تواجه إيران خلال عام 2025 تحديات غير مسبوقة تهدد وجودها كقوة إقليمية وتحمل انعكاسات على استقرارها الداخلي، بعد خسارتها “وكلائها” الإقليميين وحليفها الرئيسي في سوريا، فضلًا عن تدهور وضعها الاقتصادي تحت وطأة العقوبات المفروضة عليها، والاستياء الشعبي بسبب تدني الأوضاع المعيشية. وقد تضعف تلك التحديات بشكل كبير الوضع الاستراتيجي لإيران خاصة وأنها تتزامن مع عودة إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، واحتمالات قيامه بإعادة فرض سياسات “الضغوط القصوى” من خلال عقوبات اقتصادية خانقة ودعم غير محدود لإسرائيل، مما يزيد من عزلتها الدولية، حيث تمثل التطورات النووية الأخيرة للنظام الإيراني أهم التحديات التي ستواجه إدارته في الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية الثانية.
تحديات داخلية
تشتد وطأة الأزمات الاقتصادية التي تضرب عمق المجتمع الإيراني، مما يؤدي إلى تزايد حالة الاحتقان الشعبي وتصاعد الاحتجاجات. يضاف إلى ذلك، مسألة الخلافة السياسية التي باتت تثير القلق داخل النظام الإيراني. فمع تقدم المرشد الأعلى، علي خامنئي، في العمر وتدهور حالته الصحية، تتنافس الفصائل السياسية والعسكرية على السلطة، ما يهدد بانقسامات أعمق في هيكل الحكم. في ظل تلك التحديات، يستخدم النظام الإيراني تكتيكات قمعية للسيطرة على الشارع، وأحد أبرز هذه التكتيكات هو التركيز على قضايا داخلية مثل “مسألة الحجاب”. فعندما تزداد الضغوط السياسية والاقتصادية، يتوجه النظام إلى تصعيد تلك القضايا لتحويل الانتباه عن المشاكل الكبرى، ولإظهار قوته في مواجهة المعارضة. من خلال فرض المزيد من القيود على الحريات الشخصية، وتطبيق قوانين صارمة، يعزز من خلالها قبضته على المواطنين ويقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج.
– ملف الاقتصاد: يعاني الاقتصاد الإيراني من ضغوطات متعددة، بدءًا من العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى، وصولًا إلى الأزمات الهيكلية والمالية الداخلية. ووفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث غرفة التجارة الإيرانية، فإن أكثر من 32 مليون إيراني- أي ما يزيد على ثلث السكان- كانوا يعيشون تحت خط الفقر بحلول مارس 2022، لكنهم الآن يواجهون انعدام الأمن الغذائي. وقد أشار التقرير، الذي صدر في نوفمبر 2024، إلى أن هذه الظاهرة تعود لعقود من التضخم المرتفع المزدوج الرقم، والذي ازداد سوءًا بشكل كبير منذ عام 2019، متجاوزا 40 في المائة. وكان السبب وراء هذا الارتفاع الحاد في التضخم هو العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عام 2018.
كما انخفضت القيمة الدولارية للحد الأدنى لأجور العمال في إيران من 113 إلى 100 دولار، كما أن القيمة الحقيقية للأجور تقلصت خلال عام، بسبب الصدمات الاقتصادية وانخفاض قيمة التومان. وقد توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 0.8% في عام 2025، مقارنة بـ3.7% في العام السابق.
ففي السنوات الأخيرة، احتلت إيران باستمرار مرتبة بين الدول العشر الأعلى في معدلات التضخم عالميًا، ومن المتوقع أن تحتل المرتبة السادسة عالميًا في العام الحالي. وفي حال تصاعد التوترات الإقليمية وتحولت إلى حرب شاملة مع إسرائيل، ستكون تداعيات ذلك كارثية على الاقتصاد الإيراني. فعلى المدى المباشر، ستتأثر القطاعات الاقتصادية بشكل شديد نتيجة للهجمات العسكرية أو التداعيات الاقتصادية المترتبة على الحرب. كما أن استهداف المنشآت الحيوية مثل مصافي النفط، التي تعد من المصادر الرئيسية للإيرادات الإيرانية، سيؤدي إلى تقليص القدرة على تصدير النفط بشكل أكبر، مما سيعمق الأزمة الاقتصادية. إذ يبقى الوضع الاقتصادي الإيراني في قلب العديد من التحديات الهيكلية، مما يجعل من الصعب عليه الاستقرار أو النمو في ظل تصاعد التوترات السياسية والإقليمية.
– ملف حقوق الإنسان: برغم خطر الحرب الذي أصبح يهدد النظام الإيراني اليوم، فإنه لن يتراجع عن ممارسة الضغوط على الشعب في الملفات الخلافية بينهما، بشكل دفع الكثير منهم للقول: ” أن خطر موتهم بسبب القمع، سيكون أكثر من خطر الموت بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي”. وبالرغم من أن الرئيس الحالي “مسعود بزشكيان” كان قد عارض العديد من تلك الممارسات أثناء حملته الانتخابية، إلا أن النظام قد كثف من تطبيقها خلال فترة توليه، ويعود ذلك إلى طبيعة دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي يعطي الصلاحيات العليا للمرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له، حتى أنه أصبح يطلق عليه “نظام ذو رأسين”.
فقد اتخذ تنفيذ عقوبة الإعدام في إيران منحنى تصاعدي خلال العام الماضي، وذلك بسبب العدد الكبير من الإعدامات المنفذة. إذ تشير تقديرات إلى أن طهران أعدمت ما لا يقل عن 811 شخصًا خلال عام واحد فقط (بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024). كما أصدرت أحكامًا بالإعدام على 186 شخصًا خلال هذه الفترة، بينما صادقت المحكمة العليا على 59 حكمًا إضافيًا. كما أن 75 في المائة من جميع الإعدامات المسجلة عالميًا في عام 2023 نُفذت في إيران. وتعد عقوبة الإعدام في إيران أكثر من مجرد عقوبة قانونية، إذ يستخدمها النظام كأداة سياسية متعددة الأبعاد بغرض قمع المعارضة، وترسيخ النظام الديني. إذ تستخدم هذه العقوبة بشكل بارز ضد الناشطين السياسيين، المحتجين، والصحفيين، تحت مسميات مثل “محاربة الله” و”الإفساد في الأرض”، وهي تهم فضفاضة تستغل للقضاء على أي تهديد للنظام.
كما كثف النظام من قيوده لفرض الحجاب الإجباري من خلال مشاريع متعددة بالرغم من تصريحات الرئيس الحالي “مسعود بزشكيان” العلنية والمستمرة المعارضة لتطبيق الحجاب بشكل صارم خلال حملته الانتخابية. حيث يتجاوز ارتداء الحجاب أو عدم ارتداءه بالنسبة للنساء الإيرانيات كونه مسألة تتعلق باللباس، إذ يمثل رمزًا سياسيًا واجتماعيًا يعكس مواقفهن تجاه السلطة. وقد قرأت السلطات أن النساء اللواتي يخلعن الحجاب علنًا، خاصة في الأماكن العامة، يرسلن رسالة مباشرة بالرفض ليس فقط لقوانين الحجاب، ولكن أيضًا للنظام السياسي الذي يلزمهن به.
أضف إلى ما سبق، ما يفرضه النظام من قيود صارمة على وسائل الإعلام، مع حجب العديد من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الإجتماعي لمنع توظيفها ضد النظام. وعلى مدار العقدين الماضيين، قام النظام الإيراني بفرض رقابة شديدة على الإنترنت، مما دفع غالبية الإيرانيين لاستخدام فلاتر للوصول إلى المواقع المحظورة ووسائل التواصل الاجتماعي.
– ملف خلافة المرشد: مع تقدم المرشد الأعلى “علي خامنئي” في العمر، يظل مستقبل القيادة في إيران غير واضح حيث يشغل خامنئي المنصب منذ عام 1989، وسيكون لاختيار خليفة له تأثير كبير على مستقبل البلاد. وتتم عملية اختيار المرشد الأعلى الجديد عبر مجلس خبراء القيادة، الذي يضم 88 عضوًا من رجال الدين المنتخبين، وهذا المجلس هو الجهة المخولة دستوريًا بتعيين المرشد الأعلى. لكن المعارضة الشعبية واحتمالات الصراع داخل النظام قد تجعل عملية الاختيار معقدة.
فقد تصاعد خلال الفترة الأخيرة توقعات بأن يتولى مجتبى خامنئي وهو النجل الأكبر للمرشد المنصب، رغم أن خامنئي لا يزال معارضًا تسمية أحد أبنائه لخلافته. ويتمتع مجتبى خامنئي بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري ويُشاع أنه يلعب دورًا بارزًا في القرارات الاستراتيجية، لذا فإن قربه من دوائر القرار وقوة نفوذه تجعل اسمه مطروحًا، رغم المعارضة الشعبية لفكرة التوريث السياسي.
يعزز رفض خامنئي تسمية أحد أبنائه لتولي المنصب خلفًا له من مكانته كرمز وطني وديني لجميع التيارات، كما يعكس التزامه بالحفاظ على شرعية المؤسسة، وتفادي الانقسامات، كما يهدف ذلك إلى حماية مكانة المنصب وضمان استمرارية النظام بعيدًا عن الاتهامات بالتوريث. كما يعكس ترك الاختيار لمجلس خبراء القيادة دعم صورة النظام ككيان مؤسسي قائم على المشورة والتوافق.
تحديات خارجية
بجانب التحديات الداخلية، تواجه إيران مجموعة من التحديات الخارجية التي ستؤثر بشكل كبير على استراتيجيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية. تتنوع هذه التحديات عبر عدة أبعاد رئيسية، تشمل الصراعات الإقليمية المستمرة، التوترات النووية المتصاعدة، التفاعلات المعقدة مع القوى العالمية الكبرى، بالإضافة إلى تأثيراتها على قضايا المنطقة مثل الحرب في أوكرانيا. وتتزامن تك التحديات مع ضرورة اتخاذ قرارات استراتيجية قد تؤثر على مستقبلها الإقليمي والدولي، أهم تلك القرارات ما سوف يتعلق بإجراء مفاوضات مع إدارة ترامب. ويمكن عرض أبرز التحديات الخارجية التي تواجهها إيران الآن على النحو التالي:
– النزاع مع إسرائيل: شهد عام 2024 تصعيدًا كبيرًا في طبيعة النزاع بين إيران وإسرائيل، فقد تطور إطار الحرب الخفية بينهما والتي تميزت بعمليات سرية وصراعات بالوكالة واتخاذ مواقف تتصف بتهديد استراتيجي، إلى درجة مواجهة مباشرة بين الطرفين. وتعكس تطورات المشهد الحالية احتمالية تصعيد المواجهة بين الطرفين إلى درجة حرب شاملة خلال عام 2025. خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض وما يشكل ذلك من احتمالًا بارزًا لتصعيد التوترات بين إيران وإسرائيل. هذا الواقع يضع إيران في موقف حساس، حيث تدرك قيادتها أن أي خطوة غير محسوبة قد تفتح الباب أمام تدخل عسكري أمريكي مباشر، وهو ما يعزز موقف إسرائيل ويزيد من الضغوط على طهران. من هنا، يمكن فهم التحرك الإيراني بحذر، وهو ليس فقط تجنبًا للتصعيد، ولكن أيضًا للحفاظ على هامش مناورة استراتيجي في ظل تغير ديناميكيات القوة الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، يبدو أن إيران قد تجد نفسها الآن أمام معادلة معقدة تتطلب موازنة دقيقة بين الردع والتصعيد. فإسرائيل، وفقًا لرؤية الدوائر السياسية الإيرانية، تسعى عمدًا لاستفزاز طهران بهدف جرها إلى مواجهة عسكرية يمكن أن تكون كارثية بالنسبة لها. وتأتي عودة إدارة ترامب لتضيف بعدًا جديدًا إلى المشهد، حيث تعيد سياسة “الضغط الأقصى” إلى الواجهة، بما تحمله من عقوبات خانقة ودعم غير مشروط لإسرائيل.
وهي تعمل الآن على إرسال رسائل ردع قوية لإسرائيل وحلفائها دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى تدخل عسكري أمريكي. فعلى سبيل المثال أشار الحرس الثوري إلى المناورات العسكرية الأخيرة التي قام بها، بأنها تعد “مسودة أولية” لتنفيذ عمليات “الوعد الصادق 3” ردًا على إسرائيل، مؤكدًا أن تنفيذ الرد الثالث أو ما تسميه إيران بعمليات “الوعد الصادق 3” يحتاج إلى “عدة مسودات”، وكانت المناورات الأخيرة هي إحدى هذه المسودات.
– مستقبل “محور المقاومة”: تقوم استراتيجية إيران في المنطقة العربية على مبدأ “تصدير الثورة”، حيث سعت إلى تشكيل “محور المقاومة” الذي يعزز نفوذها في دول عدة. وهذا المحور، يمتد من العراق مرورًا بسوريا وصولًا إلى لبنان. كما وسعت نفوذها ليشمل فصائل المقاومة الإسلامية في فلسطين، فيما يمتد تأثيرها جنوبًا نحو اليمن عبر دعم الحوثيين. والغرض من هذا المحور هو ضمان حماية مصالح إيران في المنطقة دون التورط في مواجهات مباشرة مع القوى التي تصنفها هي كأعداء، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن خلال هذه الشبكة من الحلفاء، تمكنت إيران من خلق “حزام أمني” يضمن لها تأثيرًا استراتيجيًا في القضايا الإقليمية الكبرى، بينما تحافظ على قدرة المناورة في مواجهة التحديات العسكرية والسياسية.
شكلت عملية “طوفان الأقصى” نقطة تحول في مواجهة إسرائيل لنفوذ إيران الإقليمي، حيث اتخذت المواجهة شكل استهداف مباشر للنفوذ الإيراني في المنطقة خاصة في سوريا مع هروب بشار الأسد، واستهداف لـلميليشيات الإيرانية وأبرزها “حزب الله” في لبنان. فقد شنت هجمات مكثفة على القيادات الرئيسية للحزب، بما في ذلك حسن نصر الله، وقيادات الصفين الأول والثاني، بالإضافة إلى توجيه ضربات دقيقة لترسانته العسكرية. كان الهدف الأساسي لتلك الحملة شل القيادة المركزية للحزب، ما يؤدي إلى إضعاف فعالية اتخاذ القرار والسيطرة العملياتية.
بالرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، مع العودة إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يهدف إلى الحد من الأعمال العسكرية وإعادة الاستقرار إلى المنطقة الحدودية. فإن التوترات بين حزب الله وإسرائيل ستظل قائمة، خاصة مع احتمالية استئناف الحزب لنشاطاته العسكرية بشكل سري.
وفي العراق، شهد الحشد الشعبي وميليشياته التي كانت تعمل ضمن محور المقاومة الإقليمي تحولات واضحة بعد مشاركتها في عملية “طوفان الأقصى”. كما لعب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني دورًا محوريًا في تحييد ميليشيات الحشد الشعبي ووقف مشاركتها الفعالة في المحور، مما قلص من تأثيرها الإقليمي وأعاد توجيه دورها بما يتماشى مع أولويات السيادة العراقية. هذه التطورات عكست واقعًا جديدًا، حيث بات الحشد الشعبي أكثر تقييدًا في حركته ضمن إطار محور المقاومة.
تمثل تلك الضغوط التي تواجهها إيران في ملف “محور المقاومة” نقطة تحول كبيرة في استراتيجيتها الإقليمية، وقد يضعف هذا التطور موقفها على عدة أصعدة، لكنه لا يعني بالضرورة انتهاء طموحاتها في المنطقة. فقد تحاول التكيف مع الظروف الجديدة عبر إعادة التمركز أو استغلال ساحات جديدة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وفي نهاية ديسمبر، توقع خامنئي ظهور “قوة شريفة في سوريا”، قائلًا إن “الشباب الشجعان والغيارى في سوريا سيقومون بطرد إسرائيل”. هذه العبارة تعكس الهدف الإيراني المستمر لإبقاء إسرائيل في حالة تهديد دائم، وهي رسالة موجهة للجماعات الموالية لإيران في المنطقة، وخاصة في سوريا ولبنان، للحفاظ على زخم المواجهة.
– عودة ترامب والاتفاق النووي: تمثل التطورات النووية الأخيرة للنظام الإيراني أهم التحديات التي ستواجه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية الثانية، ودفعه لاتخاذ قرار حاسم لتحييد هذا التهديد من خلال المفاوضات والضغوط، أو إصدار أمر بالهجوم العسكري. فإذا فشلت المفاوضات، قد تتجه الولايات المتحدة إلى ضربة عسكرية مستهدفة لمنشآت إيران النووية.
فالإدارة الأمريكية قد ترى أن العودة إلى الاتفاق بشروطه الأصلية لم تعد كافية لتحييد التهديد النووي الإيراني. إن التفاوض يتطلب من إيران تقديم تنازلات صعبة تشمل “إنهاء العدوان الإقليمي، ووقف تطوير الأسلحة النووية، ودعم التيار الإصلاحي لتحسين الاقتصاد، ورفع العقوبات، وتخفيف العلاقات مع روسيا، والتوقف عن تزويدها بالأسلحة لاستخدامها ضد أوكرانيا”. من غير المحتمل أن يعود ترامب إلى الاتفاق دون تعديلات كبيرة، لأنه سيعتبر ذلك تراجعًا عن سياسته السابقة. قد يسعى إلى اتفاق جديد وموسع يلبي أهداف السياسة الأمريكية طويلة الأمد في منع إيران من الحصول على أسلحة نووية وتقليص نفوذها الإقليمي. إذا رفضت إيران التعاون، فقد تتحول إدارة ترامب نحو التصعيد عبر فرض عقوبات أشد أو حتى استخدام القوة العسكرية.
الاستراتيجية الإيرانية للتكيف
تمثل هذه التحديات الداخلية والخارجية المتزامنة اختبارًا حقيقيًا لقدرة إيران على الحفاظ على استقرارها الداخلي وموقفها الإقليمي، ويتطلب تجاوز هذه التحديات استراتيجيات متعددة الأبعاد تشمل تعزيز التحالفات الإقليمية، وتهدئة التوترات مع الغرب، وتبني سياسات داخلية تعزز مناعة الشعب لمواجهة الضغوط الخارجية، من خلال التركيز على الخطاب الوطني والديني لإقناعه بأن التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية ناتجة عن “مؤامرات خارجية”.
وتنقسم الساحة الإيرانية إلى تياران جداد، وإن كانا لم يعرفا بعد ويعترف بهما الجميع. التيار الأول هو تيار “الإمكانات والحلول”، وهذا التيار يشدد على ضرورة التركيز على الإمكانات المتاحة واستغلالها بأكبر قدر ممكن، وهذا التيار هو تيار عقلاني ويعتمد على الواقع والحلول العملية. أما التيار الثاني هو تيار “الأزمة والطريق المسدود”، وفي هذا التيار التركيز منصبًا على المشكلات والأزمات، وينظر إلى الأمور بنظرة سلبية، ويضخم من العيوب والأخطاء. يعكس هذا الانقسام صراعًا داخليًا حاسمًا في إيران حول كيفية التعامل مع الأزمات الحالية. ويمكن أن يؤدي هذا الانقسام إلى مزيد من الاستقطاب السياسي، وقد يكون له تأثير عميق على استقرار النظام الإيراني في السنوات القادمة.
فما تحتاجه إيران الآن هو ضبط النفس لتجنب التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، وأن تسعى لإجراء مفاوضات مع إدارة ترامب الجديدة، حيث تختلف ظروفها اليوم عن وقت المفاوضات السابقة. فعلى سبيل المثال، خلقا التطور المتزايد للبرنامج الصاروخي الإيراني والتهديد المباشر لأوروبا من قبل قادة الحرس الثوري، مخاوف أمنية خطيرة للاتحاد الأوروبي. وفي حرب أوكرانيا، يُنظر إلى إرسال الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ، من قبل إيران إلى روسيا على أنه تهديد مباشر لأمن أوروبا. وبالتالي ابتعدت أوروبا عن سياسة التفاعل والاقتراب مع إيران وعلى عكس الماضي، عندما ظل الاتحاد الأوروبي ملتزمًا بالحفاظ على الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب منه، تغيرت الظروف تمامًا اليوم، وأصبحت القوى الأوروبية الرئيسية الثلاث، ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، الآن في طليعة مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
كما أن إيران أصبحت أكثر عرضة للخطر. فالهجمات الجوية الإسرائيلية في أكتوبر الماضي دمرت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وألحقت أضرارًا كبيرة بمنشآت إنتاج الصواريخ، مما جعلها أكثر عرضة للهجمات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، استنفدت إيران جزءًا من ترسانتها من الصواريخ الباليستية والكروز بعد هجومين على إسرائيل العام الماضي، أحدهما في أبريل والآخر في أكتوبر 2024. أيضًا ستواجه إيران تحديًا كبيرًا لإعادة الثقة إلى الميليشيات التابعة لها بعد ضرب القيادات العليا، خاصة وإذا كانت تلك الضربات ناجحة وذات تأثير استراتيجي ونفسي.
ختامًا، تواجه إيران وضعًا معقدًا يتمثل في تراجع نفوذها الإقليمي، وتصاعد الضغوط الدولية بعد عودة ترامب إلى مركز القيادة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب أزمات داخلية تهدد استقرارها. وتتشابك تلك الأزمات والتحديات في رسم مستقبل غامض يواجه النظام الإيراني.