ندوات

منتدى آتون يناقش كتاب “حياتي كلها صراع” عن تجربة المناضلة الكردية سكينة جانسيز

في إطار قناعته بأهمية الوعي والحاجة الماسة له في وقتنا الحالي، يواصل منتدى آتون الثقافي فعالياته الثقافية، وهذه المرة عقد ندوة لمناقشة كتاب “حياتي كلها صراع” الذي يحمل سيرة المناضلة الكردية الشهيرة المغدورة سكينة جانسيز، ناقلة صورة وتجربة مهمة حول دور المرأة وما يمكنها القيام به.

وعقدت الندوة بحضور واسع لعدد من المثقفين والكتاب والباحثين والصحفيين، فيما أدارتها وقدمتها الدكتورة عزة محمود استشاري الإدارة العامة بوزارة الثقافة، وعلى يمينها المتحدثة الأولى الدكتورة صونيا الأشقر الصحفية والروائية اللبنانية، فيما كان على يسارها متحدثاً ثانياً الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر.

“حياتي كلها صراع”

وفي تقديمها للندوة، اعتبرت الدكتورة عزة محمود أن عنوان الكتاب “حياتي كلها صراع” جاء معبراً عن حقيقة حياة سكينة جانسيز، ومذكراتها المليئة بالأسرار والمحطات العديدة، كأهم ناشطة كردية على الإطلاق، والتي دونتها في تسعينيات القرن الماضي وتم نشهرا عام 2019، لتروي من خلالها قصة حياتها منذ الولادة.

ولفتت إلى أن الكتاب أو مذكرات سكينة جانسيز تناول العديد من المحطات المهمة في حياتها، سواء ولادتها في مدينة درسيم عام 1958، ومراحلها التعليمية، وأول لقاء لها مع المناضل والمفكر عبدالله أوجلان، والقبض عليها وسجنها 10 سنوات، وخروجها لاحقاً لتتحول إلى أيقونة كردية في النضال.

سارة .. وقفة نضال

انتقلت بعد ذلك الكلمة إلى الروائية اللبنانية صونيا الأشقر، والتي قبل أن تبدأها دعت إلى الوقوف دقيقة صمت احتراماً لروح المناضلة سكينة جانسيز ولأرواح المناضلين والمناضلات كافة، مؤكدة أن سكينة جانسيز الشهيرة بـ”سارة” عاشقة للقضية الكردية بكامل تفاصيلها السياسية والاجتماعية، وحولت مسار حياتها إلى قنديل ينير دروب المناضلين من أجل الحق المهدور والأمة التي تعيش منذ زمن بالقهر والذل.

وقالت إن سيرة سكينة جانسيز جاءت كسيرة لتجسيد الحقيقة النضالية الكردية، التي دفعت الكثير من أبنائها خدمة للحرية، التي تمتاز بها كأمة لها مكانتها في حياتنا، وكيف سعت إلى الحصول على حقوقها الكاملة في الحرية، بما عبرت عنه سكينة بوقوفها خلف قضبان السجن، من أجل الأمل في الحرية وتحرير قادة النضال الكردي وعلى رأسهم عبدالله أوجلان، الذي كان قائداً لها بالفعل في كل كلمة كتبتها وخطوة قامت بها.

أميرة المناضلات

واستعرضت الدكتورة صونيا الأشقر بعض الجوانب من كتاب “حياتي كلها صراع” الذي ترجمته الكاتبة الكردية بشرى علي، وعكس كيف دافعت سكينة جانسيز عن كل حبة تراب من أرضها، ودفعت لأجل ذلك حياتها ثمناً، واصفة إياها بأنها “أميرة المناضلات” من أجل الحرية المطلقة، كمطلب عظيم، لسيدة لم تعرف إلا الألم والهجرة والقتل والتدمير بحق الأمة الكردية.

وأكدت أن سكينة جانسيز من النساء الأولويات التي ساهمت في تأسيس الحركة الكردية العامة، وعملت بكل جهد على ذرع بذورها، وهو ما نلمسه كذلك من خلال عنوان الكتاب، لتجعل من كتاباتها رايات مرفوعة فوق العالم أجمع، بما امتكلت من رمزية نضالية تعبر عن الشعوب المظلومة.

ابنة التجربة الكردية

انتقلت الكلمة إلى الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، الذي أكد أن سكينة جانسيز ومن خلال مذكرات “حياتي كلها صراع” يتجلى لنا بوضوح أنها ابنة التجربة الكردية –  أو “الجين الكردي” على حد تعبيره – قائلاً إنها كانت اكتشافاً بالنسبة له عندما قرأ الجزء الأول الذي ترجم من هذا الكتاب.

ويوضح أن سكينة جانسيز تنتمي إلى نموذج تاريخي هو “المرأة الكردية”، وهذا بشهادة الرحالة الذين زاروا المناطق الكردية، أحدهم الألماني هاينريش جيبرت الذي قال إنها “عمود البيت، تستخدم السلاح، وتركب الخيل، الروابط العائلية للزوج والشرف مقدسة، الأهم لا توجد امرأة في الشرق حرة مثل المرأة الكردية”.

ويضيف الإمام أن هذه هي الطبيعة التي أفرزت سكينة جانسيز، إلى جانب الثورات الكردية والمجزرة الكبيرة في درسيم، حيث كان يتم استهداف النساء والفتيات الكرديات بالأساس للتخلص منهن كجزء من الإبادات النوعية؛ حتى لا يكون هناك استمرارية للعنصر الكردي.

ونوه إلى أن استهداف النساء الكرديات هو نفسه ما حدث في فلسطين بعد أحداث 7 أكتوبر، مشيراً إلى أن هذه هي المدينة التي نشأت فيها سكينة جانسيز، لدرجة أن النساء كن يفضلن الانتحار بدلاً من السقوط بيد الفاشية الكردية.

جريمة بكل المقاييس

وانتقل أستاذ التاريخ للحديث عن التوصيف القانوني لعملية اغتيال سكينة جانسيز في يناير من عام 2013 خلال وجودها في فرنسا، إذ يرى أن هذا هو الأهم، منظور القانون الدولي العام لاغتيالها وكذلك القانون الدولي الإنساني، مؤكداً أنها بكل المقاييس تصنف على أنها جريمة إبادة نوعية “gendercide”.

وأوضح أن اغتيالها جزء من جريمة أوسع وهي الإبادة الكردية، المستمرة ليس من 100 سنة كما يقال، بل منذ 500 إلى 600 سنة، بدأت بجريمة تطهير عرقي وغيرها من الجرائم وصولاً إلى إبادة جماعية، والآن إبادة للثقافة وللهوية الكردية، وهي جريمة بمفهوم القانون الدولي، مؤكداً أن سكينة جانسيز استهدفت لأنها شخصية مؤثرة ولها مكانة تنظيمية.

الأزمة السورية حاضرة

وعلى هامش مناقشة كتاب “حياتي كلها صراع” كانت الأزمة السورية حاضرة في الندوة، حيث جرى التطرق إليها في إطار الحديث عن الملف الكردي، وهنا يقول الدكتور محمد رفعت الإمام إن حل المسألة الكردية سواء في سوريا أو العراق أو إيران أو تركيا يأتي من خلال تطبيق الحضارة الديمقراطية المجتميعة الجديدة، التي أطلق عليها المناضل عبدالله أوجلان “العصرانية الديمقراطية”، بدلاً من الحداثة الرأسمالية التي فرضت نفسها على منطقة الشرق الأوسط.

ولفت إلى أن “العصرانية الديمقراطية” قامت على عديد من الأسس، التي ترتكز على العيش المشترك وتلبية احتياجات جميع الشعوب، منوهاً إلى أن الكونفيدرالية الديمقراطية هي البديل السياسي في مشروع “العصرانية الديمقراطية” عوضاً عن الدولة الديمقراطية في مشروع الحداثة الرأسمالية، والتي من شأنها صياغة حلول لكثير من القضايا والمعضلات العالقة.

واعتبر “الإمام” إن هذا النظام يمكن تطبيقه في سوريا، وقادر على علاج كثير من أزماتها، مشيداً في هذا السياق بتجرية الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وضرورة أن تكون هناك ضمانة دستورية للمعتقدات والثقافات واللغات والمكونات، ما يجعلهم قادرين على المشاركة في عملية التنمية.

وشارك عدد من الحضور بمداخلات ثرية حول الوضع في سوريا، مؤكدين الحاجة إلى أن تكون هناك دولة تتسع للجميع، وتراعي حقوق الكافة، وسط تحذيرات للبعض من توجهات الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، كما أشاد بعضهم بتجربة نضال سكينة جانسيز كنموذج يحتذى به للمرأة في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى