مقالات

داعش يطل برأسه من جديد.. محفزات عودته وما وراء التحالف الرباعي ضد التنظيم؟

تحليل: د. فرناز عطية

توالت التحذيرات من قبل الجهات المختلفة على مستوى إقليم الشرق الأوسط والعالم، بشأن عودة “داعش” من جديد، ونشيط خلاياه النائمة، فبالرغم من مرور سنوات على تثبيط التنظيم والتصدي له وإعلان الانتصار عليه، وكان الدور الأكبر والمباشر في ذلك للقوات الكردية التي حققت انتصارًا ساحقًا في دحر “الدواعش”  في موقعة “عين العرب – كوباني”، إلا أنه في الآونة الأخيرة حذّرت الأمم المتحدة صيف 2024 مجلس الأمن من أن خطر الإرهاب يعاود الظهور مع توقعات بتضاعف هجمات “داعش” هذا العام الجاري، وأضافت المنظمة في يوليو الماضي، أن عودة التنظيم ممكنة، خصوصًا أن سوريا مليئة بالأطراف المسلحة والجماعات الإرهابية والجيوش الأجنبية وخطوط المواجهة.

وهناك عدد من العوامل المتضافرة والمحفزة لظهور “داعش” مرة أخرى، سواءً عوامل ذاتية تتوافر في التنظيم نفسه ومموليه وأعضائه، أو عوامل دولية وإقليمية، وهي كالتالي:

أولا: العوامل والمحفزات الذاتية

  1. رغبة القيادة المركزية الجديدة بالتنظيم تحت رئاسة “أبو حفص الهاشمي” بإثبات وجودها من خلال كثيف العمليات في مناطق النشاط التقليدية خاصة في سوريا والعراق والقارة الأفريقية مع توجيه مجموعة “داعش خراسان” بالتركيز على استهداف الدول الخارجية وتوظيف الخلايا والشبكات التي جندتها في تنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية.
  2. اعتماد التنظيم على خلايا صغيرة العدد، وغالباً لا تكون متصلة ببعضها البعض ولا يتم الكشف عنها دفعة واحدة، وكذلك فهناك مخاوف من هجمات ما يعرف باسم “الذئاب المنفردة”، وهي أصعب في كشفها وإحباطها.
  3. استمرار مصادر الدعم والتمويل المادي واللوجستي للتنظيم وعدم نجاح التحالف الدولي في تجفيف منابع التمويل الخاصة بالتنظيم.

ثانيًا: العوامل والمحفزات الإقليمية والدولية

  1. القضية الفلسطينية بشكل عام، ومحاولات تصفيتها من قبل إسرائيل بمآزرة الولايات المتحدة والغرب، وحرب غزة على وجه الخصوص، وما ينتج عنها من مظلميات، وعمليات القتل والتشريد المستمرة للفلسطينيين، حيث قارب ضحايا عمليات العدوان والإبادة الوحشية الإسرائيلية للفلسطينيين من بعد 7 أكتوبر 2023 إلى ما يرنو إلى الـ 40 ألف شخص، في معظمهم نساء وأطفال، ناهيك عن المفقودين والمصابين، وتصاعد تصريحات الكراهية ضد أهل غزة من قبل الرئيس الأمريكي “ترامب”، وإطلاقه لمخططات خاصة بتهجيرهم، وإنكار حقوقهم الإنسانية والتاريخية في أراضيهم لصالح إسرائيل ومخططاتها التوسعية، ناهيك عن موقفه من الهدنة ووقوفه بجانب إسرائيل في محاولاتها إجهاض الهدنة والتنصل من التزاماتها الدولية تجاه الشعب الفلسطيني، وكذا المحاولات المستمرة من قبل إسرائيل لاقتطاع الضفة وضمها بشكل غير قانوني بكافة أشكال الإجرام والعنف ضد الشعب الفلسطيني من خلال هدم البيوت، والاعتقالات غير المبررة التعسفية، وعمليات القتل، وترحيل السكان الفلسطينيين، وغيرها وصولاً إلى مصادقة الكنيست على اقتراح قانون يستبدل مصطلح ‘الضفة الغربية‘ بـ ‘يهودا والسامرة‘ في التشريعات القانونية، تمهيدًا لاعتبارها جزأ من إسرائيل.
  2. الهجمات التركية أو التي تشنها الفصائل السورية المدعومة من تركيا على مناطق الإدارة الذاتية، ومناطق سيطرة “قسد” في سوريا، وخشية أن يؤدي ذلك إلى فتح السجون وهروب مسلحي وقادة تنظيم “داعش” منها، أو انهيار مخيم “الهول” و “روج” اللذان يأويان عددًا ضخمًا من أسر التنظيم، ويضمان خلايا نائمة، خاصة وأن أنقرة هددت أكثر من مرة باجتياح مخيم “الهول”، حيث يعبر عن مخيم “الهول” تحديدًا بـ”القنبلة الموقوتة”، مما يتسبب بدوره في عودة تنظيم “داعش” مجددًا بقوة وزحفه باتجاه العراق، خاصة أن السجون والمخيم تقع قرب الحدود العراقية السورية، لذلك لا يخفي العراق محاولاته لتفكيكها، ومن زاوية أخرى يعد قرار إدارة “ترامب” بشأن إيقاف المساعدات أثّر سلباً على واقع المخيمات، لاسيما “الهول” الذي توقّفت فيه أبرز المنظمات العاملة نتيجة القرار الأمريكي، ومنها منظمة بلومونت”، ويضم المخيم  15681 سوريًا موزّعين على 4371 عائلة، و6385 أجنبيًا ينحدرون من 55 دولة ويتوزّعون على 1897 عائلة، ويهدف المسئولون السوريون إلى إخراج السوريين من المخيم، ولكن الخطورة الأكبر تكمن في بقاء الأجانب داخل المخيم، خاصة مع استمرارهم بتنظيم صفوفهم، وفق الفكر الداعشي، والتنسيق بين أعضاء التنظيم داخل المخيم وخارجه، ويذكر أن عدد قليل جدًا من دول هؤلاء الأجانب أقدمت على استعادة عشرات من مواطنيها في مخيمات شرق سوريا.
  3. عودة عراقيي مخيم “الهول”، حيث تستعد 450 عائلة عراقية في مخيم “الهول” السوري للانتقال إلى مخيم “الجدعة” جنوب مدينة الموصل في العراق في الفترة المقبلة”، مما يهدد بعودة شبح “داعش” للعراق من جديد، فبالرغم من أن السلطات العراقية أكدت “نظافة سجلات” من تستعد لنقلهم من المخيم، وعدم ارتباطهم بالتنظيم، إلا أن مواطنين وناشطين مدنيين أبدوا اعتراضهم على قدومهم للعراق، تخوفًا من أن يؤدي مجيأهم إلى حدوث أعمال انتقام، لأن غالبيتهم تسببوا بأضرار للمواطنين، ويذكر أن حوالي 30 ألف عراقيًا،  يسكنون المخيم حاليًا، فضلاً عن عائلات منتمين لتنظيم “داعش” وأطفالهم، حيث تم نقلهم إليه بعد معارك “باغوز” التي كانت آخر معاقل تنظيم “داعش” في سوريا، ويتوزع العراقيون الذين يعيشون في مخيمات سورية على مخيمات (مبروكة والهول ونوروز)، وكان هؤلاء قد فروا إلى سوريا هربًا من الحرب التي شنتها قوات التحالف ضد مجموعات “داعش” في العراق عام 2017، وفي العام 2018 بلغ عدد هؤلاء اللاجئين العراقيين أكثر من 35 ألفًا، أغلبهم من العرب السنة والإيزيديين.
  4. تصاعد قوة تنظيم “داعش” (فرع الصومال)، واحتمالات تمدّد نفوذه ومخاطرة الأمنية إلى بقية دول القرن الأفريقي، وحتى خارج القرن الأفريقي، لاسيما مع خلق ذريعة له تبرر عودته للحياة من جديد من خلال تواجد قواعد وقوى أجنبية عديدة في المنطقة، ومحاولات دولة كأثيوبيا التواجد هناك من خلال إحدى الموانئ “بربرة”، حيث يرى أفراد التنظيم أن وجودهم بدافع حماية الأراضي الإسلامية من القوى غير المسلمة، وهو ما يخلق حالة مستمرة من الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار، لاسيما مع إعلان  “عبد القادر مؤمن” القيادي المنشق عن حركة “الشباب الصومالي” الإرهابية، مبايعة “أبوبكر البغدادي” وحصوله على اعتراف من التنظيم الدولي بأنه زعيم الولاية الرسمية لداعش في الصومال عام ٢٠١٨، ومنذ ذلك الحين وتنشط عملياته في جبال “جوليس” فى منطقة بارى بولاية “بونتلاند” الصومالية شبه المستقلة، وهو المكان الذى أعلن “بيت هيجسيث” وزير الدفاع الأمريكي أن الغارات الأمريكية الأخيرة استهدفت فيه عناصر التنظيم، ونتيجة تفاقم هجمات “داعش الصومال” وعودته للحياة بقوة  قامت “قوات دفاع بونتلاند” بمحاربة قواعد التنظيم في مرتفعات “علمسكاد”، والتي تمثل محور التمركز لدى التنظيم، حيث يلتجئ إليها وقت الضربات الجوية الموجة إليه، وقد تم تصفية أغلب عناصره في هجمة أمريكية ١٥ يناير ٢٠٢٥، عقب الهجمة النوعية التي قام بها التنظيم بالمنطقة في ٣١ ديسمبر ٢٠٢٤، وعلى خلفية الهجمات العابرة للحدود، حيث أعلن أن المسئول عن حادث الدهس ومنفذه  في ” نيو أورليانز” الأمريكية التي راح ضحيته 14 شخصًا، بداية عام 2025 عسكري أمريكي سابق متأثر بتنظيم “داعش” والتحق به؛ فجاءت الضربة الأمريكية الأخيرة كنوع من محاولات تقويض الهجمات ضد المصالح الأمريكية، وجزء من استراتيجية مكافحة الإرهاب التي تتبناها الولايات المتحدة، على الرغم من سحب قواتها من الصومال.
  5. الاضطرابات في اليمن وعدم الاستقرار وسيطرة جماعة الحوثيين، يثير مخاوف من التحالف بين تنظيم “داعش” الحوثيين، حيث أشار تقرير أممي (إلى انخفاض العمليات التي يقودها تنظيم “داعش” ضد الحوثيين في اليمن، كما أن تنظيم “داعش” يقوم بتأجيج الصراع في البيضاء وبين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لصالح أهداف حوثية)، والتي كبدها تنظيم “القاعدة” خسائر بالرغم من الدعم الذى يتلقاه تنظيم “داعش” من حركة الحوثي، وبالتالي فإن هناك محاولة لتفكيك كافة الروابط المهددة لعمليات التحالف الأمريكي في البحر الأحمر للقضاء على الحوثيين، مع احتمال وجود تقارب في المصالح بين “داعش” الصومال ونظيرتها في اليمن والتحالف مع ميليشيا الحوثي.
  6. الانتعاش العملياتي العالمي للتنظيم من خلال الهجمات العابرة للحدود، وخاصة لجماعة “داعش خراسان” التي وقفت وراء حادث الهجوم على قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو وأودى بحياة 137 شخصًا العام الماضي 2024، وقبل ذلك أعلنت مسئوليتها عن عمليات في أفغانستان وباكستان وإيران، والتي من المتوقع أن توسع نشاطها في أوروبا، وعلى إثر ذلك شنت حكومات بعض الدول الأوروبية حملة اعتقالات يوليو 2023، حيث نسقت ألمانيا وهولندا اعتقالات استهدفت 7 أفراد من الطاجيك والتركمان والقرغيز المرتبطين بشبكة داعش-خراسان الذين يشتبه في تخطيطهم لهجمات في ألمانيا، كما ألقي القبض أيضا على 3 رجال في ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، بسبب خطط لمهاجمة كاتدرائية كولونيا ليلة رأس عام 2023، مع مداهمات أسفرت عن 3 اعتقالات أخرى في النمسا، وواحد في ألمانيا يوم 24 ديسمبر 2024 للاشتباه في دعمهم لـ”داعش خراسان”، كما ظهرت هناك مخاوف من هجمات تعرف باسم “الذئاب المنفردة”، كحادث “الدهس” في ميونيخ الذي نفذه شاب أفغاني رفض طلب لجوئه في ألمانيا، وأصيب على أثره 28 شخصًا على الأقل 13 فبراير 2025، ومازالت التحقيقات مستمرة للكشف عن انتماءات الجاني.

التحالف الرباعي ضد “داعش”

عزمت أنقرة على عقد اتفاق رباعي مع سوريا والعراق والأردن، وذلك بتشكيل آلية للتحرك المشترك ضد “داعش”، على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات ستعقد أول اجتماعاته في عمان خلال فبراير 2025، وتهدف تركيا بذلك التحالف لتحقيق التالي:

  • التأثير على قرار واشنطن في مراجعة سياستها تجاه سوريا، وإنهاء الذريعة الأمريكية للتواجد في الأراضي السورية، حيث تستند الولايات المتحدة في تواجدها إلى مواصلة دعم وحدات حماية الشعب الكردية، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كحليف وثيق في الحرب على “داعش”، لاسيما مع تحبيذ إدارة “ترامب” لتوفير الدعم الأمريكي الخارجي، وتفضيله لعدم تواجد القوات الأمريكية خارج البلاد واعتباره استنزاف للمال الأمريكي، فيذكر أنه رغب في سحب القوات الأمريكية من سوريا خلال رئاسته الأولى بين عامي 2017 و2020، لولا اعتراض وزارة الدفاع (البنتاغون) والكونغرس على مثل هذا القرار لدواعي الأمن القومي وحماية المصالح الأمريكية في سوريا.
  • رغبة أنقرة في الانفراد بمواجهة وتطويق وحدات حماية الشعب الكردية إقليميًا، والتي تعتبرها أنقرة ذراع لحزب (العمال الكردستاني) في سوريا، والتي تقود “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عبر جهود مشتركة مع كل من العراق وسوريا وإيران، حيث تسعى تركيا لتوسيع دائرة التحالف الإقليمي من خلال زيارة تركيا لطهران واللقاء مع وزير الاستخبارات، وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني، هذا بجانب استثمار تماهي حكومة “الشرع” في دمشق مع سياسات أنقرة؛ لتنفيذ مخططاتها في الداخل السوري.

ومن الملاحظ أن آلاف من أعضاء التنظيم المعتقلين في سجون شمال شرقي سوريا لايزالون يشكلون تهديداً للأمن الإقليمي، وتطالب تركيا بتسليم هذه السجون، التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكياً، إلى الإدارة السورية الجديدة، مع استعدادها لدعم حراستها.

وبالتالي فإن تضافر الجهود الإقليمية في الشرق الأوسط من المهم بمكان لتطويق “داعش”، ولكن الأهم أن تكون النوايا جادة وتستهدف التنظيم ذاته، وليست مجرد تحالفات تستتر خلفها أغراض بعينها، ضد فصيل ومكون يعد شريكًا أساسيًا في الوطن والمصلحة، فعملية الاقصاء والتهميش لفصيل ما ينبغي أن يكون شريكًا في العملية السياسية، والدفاعية، لاسيما مع ما أثبته من قدرة على التصدي لهذا التنظيم والانتصار عليه، يأتي بنتائج عكسية تعيد الروح لهذا التنظيم الإرهابي وترجعنا للمربع صفر، إضافة إلى أنه لا يمكن معالجة بعض عوامل عودة التنظيم للنشاط من جديد بمعزل عن بقية العوامل، أو إهمال بعضها؛ لأن ذلك سيكون بمثابة مسكنات للكوارث التي تترتب على عودة هذا التنظيم الإرهابي للحياة من جديد، وسيكون بطشه أشرس وأقوى؛ مما يثير الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى