
الثامن من مارس في كل عام هو موعد احتفال العالم “باليوم العالمي للمرأة”، تقديرًا لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وترجع أهمية الاحتفاء بهذا اليوم لتشكيله فرصًة مواتية لتثقيف الجمهور العام بشأن قضايا المرأة، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات على مستوى العالم الخاصة بالمرأة، وللاحتفال بإنجازاتها الإنسانية ولتعزيز مكانتها ودورها في المجتمعات، ويرجع السبب في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة إلى 8 مارس 1908، حيث نظمت مجموعة من النساء العاملات في مصانع الملابس بمدينة نيويورك، مسيرةً احتجاجيةً للمطالبة بتحسين ظروف العمل وقتئذ، وزيادة الأجور والمساواة بين الجنسين، ووقف استغلالهن ضمن ظروف العمل القاسية.
شعار العام :
تحتفل منظمة الأمم المتحدة باليوم العالمي للمرأة هذا العام 2025 تحت شعار (الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات ) “For ALL women and girls: Rights. Equality. Empowerment.”، وتبرز أهمية هذا الشعار في الدعوة إلى العمل على إجراءات من شأنها أن تفتح الباب أمام المساواة في الحقوق والقوة والفرص للجميع ومستقبل نسوي لا يتخلف فيه أحد عن الركب، ويتمثل جوهر هذه الرؤية في تمكين الجيل القادم، وهم الشباب، وبخاصة الشابات والفتيات المراهقات، باعتباره هو جيل التحفيز للتغيير الدائم، وتعتبر الأمم المتحدة اليوم العالمي للمرأة، بمثابة صرخة حاشدة لاتخاذ إجراءات في ثلاثة مجالات رئيسية:
- تعزيز حقوق المرأة والفتيات: النضال بلا هوادة من أجل مجموعة كاملة من حقوق الإنسان للنساء والفتيات، وتحدي جميع أشكال العنف والتمييز والاستغلال.
- تعزيز المساواة بين الجنسين: معالجة الحواجز النظامية، وتفكيك النظام الأبوي، وتحويل أوجه عدم المساواة الراسخة، ورفع أصوات النساء والفتيات المهمشات، بما في ذلك الشباب، لضمان الشمول والتمكين.
- تعزيز التمكين: إعادة تعريف هياكل السلطة من خلال ضمان الوصول الشامل إلى التعليم والتوظيف والقيادة ومساحات صنع القرار، وإعطاء الأولوية للفرص المتاحة للشابات والفتيات للقيادة والابتكار.
خصوصية عام 2025 :
ترجع منظمة الأمم المتحدة خصوصية الاحتفالية هذا العام، إلى أنه يشكل لحظة محورية لتزامنه مع حلول الذكرى الثلاثين لإعلان ومنهاج “عمل بكين”، حيث تمثل هذه الوثيقة المخطط الأكثر تقدمًا وتأييدًا على نطاق واسع لحقوق المرأة والفتيات في جميع أنحاء العالم، وتعمل على الدفع قدمًا بأجندة حقوق المرأة من حيث الحماية القانونية، والوصول إلى الخدمات وإشراك الشباب والتغيير في المعايير الاجتماعية والصور النمطية والأفكار العالقة في الماضي، من خلال مخاطبة وسائل الإعلام وقادة الشركات والحكومات وقادة المجتمع والمجتمع المدني والشباب وغيرهم من ذوي النفوذ لاتخاذ الإجراءات اللازمة في المجتمعات على تباينها، ورفع مطالبات إلى قادة العمل والاستثمار بهدف تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ونشر قصص ورسائل اليوم العالمي للمرأة على المنصات الرقمية، لإثارة النقاش وإلهام العمل، سعيًا للوصول إلى الجيل الذي يسد الفجوة ويحقق المساواة بين الجنسين، ويوجه منهاج “بيكين” السياسات والبرامج والاستثمارات التي تؤثر على المجالات الحاسمة في حياتنا، مثل: التعليم والصحة والسلام والإعلام والمشاركة السياسية والتمكين الاقتصادي والقضاء على العنف ضد النساء والفتيات.
إن معالجة هذه القضايا، إلى جانب الأولويات الناشئة حول العدالة المناخية وقوة التكنولوجيات الرقمية، أمر ملح؛ حيث لم يتبق سوى خمس سنوات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
يوم المرأة العالمي في ظل التحديات:
يشهد هذا العام احتفاء باليوم العالمي للمرأة وسط جملة من التحديات التي تواجه نساء العالم عامة، ونساء الشرق الأوسط والوطن العربي بصورة خاصة، حيث أكد تقرير أممي أطلقته الأمم المتحدة 6مارس 2025 بعنوان “مراجعة حقوق المرأة بعد 30 عاما من بيكين”، أن على مستوى العالم ما يقرب من ربع الحكومات في جميع أنحاء العالم أبلغت عن هجمات ضد حقوق المرأة في عام 2024، كما أفاد التقرير بأن النساء لم يترأسن سوى 87 دولة، وتُقتل امرأة أو فتاة كل 10 دقائق على يد شريك أو فرد من عائلتها، كذا تنشر التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي صورًا نمطية ضارة، بينما تحد الفجوة الرقمية بين الجنسين من فرص المرأة، وقد أثرت الأزمات المعقدة، بما فيها جائحة كـوفيد-19 والصراعات وتغير المناخ، بشكل كبير على المساواة بين الجنسين، حيث أدت الجائحة إلى زيادة في العنف المنزلي وفقدان النساء لوظائفهن بشكل غير متناسب، وكذلك زاد عدد النساء اللائي يعشن في مناطق الصراع بأكثر من 50% منذ عام 2010، مع زيادة بنسبة 50% في العنف الجنسي المرتبط بالصراع في عام 2022، كما يهدد تغير المناخ بدفع 256 مليون امرأة وفتاة إلى انعدام الأمن الغذائي بحلول عام 2050، وقد أوصت المنظمة بإجراءات لتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة فيما يخص النساء، وهي:
- ثورة رقمية لجميع النساء والفتيات،
- الحرية من الفقر.
- القضاء على العنف.
- سلطة كاملة ومتساوية في اتخاذ القرار.
- السلام والأمن.
- العدالة المناخية.
نساء الشرق الأوسط معاناة متضاعفة:
وإلى جانب التقرير وبالنزول إلى أرض الواقع، نجد أن نساء منطقة الشرق الأوسط تستمر معاناتهم بشكل متضاعف، سواءً من النواحي الاجتماعية فيما يخص النظرة الذكورية، والسلطة الأبوية، والصورة الذهنية التقليدية للمرأة باعتبارها أداة للمتعة والإنجاب في المجتمع، أوالنواحي الاقتصادية من حيث زيادة نسبة البطالة والفقر بين النساء، أو حتى النواحي السياسية التي كإقصائها من المناصب والمشاركة في الوظائف العامة، وتقلدها الوظائف السياسية الهامشية، وهنا تعاني نساء المنطقة من عدد من المشكلات، ومن أبرزها المشكلات ذات الأبعاد السياسية المتمثلة في:
1- عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه بعض دول الإقليم سواءً بسبب الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية، كما هو حادث في السودان واليمن وسوريا، أو بسبب الحروب والصراعات الدولية، كما هو الحال في فلسطين المحتلة، والاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، حيث تتعرض النساء في الصراعات لعنف مضاعف كحالات الإعاقة أو إعاقة أبناءها، وفقدان العائلة، إلى جانب التشرد والنزوح، والاعتقال والاغتصاب.
2- الأنظمة الدكتاتورية الراديكالية التي تقوض حريات المرأة، وتتهاون في تجريم أعمال العنف ضدها، وتساعد على انتهاك حقوقها في المناحي المختلفة، ومنها حكومة طالبان في أفغانستان، وما ترتكبه من جرائم في حق النساء كالزواج المبكر وحرمان المرأة من الخروج للتعليم إلى بوصاية ذكورية، وكذلك نظام الملالي في إيران حيث تحتل مركزًا متقدمًا في قتل النساء، سواءً حالات الإعدام من قبل الدولة أو القتل إثر ممارسة العنف الأسري ضد المرأة أو بدافع الشرف أو التعنيف والضرب والسحل وكبت الحريات على يد “شرطة الأخلاق” كما حدث مع السيدة “جينا أميني” التي قضت إثر تعرضها للعنف والضرب على يد “شرطة الأخلاق”، وكذلك تركيا وارتفاع معدلات العنف وقتل النساء تحت مسمى “قضايا الشرف”، إلى جانب التساهل في قضايا العنف ضد المرأة وقتل النساء.
تجربة نسائية مميزة:
يمكن النظر لتجربة المرأة الكردية في شمال شرق سوريا، باعتبارها تجربة مميزة جديرة بالاهتمام والدراسة يشار لها بالبنان، فقد أثمرت تعاليم وأفكار “أوجلان” عن نضال عمليًا على الأرض في شمال وشرق سوريا، استمر 40 عامًا من قبل النساء الكرديات من العمل التنظيمي الكفاح قبل اندلاع ثورة روجافا، واستطعن أن يخلقن من ثورة روجافا ثورة للمرأة في شمال وشرق سوريا، وقد تأسس تنظيم اتحاد ستار 2005 بشكل سري، وبدأ بالنضال في القرى و المدن على مستوى روج آفا، لنشر الوعي وثقافة تحرر المرأة ضد الأنظمة السلطوية، ومع بداية ثورة روج آفا في 19 تموز 2012 والتي عُرفت بثورة المرأة، لعب التنظيم دوراً بارزاً وريادياً، وأدارت آلاف من النساء في مناطق شمال وشرق سوريا الكومينات والمجالس والمؤسسات المدنية والسياسية والعسكرية والهيئات، ناهيك عن دورهن في الرئاسة المشتركة، وكذا دور المرأة في الدفاع الذاتي، الذي لا يقتصر على العسكرة أو التنظيم المسلح، وإنما يشمل تنظيم المجتمع لذاته في كافة المجالات لأجل حماية وجوده، وخوض نضاله انطلاقًا من تنظيماته الذاتية، واللجوء للتنظيم المسلح يبرره حماية المجتمع وإفراغ هجمات النظام الدولتي على المجتمع، مما يفرض على المرأة تشكيل تنظيمات ومؤسسات الدفاع الذاتي الخاصة بها في كل المجالات، وأن تشكل قواتها العسكرية أيضًا إن تطلب الأمر ذلك، ومع بداية مرحلة ثورة روج آفا من عام 2012، طبق تنظيم مؤتمر “ستار” الأنظمة الإدارية والرئاسة المشتركة على كافة المؤسسات والمجالس والهيئات في أعوام 2013 و2014، معتمدًا على علم الحياة الحرة “الجنولوجيا”، الرافض للاستعمار الذهني والاضطهاد والاستبداد والتمييز على أساس الجنس في العلاقات بين الرجل والمرأة وفي جميع العلاقات الاجتماعية، ويسعى إلى دمقرطة الرجل والعائلة، وفق منظور الحياة الندية الحرة التشاركية، ويعزز منظومة الدفاع الذاتي للمرأة على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والفيزيولوجية….إلخ.
الكومونات والمجالس والأكاديميات والتعاونيات:
الكومونات والمجالس والأكاديميات والتعاونيات، هي الساحات الأساسية للتنظيم المجتمعي لمؤتمر “ستار”، يتم تأسيس اللجان ضمن الكومونات والمجالس، لتنظيم جميع مجالات الحياة الاجتماعية، ولكل لجنة نظام داخلي، تؤدي عملها وفقه.
1- الكومونات: هي شكل التنظيم القاعدي الأساسي للديمقراطية المباشرة وهيئة صنع القرار ضمن وحدات عمل ونشاط القرى والأحياء في المجتمع الأخلاقي والسياسي، فكل عضوة في مؤتمر ستار تأخذ مكانها وتمثل نفسها في كومونة واحدة على الأقل، وجميع أعضاء المؤسسات والمنظمات هم أعضاء الكومونات في المناطق التي يتواجدون فيها.
2– المجالس: تنشئ المجالس الخاصة في المدن والنواحي والكانتونات، وتعمل بالتنسيق مع النساء في المجالس العامة، وتجري تدريباتها بحسب الحاجة، وتشارك المرأة كقوة اجتماعية في السياسات العامة عن طريق المجالس، وتشكل لجانها ضمن الحاجة وفق أبعاد الأمة الديمقراطية ويتجه نحو تشكيل اللجان، كما تجري الانتخابات في المجالس على الأسس والمبادئ الديمقراطية.
3- الأكاديميات: هي الشكل المؤسساتي الأساسي لثورة المرأة وتنويرها، تنظم وتسير أنشطتها وفعالياتها بهدف التعريف بنمط الحياة المعاشة من النواحي الأيديولوجية والسياسية والتاريخية والفلسفية والاجتماعية والثقافية والعلمية.
4- اللجان: وتقوم بعدد من الأنشطة حسب تخصصاتها، ومنها:
اللجنة الاجتماعية، لجنة العلاقات الدبلوماسية والسياسة الديمقراطية، لجنة الحماية الجوهرية، لجنة الحقوق والعدالة، لجنة الثقافة والفن: الهلال الذهبي، لجنة الإعلام، لجنة الصحة، لجنة البيئة.
وهنا أثبتت الإدارة الذاتية والتنظيمات النسوية المختلفة في شمال وشرق سوريا أن أفكار “أوجلان” ليست أفكار فانتازية أو أفكار لإعمال الفكر والعقل فقط، بل هي أفكار واقعية قابلة للتطبيق، ولا تقتصر على فئة ولا جنس ولا على واقع ديموغرافي معين ولا رقعة جغرافية بعينها، بل هي أفكار أهم ما يمزها الشمول.
وبشكل عام نأمل أن يتم تمكين النساء ومشاركتهن في المجتمعات بشكل فعلي ولا يقتصر الأمر على المشاركة الظاهرية، ويتم إنها الحروب وحالات النزاعات والاضطرابات الأمنية والسياسية لتستطيع المرأة أن تعيش حياة كريمة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وأن تمارس حقوقها دون أن تعترضها عقبات، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من عدد من الأزمات السياسية والاقتصادية تضاعف اضطهاد المرأة وتعرقل مسيرة تمكينها.