مخطط “ترامب” لتهجر الفلسطينيين ودعم الطموحات التوسعية الإسرائيلية في المنطقة
تحليل: د. فرناز عطية

أثناء لقاء “دونالد ترامب” الرئيس الأمريكي بـ”بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض في 4 /2/ 2025، في أول استقبال له لزعيم دولة أجنبي منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة في 20/1/2025، أدلى بتصريحات حول تهجير سكان قطاع غزة، والإعلان عن ملامح لمخطط يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، بتهجير أهالي القطاع، جبرًا أو طواعية، متذرعًا بصعوبة الأوضاع في القطاع؛ بهدف تسليمه من قبل إسرائيل للولايات المتحدة لإعادة إعماره واستثماره، باعتباره إحدى الصفقات العقارية من وجه نظر “ترامب”، حيث تحدث عن إمكانية نقل أكثر من “مليون ونصف فلسطيني”، إما على نحو مؤقت أو طويل الأمد، إلى الأردن ومصر إلى حين “تنظيف هذا المكان بالكامل”، في إشارة للقطاع، ومع رفض مصر والأردن لهذه الخطة رفضًا قاطعًا ومطلقًا، أكد على أنهما سيقبلان في النهاية.
وبملاحظة أن “ترامب” كان يقرأ المقترح خلال المؤتمر الصحافي مع “نتنياهو”، بما يوحي بأنه إعلان رسمي مدروس وليس مجرد تصريحات عابرة، فإن مسؤولين في البيت الأبيض أكدوا أن هذا المقترح لم يناقش في دوائر الإدارة المعنية بشؤون الشرق الأوسط، كما أن وزارتَي الخارجية والدفاع لم يكونا على علم مسبق به، مما يعني أن عددًا محدودًا من مساعدي “ترامب”، أبرزهم “مايك والتز وويتكوف ” مستشار الأمن القومي، كانوا على علم بهذا المخطط، مما يعني اقتقاده لأي من الأبعاد القانونية الأمريكية إلى جانب ضربه عرض الحائط بكل قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية المتعارف عليها والمعمول بها التي تجرم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
لم يكن المخطط الأول من نوعه:
لا يعد مخطط “ترامب” لتهجير أهالي غزة، هو المخطط الأول من نوعه لتهجير الفلسطينيين، فمنذ 77 عامًا ومخططات التهجير تنهال على أهل فلسطين، والتي من، أهمها:
- الخطة الأولى للتهجير 1948 بعد النكبة، وكانت خطة تهجير شاملة من خلال الترويع والمجازر لإجبار 750 ألف فلسطيني على مغادرة وطنهم.
- الخطة الثانية 1967 بعد النكسة لتهجير الفلسطينيين بعد احتلال الضفة وغزة، حيث طرح الاحتلال خطة لتهجير سكان الضفة للأردن، والقيام بعمليات التهجير القسري، ولكن صمود الأهالي أفشل المخطط.
- الخطة الثالثة 1980 مشروع “موشيه ديان” مقترح إسرائيلي اقترحه وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق “موشيه ديان”، لترحيل سكان غزة إلى عدد من الدول العربية، ولكنه لم يلق استجابة رسمية.
- الخطة الرابعة 1994 اتفاق “أوسلو” الذي استغلته إسرائيل لتعزيز الاستيطان والضغط على الفلسطينيين لترك منازلهم، واستبدالهم بالمستوطنين اليهود، رغم أنه من المفترض أن يكون الاتفاق خطوة لتعزيز السلام.
- الخطة الخامسة 2018 ما سمي بـ”صفقة القرن”، وهي من أخطر صفقات التهجير التي دعمها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، حيث اقترح تصفية القضية الفلسطينية من خلال توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وذلك بتغيير الواقع على الأرض.
- الخطة السادسة 2023 “مخطط بايدن”، الذي طرح مع بدء الحرب على غزة، فقد حاول “بايدن” الرئيس الأمريكي التنسيق مع مصر والأردن بنقل الفلسطينيين من غزة، ولكن الدولتين رفضتا واعتبرتا الخطة بمثابة إعلان للحرب عليهما.
- الخطة السابعة 2024 عندما طلب “ترامب” الرئيس الأمريكي بشكل علنيًا رسميًا من مصر والأردن استقبال أهل غزة، مع اعتزام الإدارة الأمريكية تزعم مخطط لتهجير الفلسطينيين من غزة، بحجة أنها لم تعد صالحة للعيش، ولا يمكن تطويرها مع تواجد سكانها فيها، وأنه سيتم إعمار غزة وتحويلها لمنطقة استثمارية، وستخضع لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.
ما وراء المخطط:
- دعم “ترامب” لنتنياهو ليبقى في الحكومة لأطول فترة ممكنة، ليفلت من تهم الفساد المنسوبة إله، وذلك بمداعبة اليمين الصهيوني المتطرف للحفاظ على الائتلاف الذي يقوده “نتنياهو”.
- دعم إسرائيل في تنفيذ مخططتها التوسعي والاستيطاني في الشرق الأوسط (دولة إسرائيل الكبرى)، حيث تبدأ بتهجير شعب غزة، ثم تكرر السيناريو في مناطق جديدة من الوطن العربي.
- السيطرة على مصادر مهمة للطاقة تابعة للقطاع، فقد تم إجراء مسح منذ 2010 أقر بوجود آبار الغاز والنفط في هذا القسم من البحر المتوسط الذي يطل عليه القطاع، وأن المنطقة عائمة على هذه الآبار، وأيضًا بأن بحر غزة تحديدًا لديه ما يفوق 2.5 ترليون متر مكعب من الغاز، ومنها حقل “غزة مارين”، ناهيك عن استغلال تل أبيب الحرب على غزة بعد 7 أمتوبر 2023، ومنحت عقودًا للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل القطاع.
- الأهمية الاستراتيجية لموقع غزة ولاسيما الشمال، خاصة إذا تم إعادة بناء مينائها ذا الأهمية الاقتصادية والتجارية الكبيرة بمنطقة الشرق الأوسط، والذي من خلاله عند عمله وتفعيله يتم التحكم بكل ما يدخل لغزة وما يخرج منها وفي مقدمتها الأسلحة.
- سعي واشنطن للسيطرة على الطرق التجارية، وضمان تواجدها في المنطقة بشكل دائم، لاسيما وأن غزة تبعد 150 كم فقط عن حيفا نقطة الوصل الأهم في مشروع “الممر الاقتصادي” الذي كان من المقرر أن يربط بين الهند وأوروبا مرورًا بدبي وإسرائيل، وترعاه الولايات المتحدة في الإدارة السابقة برئاسة “بايدن”، وذلك لقطع الطريق على المبادرة الصينية “الحزام وطريق الحرير”، وفي إطار سباق التنافس الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة، والذي يستأنفه “ترامب” وبشدة.
- السعي للقضاء على “حماس” وأي شكل من أشكال المقاومة بشكل نهائي في غزة، وغيرها من الأراضي المحتلة.
وردًا على مخطط التهجير الذي اقترحه “ترامب”، وأصر على أن تنفذه الدول العربية، رفضت كل من مصر والأردن المخطط رفضًا تامًا، وأيدتهم المملكة العربية السعودية، بتأكيدها أنه لن يتم إقامة علاقات مع إسرائيل إلا من خلال حل الدولتين، والاعتراف بوجود دولة فلسطينية، مما يعني عرقلة خطة “ترامب” و”نتنياهو” في توسيع نطاق الاتفاقيات الإبراهيمية، وعمليات التطبيع مع الدول العربية، إلى جانب كسب عداوة عدد من كبريات الدول العربية كمصر والسعودية والأردن، إضافة إلى معارضة الداخل الأمريكي لمخطط “ترامب”، حيث أرسل 145 نائبًا ديمقراطيًا في كونجرس إلى “ترامب” يحثونه على التراجع عن تصريحاته بشأن غزة، وبالتالي لم تلق تصريحاته قبولاً داخليًا لدى أغلب الأمريكيين.
الخطة المصرية لإعمار القطاع في مقابل مخطط “ترامب”:
تتمحور خطة مصر حول إنشاء ثلاث مناطق إنسانية داخل القطاع تضم مخيمات مؤقتة بمساكن متنقلة “كرافانات” وخدمات أساسية، تحت إشراف مجلس استشاري تقوده منظمة “التحرير الفلسطينية”، بتمويل عربي إسلامي ودعم أوروبي، بميزانية تقدر بـ 27 مليار دولارًا، خلال فترة تمتد من 3 إلى 5 سنوات، تشمل إزالة الركام ومد البنية التحتية وإنشاء المدارس والمستشفيات، ولكن هذه الخطة تعترضها بعض العقبات، هي:
- وجود كم كبير من الذخائر غير المنفجرة على أراضي القطاع، والتي تحتاج إلى جهود ووقت وتكاليف لإزالتها.
- الجانب الإسرائيلي وتحكمه في المعابر وقدرته على منع دخول مواد البناء والمتطلبات الأساسية لعملية الإعمار.
- عدم وجود ضمانات تمنع إسرائيل من القيام بقصف القطاع مرة أخرى وتسويته بالأرض بعد إعماره.
مراوغة “ترامب” والتفافه:
ومن باب المراوغة وإثارة البلبلة سعى “ترامب” لإصدار عدد من التصريحات التي تناقض موقفه السابق، كقوله: “بأنه فوجئ برفض مصر والأردن لخطته”، “وأنه سيكتفي بالتوصية بشأن خطته” وذلك كنوع من الالتفاف حول الهدف الرئيسي، وهو عملية “تهجير الفلسطينيين” ، والاستحواذ على القطاع خاليًا من أهله، لاستنزاف موارده، ونهبه، خاصة عند قوله:” أن غزة غير صالحة للعيش، وإذا منح سكانها الخيار فسيخرجون منها”، في دعوة خبيثة للهجرة الطوعية لأهالي غزة، للانفراد بأرض القطاع، وإرجاء المخطط لحين نهب مزيد من أراضي الضفة، لاسيما مع تكون جبهة معارضة قوية من الدول العربية التي ظن “ترامب” أن الأداة الاقتصادية قد تكون ناجعة معها ما بين ترغيب بامتيازات وسداد المديونيات، وترهيب بعقوبات وضرب اقتصاداتها، ولكنه فشل في الضغط على مصر والأردن، ودليل مراوغة “ترامب” تأهب الجيش الإسرائيلي في مناطق غلاف غزة، وعملياتهم المكثفة في الضفة الغربية.
وبالتالي يصعب أن يتراجع “ترامب” أو غيره من داعمي إسرائيل والصهيونية عن مثل هذه المخططات الاستيطانية، بل هي عمليات مراوغة وتمويه في محاولة لخداع العرب، وتغيير الواقع على الأرض بمرور الوقت، لتحقيق أطماعهم التوسعية ونهب الأراضي والمقدرات العربية، لذا ينبغي على الدول العربية الإصرار على موقف الرفض، واتخاذ موقف واحد حاسم لا تنازل عنه تلتف حوله كل الدول العربية وتدعمه.