مقالات

وماذا بعد استعادة الجيش السوداني للقصر الجمهوري؟

تحليل: أسماء الحسيني

بعد قرابة عامين من القتال المتواصل والمعارك العنيفة الدموية تمكن الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه من استعادة السيطرة على القصر الجمهوري من قبضة قوات الدعم السريع التي ظلت تسيطر عليه وعلى العاصمة الخرطوم ومساحات واسعة من البلاد منذ ذلك الحين، ومثل استعادة القصر الجمهوري بما يحمله من معنى رمزي كبير دفعة كبيرة للروح القتالية في جانب الجيش السوداني وإصرارا من قياداته على مواصلة القتال حتى دحر قوات الدعم السريع والقضاء عليها نهائيا، لكن في نفس اللحظات التي كان يتم الاحتفال فيها بدخول الجيش السوداني إلى القصر الجمهوري بالخرطوم، قتل 4 من فريق التليفزيون السوداني بالإضافة إلى عدد آخر من العسكريين في قصف طائرة مسيرة استهدفت بها قوات الدعم السريع القصر الجمهوري، معلنة أن معركة القصر  لم تنته بعد، كما استولى الدعم السريع في الوقت ذاته على مدينة المالحة شمال شرقي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي كانت تعد معقلا رئيسيا للجيش وتحتل موقعا استراتيجيا، وهو ما يعكس جزءا من تعقيدات الحرب والمشهد السوداني برمته وتعدد أوجه أزماته الملتهبة، ويثير تساؤلات عما إذا كان استعادة الجيش للقصر الجمهوري هو مؤشر لقرب انتهاء الحرب وحسمها في الخرطوم وفي السودان عموما أم مرحلة من مراحل حرب طويلة الأمد يبدو سقفها الزمني مفتوحا.

أغرى التقدم الكبير للجيش قياداته بالإصرار على الحسم العسكري ورفض أي تفاوض مع الدعم السريع، وقال الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للجيش :إن القوات المسلحة والشعب السوداني اتخذا موقفهما بزوال التمرد، ولا تفاوض إلا بعد القضاء على التمرد وتجميعهم في معسكرات لتسليم أسلحتهم”.

بينما اعتبرت قيادات الدعم السريع أن سقوط القصر الجمهوري لا يعني خسران الحرب، وقال الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع “إن قوات الدعم السريع ستستمر في الحرب حتى تحقيق النصر الشامل”.

    ورغم التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوداني في الأشهر الأخيرة، وأهمية استعادة القصر الجمهوري المعنوية، وتصريحات المسئولين السودانيين بأن الحرب في فصلها الأخير، وأن قوات الدعم السريع في أنفاسها الأخيرة،  إلا أن الحرب في السودان لا يبدو أنها تقترب من نهايتها، فلا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على مناطق واسعة من دارفور وولايات أخرى، كما لا تزال تسيطر على بعض البؤر في الخرطوم وأهمها مطار الخرطوم والأحياء الجنوبية، وتستهدف بطائراتها المسيرة المناطق التي تنسحب منها ومناطق أخرى لم تصل إليها في محاولة لإثبات وجودها وقوتها وتعكير صفو انتصارات وتقدم الجيش، وربما تكون قد قويت شوكة قوات الدعم السريع مؤخرا بتالفها مع بعض القوى العسكرية والسياسية في مؤتمر نيروبي في 22 فبراير الذي يستهدف تأسيس حكومة موازية، ولعل أبرز هذه القوى التي تنسق معها الآن هي الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو التي لها تواجد قوي في جنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلا عن حركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل وحركة تحرير السودان “المجلس الانتقالي” بقيادة الهادي إدريس و”تجمع قوى تحرير السودان” بقيادة الطاهر حجر.

ويرى فولكر بيرتس المبعوث الأممي السابق إلى السودان إن التقدم العسكري الذي حققه الجيش السوداني سوف يرغم قوات الدعم السريع على الانسحاب إلى معقلها في إقليم دارفور غربي السودان، وأضاف بيرتس أن الجيش السوداني حقق نصرا مهما وكبيرا في الخرطوم عسكريا وسياسيا، وسيقوم قريبا بتطهير العاصمة والمناطق المحيطة بها من قوات الدعم السريع، لكن هذا التقدم لا يعني نهاية الحرب، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على مناطق في إقليم دارفور ومناطق أخرى.

ولا تزال تبعات الحرب في السودان تلقي بظلال قاتمة على علاقاته مع معظم دول جواره، التي شهدت تصعيدا إضافيا مؤخرا، بعد تهديد مساعد قائد الجيش السوداني الفريق أول ياسر العطا بضرب مرافق استراتيجية في تشاد، وقال العطا بأن مطاري نجامينا وأم جرس في تشاد سيكونان أهدافا عسكرية مشروعة للجيش السوداني، وأضاف أن حديثه ليس مزحة إطلاقا ولا حديثا يطلق في الهواء، مؤكدا أن الجيش سيدمر الدعم السريع وعرب الشتات.

وسرعان ما ردت الخارجية التشادية، معتبرة تصريحات العطا إعلان حرب عليها، مؤكدة حق تشاد في الدفاع عن نفسها، وقالت الخارجية التشادية إن تصريحات العطا تضمنت تهديدات صريحة لأمن وسلامة تشاد، وحذرت من أنها ستؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة بأسرها، واتهمت السودان بزعزعة استقرار تشاد باستخدام وسائل إرهابية، مؤكدة حق تشاد في الرد بحزم على أي محاولة للاعتداء على أراضيها.

وفي تطور آخر مع جنوب السودان، قال مبارك أردول القيادي بالكتلة الديمقراطية إن اقتراب عدد من القوات المتعددة الإقليمية باسم الجيش الأوغندي من حدود السودان الجنوبية مع جمهورية جنوب السودان بذريعة مقاتلة متمردي الجيش الأبيض في أعالي النيل يعتبر تهديدا مباشرا للأمن القومي السوداني.

وأضاف أردول “هي جزء من المؤامرة التي علينا التحسب والاستعداد لها، خاصة وقد صرح قائد الجيش الأوغندي من قبل عن نواياه تجاه بلدنا، لا يجب أن نجعل من ذلك الحدث مجرد شأن داخلي، طالما استدعيت أطراف إقليمية”.

في حين أوضح المتحدث باسم حكومة جنوب السودان ما مايكل مكوي بأن هذه القوات موجودة وفقا لاتفاق تعاون مشترك بين جوبا وكمبالا ضد ما يسمى “الجيش الأبيض”.

وفي تصعيد آخر، كشف وزير الخارجية السودانية علي يوسف عن قرار مرتقب صدوره خلال أيام بحظر مرور الطيران الكيني في الأجواء السودانية ردا على موقف نيروبي بدعم واستضافة الدعم السريع، ولم يكن القرار هو الأول من نوعه تجاه كينيا، حيث اتخذت الحكومة السودانية قبله قرارا بوقف استيراد جميع المنتجات الكينية بما فيها الشاي. 

يأتي ذلك في وقت يتفاقم الوضع الإنساني الكارثي في السودان، وتتوالي التحذيرات بأن القادم أسوأ إن لم يتم وقف الحرب والعمل على معالجة تداعياتها المأساوية على حياة ملايين البشر محاصرين من كل جانب بالموت والدمار والجوع والمجاعة والأوبئة الفتاكة وانهيار البنية التحتية والاقتصاد،  ويعيش السودان أكبر أزمة نزوح في العالم، وتجاوز عدد قتلى الحرب 150 ألف قتيل وفق لجنة الانقاذ الدولية، كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى انتشار سريع لأمراض الملايا والكوليرا وحمى الضنك والحصبة الألمانية.

وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الموارد في السودان بدأت تنفذ، وقالت منسقة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية كليمنتين سلامي “يواجه ملايين الأشخاص في السودان الجوع، وهناك حاجة ماسة لتمويل عاجل لدعمهم”.

ومن جانبها حذرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من تصاعد العنف ضد المدنيين في الخرطوم بشكل مقلق من طرفي الصراع، ودعت الطرفين إلى اتخاذ خطوات ملموسة لضمان الحماية الفعالة للمدنيين، ووضع حد لاستمرار غياب القانون والإفلات من العقاب.

كما أدانت منظمة “اليونيسيف” نهب الإمدادات الإنسانية الحيوية المخصصة لإنقاذ حياة الأطفال السودانيين الذين يعانون سو التغذية، واعتبرته اعتداء مباشر على بقائهم على قيد الحياة، وأكدت اليونيسيف أت أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة خلال العام الجاري، بينهم 16 مليون طفل يواجهون أوضاعا مأساوية، مؤكدة أن السودان يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم في ظل انهيار الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية. 

ورغم كل ذلك لا تزال أطراف الصراع تصم أذانها عن سماع النداءات من داخل السودان وإقليميا ودوليا لوقف الأعمال القتالية والتوافق على هدنة إنسانية وفتح آفاق الحوار وضمان وصول المساعدات الإنسانية.

ويبقى الوضع المعقد المركب المتعدد الأطراف في السودان تنتظره العديد من السيناريوهات، فإما أن يواصل الجيش تقدمه حتى يحقق الانتصار الكامل ويدحر قوات الدعم السريع وهو سيناريو تواجهه العديد من الصعوبات والتعقيدات، أو أن تنسحب قوات الدعم السريع إلى دارفور وهنا تبرز المخاوف من تقسيم السودان، وهو أيضا سيناريو لا يخلو من صعوبات وتعقيدات، لأن كل جزء في السودان لا يمكن أن يتم حكمه بوجهة نظر أحادية، وكل جزء أيضا لا يخلو من انقسامات، أما السيناريو الثالث فهو سيناريو الحوار والتفاوض والوصول إلى معادلة جديدة للحكم في السودان وهذا السيناريو هو الأسلم والأقل تكلفة، لكن يعرقل الوصول إليه تعنت أطراف الصراع وعجز القوى الدولية والإقليمية وصراعها في السودان، ويظل السيناريو الرابع هو استمر الحرب والتدمير الذاتي وهو الذي سيقود السودان وشعبها إلى الهاوية ويجلب لها مزيد من التدخلات الدولية والتشرذم والتشظي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى