دراسات

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإمارات الكردية في مذكرات جيمس بكنغهام وجيمس ريج

تحليل: الاستاذ الدكتور محمد محمود محمود حمد الدوداني - أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر - كلية الٱداب جامعة دمياط

المقدمة:

تُعد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأي شعب دليلاً على نهضة الشعب أو تأخره، ونظراً لخصوصية الوضع في كردستان خلال العهد العثماني فإن الدراسات الأكاديمية ركزت جُل همها على الحديث عن الأوضاع السياسية والنزاعات بين الإمارات الكردية والقوى الإقليمية، وبخاصة الدولة العثمانية وبلاد فارس، وربما يرجع ذلك إلى توفر الوثائق السياسية من أوامر سلطانية ومراسلات بين الأمراء الكرد والقوى في المنطقة، وغيرها من الوثائق السياسية التي أذكت تاريخ الكرد السياسي في العهد العثماني.

أما الحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فقد أهملتها الوثائق، لم تحو إلى قرارات بجمع ضرائب، وفرض ضرائب جديدة، دون أي ذكر لأحوال عامة الشعب، ومن ثم فإن ندرة الوثائق التي تتحدث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كردستان فرضت على الباحثين النظر في مذكرات الرحالة، والتي تعد مصدراً رئيساً للحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بجانب السياسية، ومنها المذكرات موضوع الدراسة.

وتعد مذكرات الرحالة البريطاني جيمس بكنغهام James Silk Buckingham، ومذكرات المقيم البريطاني في العراق جيمس ريج Claudius James Rich من أهم المصادر التي وثقت تاريخ الإمارات الكردية في تلك المرحلة المهمة من تاريخها، فقد زار الأول – بكنغهام- العراق في عام 1816م، ومر بسنجار والموصل وأربيل وغيرها من المناطق الكردية، أما الثاني – ريج- فقد قام برحلته إلى كردستان في عام 1820م،

وتكمن أهمية ما ذكره بكنغهام وريج أن زيارتهما تزامنت مع التحركات العثمانية لإسقاط الإمارات الكردية، وإخضاعها للحكم المباشر، وما رافق ذلك من تأثير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإمارات الكردية، ومن ثم فإن هذه الدراسة ستتناول ما ذكره بكنغهام وريج عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإمارات الكردية، وإخضاع ما ذكره عن كردستان للنقد والتحليل.

وتعتمد هذه الدراسة على مذكرات بكنغهام وريج، بالإضافة إلى مجموعة من المصادر والمراجع التي أسهمت في إذكاء هذا البحث

تمهيد:

ولد جيمس بكنغهام في عام 1786م في قرية بالقرب من مدينة فالموت بإنجلترا، انتقل وهو شاب إلى الهند فاشتغل في إحدى دوائر شركة الهند الشرقية الإنجليزية لعدة سنوات، كان بكنغهام محباً للترحال، فقام بعدة رحلات منها رحلته إلى مصر في عام 1812م، وفلسطين وشرق الأردن في عام 1814م(بكنغهام، 1968، ص ص3-4).

وزار العراق -موضوع الدراسة- في عام 1816م، فبدأ رحلته إلى العراق عن طريق سوريا إلى سنجار ومنها إلى الموصل ثم بغداد عن طريق الموصل، أربيل، كركوك(بكنغهام، 1968، ص4).

وقد وثق هذه الرحلة في أربعة مجلدات حملة عنوان “رحلة في بلاد الرافدين Travels in Mesopotamia”، و”رحلات عبر أشور وميديا وإيران Travels in Assyria, Media and Persia”، وقد عني “سليم طه التكريتي” بترجمة هذه المذكرات تحت عنوان “رحلتي إلى العراق سنة 1816م، فنشره في جزئين في عام 1968م.

أما الثاني جيمس ريج فقد ولد في عام 1787م في فرنسا، وانتقل وهو طفل مع أسرته إلى بريستول بإنجلترا، وقد نبغ ريج في تعلم اللغات الشرقية فأجاد اللاتينية واليونانية والعربية ، وفي عام 1803م تم تعيينه طالباً حربياً في الخدمة العسكرية لدى شركة الهند الشرقية البريطانية، ونظراً لحبه للترحال فقد تنقل بين عدد من مدن الشرق في تركيا ومصر، وفلسطين وسوريا وغيرها من البلدان العربية، وفي عام 1808م تم تعيينه مقيماً بريطانياً في العراق، وكانت مقيميته تضم بغداد والبصرة، وفي عام 1820م قام برحلته إلى كردستان، زار خلالها ربوع إمارتي بابان في كوردستان الجنوبية، واردلان في كوردستان الشرقية، كان الغرض المعلن من سفرهم هو للترفيه والسياحة، لكن معلومات أخرى تفيد أن تردي العلاقات بين داود باشا (والي بغداد) والمستر ريج، وسعي الأول للتدخل في شؤون الثاني، كان السبب الحقيقي للرحلة(ريج، 2008، ص ص5-19).

وقد وثق ريج رحلته إلى كردستان في مجلدين بعنوان “سرد لإقامتي في كردستان ومواقع نينوي القديمة… Narrative of a residence in Koordistan, and on the site of ancient Nineveh…”، وقد قام اللواء بهاء الدين النوري بترجمة مذكرات “ريج” تحت عنوان “رحلة ريج المقيم البريطاني في العراق عام 1820م إلى بغداد- كردستان- إيران، ونشرها في عام 1951م، ثم أعيد نشرها مرة ثانية في عام 2008م، وتجدر الإشارة إلى أن الطبعة الثانية احتوت على مذكرات زوجة ريج أيضاً.

وقد اشتملت هذه المذكرات على الكثير من المعلومات عن أحوال كردستان الاقتصادية والاجتماعية بجانب السياسية، وليس المقصود من المقارنة بين مذكرات بكنغهام وريج هو بيان الاختلاف، وإنما الهدف هو بيان التكامل فرحلة بكنغهام انطلقت من سوريا، ورحلة ريج انطلقت من بغداد، لتغطي الرحلتان معظم أنحاء كردستان، لتقف على أوضاع كردستان الاقتصادية والاجتماعية، وتميط اللثام عن أوضاع المتجمع الكردي في فترة بداية سقوط الإمارات الكردية.  

أولاً- الأوضاع الاقتصادية:

كانت الزراعة وتربية الماشية النشاط الاقتصادي الرئيسي للكرد، ففي مناطق السهول (المدن) كانت الزراعة هي أساس النشاط الاقتصادي، فيذكر بكنغهام أن سكان المدن يعيشون على الزراعة (بكنغهام، 1968، ص20).

أما المناطق الجبلية فإن ممارسة الزراعة كانت مرتبطة بالظروف المناخية والطبيعية، فيصف بكنغهام جبل سنجار “بجبل سنجار الخصب الملائم لزراعة مختلف أنواع الفواكه (بكنغهام، 1968، ص ص18-19)، ونظراً للطبيعة الجبلية في كردستان فقد برع الكرد في استصلاح الأراضي الجبلية وتهيئتها للزراعة من خلال جمع الأحجار الكبيرة والصغيرة من أراضيهم، وتشكيل سياج في الطراف لحمايتها، كما كانوا يلجأون إلى رفع الأدغال وتسوية الحفر وبناء الجدران(محو، 2012، ص150).

ويذكر “ريج” أن الكرد كان يتبعون أنظمة خاصة بالزراعة؛ حيث كانوا يزرعون الأرض عاما ويتركونها في العام التالي، (ريج، 2008، ص136)، ويسمى هذا النظام بـ (نيرونير)؛ حيث كانت تترك الأرض عامًا بدون زراعة لكي تستعيد قواتها(محو، 2012، ص151).

وكانت المحاصيل الشتوية تعتمد في زراعتها على الأمطار، أما الصيفية فكانت تعتمد على المياه السطحية، وكانت المحاصيل تختلف زراعتها من مكان لآخر، منها ما ذكره ريج أن السليمانية كانت تنتج محاصيل الحنطة والشعير والتبغ والقطن والأرز والذرة والعدس والحمص والبلوط (ريج، 2008، ص ص135-136).

وتنتشر في مناطق الغابات والبساتين أشجار التوت والجوز والدلب أو الصنار في كردستان، أما شجر الحور فيوجد في الجزيرة والعمادية، والصفصاف في الفرات من أعالي، وتستخدم هذه الأشجار في تجارة الأخشاب (ريج، 2008، ص ص109-110).

وعلى الرغم من تنوع المحاصيل الزراعية، فإن بعض المحاصيل لم تكن تناسب كل مناطق كردستان كالقنب أو الكتان، وكذا أشجار البرتقال والليمون في كردستان الجنوبية، فيذكر ريج أن أشجار البرتقال والليمون غير موجود في المنطقة، والسبب في ذلك أن حرارة الصيف تتجاوز حد الاعتدال، أما برودة الشتاء فقارصة بالنسبة لهذه الأنواع من الأشجار (ريج، 2008، ص136).

وتجدر الإشارة إلى أن معظم أراضي كردستان الزراعية كانت محصورة في أدى رؤساء العشائر، وكانت ممتلكاتهم تبلغ أحياناً عشرات الآلاف من الهكتارات، وفي بداية القرن التاسع عشر تحول رئيس العشيرة إلى إقطاعي يملك أراضي خاصة به، وقد ادي ذلك إلى استقرار الكثير من العشائر وممارسة الزراعة بدلا من الرعي(الدوسكي، 2006، ص ص45-49).

بجانب الزراعة كانت تربية الماشية من المهن الرئيسية في كردستان نظراً لتوفر المراعي والمياه في المنطقة(محو، 2012، ص156)، بل إنها فاقت الزراعة في بعض المناطق الكردية، ونتيجة لذلك كان يتم تربية قطعان الماشية من أغنام وماعز وأبقار وخيول بأعداد كبيرة(الدوسكي، 2006، ص50).

وقد ترتب على ازدهار الزراعة وتربية الماشية ازدهار حركة التجارة، فيذكر بكنغهام أن سكان المدن كانوا يعيشون على المتاجرة بجانب الزراعة(بكنغهام، 1968، ص20)، بينما يذكر ريج أن أربيل كانت من المحطات التجارية المهمة وخاصة بالنسبة لتجارة الحبوب، بينما كانت كركوك مركزا لجمع المنتجات من المناطق المحيطة بها من كردستان وخاصة السليمانية، أما مدينة السليمانية فكانت تخرج منها قافلة تجارية باتجاه تبريز شهرياً وأخرى إلى أرضروم سنوياً، ولها تجارة مع همدان وسنه والموصل وبغداد أيضاً (ريج، 2008، ص ص289-290).

وذكر ريج أيضاً وجود بعض العوائل اليهودية في “بنجوين” تتاجر مع “سنه” و”همدان” بالعفص والجلود وغيرها، ويصدر الكثير من الجلود إلى همدان، وأن اليهود القرويين في كردستان يزاولون مهنة الصباغة، وتعد بنجوين ميناء أو سوقًا للعشائر الرحالة، تصل منها القوافل إلى همدان في ثمانية أيام وإلى سنه في أربعة أيام. (ريج، 2008، ص181).

وعلى الرغم من ذلك فقد أدى انعدام طرق المواصلات ووعورة الطرق وبعد كردستان عن طرق التجارة العالمية إلى تخلف حركة التصدير، فقد كان من الصعوبة تسويق المنتجات الزراعية والحيوانية، مما كان يجبر الفلاح الكردي على بيع منتجاته محلياً بأبخس الأثمان(الدوسكي، 2006م، ص49).

أما الصناعات والحرف اليدوية المحلية فإنها كانت تتم وفق احتياجات الكرد اليومية، فيذكر بكنغهام أن سكان المدن كانوا يعيشون على الصناعة الملائمة لحاجياتهم بجانب الزراعة والمتاجرة، (بكنغهام، 1968، ص20).

وكانت صناعة الأقمشة والسجاد والأواني الفخارية والخشبية والخيام والأدوات المنزلية والزراعية منتشرة في كردستان، إلا أن بعض المناطق اشتهرت أكثر من غيرها في صناعات معينة، منها موش وأليجة التي اشتهرت بإنتاج الأقمشة القطنية، واشتهرت قرية زورك إلى جنوب بحيرة وان بصناعة الأواني الفخارية، ومدينة بالو كانت تضم مصابغ ومدابغ للجلود(الدوسكي، 2006م، ص 52).

كما انتشرت أيضاً بعض الأنشطة الاقتصادية الأقل شأناً، إلا أنها كانت من مصادر الدخل لبعض العشائر الكردية، من أبرزها: صيد الحيوانات البرية، فيذكر ريج أن الأرانب والغزلان تكثر في سهول أربيل، مع أسراب لا حصر لها من القطا، وتصاد الصقور في هذا السهل، وتصدر إلى كردستان خاصة(ريج، 2008، ص325).

حماية القوافل، فيذكر بكنغهام أن عند وصوله وهو مرافقيه إلى قرية تدعى “جل آغا” دخلوا في مفاوضات مع شيخ العشيرة ليزودهم بثمانين فارساً مسلحاً لحمايتهم إلى أن يصلوا إلى ضفاف نهر دجلة مقابل ثلاثة دولارات اسبانية لكل فارس مسلح(بكنغهام، 1968، ص23).

وقد ارتبطت الزراعة وتربية الماشية بعدة عوامل طبيعية وبشرية، أما الطبيعية فكانت مرتبطة بالطقس والأحوال الجوية، خاصة وأن الزراعة كانت تعتمد على هطول الأمطار، لذلك فإن القحط وعدم تساقط الأمطار، وكذا الفيضانات، كان يعني شح المحاصيل، وانتشر القحط والمجاعة(هروتي، 2012م، ص15).

أما العوامل البشرية فكانت مرتبطة بالحروب والحملات العسكرية، التي كانت تخلف أزمات اقتصادية خانقة إلى جانب الكوارث الإنسانية التي تصاحبها، وذلك بفعل الحصار والنهب والقتل (هروتي، 2012م، ص18)، هذه العوامل بجانب الضرائب الباهظة التي كانت تفرضها الدولة العثمانية شكلت مجتمعة عبئاً على الأوضاع الاقتصادية في كردستان.

وقد تحدث ريج عن ذلك خلال لقائه مع أمير بابان محمود باشا؛ حيث اشتكى له الأخير من الظروف الصعبة التي تمر بها إمارته، بسبب وضعه على حدود سلطتين متنافستين -الفرس والأتراك- لا تنفك الأولى عن طلب الجزيات والضرائب، والثانية لا يساعدونه في الدفاع عن إماراته من اعتداءات الفرس. (ريج، 2008، ص ص83-84)، كما ذكر له “محمد آغا” بأن انعدام الأمن، وعدم تأكد أبناء العشائر من تملكهم للمقاطعات فإنهم لا يكرسون أنفسهم إلى الزراعة. (ريج، 2008، ص103).

وعلى الرغم من عدم إشارة بكنغهام وريج إلى هذه الأزمات بشكل مباشر، إلا أن فترة زيارتهم لكردستان تزامنت مع اضطراب الأوضاع في كردستان عام 1820م؛ حيث انتشرت أعمال النهب والفوضى (Sydney Gazette and New South Wales Advertiser, Saturday, 19 August 1820, p.3.)،  كنتيجة للصراع الذى دار بين الفرس وبعض زعماء الكُرد ([1]) من جانب، ووالي بغداد وأمير إمارة بابان الكُردية “محمود باشا” من جانب آخر(هروتي، 2008م، ص ص167-169). 

كما لعب فيضان نهري دجلة والفرات دوراً مهماً في حدوث اضطرابات وأزمات اقتصادية بسبب تضاعف الأسعار بشكل ملحوظ نتيجة لنقص السلع الأساسية( National Intelligencer: Volume 13, Issue 3990, Friday, Nov. 4, 1825.).

وكنتيجة مباشرة للتدهور الأوضاع الاقتصادية فقد انتشرت بعض أعمال السلب والنهب بين العشائر الحدودية، فيذكر بكنغهام لقاءه بجماعة من الكرد بالقرب من سنجار من اتباع “خليف آغا”، الذي فرض عليهم دفع ألفين وخمسمائة قرش للسماح لهم بالمرور، وأن أفراد من الجماعة سرقوا سرج حصانه ولجامه، كما سلب من شخص آخر في القافلة فرسه بكل ما كان على ظهرها من متاع. (بكنغهام، 1968، ص ص10-11).

وفي موضع آخر ذكر “أن الجبليين يؤلفون قبائل يرأسهم شيوخ، وتعيش بصفة رئيسة على سلب القوافل، ولذلك فإنهم ينحدرون من التلال التي يسكنونها ويرابطون عند ممرات الطرق، وهناك قبائل أخرى منتشرة في السهل وحتى حدود ماردين وهي تسير على ذات النمط من الحياة”(بكنغهام، 1968، ص ص20-21).

ثانياً- الأوضاع الاجتماعية:

تطرق بكنغهام وريج إلى ذكر الأوضاع الاجتماعية للعشائر في المناطق التي مروا بها، ويمكن تناول ذلك فيما يلي:

أ- العشائر الكردية:

كانت العشيرة أساس النظام الاجتماعي في كردستان، ومن الصعب إعداد إحصائية دقيقة لجميع العشائر الكردية، وذلك بسبب العدد الكبير لتلك العشائر، وعدم استقرار العديد منها من حيث السكن، وعدم وجود إحصائيات دقيقيه لعدد السكان، وكانت تسمية العشيرة يختلف من مكان إلى أخر، فبعض العشائر كانت تسمي بأسماء المناطق الجغرافية التي تسكن فيها، وبعضها كان يسمي بأسماء مؤسسي العشيرة، وتشير بعض المصادر أن عدد العشائر الكردية في الدولة العثمانية فقط في مطلع القرن العشرين بلغ نحو (322) أو (379) قبيلة وعشيرة (سايكس، 2007، ص ص5-18).

فرضت الأوضاع الاقتصادية، وانشغال معظم سكان كردستان بالزراعة والرعي، نفسها على تركيب المجتمع الكردي (الدوسكي، 2006، ص27)، فكان المجتمع الكردي يتكون في بداية القرن التاسع عشر من مجموعة من العشائر الرحل والمستوطنة “سكان المدن” ((Heude, 1819, p.228.

ونتيجة لطبيعة كردستان المتنوعة فإن ذلك أثر بشكل واضح على طبيعة حياة القبائل الكردية، ويمكن تميز ثلاث فئات في المجتمع الكردي، الأولى: القبائل التي تعيش حياة متحضرة (المستقرين)، وكان يتمركز معظمهم في القرى، ويمارسون الزراعة وتربية الماشية، الثانية: الرحل، التي تنتقل وراء مراكز الرعي، الثالثة: شبه رحل، وهم من يعملون بالزراعة، ويعتبرون من المستقرين بصورة مؤقتة، وتنحصر فترة استقرارهم في الفترة بين موسم البذر وموسم الحصاد، أما الأوقات الأخرى فيعملون في الرعي ويتوجهون إلى الجبال والأودية بصحبة قطعانهم بحثاً عن الغذاء(الدوسكي، 2006، ص ص27-29).

وقد ذكر ريج من العشائر الرحل عشيرة الجاف، وأنهم يسكنون الخيام، وهم يخيمون في الصيف في جبال حاجي أحمد الشاهقة في حدود “سنه”، وفي الخريف ينتشرون في منطقة “شهرزور”، أما الشتاء فيقطنون “شروانه” على ضفاف نهر ديالي(ريج، 2008، ص ص118-119).

ويوجد تمييز كبير بين سكان المدن والجبال، وعن اختلاف سكان السهول عن سكان الجبال يصف بكنغهام ذلك بقوله (علاقة هذه المدن الواحدة بالأخرى مثل العلاقة بين مدن العرب ومدن الصحراء أو العلاقة بين المزارعين والبدو…والشائع أن سكان الجبال منهم أكثر وحشية وقسوة من البقية، وأنهم لا يحلقون شواربهم أو لحاهم، بل لا يقصون شعورهم…) (بكنغهام، 1968، ص ص20-21).

هذا التمييز لم يكن قاصراً على الرحالة فقط، بل من قبل الكرد أنفسهم، فيذكر ريج أن القرويين في كردستان يؤلفون جماعة تختلف الاختلاف الكلي عن رجال العشائر، ويسمي الكرد العشائريون أنفسهم بالـ”سباه” أو الكرد المحاربين تمييزاً لأنفسهم من الكرد القرويين، أما القرويون فيعرفون بـ “رعية” أو “كويلي”، ويذكر ريج أن أحد أبناء العشائر اعترف له ذات مرة قائلاً: ((إن العشائر ينظرون إلى القرويين على أنهم خلقوا لخدمتهم))(ريج، 2008، ص ص97-98).

وأين كان نشاط القبيلة فالحقيقة الواقعة تمكن بتمتع الكرد بإخلاص شديد لزعمائهم، فيذكر بكنغهام خلال لقائه بـ”خليف آغا”: ((كان الاستقبال الذي لقينا به رئيس هذه الجماعة في خيمتنا أشبه باستقبال رجل يدين له الجميع بالطاعة المطلقة…كان الرئيس قد ألقى بنفسه على سجادة في أرض الخيمة، وأقبل عليه أنصاره فتحلقوا حوله))( بكنغهام، 1968، ص9).

وقد أكد ريج ذلك بقوله: ((إن تعلق الكرد برؤسائهم شديد جداً، فهم يعيشون في بغداد مع أسيادهم في حالة نفي منكرة يكافحون فيها شظف العيش وكل أنواع المحن والعوز دون أن ينبسوا ببنت شفة…المعروف عنهم أنهم غالباً ما يتكسبون المال من الحمالة والسقاية ليقدموه إلى أسيادهم ليعينوهم على العيش)) (ريج، 2008، ص ص95-96).

ب- مظاهر العمران:

أما طريقة بناء المنازل فقد ذكرها بكنغهام بقوله: ((سرنا ساعتين حتى وصلنا إلى قرية على رابية مشرفة تدعي “تل الشعير”، وكانت المنازل القليلة الظاهرة فيها أشبه بمخازن الغلال المستطيلة الشكل في مزارع الإنجليز، وهي مغطاة بسقوف منحدرة من القش، أما السكان، وكلهم من الأكراد، فكانوا يسكنون الخيام بصفة رئيسة، ولذلك كانت معظم هذه المنازل غير مأهولة ولربما كانت هذه الأبنية خاصة بخزن الحبوب على وجه التأكيد، وبعد مسيرة ساعتين من تلك القرية…مررنا بمكان آخر يدعى “ضيعة خليف أغا”، وهو اسم الرئيس الذى يقيم فيها، وتقع هذه القرية أيضاً على رابية أصغر من الأولى، وتضم خمسين بيتًا غير أن حوالي مائة كانت قد نصبت بجوارها))(بكنغهام، 1968، ص7).

وذكر بكنغهام أربيل بأنها من أكبر المدن التي شهدها منذ مغادرة الموصل، وكان بها مسجدان كبيران لهما مآذن، أما الأسواق لها سقوف من أغصان الأشجار تقوم على أعمدة، وبها عدد كبير من المنازل الحسنة المشيدة باللبن(بكنغهام، 1968م، ص126).

ومن مظاهر العمران في أربيل قلعتها الشهيرة، وذكرها بكنغهام بقوله: ((تقع على ربوة في الوسط وتبدو من بعيد أشبه بقلعتي ميسا وحلب في سوريا، وهي توزاي كلا منهما في الضخامة، والتل الذي تقوم عليه القلعة مربع الشكل يرتفع عن سفح منحدر وهو وإن كان واسعاً إلا أنه بلا شك من صنع البشر أو أن سطحه الخارجي على الأقل، قد رصفت بالحجر ولو أن القاعدة الداخلية يوجد الكثير من منازل السكن ولو أن الجزء الأعظم من المدينة ينتشر حول القلعة)) (بكنغهام، 1968م، ص ص126-127).

وكان ريج دقيقاً بارعاً في وصف بعض مظاهر عمران السليمانية المميزة، منها قصر الأمير الذي وصفه بقوله: ((وصلنا إلى القصر وكان مدخله واطئاً حقيراً ضيقاً وسخاً إلى درجة أظن أنها لا تليق بمسكن حاكم بل بمسكن رجل من عامة الناس، ولكنني علمت أن لهذه الحالة منافها في مثل هذه الديار إذ إنها تجعل الدفاع عن كرسي الحكومة في الطوارئ ممكناً، والمدخل لا ينتهي إلى واجهة القصر بل ينعطف إلى جانبه…ثم ارتقينا درجات سلم جميل يؤدي إلى بهو الاستقبال الذي لو عمر لكان غرفة فاخرة حقاً، وكانت واجهة البهو مكشوفة تستند على أعمدة))(ريج، 2008، ص ص88-89).

كما وصف الدار التي أقام بها فهي مربعة ذو طابق واحد مبني على دكة مشيدة من اللبن-الطابوق المجفف بحرارة الشمس- ارتفاعها ثلاثة أقدام تقريباً مملوطة جدرانها بالطين الممزوج بالتبن، وقد طليت جدران غرفة واحدة أو غرفتين منها بالنورة فوق الطين، وسقفها مسطح مؤلف من جسور وعوارض تعلوها طبقة من التراب، والبناء كله قائم في وسط حريم واسمه أو كما يعبر عنه في الهند في وسط محيط، وينقسم هذا الحريم إلى فناءين بجدار يتصل بجانبي البناء بالقرب من منتصفه جاعلاً القسم الأمامي منه حريماً والقسم الخلفي منه حريماً آخر، وهكذا يتفرغ إلى فرعي الحرم (مقصورة النساء في البيت) والديوان، وليس ثمة باب يصل بين الفناءين من داخل بناية الدار ذاتها…بل يجب أن ندخل من باب في الجدار الذي يقسم الحريم إلى فناءين…كانت ساحة كل من الفناءين معشوبة، وقد غرزت فيهما أشجار الصفصاف والحور والتوت وأنجم الأزهار من أخاديد ولوحات صغيرة، ويجري في أفنية بيوت السليمانية جدول ماء صغير يسيل من الجبال في الكهاريز)) (ريج، 2008، ص93). 

أما البيوت الاعتيادية الأخرى فهي زرائب من الطين، ويظهر أن المكان بكامله يحاكي قرية عربية كبيرة…وتحتوي هذه المدينة الحقيرة المظهر على خمسة خانات وجامعين معمورين وحمام واحد جد أنيق(ريج، 2008، ص94)، وقد أحج ريج بالحمام الذي عده نموذجاً فريداً في نظافته وبنائه ومتفوقاً على غيره من حمامات الإمبراطورية العثمانية (ريج، 2008، ص ص101-102).

أما عن عدد سكان كردستان فاكتفي بكنغهام بذكر عدد سكان أربيل فذكر أن عدد السكان يتجاوز العشرة آلاف، وقد يكون نصف هذا العدد هو الصحيح (بكنغهام، 1968م، ص126)، وفي الموصل يذكر بكنغهام أن المسلمين يؤلفون القسم الرئيس من السكان في المدينة، وهم من نسب متساوية من العرب والأتراك والأكراد (بكنغهام، 1968، ص64)، أما ريج فقد قدر عدد سكان مدينة السليمانية آنذاك بعشرة آلاف نسمة(ريج، 2008، ص94). 

وذكر ريج أن عدد بيوتها بـ2000 بيتاً للمسلمين، و130 بيتاً لليهود و9 للمسيحيين، و5 دور للأرمن، والكلدان يمتلكون كنيسة خاصة بهم، هذا فضلاً عن 5 خانات و5 حمامات إلى جانب عدد من المساجد والمباني الخاصة بدار الأمارة نفسها. (ريج، 2008، ص124).

ج- سمات الكرد:

أما عن سمات الكرد الخلقية والخُلقية فقد تضاربت أراء الرحالة عن صفات الكرد، فيذكر بكنغهام أنه التقى في الأول من تموز/يوليو 1816م بإحدى عشائر الكرد في سهول سنجار من أتباع “خليف آغا”، وعن مواصفتهم ذكر أنه لاحظ فيهم استدارة الوجوه وهي أرق إلى السحنة الأوروبية منها إلى السحنة الأسيوية، وكانت مظاهرهم جميلة مثل مظاهر الإنجليز ولو أن أعينهم وشعورهم كانت سوداء، وكان لباسهم مزيجاً من اللباسين التركي والعربي، وإن كان أكثر ميلا إلى الطراز العربي)) (بكنغهام، 1968، ص ص8-9).

أما ريج فقد وصف عثمان بك الأخ الأصغر لأمير بابان بقوله: ((لم يكن ضخم الجثة بل مربوعاً قوى البنية، وكانت تقاطيع وجهه متناسقة غاية التناسق، ولحيته سوداء مجعدة وعيناه زرقاوين غامقتين، وحاجباه سوداوين، وأهدابه سوداء، وسحنته سحنة رجل خفيفة السمرة ووردية جميلة نقية، لقد كان بوجه عام شاباً وسيماً جداً…وقد ألفته مهذباً في سلوكه)) (ريج، 2008، ص88).

أما ملابسه ((فكان يرتدي أفخر الملابس التي تتفق والذوق الكردي، فرداؤه من القماش الهندي الفاخر المزوق بالأوراد الذهبية، وغطاء رأسه من الشال الكشميري المزين بالأهداب الذهبية أيضاً… أما رداؤه الخارجي فكان معطفاً أو جبة من القماش القرمزي الفينيسي (البندقي) ذا أزرار ذهب))(ريج، 2008، ص88)، ويرتدي الرجال الزي الكردي التقليدي(ريج، 2008، ص276).

أما لباس السيدات فذكر ريج أنه يشتمل على السراويل التركية العريضة وعلى ثوب فضفاض يحزم من فوقه بحزام ذي عروتين كبيرتين من الفضة أو الذهب، ويلبس فوق ذلك المشلح، وهو على نمط مشالح الرجال، ويزرر عند الرقبة ولكنه يترك غير مزرر من الرقبة حتى الأذيال كاشفاً عن الثوب والمحزم، ويخاط عادة من الحرير المخطط أو المشجر أو من النسيج الملون أو من القماش الكجرات أو من المقصب الاستانبولي، وذلك يختلف باختلاف الموسم أو ثراء صاحبة اللبس، ومن فوق ذلك يأتي الـ”بنش” أو الصدرية، وهى من الستن عادة وتخاط كالمشلح، ولكنها ذات مين ضيقين لا يصل طولهما المرفقين، ويستعضن عن الصدرية في الشتاء باللبادة، وهى رداء من نوع الصدرية إلا أنه مبطن بالقطن، ويلبسن في الشتاء الجاورقة أيضاً التي تصنع من أنواع الحرير المربع الألوان(ريج، 2008، ص ص273-275).

وعن معاملة النساء يذكر ريج أنه وجد النساء يخرجن مع الرجال سوية لإنجاز واجباتهن البيتية دون أن يتحجبن(ريج، 2008، ص94)، وذكر أيضاً: ((أن مقام النساء في كردستان أفضل بكثير من مقامهن في تركيا أو إيران، وأعني بذلك أن أزواجهن يعاملوهن على قدم المساواة وإنهن يسخرون من خضوع النساء التركيات خضوع العبيد ويحتقرهن وهناك ما يشبه الاستقرار العائلي في كردستان وهو أمر معدوم في تركيا تماما)) (ريج، 2008، ص ص271-272).

وقد انفرد ريج بالحديث عن عادات الكرد في المأكل والمشرب والاحتفال بالمناسبات، فذكر أن الأطعمة كانت تشمل أنواع اللحوم الناشفة وغير الناشفة، وأنواع أخرى من الأطعمة الشهية كالفرهود والقوزي والمحشي المشوي، والأنواع المختلفة من المرطبات كالشنين مبرداً بالثلج ممزوجاً بالإجاص الفج المفروم “قه زوان”(ريج، 2008، ص ص122 وغيرها).

أما عن الاحتفالات فذكر أنها كانت مبهجة تشمل الغناء والموسيقي الشعبية الكردية، والملابس البراقة، والرقص الكردي؛ حيث تتشابك فيها الأيدي ومن كلا الجنسين، ويتساوى فيها القائد العشائري بالفلاح (ريج، 2008، صفحات متعددة).

فكانت العادات الاجتماعية تفرض مشاركة الجميع في الرقص، وهناك العديد من الرقصات حيث لكل منطقة رقصتها الخاصة، ولكل منطقة زيها الفولكلوري الخاص براقصيها، مثلما لكل رقصة حركات الرجلين واليدين وهز الاكتاف المختلفة عن الأخرى (أحمد، 2009، ص183).

د- وسائل التسلية:

ومن عادات الكرد التي ذكرها ريج أنهم الشرقيون الوحيدون الذين يسهرون إلى ساعة متأخرة من الليل، وينهضون في ساعة متأخرة صباحاً، وتكون زياراتهم عادة في الليل؛ حيث يستأنسون بالسمر والتدخين والموسيقي(ريج، 2008، ص108).

كما يذكر ريج أنهم أناس فرحون اجتماعيون إلى حد بعيد، لا يتنافسون ولا يتحاسدون، ولم أسمعهم يتشاتمون أو يتقاذفون بالكلام البذيء مهما اختلف نزعاتهم وتضاربت منافعهم(ريج، 2008، ص109).

وكان الكرد يمارسون أنواعاً مختلفة من الألعاب الرياضية والشعبية، فيذكر ريج أنه حضر حفلة للمصارعة في السليمانية، وعلق على ذلك بقوله: ((إن الأكراد أشد الرياضيين الذين أعرفهم عزما سواء أكانوا صغارًا أم كبارًا، شباباً أم شيوخاً، والرياضة هواية لشعب المستحبة لديهم))، وفعالياتها الرياضية والترفيهية تكاد تكون يومية كاللعب بالسيف والرماية بالبنادق وقتال طيور القبج والمصارعة والفروسية والدبكات الشعبية الراقصة وغيرها(ريج، 2008، صفحات مختلفة).

أما بكنغهام فقد أبدى إعجابه باستخدام الكرد للرماح والسلاح، فذكر أنه كان من بين جماعة خليف آغا صبيان صغيران لا يزيد عمر الواحد منهما عن عشر سنوات ومع ذلك كانا يمتطيان صهوتي جواديهما بثبات، ويحسنان استعمال رمحيهما، وإطلاق نيران مسدسيهما بمهارة فائقة مثل بقية الفرسان(بكنغهام، 1968، ص8).

هـ- الأوضاع الصحية:

وما يتعلق بالأوضاع الصحية في كردستان، فلم تبذل السلطات العثمانية جهوداً تذكر في مجال تقديم الخدمات الصحية، وبسبب فقدان الخدمات الصحية فقد انتشرت الأوبئة وراح ضحيتها مئات الآلاف من السكان(الدوسكي، 2006م، ص36).

وقد وثق ريج بعض من هذه الأمراض وأسباب انتشارها، فعندما زار منطقة شهروزر ذكر أن مناخها حار وغير صحي، ومليئة بالذباب والبعوض، وتوجد فيها الأفاعي بكثرة بدرجة أنها غالباً ما ترى زاحفة على طول الطرق حتى في وضح النهار(ريج، 2008، ص ص119-120).

كما ذكر أن سكان مدينة السليمانية قد تعرضوا لمرض الملاريا، وهى حمي تظهر في الربيع غالباً، ومن يصاب بها لا يتعافى إلا نادراً، وعندما توجه “ريج” إلى قرية بيستان أصيب مع معظم أفراد جماعته بحمي شديدة سماها الحمي الصفراء، وذكر أنه وباء انتشر بين أهالي القرية المذكورة(ريج، 2008، ص ص176-177).

كما ذكر ريج استفحال مرض الجدري في السليمانية، وأودى بحياة العديد من الأطفال وبضمنهم أحد أبناء الأمير الباباني نفسه وابن شقيقه عثمان بك(ريج، 2008، ص ص255-256، 287).

وتجدر الإشارة أن معظم تلك الأمراض والأوبئة لم تكن وليدة بيئة وظروف كردستان، بل كانت تأتيها من الأقاليم والبلدان الأخرى (هروتي، 2012م، ص20).

وعلى ما يبدو أن المجتمع الكردي قد ترك أثره في ريج، فقال وهو ينهي رحلته إلى كردستان: ((إنني أبارح كردستان بأسف لا حد له، فما كنت أتوقع مطلقاً أن أجد فيها أطيب الناس الذين لاقيتهم في الشرق كله، فقد عقدت الصداقة فيها وعوملت بإخلاص متناه أينما حللت، وبلطف وبضيافة لا حد لهما، وأخشى إنني سوف لا انتظر مثل هذه المعاملة خلال سياحتي المضنية، ولسوف تبقي هذه الذكريات عالقة في قرارة نفسي ما حييت)) (ريج، 2008، ص306).

الخاتمة:

تبين مما ذكره بكنغهام وريج في أن الأول طوّف بمعظم المناطق الكردية التي كانت في طريقه من سوريا إلى بغداد، دون أن يمكث طويلاً في معظم الإمارات الكردية أو المدن الكردية باستثناء أربيل، ومن ثم فإن احتكاكه بشكل مباشر كان مع القبائل الكردية الرحل، فلم يشهد مجتمعاً كردياً مستقراً كما في الإمارات الكردية، وعلى العكس من ذلك فإن ريج استقر في إمارة بابان فترة ليست بالقصيرة، وأقام علاقات مع سكانها، وشاهد مدنها وعادتها عن كسب، وقد انعكس ذلك على كتاباته.

ويعد ما كتبه ريج عن المجتمع الكردي المتحضر، ونظرته العميقة والتفصيلية لبعض المناطق الكردية إتماما لما ذكره بكنغهام عن الحياة العشائرية في المناطق الكردية.

ولكن لوحظ أن بكنغهام كانت كتابته لا تتسم بالعمق، وإنما كانت عبارة عن مشاهدات عابرة دون تفاصيل، أما ريج فقد كان يكتب بنظرة المؤرخ الفاحص والمدقق لمشاهداته كافة، على الرغم من ذلك فلم يناقش نواحي عدة، وسائل الري وطرق انتقال المياه من الأنهار إلى الأراضي، وكذا لم يتطرق بالتفصيل إلى الصناعة والتعليم.

كما ناقش ريج أثر الأوضاع السياسية للإمارات الكردية المتمثلة في الضغوط الفارسية والعثمانية عليها، والتي أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، كما ركز ريج على الأوضاع الاجتماعية بتفاصيلها المتمثلة في كتاباته عن المظاهر العمرانية في إمارة بابان، وكذا العادات والتقاليد التي كان يمارسها سكان السليمانية بشكل خاص، وكذا الأوضاع الصحية والعوامل التي كانت تؤثر فيها، وانتشار الأمراض بسبب فقدان الخدمات الصحية، كما لوحظ من كتاباته أنه دائم المقارنة بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأناضول، ومقارنتها بتلك الأوضاع في الإمارات الكردية، منصفاً الأوضاع في الإمارات الكردية، على سبيل المثال ما ذكره عن المرأة الكردية ووصفه بأنها أفضل من نظيراتها في وجودها كعنصر فاعل في المجتمع الكردي.


قائمة المصادر والمراجع

  • بكنغهام، جيمس (1968م)، رحلتي إلى العراق سنة 1816م، ترجمة: التكريتي، سليم طه، ج1، بغداد.
  • ريج، كلوديوس جيمس (2008)، رحلة ريج المقيم البريطاني في العراق عام 1820م إلى بغداد-كردستان-إيران، ترجم: نوري، بهاء الدين، الدار العربية للموسوعات، بيروت.
  • أحمد، أحمد محمد (2009)، أكراد الدولة العثمانية تاريخهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي 1880-1923، سييريز، كردستان العراق.
  • الدوسكي، كاميران عبد الصمد أحمد (2006)، كردستان في العهد العثماني في النصف الأول من القرن التاسع عشر، الدار العربية للموسوعات، بيروت.
  • رؤوف، عماد عبد السلام (2012)، دراسات وثائقية في تاريخ الكرد الحديث وحضارتهم، دار الزمان للطباعة والنشر، سوريا.
  • سايكس، مارك (2007)، القبائل الكردية في الإمبراطورية العثمانية، ترجمة: مراد، خليل علي، دار الزمان، سوريا.
  • العزاوي، عباس (د.ت)، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، مج 6، الدار العربية للموسوعات، بيروت.
  • محو، أرشد حمد (2012)، الايزيديون في كتب الرحالة البريطانيين، مؤسسة بحوث ونشر موكرياني، دهوك.
  • هروتي، سعدي عثمان (2008)، كوردستان والإمبراطورية العثمانية ” دراسة في تطور سياسة الهيمنة العثمانية في كوردستان 1514-1851م، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، كوردستان العراق.
  • هروتي، سعدي عثمان (2012)، دراسات أكاديمية في تاريخ كردستان الحديث، دار غيداء للنشر والتوزيع، د.م.

Heude, William (1817), A Voyage up the Persian Gulf and A Journey overland from India to England in 1817, London.

Sydney Gazette and New South Wales Advertiser, Saturday, 19 August 1820, p.3.

National Intelligencer: Volume 13, Issue 3990, Friday, Nov. 4, 1825.


([1]) ضم هذا التحالف أغلب القبائل الكُردية في بلاد فارس، وعدداً من زعماء إمارة بابان الكُردية الطامحين في حكم الإمارة، وهما: محمد باشا بن خالد باشا وسليمان باشا بن إبراهيم باشا، وعبد الله باشا أخو عبد الرحمن باشا. العزاوي، د.ت، ص309؛ رؤوف، 2012، ص ص157-158.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى