
أصدر وفد “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM)” المؤيد للكرد في تركيا يوم 17 يناير 2025 بعد زيارته لإمرالي ولقائه بالأحزاب السياسية بياناً أكد فيه أنهم سيزودون السيد “عبد الله أوجلان” في أقرب وقت ممكن بكل ملاحظاتهم الإيجابية وسيعملون جاهدين لضمان نجاح عملية (الحوار والسلام) بين الكرد وتركيا، ويذكر أن الوفد قام بزيارة للسيد “أوجلان” في 28 ديسمبر 2024، والذي قدم مبادرة لإنهاء الخلاف بين تركيا والكرد، وقد كان ضمن هذا الوفد: ” سري ثريا أوندر” نائب الحزب عن مدينة إسطنبول، و”بروين بولدان ” النائبة عن مدينة وان بتركيا، وتأتي هذه الزيارة بعد أكثر من 10 سنوات على زيارة سابقة قاما بها إلى سجن “إمرالي” في مارس 2013 للتوصل لعملية الحل بين الكرد وتركيا، حتى عام 2015 عندما أعلن “أردوغان” الرئيس التركي أنه لا توجد مشكلة لدى الأكراد في تركيا، وأغلق بذلك الباب أمام أي مبادرات جادة للوصول لحل مشاكل الكرد في تركيا.
زيارة الوفد ومبادرة السيد “أوجلان” للسلام:
جاءت هذه الزيارة بهدف التوصل إلى حل دائم للقضية الكردية وإنهاء الخلافات والقلاقل بين الطرفين التي كان لها المسئولية التاريخية في إحداث صدع في العلاقة بين الأتراك والكرد، وما تحتمه الأوضاع الراهنة على الساحة الشرق أوسطية من التطورات الجذرية المتفاقمة والمتلاحقة، التي لا رجعة فيها بالإقليم، وقد دارت مباحثات السيد “أوجلان” مع أعضاء وفد “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM)”، حول إيجاد حل ووضع ديمقراطي للشعب الكردي ليس فقط في كردستان، ولكن في الأجزاء الأربعة “تركيا، إيران، العراق، سوريا”.
وهنا نجد اللافت، أنه وبالرغم من اعتقال السيد “أوجلان” وعزله في سجن جزيرة “إمرالي” ببحر مرمرة الذي أعد خصيصًا من أجل اعتقاله تحت نير السلطات التركية، بما يتجاوز الربع قرن، إلا أن أفكاره مازالت طليقة تخترق جدران المعتقل، حيث أبدى “عبد الله أوجلان” استعداده للمساهمة في إرساء مبادرة سلام ضمن عملية تعزز الأخوة بين الأتراك والكرد، للوصول إلى حل نهائي، لإنهاء الصراع بين الطرفين، وحمل السيد “أوجلان” على عاتقه مسئولية توجيه الرسائل في هذا الإطار، وذلك أثناء زيارة وفد حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” له، وكان من أهم النقاط التي ركز عليها ضمن المبادرة لخلق حل وسلام دائم، هي التحضير لأرضية مناسبة، وذلك بإعداد إطار حقوقي وديمقراطي حول تهيئة جميع الشعوب في تركيا للتساوي في الحقوق والديمقراطية.
وقد جاء الإطار العام لمبادرة السيد “أوجلان”، ما يلي:
- إعادة تعزيز أواصر الأخوة التركية _ الكردية، فهي مسؤولية تاريخية وضرورية لمصير كافة الشعوب.
- ضرورة إنجاح عملية الحل، حيث ينبغي أن تقوم جميع الدوائر السياسية في تركيا بأخذ زمام المبادرة والتصرف بشكل بناء، وتقديم مساهمات إيجابية، دون الوقوع في حسابات ضيقة ودورية، ولا شك أن أحد أهم الأسباب لهذه المساهمات سيكون مجلس الأمة التركي الكبير (TBMM).
- سلطت أحداث غزة وسوريا الضوء على محاولة تحويل هذه القضية إلى غرغرينا بالتدخلات الخارجية، ولذلك فإن حل هذه القضية وصل إلى حد أنه لا يمكن تأجيله بعد الآن، كما أن مساهمات المعارضة ومقترحاتها لها قيمة كبيرة من أجل تحقيق النجاح في هذا العمل.
- توفر القوة والتصميم لـ”أوجلان” لتقديم المساهمة الإيجابية اللازمة للنموذج الجديد الذي يعززه “بهجلي” و”أردوغان”.
- تبادل هذا التوجه من قبل الوفد مع كل من: الدولة والدوائر السياسية، وفي ضوء ذلك، هناك استعداد لاتخاذ الخطوة الإيجابية اللازمة وإجراء النداء اللازم.
- تضافر كل هذه الجهود لأخذ البلاد إلى المستوى الذي تستحقه ومن المتوقع أن تكون أيضاً دليلاً قيماً لغاية التحول الديمقراطي.
- إن العصر هو عصر السلام والديمقراطية والأخوة لتركيا والمنطقة.
تضمنت مبادرة الحل التي اقترحها السيد “أوجلان” لإحلال السلام بين الكرد وتركيا، والتي تمحورت حول إعادة توثيق أواصر الأخوة الكردية – التركية، والتي بدورها أضحت أمرًا ملحًا لكافة الشعوب سواءً الكردية أو التركية، و تتسق بذلك مع ما نادى به “أوجلان” في مشروعه “الأمة الديموقراطية”، وتقبل الاختلافات بين شعوب الدولة الواحدة، دون أن يكون هذا الاختلاف أساسًا للتمييز أو الإقصاء، وهنا أكد “أوجلان” على الدور المحوري للبرلمان في دعم الحلول السياسية، وعلى ضرورة إنهاء التدخلات الخارجية، وأن الحل الاجتماعي ليس من أجل إيجاد حل بين الحكومة وإمرالي، وليس بهدف فردي وهو خلاصه من اعتقال السلطات التركية له، ولكن لصالح المجموع بهدف الوصول لاستقرار وحل الأزمة الكردية في الدول الأربع .
الأمة الديمقراطية بديلاً للدولة القومية
وكثيرًا ما أكد “أوجلان” في أفكاره عن الديمقراطية وحرية الفرد وحرية المجتمع، لاسيما كونه مهندس لمشروع “الأمة الديمقراطية” الذي رسخ أهمية المواطنة في مقابل القومية، وضرورة التعايش والحوار مع الآخر، وينادي بالدولة الوطنية التي يتساوى فيها جميع فئات شعبها في الحقوق والواجبات، وهي التي تُبنى على أساس فكرة جوهرية هي أن “الدولة لكل مواطنيها” دون تمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو المستوى الاجتماعي أو المذهب أو أي تباين في أي من الصفات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتقوم العلاقة بين مكونات الدولة الوطنية على أساس “عقد مواطنة” يرتب حقوقاً للفرد في قيم المســاواة وتكافؤ الفرص والعدالة والأمن والحريات ويرتب أيضـاَ عليه واجبات تجاه الدولة وتجاه غيره من المواطنين.
وهذه بديلاً بدورها عن الدولة القومية، وهي التي تعني وحدة سياسية تشكل الدولة، ومنظمة سياسية مركزية تحكم مجموعة سكانية داخل إقليم، تضم مجتمع قائم على هوية مشتركة، متطابقة، وطالما أكدت الدولة القومية إخفاقها في تحقيق ديمقراطية حقيقة ومساواه بين أطياف شعبها ومواطنيها، وقد مكنت الدولة القومية الغرب في إقليمنا الشرق أوسطي من ترسيخ الطائفية والنعرات، وولدت الصراعات، وكانت مدخلاً لشرذمة البلاد وتقسيمها، وإشعال الحروب على أساس طائفي وديني وعرقي، خاصة فيما عرف بـ”الربيع العربي”.
ما وراء الترحيب التركي بالحوار مع “عبد الله أوجلان”:
يذكر أنه قبل شهرين من مبادرة السيد “أوجلان” رحب “رجب طيب أردوغان” بمقترح حليفه السياسي “دولت بهتشلي”، زعيم حزب الحركة القومية، والمعروف بمعارضته الشديدة لجهود حل القضية الكردية، والذي تبنى مؤخرًا موقفًا مغايرًا، وقد تضمن أن يُسمح لـ”عبدالله أوجلان”، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني، بالخروج للتحدث علنًا عن حل الحزب والتخلي عن السلاح، دون الإشارة إلى مسألة إطلاق سراح “عبد الله أوجلان” على أن يتم هذا الإعلان أمام الكتلة البرلمانية لحزب “الشعوب الديمقراطي”، المعروفة بأنها الجناح السياسي لـ”حزب العمال الكردستاني”، وذلك لتحقيق عدة أهداف هي:
- محاولة إضعاف الوجود الكردي في الحياة العامة والسياسية في تركيا.
- العمل على خفوت الشعور القومي للكرد.
- تقديم نوع من المساومة والمقايضة بشأن حرية القائد “عبدالله أوجلان” رمز القضية الكردية.
- ممارسة المزيد من الضغوط على الكرد السوريين، لاسيما مع محاولات تركيا التوسع عسكريًا في مناطق الكرد بسوريا في منبج وحول سد تشرين، لاسيما مع مهادنة النظام الحاكم الحالي بسوريا للسياسة التركية.
- ضمانًا للدور المحوري الذي تستهدفه أنقرة في مرحلة إعادة الإعمار وإعادة بسط الأمن والسلطة في سوريا، فهي تسعى لتقوية علاقاتها الاقتصادية والسياسية بسوريا الجديدة، بما يعزز مكانتها كقوة إقليمية فاعلة.
- محاولة “أردوغان”، على الجانب الآخر، أن يزيد شعبيته من خلال عملية تصفير مشكلة الكرد في تركيا دون تحمل خسائر تذكر، واللجوء إلى القضاء على “حزب العمال الكردستاني” في سوريا وقنديل، وبذلك تجري تصفية “قوات سوريا الديمقراطية” وإغلاق الطريق إلى حالة الحكم الذاتي، مما يتيح عمليات التوغل في أراضي الكرد خاصة في سوريا ونهب ثرواتهم وتهجيرهم، لاسيما وأنها تعد الآن اللاعب الأهم في المسرح السوري.
- اجتهاد أنقرة للقضاء على الإدارة الذاتية في سوريا، وبالمثل محاولة إنهاء تواجد حزب “العمال الكردستاني” ، ويذكر أن أنقرة أعلنت عن خطة إنمائية إقليمية لتطوير المناطق ذات الغالبية الكردية، بما يسمح لها بتغيير الطابع الكردي لهذه المناطق وسكانها تحت ذريعة التطوير.
- سعي تركيا الحثيث لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم من خلال إيجاد بيئة مستقرة بما شكل يحقق مصالح تركيا في سوريا، عبر توفير مشاريع لدعم أساس اجتماعي واقتصادي مهم من أجل استدامة العودة ومنع أي موجات نزوح مستقبلية.
- وبشكل عام فإن حقيقة موقف تركيا يتمثل في كونه محاولة لكسب الوقت على حساب مصالح الكرد لفتح الطريق أمام “أردوغان” ليصبح مرشحاً للرئاسة مرة أخرى في تركيا لعام 2028، لاسيما وأن المادة 116 من الدستور، تنص على أنه إذا “قرر البرلمان إجراء انتخابات مبكرة، فسيتمكن الرئيس الحالي من الترشح لمنصبه مرة أخرى، كما لو أنه لم يخدم للفترة الأخيرة”، ويمكن للبرلمان أن يقرر إجراء انتخابات مبكرة بأغلبية 3 أخماس أعضائه الـ600، أي بتوقيع 367 نائباً، وإجمالي المقاعد الحالية لحزب العدالة والتنمية، 267 مقعداً، وحزب الحركة القومية، 44 مقعداً، ليست كافية لهذا الغرض، لكن عند إضافة نواب حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” سيتجاوز العدد 367 نائباً، وحتى لو خسرت الأحزاب بعض الأصوات بحلول ( مايو 2028)، فمن الممكن استكمالها بمساعدة “تحالف الشعب”، وبالتالي ضمان كسب أصوات النواب الأكراد في البرلمان وتوظيفها سياسيًا، دون الحاجة إلى اللجوء إلى أساليب أكثر تعقيدًا مثل: اللجوء لوضع دستور جديد، لاسيما وأن معظم الأحزاب بالبرلمان أعلنت أنها لن تؤيد وجود دستور جديد إلا إذا تضمن النص على العودة للنظام البرلماني.
وأكبر دليل أن تركيا مازالت تراوغ وتناور :
رفض أنقرة كل المقترحات التي قدمها “مظلوم عبدي” القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” لوقف عملية “فجر الحرية” التي استهدفت كوباني شرق الفرات بعد تل رفعت ومنبج، وضمان وقف دائم لإطلاق النار، والذي شمل أن تكون كوباني منزوعة السلاح، وقبول ترحيل المقاتلين الأجانب، بما في ذلك كوادر حزب العمال الكردستاني، وتأكيده أنه مع وحدة الأراضي السورية وسلامتها وعدم سعيه لتجزئة سوريا، والمطالبة بأن أن تصبح قوات “سوريا الديمقراطية” جزءاً لا يتجزأ من الجيش السوري الذي يمثل البلاد، إلى جانب نقل السلطة من المركز إلى المجالس المحلية، ووضع دستور يضمن حقوق الكرد والأقليات الأخرى.
ولكن السؤال يكمن في مدى استعداد الجانب التركي لتفهم مطالب الكرد سواءً في تركيا أو في سوريا؟ وكذا مدى قابلية الجانب التركي لعمل تعديلات دستورية تحقق المواطنة بين الأتراك والكرد، وتقبل الثقافة الكردية والاعتراف بها، إلى جانب الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للكرد، ومدى التزام الدولة التركية بتعهداتها تجاه الكرد عمومًا، وعلى الجانب الآخر إنهاء العمليات التوسعية على حساب الأراضي الكردية في سوريا، والخروج من الأراضي الكردية المحتلة كعفرين، ولكن الإجابات المرجحة لهذه الأسئلة تستمد من مناورات وتسويف الجانب التركي الذي يؤكد بدوره عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتحقيق سلام بين الكرد وتركيا، وأنها مجرد دعاية لدعم الصورة الذهنية للسلطة الحاكمة في تركيا وعلى رأسها “أردوغان” في محاولة لتجميل نظامه السياسي ومواراة الجرائم المرتكبة في حق الكرد والتي لاتزال ترتكب في اعتداءات أنقرة وفصائلها على الكرد السوريين من المدنيين العزل، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي لا يتعدى دوره الشجب والتنديد.