دراسات

القضية الكردية في تركيا

تحليل: د. رائد المصري/ أستاذ محاضر في الفكر السياسي والعلاقات الدولية

توطئة

شكلت القضية الكردية في تركيا، عبر تاريخها النضالي، إحدى أهم القضايا التي هزَّت إستقرار الإقليم، والتي واجهتها الحكومات التركية المتعاقبة بعنف وتبرُّم، منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، لدرجة أنها تحوَّلت الى مشكلة مزمنة، تهدد أمن البلاد وتستنزف إقتصادها وتضرب التنمية الشاملة، وصولاً الى الدرجة التي صارت معها تحدُّ من الدور الإقليمي الصاعد لتركيا، لا سيَّما في ظل الصراعات الإقليمية الجارية، ورغبة العديد من القوى لإستخدام القضية الكردية ورقة في صراعاتها وتطلعاتها.

فخلال العقود الماضية، ولا سيَّما في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، قامت الحكومات التركية المتعاقبة بقمع العديد من الإنتفاضات الكردية المسلحة، في إنكار واضح لأي وجود للمشكلة الكردية بالأساس، ومارست سياسة التبرُّم والتهميش والإقصاء ضدَّ المكوِّن الكردي. لكن ومع القضاء على كل إنتفاضة، كان الأكراد يتمسَّكون بقضيتهم أكثر فأكثر، ويثبتون قدرتهم على تنظيم أنفسهم من جديد، ويستأنفون دورات نضالهم الوطني بتراكم، بحثاً عن حقوق حُرموا منها، فهي حقوق لا يبدو أن الكرد على إستعداد للتنازل عنها، خاصة بعد أن إكتسبت القضية الكردية اليوم، بُعدا إقليمياً ودولياً في السنوات الأخيرة، وفي ظل ثورات الربيع العربي، التي أحْيت أمل الأكراد بوجود فرصة تاريخية، لنيل حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم القومية.

فجذور المشكلة الكردية تدخل عميقاً في التاريخ الانساني القديم، بعد أن تسبَّب سقوط الإمبراطورية الميدية التي أسَّسها الكرد، وتعرُّضهم لإستعباد الأقوام الهندو_أوروبية، التي نزحت لمنطقة كردستان الحالية، في ظهور شعور مبكِّر بالظلم وإغتصاب الهوية، إلاَّ أنه لم يتَّخذ ذلك مظاهر أو أبعاداً قومية في حينه، لكنه أسَّس لبقاء المشكلة التي مرَّت عليها فترات من الهدوء بعد دخول الإسلام للمناطق الكردية، والذي لعب الكرد دوراً اساسياً فيه وقد مارس الكُرد بعض من حقوقهم ضمن التجربة الإسلامية، وحرية تأسيس إمارات عديدة لهم، تحكم نفسها بنفسها في إطار الدولة الإسلامية، وذلك قبل أن تبدأ  بالظهور المعالم الحديثة للمشكلة الكردية بالتشكل والتبلور، منذ بدايات القرن السادس عشر في العصر الحديث، عند إصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م)، في معركة جالديران، والتي كان من نتائجها تقسيم كردستان عملياً بين الدولتين الصفوية والعثمانية، كانت كردستان قبل هذا التاريخ، مقسمة ضمن إمارات تستأثر السلطة فيها بصورة مستقلة تقوم على تنظيم شؤونها الداخلية، لكن سوء معاملة الشاه إسماعيل الصفوي، والإختلاف المذهبي، أدَّى إلى إنضمام أكثرية الإمارات إلى جانب الدولة العثمانية، فضلاً عن جهود العلامة الملا إدريس البدليسي، والذي لعب دوراً كبيراً في إستمالة الكرد إلى جانب الدولة العثمانية، وجاءت المعركة المذكورة، لتضع أغلبية أراضي كردستان تحت سيطرة العثمانيين.

من خلال هذه الإحاطة التاريخية، يشير المفكر والمناضل الأممي “عبدالله اوجالان” الى أن :”الثقافة الكردية قد تعرضت بكل مكوناتها المادية والمعنوية لإنكار تام وحظْر مطلق، وبُذلت الجهود لإتمام الإبادة الثقافية بسياسات الصهر اللامحدود، ولم تُتَح الفرصة للكرد، حتى لفتح روضة أطفال واحدة يُحيون فيها وجودهم الثقافي، فالثقافة الكردية بكل مقوماتها (الأدب والتاريخ والموسيقى والرسم والعالم وغيرها) أعتُبرت خارج القانون، وهذا لا مثيل له بتاتاً على وجه البسيطة”.(1)

تعريف القضية الكردية بحالتها الراهنة، هو أمر صعب ومعقد، سيَّما أنها قضية صارت مرتبطة وتتعلق بمكانتها العالمية، وبالأبعاد الثقافية واللغوية الأم، التي حُرموا منها طوال تاريخ تواجدهم على هذه الأرض، ولذلك كان النضال محقاً لهذا الشعب على مر التاريخ، لأنه بقدر ما يكون حكم السلطة مناَهضاً للديمقراطية في المجتمع ومتعارض معها، فإن الإدارة الذاتية للمجتمع الكردي وفي تركيا بالتحديد، مرتبط بالدرجة الأولى بالإدارة الديمقراطية في الممارسة، وبقدرة الإشراك المجتمعي في الإدارة، لنخلص بأن صلب العملية الديمقراطية تعريفاً ومصطلحاً، يكمن بالإدارة الذاتية التي يشارك فيها المجتمع.


جذور القضية الكردية في تركيا

لقد كرَّست جميع المعاهدات التي عقدت قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، تقسيم منطقة كردستان وشعبها بشكل مجْحف، وكما كل الدول والكيانات العربية، التي تعرَّضت للتقسيم والضمَّ والسَّلخ، وفقاً لمصالح الإنتداب والإستعمار، الذي كانت بذوره الرأسمالية نابتة، وتبحث عن ثروات لإعادة تكوينها في التشكل البرجوازي الأولي، خلال حقبة التطوُّر الرأسمالي القومي، وبسبب ذلك تعقدت المشكلة الكردية أكثر، ولا سيما بعد بدء إنتشار الفكر القومي في الشرق، منذ بداية القرن التاسع عشر، حيث بدأت الدول الأوروبية، عملية تواصلها بإقليم كردستان، عن طريق الرحالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات، وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية، فمارست كل هذه الجهات أدوارا مهمةً وخطيرة، في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الدولة الإيرانية، لأخذ الإمتيازات ولزيادة نفوذهم، وبالرغم من هذا، فإن الدولتين العثمانية والإيرانية، لم تتمكَّنا من بسْط سيطرتهما على كردستان لأسباب عدة، منها ما يتعلق بطبيعة كردستان المعقدة، وكذلك دفاع الكرد عن أراضيهم ببسالة.

فالصراع الدولي المفتوح حينها في الشرق الأوسط وإشتداده، خاصة بين القوتين البريطانية والروسية، أثرّ بشكل سلبيً في مستقبل الشعب الكردي، وأخْرج المشكلة الكردية من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، وذلك عبر شبكة الإتصالات التي قامت بها كل من روسيا ثم بريطانيا في وقت مبكر وإتصالاتهما بالكرد، كما حاولت فرنسا الأمرعينه، حيث كانت الحكومة الروسية مهتمة بأوضاع البلدان والشعوب الملاصقة لحدودها، ونظرت الحكومة البريطانية كذلك بقلق إلى المطامح الروسية، خوفاً من تمدُّد الروس إلى بلاد ما بين النهرين، وكانت شركة الهند الشرقية، من أهم بؤر التجسُّس في المنطقة، كما كانت هناك محاولات فرنسية للتغلغل في كردستان،عن طريق الإرساليات التبشيرية، كذلك كان هناك تواجد ودخول على القضية الكردية في المنطقة، من قبل الولايات المتحدة الأميركية، على عكس ما كان شائعاً من تطبيقها لمبدأ (مونرو) الذي كان يؤكد على عدم التورط في المشاكل السياسية خارج أميركا.

علماً أنه كانت هناك محاولات للكرد أنفسهم للتقرُّب من الأجانب، وخاصة البريطانيين في بداية القرن العشرين، حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة في هذا المجال، فحاول الإتصال بالإنجليز عام 1914، لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجِب له، وبحلول عام 1918، وعند إحتلال بريطانيا للعراق، طلبت وزارة الخارجية البريطانية من السفير برسي كوكس، اللقاء بشريف باشا في مدينة مرسيليا الفرنسية، للاستماع إلى أقواله فقط، وسبق ذلك، ما تمَّ حياكته في إتفاقية سايكس بيكو، مع إجتماع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، والذي دارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمَّنت الإتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمَّق بشكل متزايد، وعقَّد المشكلة الكردية، ليُخرجها من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، حيث تُعد معاهدة سايكس بيكو، أول معاهدة دولية إشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحطَّمت الآمال الكردية في تحقيق حقهم المشروع في تقرير المصير.(2)

إن أول محاولة لإمكانية حل المشكلة الكردية، برزت بعد الحرب العالمية الأولى، بسبب الحاجة الى إيجاد منطقة عازلة، بين أتراك الأناضول، والأقوام التي تتكلم اللغة التركية في آسيا الوسطى والقفقاس، وبصورة خاصة في أذربيجان، فتحرك الكرد لإستثمار الظروف الدولية، وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى، لنيل حقوقهم المشروعة، والإستفادة من مبادئ ويلْسون بحق الشعوب في تقرير المصير، باذلين جهوداً مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 كي ينالوا حقوقهم المشروعة، مستفيدين من مقررات ومبادرات رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولكن لم يكن للكرد كيان سياسي مستقل، حتى يشارك وفدهم رسمياً في ذلك المؤتمر، مثل كل القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك إنتدب الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا، لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة.

وأصدر الحلفاء في نهاية مؤتمرهم قراراً في شهر يناير/كانون الثاني 1919، نصَّ على إنتزاع كل من أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية بكاملها من الإمبراطورية العثمانية، فأصبح إقليم كردستان من المناطق التي يتشكل فيها الغالبية الكردية، لتصدر مذكرة جديدة عن المؤتمرين يتقرر فيها: بأن تجزئة كردستان أمرٌ لا يخدِم السلم في الشرق.


معاهدة سيفر (1920) ولوزان (1923)

تم إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكردية في معاهدة سيفرعام 1920 ، بمؤتمر الصلح بباريس، فتكرَّست معها عملية تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، رغم أنَّ الدولة العثمانية حاولت وقتها مراراً وصف القضية الكردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها، هذا وتُشكل معاهدة سيفر، أول وأهم وثيقة في تاريخ القضية الكردية، حيث نصَّت على تحقيق حل المشكلة الكردية على مراحل، وإذا إجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالإستقلال، ورأت دول الحلفاء أن لهم أهلية لذلك، يصبح الإستقلال أمرا واقعياً على الحكومة التركية الإعتراف بذلك، وهذا يُعد أول إعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيَّما حق تقرير المصير، حيث طرحت المسألة في العُرف القانوني للمعاهدات الدولية، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة، بأنَّها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة. ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق ولم ترَ النور، لكنها أصبحت محفِّزاً لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد، بسبب صعود نجم مصطفى أتاتورك والحركة الكمالية، وتوسيع مناطق نفوذ تركيا، وتراجع الغرب عن وعوده للكرد في معاهدة سيفر، وتناسيهم في معاهدة لوزان، التي جاءت لصالح ما أرادته تركيا الكمالية، وخوف الدول الأوروبية، وبالأخص بريطانيا، من إستغلال الشيوعيين في الإتحاد السوفياتي آنذاك، الصراع التركي_الكمالي مع الأوروبي لصالح نفوذهم في المنطقة.

لذلك بعد التوقيع على معاهدة سيفر طرحت فكرة إعادة النظر فيها، فعقد مؤتمر بلندن في فبراير/ شباط 1921، لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث إعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية، لكن الحكومة التركية أصرَّت على رؤيتها وبأنها قضية داخلية يمكن حلها، لا سيَّما وأن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك، حسب ما زعمت حكومة أنقرة آنذاك، لكن وأثناء إنعقاد مؤتمر لندن، عقدت حكومة أنقرة عدداً من الإتفاقيات الدولية، التي كرَّست الشرعية الدولية القانونية للنظام الجديد في تركيا، وألْغت جميع الإتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها حكومة الأستانة، ومن ضمنها معاهدة سيفر، كل ذلك أدَّى إلى تعزيز مكانة الحكومة التركية الجديدة، وبذلك فشل مؤتمر لندن، ووجَّه ضربة إضافية للآمال القومية الكردية.

بعد ذلك جاءت فكرة عقد معاهدة لوزان، بعد الإنتصارات الكبيرة التي حقَّقتها الحكومة التركية الجديدة على الجيش اليوناني، وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وقامت الحكومة الجديدة بتحسين العلاقة مع جارها الإتحاد السوفياتي، وعَقَدت مباحثات المعاهدة على فترتين، إستمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية إستمرت الفترة ذاتها ما بين ربيع وصيف عام 1923.(3) ونصَّت معاهدة لوزان، على أن تتعهد أنقرة، بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير ورود أية إشارة للكرد فيها، كما لم تتم الإشارة إلى معاهدة سيفر، فإعْتبر الكرد هذه المعاهدة ضربةٌ قاسية ضدَّ مستقبلهم ومحطِّمة لآمالهم، محمِّلين الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي، ولا سيَّما الحكومة البريطانية التي ألْحقت فيما بعد ولاية الموصل، التي يشكَّل الكرد فيها الأغلبية المطلقة بالعراق، ممَّا زاد في المشكلة الكردية تعقيداً، بعد أن توزَّع الشعب الكردي عمليا وقانونياً بين أربع دول، لتزداد معاناته، وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة، جُبِلت بالتوتُّر والعنف، الذي لم يجد حتى اليوم حلولاً عادلة، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكردية، تتشكل لكي تقود النضال والكفاح من أجل حق تقرير المصير.

وعليه، فقد مرَّت العلاقة بين الكرد والعثمانيين بمراحل خداع كبرى، معتبرين أن الأتراك هم حلفاء إستراتيجيون، في حين تعامل العثمانيون معهم على أنهم حليف مؤقت، مع مطامع في الهيمنة على ثرواتهم في المستقبل، كذلك لم يشفع للكرد الدور الذي قدَّموه في حروب الدولة العثمانية، خاصة في تقديم المساعدة خلال حروب الإستقلال 1919 – 1923 ،بعد الحرب العالمية الأولى، على أمل أن تكون تركيا حليفاً داعماً لمشروعهم كما كانوا عوناً لها، بعد أن قاتلوا أيضاً في صفوف الجيوش العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وقد شكَّلت هزيمة الدولة العثمانية 1918 وتوقيع معاهدة سيفر عام 1920، نقطة تحوُّل للقضية الكردية، فتوقَّع الكرد المساواة في الإدارة للدولة الجديدة، وتمَّ إشراكهم في أول برلمان تركي، لكن بعد توقيع إتفاقية لوزان 1923، سرعان التي ألْغت حكومة أنقرة إتفاقية سفير، ومع تطرُّف الكماليون في التعامل مع الشعب الكردي، ورفض أتاتورك آنذاك لحقوق الكرد، التي تضمنتها نصوص معاهدة سيفر، جعل الحكومة التركية الجديدة تنقلب عليهم، وتفرض سياسات التتريك، لصهر الهوية الكردية في المجتمع التركي، فتزايدت حالات القمع العنيفة لهم من قبل النظام التركي، وبدأوا من جديد عملية التأطير وتنظيم الكفاح النضالي، لتثبيت حقوقهم التاريخية الشرعية والمشروعة.

أولاً، وفي بداية دفاع الكرد عن وجودهم أمام سياسات الإبادة والتصفية، تكوَّنت الحركة المسلَّحة بقيادة الشيخ سعيد بيران، وإمتدت معارك الإنتفاضة شاملة 14 ولاية في معظم الأراضي الكردية جنوب شرقي تركيا، ونجحت هذه الإنتفاضة في محاصرة مدينة آمد / ديار بكر الإستراتيجية، لكن قامت قوات أتاتورك بتفكيك الحصار، وتمكَّنت من قمعها وتمَّ إعتقال الشيخ سعيد ورفاقه من قادة الحركة، والحكم عليه بالإعدام، ومعه حوالي خمسين شخصاً من قادة الكرد، ليتم تنفيذ الحكم في 1925، وشنَّت الحكومة التركية كذلك حملة إعتقالات وتصفيات واسعة بالمناطق الكردية في تركيا، حتى بلغ عدد القتلى من الكرد في تلك الأحداث عشرات الآلاف، كما تمَّ إعتبار مجرَّد التلفُّظ بكلمة أكراد بمثابة عملٍ جنائي.

هذا وتُعتبر إنتفاضة الشيخ (بيران)، الأساس وحجر الزاوية الذي قامت عليه الكثير من نقاط التحوُّل في المِلف الكردي، فمع القضاء على كل إنتفاضة كردية، كان التمسُّك بالقضية من قبل الشعب الكردي، يزداد أكثر فأكثر لدى المكوِّنات الكردية، التي أثبتت قدرتها على تنظيم ذاتها على الدوام، في طريق الدفاع عن النفس والحقوق المطالَب بها، وعدم التنازل عن البندقية والنزول من المعاقل الجبلية، قبل الحصول على الحقوق الكردية المسلوبة، وأدَّى القمع التركي للهوية الكردية، إلى صراع دموي طال أمده لأكثر من قرن، فقد نفذت الحكومة الكردية في 1925 مجزرة في ديار بكر، أعدمت فيها مدنيين، فدمَّرت حوالي 200 قرية تدميراً كاملاً وسوَّتها بالأرض، وقتل أكثر من 15 ألف شخص، كما عملت على إعادة توطين المئات ومُنع إستخدام اللّغة الكردية، وحُرم الأكراد من كافة الحقوق الإنسانية، لا سيما أنه كان يحظَّر قول كلمة أكراد، فأطلق عليهم أتراك الجبل، وتمَّ قمع كافة المحاولات الرامية لإستعادة حقوق الكرد.

حزب العمال الكردستاني

أطلق المفكر والقائد السياسي “عبد الله أوجلان” ورفاقه في بداية سبعينيات القرن الماضي، حركة إنتفاضية ضدَّ القمع التركي المستمر للهوية الكردية، حيث كان هناك غلوٌّ في ممارسة العنصرية التركية بشكل متزايد على كل المناطق التركية، فإعتبرها الأكراد بمثابة دفنٍ لكلِّ محاولاتهم ونضالاتهم التاريخية، بعد إعدام الشيخ سعيد بيران، وقمع كافة المحاولات التي وُلدت بعده، لإستعادة حقوق الكرد أو على الأقل رفع القمع عنهم، إذ تأسس في العام 1978 حزب العمال الكردستاني الــ” “PKK  بطريقة سرية، على أيدي مجموعة من الطلاب برئاسة “عبدالله أوجالان”.

وتُعد فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، من أكثر فترات الصراع الدموي بين تركيا والمقاتلين الأكراد، بعد أن مرَّت تركيا بتقلُّبات عديدة، منها تزايد القمع الذي أدَّى إلى لجوء الكثير من المقاتلين الكرد إلى دول الجوار، وتنقُّل الأغلبية منهم ما بين سوريا والعراق، ومنهم من لجأ إلى الإتحاد الأوروبي، وإستمر العمل على نشر التوعية، بضرورة إعادة إحياء وتثبيت النضال القومي القضية الكردية، وإظهار حقائق إضطهاد الكرد في تركيا، فإستقر المفكر السياسي “عبد الله أوجلان” زعيم الحزب آنذاك بين لبنان وسوريا، ومناطق مخيمات الحركات الفلسطينية، وبدأ بإدارة الحزب. وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي، تمَّ التجهيز لشن عملية مسلَّحة ضد أهداف عسكرية تركية، رداً على القمع التركي للهوية الكردية، وكانت هذه هي أبرز الإنتفاضات الكردية، الذي إستمرَّت خلاله المواجهات المسلحة بين القوات التركية، وعناصر حزب العمال الكردستاني، وتعاظمت قوة الحزب في بداية التسعينات، وإتخذ قراراً بزيادة العلاقات الخارجية، وإصدار بعض الصحف، منها صحيفة الشعوب الحرة، وصحيفة البلاد، وديلان، كما تمَّ تأسيس حزب العمل الشعبي للمشاركة في الانتخابات البرلمانية التركية، والإنخراط في الساحة السياسية.

هذا وشكَّل الدعم الذي وفرته سوريا حينها، للمناضل أوجالان عاملاً أساسياً، في تزايد وإستمرار التوتُّر بين سوريا وتركيا، وإتخاذ أنقرة ذلك ذريعة لمحاصرة الحدود وحشد الجيش، ومطالبة الحكومة السورية بالتوقف عن دعم حزب العمال الكردستاني، وإشتدت الأزمة السياسية بين البلدين في عام 1998، بعد أن حشدت تركيا قواتها على الحدود مع سوريا، وهدَّدت بإجتياح الأراضي السورية في حال إستمر الدعم السوري للأكراد، وتدخَّلت مصر والجامعة العربية وإيران، للتوسط في إنهاء هذا التصعيد، وتمَّ التوصُّل الى تفاهم بين الحكومتين السورية والتركية، إقتضى بإخراج “عبد الله أوجلان” من سوريا، وبعدم السماح له بدخول الحدود السورية مرة أخرى، وكذلك السماح لعناصر حزب العمال الكردستاني مرة أخرى بدخول سوريا، وبأن يتمَّ تعليق كافة أنشطة الحزب ومعسكراته المتواجدة في سوريا في هذا الوقت.

إنتقل بعد ذلك أوجالان إلى روسيا، ثم إيطاليا ومنها إلى اليونان ثم كينيا، وفي عام 1999 عقدت تركيا صفقة مع الموساد الإسرائيلي، لاختطاف المناضل “عبد الله أوجلان”، وإعتقلته وتمَّ إعادته الى تركيا، ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى، والتي قضت فيها المحكمة بإعدامه، لكن في العام 2002 ،حوَّلت تركيا حكم إعدام أوجالان إلى السجن المؤبَّد في “إمرلي”، وهو سجن شديد الحراسة، ضمن سياسة إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا آنذاك، للتلائم مع قوانين الإتحاد الأوروبي. وهنا يمكن القول الى أنه بالنظر لِما أسهم به المفكر “عبدالله أوجالان” في إدارة النضال الكردي، بتقديمه أطروحة الأمة الديمقراطية، فهو يُعتبر أنموذجاً حقيقياً للتنظيم السياسي والإجتماعي، الذي تجاوز أنموذج الدولة القومية، الذي يعبر عنه المجتمع وليس السلطة، وبالرغم من ذلك لم تتوقف مسيرته بإعتقاله، بل إستمرت أفكاره بالإنتشار، ويجري تطبيقها في الإنتفاضة الكردية المستمرة المنادية بحقوق الكرد، فباتت هي الأساس الذي يقوم عليه الوعْي الكردي المتطور، لتأكيد الهوية الثقافية الكردية، وتطويرها أمام التحديات التي تهدف لإعاقتها، لا سيما أنظمة الحكم التي تعتبرها تشكل تهديداً لوحدة أراضيها. (4)

وهو ما أشار إليه بحد ذاته أوجالان، في كتابه الخامس (مانيفستو الحضارة الديمقراطية)، إلى كون الواقع الإجتماعي الكردي في تركيا، مُعرَّض إلى التصفية شديدة الوطأة، بحجَّة خلق مجتمع متجانس، كذريعة للإفناء وسحق الرؤوس، بهدف فرض التخلِّي الجماعي والكلِّي عن الكردايتية، حتى لا يتبقى سوى أشخاص يائسون يخجلون من هويتهم الكردية، عاطلون عن العمل، مؤكداً أن هذه المحاولات الزائفة للإرغام القسري والإبادة في كثير من الأحيان، تتطلب ضرورة عدم الإستخفاف بتاتاً حتى بالموقفية في ذكر الحقائق بشق الأنفس في السطور.


هواجس النظام التركي

لا يزال جرح القضية الكردية نازفاً، إذ أنَّ حلَّها أمرٌ يتطلب المجهود الكبير من أجل تحقيقه شيئاً فشيئاً، نظراً لتضارب المصالح الدولية وتشعُّب التدخلات الخارجية الداخلة على خط الأزمة، كذلك في ظلِّ الرفض المطلق لنظام أنقرة، لكافة المطالب الكردية، وتزايد الصراعات المسلحة بين الطرفين، حيث شكَّل التوغُّل التركي مؤخراً بالتعدِّي على شمال العراق، والقصف المستمر لطائرات تركيا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، حتى خلال العام 2024، بالإضافة لقيام أنقرة  بتدمير البنية التحتية لمناطق سيطرة الكرد في سوريا. فقد أقدمت تركيا على محاربة الكرد في سوريا والعراق، وليس فقط قمعهم داخل الأراضي التركية، فإتخذت من قضيتهم ذريعة، لإحتلال مناطق واسعة من أراضي الدول العربية المجاورة، وموسِّعة لنفوذها الإقليمي، وذلك لعدة إعتبارات تتعلَّق بالمخاوف الأمنية، إذ تعتبر تركيا أن حصول الكرد على حقوق سياسية في أي من دول الجوار، يشكِل مصدر تهديدٍ أمني لها، وهي صنَّفت الكرد بأنهم مجموعات إرهابية، وعملت على قمع الهوية الكردية على مدار عقود بل وقرون، فما زالت السياسة التركية في التعامل مع الملف الكردي، نابعة من رؤية أمنية بحتة، ترتبط بهواجس وتخوُّف من الهوية الكردية، خاصة لجهة تنامي رغبات الإدارة الذاتية، ومطالبها لدى الكرد في الداخل التركي.

كما يظهر الى السطح، ما تعتبره أنقرة تهديداً لنفوذها الإقليمي، بعد أن حقّقت تفوُّقاً في فرض هيمنتها على مناطق واسعة من أراضي الدول المجاورة في سوريا والعراق، وتمكَّنت من الإمساك بالكثير من أوراق الضغط،  في وجه حكومات هذه الدول، لا سيَّما في مِلف المياه كالعراق وسوريا مثلاً، وحقَّقت العديد من المكاسب، تحت ذريعة محاربة التنظيمات التي تصنِّفها إرهابية، لا سيَّما قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري(قسد)، وحزب العمال الكردستاني في العراق، في حين أن حلم تركيا بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، والتطلع اليه قائماً بقوة، حيث تقدم أنقرة الكثير من أجل الوصول إلى هذا الهدف، لكن تبقى هناك بعض العوائق المتعلِّقة بشروط الإنضمام عائقاً أمام تركيا منذ عام 1987، من بينها توافر درجة عالية من الإستقرار السياسي داخل الدولة، إذ يشكل الكرد 20% من تركيا، ممَّا يهدِّد إمكانية فرض السيطرة وحفظ الإستقرار، لا سيما في حال تصاعدت رغبات الكرد، ومطالبتهم بإدارة ذاتية لإقليم منفصل إدارياً، مساواة بالوضع في إقليم كردستان العراق.

هذا كلُّه يوفِّر ويعطي تركيا الإمكانية والحجَّة بعدم الإستعداد لتسوية المسألة الكردية، رغم توافر القناعة لدى كل من الأتراك والكرد، بأن الحلول الأمنية والعسكرية، أصبحت شبه مستحيلة لإنهاء الصراع وتأمين الإستقرار، ومع إنطلاق بعض المبادرات مع وصول حزب العدالة والتنمية في 2002 لتسوية القضية الكردية، لا يبدو أن تركيا لديها إستعداد للنظر في حل القضية الكردية، أو إجراء أي تغيير في سياساتها تجاه هذه القضية، لأنَّ ذلك يتطلَّب مجموعة  من الشروط المتعلِّقة بالطرفين، وجوانب أخرى متعلقة بالبيئة الإقليمية والدولية، والتي من دون توافرها، يبقى هناك صعوبات عديدة أمام حل القضية الكردية، فلم تتغير هواجس تركيا من الهوية الكردية، كما أن التحوُّلات الدولية التي قد تمنح الفرص للمبادرات الرامية إلى تقديم الحلول للملف الكردي، تبقى نسبية ومتغيِّرة ويحكمها التقلبات الدائمة وعدم التوازن، بالإضافة الى إنعدام وجود القرار الدولي لحل القضية الكردية، حيث شكَّلت المواقف الأوروبية السلبية، إحدى أهم معوِّقات الحل، وبخاصة أن أوروبا كان لها دور كبير في تقسيم الكرد، وبقائهم من دون حقوق، وجعل وطنهم بؤرة توتّر خدمة لأجندات القوى الكبرى ومصالحها.


القضية الكردية في تركيا وآفاق الحلول

المناضل أوجالان وفي مرافعته المقدمة لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية تحت عنوان: “دفاعاً عن الشعب”، والمكتوبة في عام 2004، قال فيها:” قد يكون فتح بلاد البلقان أو إسطنبول ذا معنى، أما البرهنة على أن ديار بكر لم تفتح إطلاقا، وأنه تمَّ التحرك فيها بسياسات مشتركة منذ عهد السلاجقة، وأن التاريخ الأصلي هو هكذا، فيُعَد إعتداءً على حق الفتح وإيديولوجيته، بيد أننا أوضحنا كيف أنَّ الكرد القاطنين في أراضيهم منذ ما يناهز الخمسة عشر ألف عاما، وأسسوا ثقافتهم فيها، وصاروا أصحاب وطن عليها، إنما هم أصحاب حق دارج يضاهي حق الفتح بآلاف المرات، كيف يصبح وطن الكرد بضربة واحدة ملكا للعربي أو التركي أو العجمي، بينما هو على الأقل مصدر الحق الأول للكردي، الذي زرع أراضيه صيفا شتاء، وحولها إلى حقول خضراء يانعة، وأسس القرى والمدن عليها، وإجترَّ آلامها وهمومها آلافاً من السنين، وقاوم لأجلها، ومات على ثراها، وسكب نور عينيه على كل شبر فيها، وعاش فوق أراضيها، وكوّن وجوده الإجتماعي عليها بكل أشكال الكدح، تماما كمن يقوم بتطريز نسيج ما، بمقدور الكردي الزعم أمام هؤلاء قائلا: لربما فتحت أنت هذه الأراضي عن باطل لمرة واحدة، ولكنني أفتحها كل يوم بإمدادي إياها بمئات الأجيال”.

هناك صعوبة وإستحالة في تعريف المجتمع الكردي من دون وطن، ووصعب أيضاً على مجتمع بلا وطن أن يستمر بوجوده، أو يتخلَّص من التعرض للتصفية والزوال والتشرذم على التوالي في هذه الحالة، فمن المستحيل إنكار وجود كردستان، حتى لو كان واقع وطن يعاني من صلف الإستعمار والإبادة . فهي وطن مشترك يتشاطره أيضا الأرمن السريان والتركمان والعرب ضمن أجواء مفعمة بالديمقراطية والمساواة، وكذلك كل فرد أو ثقافة تطمح في العيش على ثراه بحرية، إذن الدفاع عن الكرد، وهو في نفس الوقت، دفاع عن كل شعوب ومكونات المنطقة.(5)

فالأساس الذي تقوم عليه سياسات تركيا تجاه الكرد، هو إتِّباع التشدد وإنتهاج الحلول الأمنية، وهذا العنف التركي المتصاعد في التعامل مع الكرد حتى في سوريا والعراق، له موروث وإستحضار تاريخي لديهم، في نبذ ومناهضة التنوع العرقي أو الديني للشعوب الموجودة ضمن الجمهورية التركية، وهذا يدلُّ على أن الهوية القومية التركية، شكلت على الدوام عنصر تفريق، وليس مصدر الوحدة والجمع، وقد تأثر وإنعكس  ذلك كله على حزب العدالة والتنمية عبر حالات الإنشقاق في المجتمع التركي، فهذا واضح من خلال هزيمته في الإنتخابات الأخيرة بأكبر المدن التركية لا سيما إسطنبول.

ولأن القضية الكردية تميَّزت بصراعات سياسية وثقافية عبر تاريخ ساحق في الزمن، فهي تُعد واحدةً من أكثر القضايا تعقيدًا في تاريخ تركيا، وما زالت تمثِّل تحديًا سياسيًا وأمنيًا مستمرًا، له إنعكاساته وتأثيراته على إستقرار البلاد وأمنها، كونه يشكّل جزءًا أساسياً من الحوار حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا، ولذلك  طرحت مبادرةٌ جديدةٌ من الحكومة التركية بهدف معالجتها بشكلٍ شامل، من خلال إعطاء المناضل عبد الله أوجلان، بعض “الأمل” مقابل حل حزب العمال الكردستاني وتسليم السلاح، وهي رغبة لها مسبِّباتها من عدة محاور، منها حاجة أنقرة الى تعزيز الوحدة الوطنية التي تشرزمت، وكذلك الى الإستقرار الداخلي، وتقليل التوترات في مناطق جنوب شرق البلاد، وتعزيز الإقتصاد بدمج الأكراد في العملية السياسية والإجتماعية، كذلك سعي تركيا إلى تحسين صورتها الدولية، وفَتْحِ آفاقٍ جديدةٍ للتعاون مع المجتمع الدولي، ولذلك كان طرح مبادرة دولت بهتشلي الأخيرة لحل القضية الكردية بشكل شامل، كما كان سبقها مبادرات لحزب العدالة والتنمية، تصب في هذا الشأن، لكنها لم تصل بعد الى خواتيم حميدة،.


مبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، أبدى الرئيس رجب طيب أردوغان إستعداده للإستماع إلى المطالـب السياسـية الكردية، المتعلِّقة بحقوقهم، وإجراء مفاوضات سـلامٍ مع حزب العمال الكردستاني، وأعلن عام 2005، أن الردَّ على المظالم المستمرة التي يتعرَّض لها الأكراد منذ فترةٍ طويلة، ليس القمع بل المزيد من الديمقراطية، وفي العام 2009 أطلقت الحكومة التركية مبادرةً لمعالجةِ المسألة الكردية، تهدف لوضعِ حدٍ للصراع المسـلح، من خـلال نـزْعِ سـلاح وتسريـح حـزب العمال الكردستاني، إلاَّ أن هذه المبادرة باءتْ بالفشلِ، بسبب عدم تنفيذ التدابير التي أعلن عنها في المبادرة، وإشتداد المواجهات بين الحزب والجيش التركي.

بعد ذلك، أطلقت مبادرة جديدة في عام  2013 عُرفت بعملية “إمرالي”، بعد إندلاع أعمال العنف في سوريا، وظهرت إمكانيةُ تمتّعِ إقليم كردستان بالحكم الذاتي في سوريا، وقيام هذا الكيان الكردي بجانب حكومة إقليم كردستان العراق، ما يعنـي الإعـتراف بكيانين كرديين رسمياً، وهو ما يُعطي أملاً للأكراد في جنوب شرق تركيا، في إقامة كيان كردي مماثل وتحقيق إستقلالهم، كما تضمَّنت عملية “إمرالي” إجراءَ مفاوضات بين الإستخبارات الوطنية التركية والمناضل عبد الله أوجالان زعيم الحزب، لإنهاء الأعمال العدائية ونزْعِ السلاح من الحزب، وقد كان أوجلان مؤيداً تماماً لعملية السلام، وهدَّد بالحرب والفوضى في حال عدم حلِّ القضية مستقبلاً، وعلى الرغم من التحدِّيات، حصلت هذه العملية على دعمٍ غير مسبوق من الدوائر الدولية المختلفة، إلاَّ أنها باءت بالفشل أيضًا وأعلن إردوغان حينها، أن تركيا ليس بها مشكلةٌ كرديةٌ، ليبدأ القتال مجدداً  في  عام 2015.

ولا يزال حزبُ العمال الكردستاني ينشط الى اليوم، بشكل رئيسي في جنوب شرق تركيا، وخاصة في المناطق الكردية مثل ديار بكر، وإن، وماردين، وباتمان، ويُعتقد أن له وجودًا في المناطق الجبلية النائية، كما يتواجد في العراق، وبشكلٍ رئيسيٍ في جبال قنديل شمال العراق، ولديه وجودٌ في بعض المناطق الأخرى في شمال العراق، قوات من كرد العراق يستندون لفكر السيد أوجلان مثل سنجار ومناطق في محافظة دهوك، وفي سوريا، حيث أن وحدات حماية الشعب (YPG)، التي تعتبر القوة الرئيسية في الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا هي ايضاً تتبنى فكر السيد أوجلان.


مبادرة “دولت بهتشلي”

تمَّ إطلاق مبادرةً جديدةً لحلِّ القضية الكردية، عبر مصافحة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، وشريك الرئيس التركي أردوغان في تحالف الشعب، لقيادات ونواب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب المؤيد للأكراد، في الجلسة الإفتتاحية للعام التشريعي الجديد مؤخراً، ثم أعلن بهتشلي لاحقًا خلال كلمته أمام إجتماع الكتلة البرلمانية لحزب الحركة القومية، عن إمكانية حضور زعيم “حزب العمال الكردستان” عبد الله أوجلان، إلى البرلمان بعد إنهاء عزله، وقد أكد الرئيس التركي على أهمية إستغلال هذه الفرصة التي يقدمها التحالف الحاكم، مما يعني أن المبادرةَ ليست نهجاً سياسياً حزبياً.

وقد نالت هذه المبادرة ردودَ فعلٍ متباينة في الأوساط السياسية، لا سيَّما داخل المعارضة التي إنقسمت بين مؤيدٍ ومعارضٍ، ما بين الزعيمة المشاركة لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، “تولاي حاتم أغولاري”، التي أعربت عن ترحيبها بالتصريحات، وإستعداد الحزب لتولي زمام المبادرة من أجل تحقيق السلام، وما بين ردود الفِعل الحادة من بعض أحزاب المعارضة، لرئيس حزب الجيد القومي “مساوات درويش أوغلو”، والذي سخر من مطالبة بهتشلي السابقة بإعدام أوجلان، معتبراً أن دعوة بهتشلي الأخيرة، هي محاولةً لتحقيق أهدافٍ سياسية أوسع، تتمثل في وضع دستورٍ جديدٍ يتيحُ ترشَّح أردوغان للرئاسة مرة أخرى.

لكن بعد هذه التصريحات نقل عمر أوجلان، النائب البرلماني عن حزب الديمقراطية والمساواة، وإبن شقيق عبد الله أوجلان الرسالة الأولى من عمه، في أول زيارة من عائلته بعد سنين من الإنقطاع، حيث قال خلال هذه الرسالة انه إذا ما توفرت الظروف الملائمة، فإنني أمتلك القدرة الفكرية والعملية لتحويل الوضع الراهن من الصراع والعنف، إلى مسار من النقاش والحوار ضمن الأطر القانونية والسياسية، كما حدث بعد تصريحات بهتشلي بيوم واحد، هجوماً على شركة صناعات الطيران والفضاء التركية توساش، ما أودى بحياة خمسة أشخاص، وإصابة إثنين وعشرين، مما أثار ردود فعل واسعة في أوساط المسؤولين الحكوميين وأطراف دوليين، ورداً على هذا الهجوم قصفت القوات التركية 47 هدفا لحزب العمال الكردستاني شمال العراق وسوريا، فيما أعلن الحزب لاحقاً مسؤوليته عن الهجوم في بيان، كشف فيه إنه تمَّ التخطيطُ للهجوم منذ فترة طويلة، مضيفًا أنّه لا علاقة له بالأجندة السياسية التي تمَّت مناقشتها مؤخرًا في تركيا، وأكد هوية منفذي الهجوم اللذان تم تحييدهما بعد الحادث.

من خلال كل ما ورد، تتعدد الأسباب التي تجعل من أنقرة ساعية الى طرح مبادرات الحل للقضية الكردية، وسط معاناة لجملة من التحديات التي تفرضها القضية الكردية منذ سنوات طويلة، كأكثر القضايا تعقيداً في الشرق الأوسط، التي تتداخل فيها العواملُ السياسية والاجتماعية والثقافية، حيث أنه وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، أصبح من الضروري إيجادُ حلولٍ سلميةٍ مستدامة للقضية الكردية، بسعي تركي واضح، نظراً لما سينعكس إيجاباً على الداخل التركي،فحل هذه القضية يمكن أن يساهم في تعزيز الإستقرار الإجتماعي، خاصة عند شعور الأكراد بأن حقوقهم مشروعة ومحمية، وسوف يقلل من حدة التوتر وفرص إندلاع الصراعات المسلحة، مما يؤدي إلى بيئة أكثر أمانًا لجميع المواطنين داخل الدولة، كما ويساهم في تعزيز الهوية الوطنية التركية، من خلال إدماج الأكراد بشكلٍ فعّال في المجتمع والسياسة، وبالتالي يتولّد شعورٌ أكبر بالإنتماء والتعاون بين مختلف مكونات الشعب التركي.(5)

هذا الحل للقضية الكردية في تركيا ربما بل وبالتأكيد سيعزز من تحقيق تنمية إقتصادية، فالمشاكل الإقتصادية تزداد في المناطق التي يعيش فيها الأكراد بكثافة، ومعالجة القضية يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للإستثمار، وتؤدي إلى تحسين البنية التحتية وخلْقِ فرص عملٍ، وبالتالي رفع مستوى المعيشة في تلك المناطق، كما ستوفر النفقات التي تضعها الحكومة التركية في مواجهة الهجمات التي ينفذها حزب العمال الكردستاني.

ومن ناحية ثانية، يرى بعض من المراقبين أن إستخدام العنف المسلح في جبال كردستان لم يعد يجدي اليوم، بل يعتقد هؤلاء أن السلاح والعمل الكفاحي المسلح، صار عبئاً على القضية الكردية ومساراتها الكفاحية، لأنه يخلق مناخات صدامية وإنقسامات عامودية، تضعف موقف الكرد في تركيا والجوار، طالما أن العملية  السياسية ناجحة لديهم في تركيا وتمثيلهم البرلماني وصل الى أعلى مستوى، ويمكن أن يساعد القضية الكردية من خلال الحكومة والدخول إليها، لكن الخيار العسكري الذي تعتمده تركيا عادة للتعامل مع القضية الكردية لم يترك للكرد سوى الدفاع عن أنفسهم وفق الكثير من الكرد. ويبدو أن هناك عوامل أخرى، تريد أن تطبع أو تدمغ نضالات الكرد اليوم بصبغة الإرهاب دوما، وهو ما يتنبه لها أوجالان بالتأكيد، لكن عملية خروجة من السجن حتماً، ستؤسس لمسارات سلمية، من أجل تحقيق المكاسب التاريخية للكرد والتي راكموها لمئات السنين.كما تُعدُ القضيةُ الكردية عاملاً مؤثراً في مسار عملية التطبيع التركي السوري، ويُسهم ذلك في إستقرار المناطق الحدودية، بالإضافة الى حاجة أنقرة لتوحيد الجبهة الداخلية في مواجهة التهديدات الإقليمية، إذ أن خطاب الإنفتاح تجاه الحالة السياسية الكردية في الداخل، يُعدُّ جزءاً من أدوات التكييف الت المركية للحد من المخاطر المتزايدة، التي ترتبط بالتوترات الإقليمية، وتحصين الجبهة الداخلية، وهو الأمر الذي تحدث عنه الرئيس أردوغان خلال مشاركته بإجتماعٍ موسّعٍ لحزب “العدالة والتنمية”، وتأكيده على ضرورة تعزيز الجبهة التركية الداخلية، في ظل إقتراب النار التي أشعلتها إسرائيل في غزة ولبنان.

ويبدو أن تخوُّف الحكم التركي سابقاً كان في محله، جراء غزو إسرائيل لجنوب سوريا، على إعتبار أن أي سيطرةٍ إسرائيلية على العاصمة السورية، ستؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للبلاد، فلن يقتصرَ الأمر على دمشق، فمن الممكن أن يمتد إلى الشمال السوري، ممَّا يشكل بدوره تهديداً مباشراً للأمن التركي على حدوده الجنوبية، وكذلك أيُّ صراعٍ في جنوب سوريا، يمكن أن يُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية، مما يؤثر على دعم الأكراد في مناطقهم، كما تعتبر أنقرة أن وحدات حماية الشعب، قد تستفيد من حالة زيادة عدم الإستقرار نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن أيَّ تصعيدٍ عسكريٍ في المنطقة، قد يساهم في زيادة المخاوف التركية من إنتشار الأكراد في المناطق الحدودية، وتَدفقِ اللاجئين لا سيما الأكراد، ممَّا يزيد من التحديات أمام الحكومة التركية في التعامل مع قضايا الهوية والإندماج.

شهدت سياسة تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، تحوُّلات إجتماعية وسياسية مهمة، ومن بينها محاولة مقاربة القضية الكردية وحلها سلميا، من خلال الربط بين هذه القضية والإصلاحات التي أجرتها الحكومة، وإنتهاج مساع كطرح خريطة الطريق الكردية التي قدمها أردوغان عام 2009، قبل أن يتراجع عنها لصالح خطة الإنفتاح الديمقراطي، فسياسة تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، شهدت تحولات إجتماعية وسياسية مهمة لحل القضية الكردية سلمياً، من خلال سلسلة من الإجراءات الإنفتاحية، وإتخاذ سلسلة خطوات إنفتاحية، كالبث التلفزيوني باللغة الكردية، وحق التعلم بها، لكن كل ذلك بالتوازي مع الإستمرار في سياسة وضع حزب العمال الكردستاني في خانة الإرهاب، ورفض الحوار معه أو الإعتراف به، ومواصلة النهج الأمني ضده، سواء في داخل تركيا أو خارجها.

فهذه المبادرة الجديدة لحلِّ القضية الكردية في تركيا، شكَّلت خطوةً مهمة، نحو معالجة إحدى أكثر القضايا تعقيدًا في البلاد، للسعي نحو تعزيز الوحدة الوطنية والإستقرار الداخلي، وتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي،لان المجتمع الكردي بدأ بوضع خطواته الأولى نحو وتثبيتها في الحصول على حقوقه التاريخية المشروعة التي كلفته الكثير من التضحيات والدماء والدمار، ومع ذلك سيواجهُ هذا المسار الجديدُ صعوباتٍ وتحدياتٍ كبيرةً، إذ يتطلب الأمر إلتزامًا جادًا من جميع الأطراف المعنية، لضمان نجاح هذه المبادرة وتحقيق السلام المستدام، كما ستواجه تحديات تتعلَّق بقيادة حزب العمال الكردستاني في العراق، فلا يتوقع أن يتخلّى الحزبُ عن سلاحه بسهولة، بل ستحتاج القضية إلى وجود ضماناتٍ وآلياتٍ دبلوماسيةٍ، وربما مراقبين دوليين للإشراف على سيْرِ هذه العملية، وهو طلب مشروع.

فرؤية حكومة أنقرة للحل وفق ما سربته الصحافة التركية، تقوم على وقف إطلاق النار، وإنسحاب المقاتلين الأكراد من الداخل التركي إلى معاقل الحزب في جبال قنديل، والبدء في نزع سلاح المقاتلين، وإصدار عفو عام عن عناصر الحزب، مع بحث مصير قياداته وتأمين ملجأ لهم، وإطلاق سراح المئات من السجناء الأكراد، ضمن خطوات متسلسلة تسمح بالإنتقال إلى المرحلة الثانية، أي مرحلة المعالجة السياسية، وتقوم على إقرار قانون للإدارة المحلية، يشمل كل تركيا وليس المناطق الكردية فقط، وفي المقابل تقوم الرؤية الكردية على خطوات تتعلق بالنظر في وضع أوجالان في السجن، والعفو العام والشامل عن جميع عناصر وقيادات الحزب في الداخل والخارج، وكذلك الإعتراف بالهوية الكردية دستوريا، ومنحهم حكما ذاتياً أو إدارة ذاتية في مناطق جنوب شرقي البلاد.

ولإجراء مقارنة بين الرؤيتين، نجد بأن الجانب التركي، يركِّز على نزع سلاح الحزب الكردستاني، والتهرُّب من أي إعتراف بكيان ذاتي للأكراد، فيما الجانب الكردي يركِّز على حل متكامل، يربط نزع سلاحه بحل سياسي شامل ودائم، لكن وعلى الرغم من مرور أكثر من ربع قرن على وجود أوجالان في السجن، فإن الرجل ما زال صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد مصير القضية الكردية في تركيا، وفي تحديد سياسة حزب العمال الكردستاني منذ تأسيسه، وقد أدركت الحكومة التركية أخيراً هذه الحقيقة، آملة بإقتناعه بتوجيه رسائل إلى القيادات العسكرية لحزبه، من أجل نزع سلاحه والإنخراط في تسوية سياسية، لكن ما لا تعرفه أنقرة عن أوجالان، أن هذا الرجل لا يثق بالوعود التركية، وهو طالما رأى فيها نوعا من المناورة السياسية لتحقيق أهداف محددة، سواء أكانت إنتخابية أو سياسية، أو من أجل كسب أوراق محددة، منطلقاً من تجربته سابقاً، عندما قام الرئيس العراقي جلال الطالباني بوساطة بينه وبين الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال، وكانت النتيجة، أقرار أوزال بصيغة الفدرالية لحل القضية الكردية، ولكن سرعان ما توفي أوزال في ظروف غامضة، وسط تقارير إستخبارية تقول إنه مات مسموما بعد أسابيع من كشف المحادثات غير المباشرة التي جرت بينهما.

لكن تبدو اليوم الظروف مختلفة عن مرحلة أوزال، فحزب العدالة والتنمية الحاكم، متحرِّر من هيمنة الجيش والدولة العميقة، وهذا يعطيه المزيد من عناصر القوة لإتخاذ خطوات تاريخية، في حل القضية الكردية سلميا، مع الإقرار بصعوبة ذلك، نظرا لتركيبة أسس بنيان الدولة التركية العام تاريخيا، وكل ما شكل من ثقافة وقيم وإدارة وآليات، فليس من السهل التخلُّص منها، دون الإقتناع بوجود مصلحة إستراتيجية من وراء ذلك، يبقى الثابت أن إنخراط الحكومة التركية في مفاوضات مباشرة مع أوجلان دون وسطاء، بغية التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية، يشكل دليلاً على توفر القناعة بأهمية حل هذه القضية سلميا لأسباب داخلية وخارجية، كونها تدرك أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع إنزال مقاتلي حزب العمال من الجبال، فليس هناك أي حزب في الساحة الكردية التركية، يستطيع أن يحل محل حزب العمال أو أن يكون بديلا عنه، وأنقرة تدرك في العمق أنه حتى حزب السلام والديمقراطية الكردي الممثل في البرلمان بـ57 نائبا، ليس سوى الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، وفق الرؤية التركية ويأتمر هو الآخر بأوامر أوجالان، وعليه فإن الرجل وبصورة واضحة هو العقدة والحل، ويبدو أن أنقرة بالتفاوض معه مباشرة، قرَّرت الإنتقال إلى ضفة الحل الممكنة رغم صعوبته.

مبادرة بهتشلي توضع في إطار الديناميكيات الداخلية الجديدة التي ظهرت بعد الإنتخابات المحلية، بالإضافة وما شكله الحزب التركي الحاكم من تليين لمواقفه مع المعارضة، كما ترتبط، بالتحولات المستمرة التي تؤثر على محركات الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني، حيث أنالعامل الخارجي يلعب دورا مؤثرا في هذا الصراع، نظرا لتداخل مصالح وأدوار قوى إقليمية ودولية متعددة.

لكن هناك قراءتين في تركيا لموقف زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، الأولى تشير إلى أن هذا القرار ليس قرار بهتشلي فقط، بل هو تعبير عن موقف الدولة التركية ككل، وذلك في ظل التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد حاليا.

أما القراءة الثانية، فهي تعتبرأن مبادرة بهتشلي جاءت من منطلق رغبته في تعزيز فرص حزبه في الإنتخابات المقبلة، ورؤيته لا تحظى بأهمية أو بتأييد واسع، بعد أن إتُّهم بهتشلي بأنه إتهذ هذه الخطوة دون التشاور مع الرئيس أردوغان أو أعضاء حزبه، وهو ما يعتبر أمرا غير معقول، لكن الاخطر يكمن اليوم في عدم تجاهل تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي أشار منذ بداية حرب غزة إلى أن هدف إسرائيل لا يقتصر على غزة، بل يشمل سوريا ولبنان، مما يهدد بتفجير المنطقة وبناء شرق أوسط جديد،وهو ما يفرض على تركيا وأحزابها صياغة مقاربة جديدة، ولا يمكن للأكراد أن يكونوا بمنأى عن هذه المقاربة، لهذا السبب، من المتوقع أن ينظر الأكراد إلى مبادرة بهتشلي بقدر أكبر من الإنفتاح في ظل الوقائع المستجدة في سوريا والتحرك الإسرائيلي.


 القضية الكردية ومعادلة الشرق الأوسط

الحاجة إلى حل القضية الكردية سلميا، لا يعني بالضرورة أن الحل بات قريب، عدا أن عامل الثقة مفقود، فهناك صعوبة في تقديم تنازلات كبيرة من الجانبين تحقق الحل المنشود، رغم وجود قناعة تركية تامة، بان العملية الديمقراطية في البلاد تبقى ناقصة وهشَّة من دون إيجاد حلول للقضية الكردية، وسبق أن قال أردوغان خلال زيارة له إلى ديار بكر معقل الأكراد، إن الديمقراطية في تركيا تمرّ عبر القضية الكردية، وتعهَّد بتحقيقها، رغم تخليها بعدها عن هذه المقاربة والعودة للحل العسكري.

فمن وجهة النظر التركية الداخلية اليوم، تبدو هذه القضية ضرورة، لوقف مسيرة القتل والدم، ولتحقيق رؤية تركيا للمستقبل، فإنعدام إيجاد حل لا يمكن أن يحقق الأمن والإستقرار والسلام الداخلي في البلاد، ولا يحقق تنمية شاملة ونمو مستدام ونهوض إقتصادي شامل، كذلك فإن عملية كسب ودّ الأكراد في المناطق التي يتوزعون فيها، بين تركيا وإيران والعراق وسوريا،هو حاجة أكثر من ضرورية، كون القضية الكردية باتت تحظى بإهتمام إقليمي ودولي، وتكسب المزيد من عناصر القوة الذاتية، والأهم هو نزع هذه القضية كورقة في الخاصرة التركية، قابلة أن تتفجر في هذه اللحظة أو تلك، تبعا للصراعات الإقليمية والدولية.

إذن فهناك أسباب عديدة مجتمعة، شكَّلت دافعاً قوياً لحكومة حزب العدالة والتنمية، لوضع القضية الكردية على طريق الحل السلمي، ومحاولات إدراجها في الدستور التركي الجديد الذي يجري إعداده ودرسه، وأن إستشعار المعنيين بحاجة حل القضية الكردية سلمياً، ليس معناه أن هذا الحل قريب، فأنقرة لا يمكنها إقرار مطلب الحكم الذاتي للأكراد بصورة فجائية، لأنه سيؤدي من وجهة نظرها الى رفع سقف المطالب الكردية القومية، وإقامة دولة كردية مستقلة يمكن لها أن تقلب خرائط الشرق الأوسط الجغرافية، حتى لو قال حزب العمال الكردستاني إنه لا يريد مثل هذه الدولة.

كما وأن هذا الإقرار من قبل أنقرة، ستكون له تداعيات كبيرة على الداخل التركي، وسيكون كافيا لإتهام حكومة العدالة والتنمية بالخيانة، والعمل على تقسيم تركيا، حيث بدأ حزب الحركة القومية من الآن يردد هذه التُّهم، سواء لأسباب إيديولوجية أو إنتخابية، فيما يقف حزب الشعب الجمهوري المعارض، والوريث التاريخي للأتاتوركية بالمرصاد، لسياسة حكومة حزب العدالة والتنمية في كل خطوة، على وقع الخلاف بشأن الأزمة السورية، وفي المقلب الآخر، هناك إستحالة في إقناع حزب العمال الكردستاني، بنزع سلاحه، وإنتظار حل سياسي من أنقرة قد لا يأتي أبدا، كذلك من المستحيل الإقتناع بوجود رغبة تركية في الحل السياسي، مع إستمرار أنقرة في نهجها الأمني، حيث لا تتوقف حملات التمشيط العسكرية في الداخل، ويتواصل القصف الجوي لمعاقل الحزب في الداخل والخارج، فالمسألة تبدو له على هذا النحو أقرب إلى الإستسلام من الحل السياسي.(6) فحتى لو راهنت تركيا على صدور نداء من أوجالان للحزب بترك سلاحه، فإن القيادات العسكرية التي تقود الحزب على الأرض، كفيلة بإفشال أي حوار لا يؤدي إلى حل سياسي شامل، يحقق الإعتراف بالهوية الكردية للأكراد والأمن والإستقرار لتركيا.


في الختام..

إن أي عملية من للتوصل إلى حل تاريخي لقضية الكرد في تركيا، يحتاج إلى قرارات تاريخية، ويحتاح الى إرادة حقيقة ونيَّة صادقة، وخطوات عملية وجهود جبارة، فهذا وحده كفيل بوضع القضية على سكة الحل، وأطراف دولية ضامنة، وأي غياب أو  تقصُّد في الإنكار لهذه القضية، سيعني البقاءَ في دوامة النار والدم، والعالم اليوم يعيش في واقع لا يمكن فيه تأجيل القضايا الكبرى والمزمنة، ولا سيما أن قضية الحرية والكرامة لدى شعوب المنطقة، أصبحت فوق كل شيء بعد كل هذه التحوُّلات الجيوسياسية التي يشهدها العالم والمنكقة في الشرق الأوسط.

فالمنطقة اليوم، تشهد منعطفاً تاريخياً هاماً، بعد مرور مئة عام على بناء الدول والكيانات في الإقليم، حيث شكَّلت التنظيمات الراديكالية الدينية، أداة طيِّعة لدى أجهزة المخابرات الدولية والخارجية، والكل يدرك أن دور أجهزة المخابرات في بعض الدول الإقليمية هو كبير، ويُظهر دوماً عداءه للشعب الكردي وتطلّعاته القومية، فتكامل صورة العداء لدى الأجهزة الإستخبارية، والفصائل الراديكالية الإسلامية والمتطرفة، من خلال تزويدهم بالسلاح والمال، وهم يضمِرون العِداء للشعب الكردي، والسعي الى إجهاض الفرص التاريخية  لحل قضية الكرد، حيث تسود العقلية الشوفينية المريضة لدول جوار منطقة كردستان، التي لا زالت تنكر على الكرد حقوق شعبه وتُمعن بقمعه، من خلال الإرهاب الذي يبثّ الخوف والرعب في كلِّ مكان، علماً أنه ومنذ مئة عام مضت، لم تستطع هذه الحكومات القضاء على الشعب الكردي وتجريده من خصوصيته وإرثه الثقافي، وبالرّغم من سياسات التعريب والتتريك والتفريس والمشاريع العنصرية، بقي الكردي محافظاً على شخصيته المستقلة، وإستطاع أن يتكيّف مع تلك السياسات، ويحمي نفسه من خطر الإبادة، فهناك حالة ومسؤولية كبيرة قع على عاتق المثقفين والنُّخب في دول جوار كردستان، بتعنتهم وإنكفائهم عن الدور المطلوب منهم، للتخفيف من حال العداء للشعب الكردي، ويعتبر هؤلاء بأنّ العنف هو الوسيلة الناجعة لحلِّ القضايا والمشاكل..

علماً أن الثقافة والسلوك السياسي في كل هذه الدول ونخبهم وساستهم وأصحاب الربط والحل، لا يتورعون بل يتباهون في نسبهم التاريخي، فالإيرانيون ينسبونهم إلى أصل فارسيّ، والأتراك يدَّعون بأنّهم طورانيون وأتراك الجبال، وكذلك العربُ، وهم  يستمرّون في محاولاتهم لإبقاء الكرد مهملين يعانون العزلة والتخلّف.. وقد وصل الأمر لدى الأتراك في مراحل معينة إلى عدم الإعتراف بوجودهم فيها، بهدف دمجهم بشعوبهم، وإعتبار بلاد الكرد جزءاً من بلادهم، وفي كثير من الأحيان تحوّل الكردي إلى مواطنٍ من الدرجة الثانية وأدنى، وهذا ما سيودي بالمجتمعات الى الهلاك والويلات.

إن سيادة الأمن والإستقرار والسلام الاجتماعي وبناء المجتمع السليم، يتطلب تكاتف الجميع من أبناء هذه المنطقة وحول العالم، لإيجاد مناخ مناسب للإنفتاح على الآخر، وإحترام الخصوصيات الذاتية والقوميّة والدينيّة والثقافيّة، حيث سيكون البديل عن ذلك، اللجوء إلى العنف وإقصاء الآخر وتعزيز الخطاب العنصري المقيت، ولا بدَّ من المساهمة في بناء مجتمع عصريٍّ، يجيدُ قراءة التاريخ، ويملك رؤية تاريخيّة يرسم من خلالها أهدافه الإستراتيجيَّة، بناءً على إحترام الأخر المختلف، على قاعدة بناء الأوطان وإحترام الخصوصيات، فتكون المنطقة أمام أنموذج وأمام مجتمع جديد، خالٍ من الظلم والإقصاء، ومسْهماً في البناء الحضاري الإنساني، من دون أن يكون رهيناً بيد سلطة، أو أن يكون أداة يحركها الآخرون كيفما يشاؤون، مجتمعٍ يكون لإرادة الشعوب فيه دورٌ فعّالٌ في صياغته، ليس مجرد دمى تحركه أيادٍ خارجيّة، وتوجّهه بحسب ما تمليه عليها مصالحها.

لقد خاض الشعب الكردي في تركيا حرباً طويلة، وخاض نضالات طويلة ومريرة مع الحكومات العراقيّة المتعاقبة والإيرانيّة كذلك، كان ذلك نتيجة إتفاقية التقسيم لمنطقة الشرق الأوسط، وفق المصالح الإستعمارية الغربية، فتمَّ قص الحدود الجغرافية للدول، ورتق أو تلزيق أو ضمّ أراضٍ أخرى، من دون الأخذ بالإعتبار المعايير الإنسانية والديمغرافية، والتطلع الى سلوكيات الشعوب وخصوصياتها الثقافية، وبناها الفوقية المتشكلة منها، لذا صار من الضروري أن يبادر المجتمع الدولي، إلى تغيير صياغة رسم المنطقة، وفقاً لميول الشرائح السكانية المختلفة، من أجل إستتباب الأمن والإستقرار لمناطق الشرق الأوسط مرّة أخرى، وبعد هذا الصراع المديد الذي لم يؤدِّ إلاَّ الى الدمار والخراب للمنطقة، فلا بدَّ من إيجاد الحلول المناسبة لكافة القضايا التي تُعيق تقدّم المجتمعات، وفي مقدّمها القضية الكردية التي لم تُخمَد نيران ثورتها، أقله طيلة القرن الماضي، وإن بقيت هذه القضية من دون حلٍّ جذري، فإنّ المنطقة ستكون أمام مسلسل مأساوي أكثر بشاعة، وخاصة بعد توسُّع وإنتشار الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، التي لعبت دورا كبيراً في تنمية وعْي الجماهير وتعريفها بقضاياها ومشكلاتها، ونشر وإظهار كلّ ما يحدث على الأرض بالصوت والصورة.

هنا الحلّ يكمن في وضع مجموعة من المعايير التي تحدِّد أطر إيجاد حلٍّ لقضية شعب، يتجاوز عدده حسب بعض الإحصائيات الأربعين مليوناً نسمة، وحُرم من حقّه في إقامة دولة مستقلّة على أرضه التاريخية، وتعرّض لشتى حملات الإبادة خلال التاريخ الحديث، فهذا واجب إنساني وأخلاقي على كلّ مثقفي الشرق والأمة، بأن يصيغوا مبادرات ويتقدموا بخطوات جريئة، لإيجاد حلّ لهذه القضية الشائكة، تضمن الأمن والإستقرار لكلّ شعوب المنطقة، إنطلاقاً من الإستناد الى قواسم مشتركة بين أبناء المنطقة، وأهميتها في تفعيل لغة التقارب بين كلّ الأطراف، وبالتالي ضرورة إدراك المسؤوليّة التاريخيّة الملقاة على عاتقهم تجاه شعوبهم، فظاهرة الإستعلاء القومي، تحت يافطة الحفاظ على الأمن القومي للدول التي تحتلّ كردستان، والتي مارست وتمارس من قبل الأنظمة الحاكمة بذريعة حمايته، يجب الكف عن ممارستها، والحديث عن سرديتها، كي لا يتم تبرير إستخدام أساليب القمع والإرهاب بحقّ الشعوب التي تتعايش معها، فلا زالت هذه الأنظمة تعتمد في رؤيتها للقضايا العالقة، على عقلية مرتكزة على تفكير أحادي الجانب، والإبتعاد عن أهمّ وأخطر قضية ستعاني حتماً منها، ليست الأنظمة ومعها شعوب المنطقة، بل لما تمتلكه القضية الكردية من تعقيدات سياسية وجغرافية وتاريخية، وحال الرؤية القاصرة والإقصائيّة لهذه القضية، التي جلبت المزيد من الويلات، فحلّ هذه القضية هو مسؤولية الجميع من العرب والفرس والترك قبل الكرد.

فالأحداث التي عصفت بالعالم في أواخر القرن الماضي ومع وبداية القرن الجديد، أحدثت تبدّلات وتغييرات في المفاهيم السياسية والثقافية والإقتصاديّة والإجتماعيّة التي كانت السائدة، بسبب تنوّع الأخطار وتعدّد المشكلات على مستوى العالم، أهمها ظاهرة العنف، وحال عدم اليقين، وإنعدام الإستقرار والهجرة والإرهاب وغيرها، وقد أدّى ذلك إلى ظهور تصوّرات ورؤى جديدة، لإعادة النظر في ترتيب الخارطة العالميّة، بما ينسجم ويتلائم مع المعطيات الجديدة للفكر العالمي الجديد، وحيث أنّ منطقة الشرق الأوسط، كموقع جيوسياسي مهم على الخارطة العالميّة، بدأت الأنظار تتّجه إليه، لإعادة ترتيبه من جديد، بعد أن عانت في السنوات الأخيرة من مشكلات ومعضلات حادة، بسبب تزايد القمع وتوسُّع الإستبداد، من قبل الأنظمة الحاكمة بحقِّ الشعب الكردي الأعزل، ولذلك إستقطبت مؤخراً القضيّة الكرديّة القوى العظمى في العالم، عبر تقديم الدعم والمساندة لها، وأصبحت لها موازينها وأثقالها في السياسة الدوليّة، ممّا أعطاها بُعداً دولياً وإقليميّاً، وكان ذلك واضح من خلال التعاون والتنسيق العسكري بين الكرد والدول العظمى في مواجهة القوى الإرهابية والفصائل الراديكالية الإسلامية، التي  هددت ولا تزال العالم، بينما الأنظمة الشموليّة في المنطقة، لم تجلب سوى الويلات لشعوبها، وتعيش اليوم في أسوأ حالاتها وغير قابلة للإصلاح، بالنظر لما أصابها من مرض وترهُّل وفساد، لأنّها لا زالت تتغذّى على أوهام الإستعلاء والتعصُّب والكراهية للآخر، وتعاني من التخبّط والإنهيار، وما أصاب النظام السوري من إنهيارات سريعة وسقوط حر مدوِّي، خير دليل على ما أصابها من ترهُّل وفساد وعنجهية.

فالقضيّة الكرديّة اليوم، تخطّت حدود الدول التي تقتسمها، وتجاوزت الخطوط التي رسمها أصحاب الفكر الشوفيني  القومي المتعصّب، وأصبحت مثار جدال في المحافل الدولية بقوّة، لأنّها قضيّة شعب يعيش على أرضه التاريخية، وله كما لغيره كامل الحقوق بدولته، كما غيره من الشعوب التي تتعايش معه في المنطقة، فلا يبدو أن هناك إستقرار في المنطقة بعد اليوم، من دون حلٍّ لقضيتهم، فالكرد أمّة لها كما للآخرين ثقافة وحضارة وتاريخ عريق، ولا يمكن القفز فوقها أو إهمالها، بل  يتوجب المبادرة سريعاً الى فتح الملف بكلِّ جرأة، ودعوة كافة الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعيَّة في هذه الدول، لتبني هذه القضية وتحديد موقفها منها، وإيجاد حلِّ منصف وعادل لها، وإعتراف  كلّ دولة بالجزء الكردستاني الذي أُلحق بها، وبالوجود الكردي التاريخي عليه كشعب له خصوصيته القوميّة، والعمل لتمكين وسيادة لغة الحوار، كمنهج حضاري بدلاً من ثقافة العنف والدمار وإقصاء الآخر، ولأجل ذلك، لا بدَّ من تفعيل دور المنتديات والمحافل الدولية وعبر الجامعات، في هذه الدول لشرح القضية الكردية، وتعريف الرأي العالم بعدالتها والسُّبل السلمية لحلّها، في  أكبر عملية إستنهاض للروح الثقافية المشتركة، والقيم المثْلى عبر التاريخ، التي تكفل إيجاد الإنسجام الكامل بين شعوب المنطقة.

فالشعب الكردي وكما يؤكّده التاريخ النضالي،  وتاريخ الحراك المجتمعي لشعوب المنطقة، كان له الدور البارز في ترسيخ وجود الشعوب المجاورة والمتعايشة معه، في مراحل بنائها الحضاري ونضالها الوطني، لذا فهذه مسؤوليّة الجميع، من أصحاب الرأي والمتنوّرين في المنطقة، وكلّما ساد الأمن والإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي في مجتمع ما، توسعت معه قِيم الإرتقاء والعدل، وقلّت فيه مظاهر العنف والفوضى بمختلف أشكالها وأنواعها، وكذلك الأمر على المستوى الدولي، فمع ترسيخ العدالة في العلاقات بين الأمم، يسود البيئة الدوليّة الأمن والإستقرار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-عبدالله أوجالان، مانفستو الحضارة الديمقراطية، القضية الكردية، صفحة 190.

2-محسن محمد المتولي، كرد العراق (1914-1958).

3- روبرت أولسن، المسألة الكردية في العلاقات التركية الإيرانية

4_https://www.atoonra.com/2024/08/05/%d8%b4%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%a7/

5- https://www.aljazeera.net/politics/2024/10/24/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%87%D8%AA%D8%B4%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%AD%D9%84-%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84

6- أماني السروجي،المحاولةُ التركيةُ لخلْق مسارٍ جديد لحل القضية الكردية،- https://shafcenter.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9%D9%8F-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9%D9%8F-%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%92%D9%82-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%8D-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%84/

 7-محمد صابر، شمال كردستان: تاريخ القضية الكردية مع الدولة التركية

8-الصراع الكردي – التركي بين الحلّ السلمي وتجدد دورة العنف،معهد العربية للدراسات،https://www.alarabiya.net/articles/2013%2F01%2F23%2F262112

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى