستان، وأفغانستان.
إرهاصات التغيير الإنكاري للوجود الكُردي:
مما سلف ذكره ووضحناه آنفًا يتراءى لنا أن الكيان الكُردي كان ضحية لعملية تقسيم المنطقة التي جرت منذ مئة عام مضت عبر اتفاقية سايكس بيكو التي أُبرمت عام 1916م؛ والتي شكلت المنطقة بوضعها الحالي، والذي بدأت إرهاصات تغييره مجددًا في إطار ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد.
ويواجه الكيان الكُردي حملة إبادة بحقه سواء ثقافيًا أو جسديُا على يد القُوى الرأسمالية، وبإيعاز منها ومن مُناصريها، وبذلك فقد أصبحت المُعضلة الأساسية التي يواجهها الكُرد؛ هي إثبات الهُوية الكُردية من كافة الجوانب؛ سواء وطنيًا، اجتماعيًا، ثقافيًا، ووصولًا إلى حقيقة وجود الكُرد الضاربة بجذورها المُمتدة في التاريخ، ومن هذا المنطلق يسعى المفكر “عبد الله أوجلان” إلى تأصيل الجذور التاريخية لذلك الكيان المُضطهد عربيًا ودوليًا.
من كل ما سبق يمكننا القول أن الشرائح المجتمعية العليا بالمجتمع الكُردي هي المتسببة في نشر ثقافة التخلي عن “الكردايتيةِ” مقابلَ التبعيةِ للسلطةِ، وكانت تلك الثقافة الموجهة هي السبب الرئيس في إحداث المتغيراتُ الجاريةُ في المجتمعِ الكُرديِّ بحلولِ القرنِ التاسع عشر؛ فالنمطُ الرجعي والمتواطئُ الهادف لتأمين الرأسمالية قد ترك بصماتِه على الأحداث بصورة جلية؛ فعاشَ المجتمعُ الكرديُّ جراء تلك الأحداث أبشع أنواع الخياناتِ في تاريخِه منذ النشأة والوجود.
لقد احتلت المصالحُ الماديةُ للشرائح العليا بالمجتمع الكُردي محل المصلحة الوجودية لذلك الكيان الكُردي المُضطهد،. ذلك أنّ الارتباطَ بالمجتمعِ الكُرديِّ كان يقتضي الاندفاعَ وراءَ المجتمعِ القومي، والمحاربةَ في سبيلِه، ونتيجة للعجزعن تحقيق النجاح في ظل وجود العديد من أصحاب المصالح في معاداة ذلك الكيان، عجزت حركات التمرد عن مواجهة سيل الخيانات المتتالية من جهة السلطة الرأسمالية وأعوانها؛ فأصبح التخلي عن الكردايتية هو الخيار الصعب ولكنه أصبح في نفس الوقت الخيار المُحتم في ظل تلك الظروف الشائكة، بينما نجد على الجانب الآخر أن الشرائح الأخرى بالمجتمع الكُردي والتي ارتبطت بالفكر الديني قد انقطعت عن الواقع المجتمعي، ونشأت نتيجة لذلك عدة شرائحِ مُجتمعيةِ واسعةُ خارجَ النطاقِ القَبَلِي والعشائريّ، ولَم تَجِدْ كل تلك الشرائح لنفسِها مكاناً ضمن تلك التنظيماتِ الحديثة والمستحدثة.
الكُرد والتوافقات الدولية:
إن المتبصر بواقع المجتمع الكُردي لسنواتٍ طويلةٍ يستطيع أن يجزم بلا جدال أن هذا المجتمع قد تعرض لأبشع الحملات المناوءة لتطلعاته في إقامة دولته المستقلة، وكان الكُرد دائمًا ضحيةً للتوافقات الدولية ومصالح القوى الرأسمالية الكُبرى، الذين أغرقوا طموحات الكُرد في بؤر المؤامرات، وحرموا الكُرد من حقهم بالاستقلال وقيام دولة كُردية مستقلة.
وظل الكُردُ عبر تاريخهم النضالي الطويل يطالبون بحقهم المشروع في إقامة دولتهم ولكنهم وُوجهوا بإنكار كل الأنظمة لهذا الحق، لذلك بدأت الثورات الكُردية المتعاقبة ضد الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة، ولم تخلُ هذه الثورات من المحاولات الاستقلالية لنيل حق تقرير المصير؛
التي أكدت عليها قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية[7].
القضية الكُردية وانتهاكات حقوق الإنسان
لا يخفى على الجميع أن قضية الكيان الكُردي تعتبر هي الصورة الواقعية الأكثر أهمية في بيان انتهاكات حقوق الإنسان من قِبل الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، كما تعكس تقاعس المنظمات الحقوقية الكُبرى عن مناصرة القضية الكُردية؛ والتي قد تكون لها انعكاسات أمنية شديدة الوطأة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وكذا الأمن الدولي في حال عدم إيجاد الحلول المناسبة لها، فهي قضية واضحة وعادلة في أمس الحاجة للحل العادل طبقًا للقانون الدولي، كما تمتلك كل المقومات الداعمة لها من أدلة قانونية، وارتكازات اجتماعية وسياسية وحضارية تتسم بالقوة والمصداقية.
وهنا نتساءل؟ كيف للوثائق الدولية[8] التي تثبت حق تقرير مصير الكُرد ألا يكون لها الحق الكامل في تقرير مصير الشعب الكُردي، وذلك بما تضمنته من قرارات أصدرتها الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من خلال جمعيتها العامة؛ جراء تعاظم ضغوطات الحركات السياسية المسلحة من قبل الأقليات العرقية والدينية التي تعاني من الاضطهاد بحقوقها في تقرير مصيرها،[9] وأين الاتفاقيات الدولية التي حُررت وصيغت لحماية هذا الحق[10]؟.
من كل ما سبق نستشف رؤية القائد “عبد الله أوجلان” الذي لم يجد من تلك المواثيق أو الاتفاقيات سالفة الذكر ما يُجدي نفعًا في قضية الكيان الكُردي، ولمس ببصيرته من معطيات الواقع المفروض فعليًا استحالة أن يُبدي نموذجُ الدولةِ “القوميةِ”أية جدوى، لذا؛ فقد تَمَثَّل الهدف الرئيسُ للقائد عبد الله أوجلان في البحث عن سبيل لمحو سياسة الإنكار للوجود الكُردي والهُويةُ الكُردية، برؤيته الإصلاحية لأزمة الكيان الكُردي، والحل المتمثل في “الأمة الكردية الديمقراطية”.
ونتيجة لما سبق؛ فقد استَبعِد أوجلان فكرة قيام الدولة في ظل الظروف المعقدة على الصعيدين الشرق أوسطي والدولي في آن واحد، في حين استند طرحه لفكرة “الأمة الديمقراطية” استشهادًا بكيانات أخرى استطاعت رغم شتاتها بلا وطن لحقبةٍ طويلةٍ من الزمن أن توجِد لها كيانًا قويًا في أسواق العالم، فهو يرى أن وجود الأمة يكتفي بالشراكة الذهنية والثقافية في ظِلِّ وجود المؤسسات شِبه المستقلة التي تديرها بطريقة ديمقراطية.
الأمة الديمقراطية “المفهوم المتاح لحل القضية الكردية”
رغم أن جميع المعطيات سالفة الذكر تؤكد لنا على حقيقة الوجود الفعلي للكيان الكُردي، وأصولية وجوده ونشأته، وحقه في الاستقلال والتعايش من خلال دولة ذات حدود ومعالم مُرسّمة، إلا أن القائد “عبد الله أوجلان” يرى أنه في ظل هذه التحديات الراهنة يصبح مفهوم “الأمة الديمقراطية”؛ ذلك المفهوم الذي يقدمه كبديلٍ عصري مُستحدث يَتشكل في إطاره المُجتمع الكُردي، هو البديل الأمثل للتعايش والأكثر نجاحًا على كافة الأصعدة؛ ففي إطار هذا المجتمع الإنساني الجديد لن تكون الجغرافيا ولا الدين من بين محددات تكوين الأمة؛ وفي حين تنوعت الركائز التي اعتمد عليها غالبية من تحدث في شأن هُوية الأمة، ما بين اللغة والدين والجغرافيا والتاريخ والثقافة، اقتصر أوجلان على شرطين أساسيين لِتَشَكُّلِ الأمة، ألا وهما تشارك الثقافة واللغة. وبذلك، يفترض أوجلان أن الأمة الديمقراطية تستوعب الهُويات المتباينة، في إطار إدارةٍ مجتمعيةٍ ذاتية، أشبه بالكونفدرالية Confederation ، وذلك داخل الحدودِ السياسيةِ القائمة.
مما سبق يتضح لنا رفض أوجلان لفكرة إقامة الدولة الكُردية بتصريحٍ غَربيٍ في منطقة الشرق الأوسط، لأنه يرى أن الهدفُ الأولُ لهذا التصريح سوف يكون استعمار شعوب المنطقة باسم هذا النظام، ويرى أن الأمة الديمقراطية هي الخيار الأمثل لتحقيق حلم الكيان الكُردي.
كما يرى أن تجربة الإدارة الذاتية المحققة بالفعل بشمال وشرق سوريا؛ هي المخرج من “أزمة الاندماج الوطني” التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، وتمثل نموذجًا يتحقق من خلاله مفهوم الأمة الديمقراطية، ورغم التحديات التي تواجه هذا النموذج إلا أنه قد تميز بالصمود منذ تأسيسه في عام 2013م.
وختامًا نقول:
إن ما تعرضنا له وتعرضت له الدراسات التاريخية والأكاديمية ودراسة الحضارات الأولى تثبت بلا جدال أن الأصول الأولى للكُرد حكمت كُردستان الحالية، ومنذ تلك الآونة تطورت الخصائص البشرية والوراثية والاجتماعية والاقتصادية واللغوية والثقافية؛ لتكوّن شخصية قومية مميزة للكُرد، ومن أهم مميزات الكُرد منذ ذلك الوقت وحتى اليوم؛ هي بقاؤهم في أرضهم التي تعرف اليوم بكُردستان، وبذلك فهم يمتلكون مقومات الأمة المتمايزة عن الأمم المحيطة بهم؛ كالعربية والفارسية والتركية، فهم يملكون لغة خاصة بهم، ولهم ثقافتهم وإرثهم التاريخي المتميز ويشغلون جغرافيًا أرضًا واسعةَ حكرَا عليهم منذ آلاف السنين، كما يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان المنطقة الممتدة جغرافيتها عبر خمس دول.
لذا يُعد من المنحى المنطقي بلا جدال أن لهم حقهم الطبيعي في تأسيس دولتهم المستقلة، وإن تفتتيت الكيان الكُردي وتمزيقه بين خمس دول ليصبح في عداد الأقليات يعد من أشد وأقوى صور الإبادة ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا وبكافة التعبيرات المحددة لذلك الفعل الإبادي.
إن المواقف التي اتخذتها دول الجوار، وتفكيك الحدود التي فرضها الاستعمار على الكُرد، وعدم تحقيق ما تضمنته معاهدات السلام والاتفاقيات الدولية، هي المسببات الرئيسة التي زرعت أزمة الأمة الكُردية، وهي ما حالت دون تحقيق حلم تكوين الدولة الكُردية.
فإن كان وضع الكيان الكُردي في المجتمع الشرق أوسطي يحتل قدرًا كبيرًا من الأهمية في دول العالم الكُبرى؛ فإن ذلك يكمن في رغبة تلك الدول في توظيف معاناة ذلك الكيان القومي لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، وإن كانت رغبة القائد “عبد الله أوجلان” هي استبعاد فكرة “القوموية” فإنه يبغي بهذا المنأى أن يخرج من إطار المؤامرة التي أحبكت قبضتها على هذا الكيان، كما يبغي أن تتوحد عناصر هذا الكيان لتخرج إلى النور بأن يكون لها دورًا فاعلًا في الأنشطة السياسية الدولية، وأن يكون لها الحق في أن تطرح قضيتها بشكل عصري على المنظمات الدولية، في إطار شرعية الأمم المتحدة، وأن يحفظ للقضية الكُردية استمرارها، ففي ظل الشرعية الدولية الحالية التي تمتاز بالإزدواجية هناك تحديات كثيرة، ويؤكد القائد “عبد الله أوجلان” على ضرورة حسم الخلافات الداخلية في إطار الكيان الكُردي وأنظمته وقياداته، لتجنب إهدار الوقت والجهد والمال، والحفاظ على الأرواح، وذلك ضمانًا للفت أنظار الساحة الدولية للقضية الكُردية، كما أن دعم تبني فكر الأمة الديمقراطية والزعامات السياسية الحكيمة يُسهم على الصعيدين الإقليمي والدولي في دعم قضية الكيان الكُردي؛ فالعقبات التي تُحيط بالمكونات والكيانات الساعية للدعم، وتحقيق الهدف في الوجود والاستقلال، وممارسة الحريات، تحتاج في وقتنا الراهن وفي ظل الهيمنة العالمية والسيطرة الرأسمالية إلى السياسة الحكيمة التي تقود العالم للأمام ولا تتشبث بالخلفيات الجامدة بدعوى القومية.
[1] الماجنا كارتا أو الميثاق الأعظم هي وثيقة إنجليزية صدرت لأول مرة عام 1215م لحماية حقوق النبلاء، ولم تكن لحماية حقوق جميع البشر. ثم صدرت مرة أخرى في عام 1216م. ولكن بنسخة ذات أحكام أقل، حيث ألغيت بعض الأحكام الواردة فيها، وقد وصفت تلك النسخة بأنها “الميثاق العظيم للحريات في إنجلترا والحريات في الغابة” يحتوي ميثاق عام 1215م على أمور عدة منها: مطالبة الملك بأن يمنح حريات معينة وأن يقبل بأن حريته لن تكون مطلقة، وأن يوافق علناً على عدم معاقبة أي رجل حر إلا بموجب قانون الدولة وهذا الحق ما زال قائماً حتى اليوم في هذه الدول.
2الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يُعد وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ حقوق الإنسان، صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م بموجب القرار “217 ألف” بوصفه أنه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم، وهو يحدد؛ و للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم ومن المعترف به على نطاق واسع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد ألهم ومهد الطريق لاعتماد أكثر من سبعين معاهدة لحقوق الإنسان، مطبقة اليوم على أساس دائم على المستويين العالمي والإقليمي.
[3] للمزيد عن تاريخ الكرد “النشأة والتطور” راجع: عبد الله أوجلان: مانيفستو الحضارة الديمقراطية، المجلد الخامس، القضية الكردية، لبنان، ط3، 2018م.
[4] قسمت العصور الحجرية خلال فترة ما قبل التاريخ إلى طورين حسب مميزات أسلوب ونمط العيش في كل منهما، فنعت القسم الأول بالعصر الحجري القديم (Paléolithique) وتميز باقتصار نشاط الإنسان على ممارسة الجمع والالتقاط والصيد والقنص، بينما يسمى القسم الثاني بالعصر الحجري الحديث (Néolithique) حيث يرجع أصل كلمة النيوليتي الى اللغة الإغريقية (نيو) بمعنى جديد و(ليتيك) بمعنى الحجارة، أي عصر الحجارة الجديدة (المصقولة) ولقد أقترح هذه التسمية عالم ما قبل التاريخ جون ليبوك (john Lubbock) سنة 1856م، وإن كان صقل الحجارة والمواد الخشنة معروفا خلال العصر الحجري القديم والوسيط؛ إلا أنه كان نادرا وعلى نطاق ضيق مقارنة بالعصر الحجري الحديث؛ إذ اقتصر فقط على الصناعة الخاصة بالتماثيل الصغيرة والأواني الحجرية ولم يتعداهما إلى غيرهما من الأدوات المتنوعة الأخرى، ويبقى أهم ما يميز هذا العصر على غيره هو تحقيق الإنسان لقفزة نوعية تمثلت في تدجينه للزراعة واستئناسه للحيوان.
[5]عبد الله أوجلان: المرجع السابق
[6] نفسه
[7] مرت القضية الكُردية بخمسة محاولات استقلالية من خلال الثورات التي قام بها من أجل نيل حقوق الشعب الكُردي: عام 1920، عام 1930، عام 1931، عام 1968، عام 2003م
[8] بيان الاستقلال الأمريكي سنة 1776، ووثيقة حقوق الإنسان الفرنسية لسنة 1789، والحركة الاشتراكية الدولية التي أنشأت سنة 1869 والتي أعلنت حق الشعوب في تقرير مصيرها وتبنت هذا الحق الاشتراكية النمساوية والألمانية والروسية وكان لها تأثير في جميع الحركات الاشتراكية في قارة أوروبا، بعد الحرب العالمية الأولى ظهرت أيضا اتفاقيات ووثائق دولية حول حق تقرير المصير مثل مؤتمر السلام في باريس سنة 1919، ومبادئ الرئيس الأمريكي السابق ولسن التي قدمها لقادة العالم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وتتكون من 14 مبدأ من ضمنها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي سنة 1941 تم إدراج حق تقرير المصير للشعوب في ميثاق حلف الشمال الأطلسي الذي أُعِدّ بعد عقد اجتماع بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس وزراء بريطانيا واتفقوا على عدم إحداث تغييرات إقليمية ضد رغبات الشعوب.
[9] القرار رقم 421 لسنة 1950، القرار رقم 545 لسنة 1952، القرار رقم 1514 لسنة 1960، القرار رقم 2625 لسنة 1970، القرار رقم 2787 لسنة 1972، القرار رقم 3970 لسنة 1973.
[10] اتفاقية فيينا سنة 1815 نصت المادة 8 فيها على كفالة الحرية وضمان الحقوق للأفراد دون تمييز
معاهدة فرساي سنة 1919 أدرج فيها طلبات الدول المنتصرة في الحرب حول إعطاء الشعوب حقها في تقرير المصير.
اتفاقية سيفر سنة 1920 التي أبرمت بين الحلفاء كانت أول اعتراف دولي بحقوق الشعب الكُردي في منطقة الشرق الأوسط
اتفاقية فيينا سنة 1969 اعتبرت حق تقرير المصير قاعدة قانونية تُعدُ من قبل قواعد القانون الدولي العام وتأخذ القبول من المجتمع الدولي ككل.
اتفاقية هلسنكي سنة 1975 اتفقت فيها ثلاثة وثلاثون دولة أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على عشرة مبادئ وكانت المادة الثامنة منها تختص بحق تقرير المصير