دراسات

عملية “الذراع الطويلة 2” .. بداية حرب استنزاف مفتوحة بين إسرائيل والحوثيين

تحليل: د. فرناز عطية

جبهة جديدة تجعل الشرق الأوسط على فوهة بركان، مما يزيد الأوضاع تعقيدًا في الإقليم، حيث تتصاعد مؤخًرا الهجمات المتبادلة بين الحوثيين في اليمن وبين القوات الإسرائيلية، فقد شن الحوثيون في الآونة الأخيرة خمس هجمات على مواقع إسرائيلية، حيث أعلنوا استهداف قاعدة “نيفاتيم” الجوية الإسرائيلية في منطقة النقب بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع “فلسطين2″، وقد أصيب 16 شخصًا، إثر هذه الهجمات، ويرى الحوثيون أن العملية حققت أهدافها.

فيما فشلت المضادات الأرضية بإسرائيل في بداية الأمر وللمرة الأولى للتصدي للصواريخ القادمة من اليمن التي أطلقتها جماعة الحوثيين في منتصف الليل، لكن منظومة (ثاد THAAD) الأمريكية التي يشغلها جنود أمريكيون نجحت فيما بعد في إسقاط الصاروخ الحوثي خارج المجال الجوي الإسرائيلي، وقد ردت إسرائيل بإطلاق عملية “الذراع الطويلة 2“، في إشارة إلى استراتيجيته لاستهداف الأذرع الإيرانية في المنطقة، والتي تضمنت 12 غارة جوية استهدفت مواقع لمليشيات الحوثي وبنى تحتية في صنعاء والحديدة منها 7 غارات في صنعاء، شملت مطار صنعاء الدولي ومحطة كهرباء حزيز، وقاعدة الديلمي الجوية المحاذية للمطار، كما استهدفت 5 غارات موانئ الحديدة ومحطة رأس كتيب للطاقة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وتسبب تلك الغارات بمقتل 6 أشخاص.

توسيع نطاق عملية “الذراع الطويلة 2”:

وفي هذا الإطار أعلنت إسرائيل أنها ستوسع هجماتها على الحوثيين، وأن الجيش الإسرائيلي يستعد لزيادة ضرباته في اليمن من حيث النطاق والوتيرة، من خلال استهداف القوات البحرية والجوية الإسرائيلية للبنية التحتية للحوثيين لفرض حصار بحري لمنع تزويدهم بالسلاح الإيراني، وفي هذا السياق توافرت عدة مبررات لدى إسرائيل لتصعيد هجماتها في اليمن:

  • إعلان إسرائيل أن لديها معلومات استخباراتية تؤكد أن هناك عمليات تهريب أسلحة من قبل إيران للحوثيين من خلال موانئ الحديدة، والصليف، ورأس كتيب، وقد اعتبرت أن هذه الهجمات ضرورية لتعطيل الشبكات العسكرية التابعة للحوثيين.
  • رؤية تل أبيب أن الحوثيين هم الذراع الأخيرة لما أسمته بـ”محور الشر الإيراني“، وينبغي القضاء عليهم، لإنهاء وقطع دابر التهديد الإيراني لإسرائيل في المنطقة.
  • تذرع إسرائيل بأن جماعة الحوثيون تشكل تهديدًا ليس فقط لإسرائيل بل للملاحة والتجارة العالمية، ويجب القضاء عليها، وقد يكون السبب وراء ذلك هو ضمان موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر في إطار الخطة التوسعية في منطقة الشرق الأوسط على حساب الدول العربية. 
  • وعود الرئيس الأمريكي “ترامب” لـ”نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي بسياسة أكثر صرامة تجاه إيران، مما قد ينعكس على الحوثيين باعتبارهم أحد محاور المقاومة الإيرانية في المنطقة، على عكس الرئيس “بايدن” الذي تجنب التصعيد مع الحوثيين.
  • رغبة إسرائيل في ابتزاز الغرب للحصول على مزيد من الدعم اللوجستي والعسكري، لخدمة مصالحها التوسعية في الإقليم، وذلك بتقوية التنسيق مع الأمريكيين والتحالف الدولي لدعم هجماتها على اليمن.
  • الضربات الإسرائيلية في أغلبها ذات طابع سياسي دعائي أكثر منه طابع عسكري، حيث يحاول نتنياهو زيادة شعبيته في الداخل الإسرائيلي وبيان قدرته على الوصول لأي تهديد يؤرق أمن إسرائيل.

وهنا نلاحظ أن الصراع بين الحوثيين وإسرائيل يختلف عن صراع الأخيرة مع الأذرع الإيرانية الأخرى في المنطقة كـ” حماس” و “حزب الله”، وذلك للأسباب التالية:

  • محدودية المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لدى إسرائيل عن قادة الحوثيين، مما يتطلب مساحة من الوقت، لاسيما مع استهانة الجانب الإسرائيلي مسبقًا بهذه الجماعات.
  • بعد المسافة بين إسرائيل واليمن، والتي تصل إلى قرابة 2000 كيلو متر، وهو ما تطلب أن تستعين إسرائيل بالطائرة إف-15 لتكون متوافقة مع أنظمة التزود بالوقود جوًا، مما يوسّع إطالة أمد الصراع في هذه الجبهة، ويرهق سلاح الجو الإسرائيلي وقدرات إسرائيل العسكرية.
  • الطبيعة المختلفة والعامل الجغرافي واختلاف البيئة الحاضنة للحوثيين التي تتسم بالتعقيد عن البيئة الحاضنة لتنظيمي “حماس” و”حزب الله”.
  • الصمود الذي تتسم به جماعات الحوثي والذي ظهر جليًا في مواجهتهم للتحالف الذي شكلته السعودية ضدهم منذ عام 2015، وكذا قدرتهم على استيعاب الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضدهم بسبب تهديدهم للملاحة في البحر الأحمر، والرد على تلك الضربات.
  • عدم وجود قواعد للاشتباك بين الحوثيين وإسرائيل، وبالتالي فإن فتح مثل هذه الجبهة سيكون بمثابة مواجهة مفتوحة بلا ضوابط، وهو ما يشكل اختلاف أساسي في طبيعة الصراع الذي سيندلع بين الجانبين.
  • عدم وجود بنك أهداف واضح ومؤثر لإسرائيل والولايات المتحدة في اليمن، لاسيما تجاه جماعة الحوثيين.
  • تتمتع جماعات الحوثي بهامش استقلالية عن إيران، وتوظف صراعها ضد إسرائيل لكسب الدعم والتأييد في الداخل اليمني.

الانقسام فيما يتعلق بمواجهة الحوثيين

واجهت إسرائيل انقسام فيما يتعلق بمجابهة هجمات الحوثيين، فالموساد دعا إلى استهداف إيران بصفتها العقل المدبر لهذه الهجمات، أما الجيش الإسرائيلي يرى أن التركيز يجب أن يكون على الحوثيين الذين ينفذون العمليات على الأرض، ولكن في الأغلب فضلت إسرائيل تكثيف وتوسيع هجماتها على اليمن، بدلاً من توسيع نطاق الحرب ليشمل إيران، لاسيما وأنه تم ردعها عسكريًا من خلال الضربات السابقة التي تنفذها الجيش الإسرائيلي على بعض المواقع الهامة في إيران، ناهيك عن أن وجودها يمثل عامل توازن في الإقليم وفزاعة لتهديد بعض دوله.

تداعيات حرب الاستنزاف المفتوحة بين إسرائيل والحوثيين:

تتوقع إسرائيل أن يكون ثمن حرب الاستنزاف تأخير عودة الطيران الدولي إلى تل أبيب، ومحاولة استهداف سفن إسرائيلية في البحر الأحمر، علماً أن أكثر من 90 % من البضائع تصل إسرائيل بحرًا، مما يلحق ضرر بالغ في الاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك فرض الحصار الذي تعتزمه إسرائيل سيتضرر منه الشعب اليمني وليس الحوثيين، وبالتالي هذا يقوي ويدعم جماعة الحوثيين، ويعقد الأمر داخليًا ويكسبها تعاطف في الشارع اليمني والعربي، خاصة وأن الضربات الإسرائيلية تستهدف البنى التحتية التي تخدم المواطنين اليمنيين وليس الحوثيين، فالمواطن اليمني هو الذي يتحمل أعباء هذه الضربات وليست جماعات الحوثي، مما يزيد من سوء الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والسياسية والأمنية في اليمن، والسعي لتحويل الأراضي اليمنية ساحة لحروب للوكالة بين إيران وإسرائيل عن طريق ميليشيات الحوثيين، وتكوين صورة ذهنية للعالم بأن الحوثيون يمثلون اليمن، لتوريط اليمن، ومن هنا نجد أن الفاعلين الدوليين والإقليميين لا يسعون إلى تهدئة الأمور، بل يساعدون إسرائيل في المنطقة على فتح مزيد من الجبهات، مما يزيد المشهد قتامة في إقليم الشرق الأوسط، والأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية والإنسانية بؤسًا في الدول العربية ويؤجج مزيد من الصراعات الداخلية في هذه الدول؛ سعيًا لتكوين خريطة جيوسياسية جديدة بالإقليم؛ تخدم مصالح القوى الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى