الشرق الأوسط إلى أين؟ .. حلقة نقاشية جديدة بمركز آتون للدراسات

تحت عنوان الشرق الأوسط إلى أين؟، عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية لمناقشة التطورات الراهنة في المنطقة، ومحاولة لاستشراف سيناريوهات المستقبل، لا سيما وأن دولنا تمر بمرحلة خطيرة، تتعدد وتتداخل وتتشابك فيها الأزمات التي تكاد أن تعصف بها، وعلى رأسها بطبيعة الحال ما يجري في قطاع غزة ومخططات التهجير التي تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تنفيذها.

أدار الحلقة النقاشية الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات، بحضور كل من الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، والأستاذة أسماء الحسيني مدير تحرير جريدة الأهرام والكاتبة الصحفية المتخصصة في الشأن السوداني، والأستاذ العزب الطيب الطاهر كبير محرري الشؤون العربية، والأستاذ أحمد أبوبكر المتخصص في الشؤون الخليجية، والأستاذ محمد صابر الباحث بمركز آتون للدراسات، والأستاذ أحمد بسيوني خبير الجيولوجيا والنفط.

وبعد ترحيبه بالضيوف، أكد الكاتب الصحفي فتحي محمود أهمية الحلقة النقاشية، في ظل المتغيرات الكثيرة التي تشهدها المنطقة، والتي تسير في اتجاه مختلف عن أي مرحلة سابقة، مؤكداً أن هناك إعادة ترتيب تشهدها قد لا نرى آثارها في المدى القريب لكن سيكون ذلك واضحاً على المدى المتوسط، وفي المدى البعيد يمكن أن نجد أنفسنا أمام شرق أوسط مختلف كلياً.

أمن إسرائيل وإعادة ترتيب المنطقة

ونقل “محمود” الكلمة في بداية الحلقة النقاشية إلى الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، الذي أكد بدوره أن الولايات المتحدة الأمريكية بحكم أنها الدولة المهيمنة قررت ترك المنطقة، ولكنها تريد تنفيذ بعد الترتيبات قبل المغادرة، في ظل انشغالها بمنطقة جنوب شرق آسيا وتحديداً الصين، كمنافس جديد أو حقيقي أكثر خطورة لدى واشنطن من روسيا.

ويوضح الدكتور نبيل رشوان أن مصالح الولايات المتحدة كانت تتحرك وفق أمرين، الأول هو النفط، والثاني أمن إسرائيل، مشيراً إلى أنه بالنسبة للنفط فإن واشنطن الآن من المنتجين والمصدرين له، بل وتنافس موسكو على التصدير إلى أوروبا، معتبراً أن مسألة النفط قد انتهت، ومن ثم فإن أمن إسرائيل أكثر ما يشغل الجانب الأمريكي الآن، وإذا تحدثنا عن هذا العنصر فالوقع يقول إن مصر والأردن لديهما معاهدة سلام مع تل أبيب، وسوريا بعد الأحداث الأخيرة بلا جيش وخسرت أراض جديدة، والعراق مقسم بحكم الأمر الواقع طائفياً ومذهبياً وعرقياً، وليبيا وضعها صعب، ومن ثم فإن مصر تقريباً هي الدولة القوية الوحيدة التي بقت.

أما بالنسبة لإيران، فيقول “رشوان” إنها تتفاوض مع أمريكا الآن، معرباً عن اعتقاده أن الأمريكيين يسعون لإنهاء ملف طهران، في ظل حالة القلق الخليجي، مشيراً إلى أنه يرى أن إيران في المستقبل ستكون أكثر دولة صديقة لإسرائيل والولايات المتحدة، وسيضطرون إلى رؤية مصالحهم مع واشنطن وتل أبيب، متوقعاً كذلك في المستقبل القريب توقف جماعة الحوثيين عن أنشطتها لأنهم يسيرون في فلك الإيرانيين، إلى جانب أجنحة طهران الأخرى التي انهارت مثل نظام الأسد وحزب الله.

ويقول الخبير السياسي إن إسرائيل في الوقت الحالي “تفرد أجنحتها” على المنطقة، بما سيطرت عليه من مناطق ، معرباً كذلك عن اعتقاده بأن تشهد دولنا مزيداً من التقسيمات من أجل أمن إسرائيل، وعلى سبيل المثال تركيا تحتل بعض المناطق في شمال سوريا، وتل أبيب أخذت مناطق واسعة وعلى مقربة من دمشق، وكذلك سيطرت على مناطق واسعة في لبنان.

وعن الموقف الروسي، أكد الدكتور نبيل رشوان أن روسيا مهتمة بأن تصل مبيعات أسلحتها إلى الشرق الأوسط كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، وأن يحصلوا على نصيب من تجارة الأسلحة مع الخليج، لكن دول مجلس التعاون كانت لديهم شكوكاً حول العلاقات بين موسكو وطهران، فضلاً عن علاقاتهم مع واشنطن، مشدداً على أن الروس لا يعنيهم أكثر من ذلك سوى الحصول على “نصيب من التورتة”، على حد تعبيره.

وضع كارثي في السودان

انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الكاتبة الصحفية أسماء الحسيني المتخصصة في الشأن السوداني والتي حاولت بدورها الإجابة على سؤال “الشرق الأوسط إلى أين؟”، لكنها في البداية أكدت أن الأجابة على هذا السؤال تتطلب اهتماماً كبيراً من دولنا وحكوماتنا والباحثين والمفكرين؛ نظراً لخطورة الوضع حالياً الناجم عن المؤامرات التي تحاك ضدنا، وكذلك الأخطاء الداخلية التي ترتكب في دولنا على نحو يهدد وحدتها نتيجة عوامل كثيرة تتحكم في المشهد.

وعن الوضع في السودان تقول أسماء الحسيني إنه صعب وكارثي ومؤسف للغاية، كما أن الحرب في عامها الثالث وقد مر عامان الكوارث والمآس التي يدفع ثمنها باهظاً ملايين السودانيين المتضررين نتيجة لها، فقد أصبحوا في نزوح ولجوء، ويواجهون المجاعة والأوبئة والأمراض التي تنهش أجساد هذا الشعب، وتحول الأمر إلى حرب إبادة وارتكاب كل الجرائم ضد الإنسانية، لكن كل هذا دون تسليط الضوء على ما يجري حتى أصبحت “أزمة منسية”.

واسترشدت ببعض التقارير الدولية التي تشير إلى الأرقام الكارثية للضحايا، مشيرة إلى أنه بعد عامين من الحرب لا يوجد أفق سياسي أو مخرج لهذه الأزمة التي نتج عنها أزمات إنسانية وسياسية واقتصادية لا تمس السودان وحده، بل وكذلك دول الجوار وربما كل دول العالم، ودخلت الخرطوم في مشكلات كذلك مع دول الجوار مثل تشاد وجنوب السودان وكينيا، منوهة إلى أن كل طرف في الصراع الحالي يحاول البحث عن شرعية.

وانتقدت الكاتبة الصحفية خطوة الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية، مع استمرار المعارك في مناطق واسعة مثل دارفور، ومحاولاتها المستمرة لتعويض خسائرها بفقدان الخرطوم، لافتة إلى أنها مؤشرات تؤكد أن هذا الوضع الصعب سيتستمر، كما يواجه السودان صعوبات عديدة في ظل انقطاع الكهرباء وتهديد مياه الشرب، والتهديدات التي تطال المواطنين، إلى جانب صعوبة إعادة الإعمار مع استمرار الحرب التي باتت على أشدها لا سيما في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور الذي يشكل ربع مساحة السودان.

وأعربت أسماء الحسيني عن خشيتها بشأن مستقبل وحدة السودان، منوهة إلى أن بعض الأقاليم يمكن أن تنفصل وتعلن عن دول جديدة، مثل دارفور وجنوب كردفان وهي مناطق غنية بالثروات، كما رأينا من قبل الانفصال الأول لجنوب السودان عام 2011، معربة عن أسفها لعدم وجود أفق للحل في ظل عجز وصمت دولي وتلكؤ في اتخاذ خطوات للضغط على الطرفين من أجل التوصل إلى حل وإنهاء هذه الحرب الكارثية.

صعوبة الوضع في الشرق الأوسط

أما الكاتب الصحفي الكبير العزب الطيب الطاهر فأكد في بداية حديثه أن الإجابة على سؤال “الشرق الأوسط إلى أين؟” صعبة فنحن أمام سؤال صعب والإجابة عليه ممتدة، لكنه يرى في كل الأحوال أن الشرق الأوسط دخل مرحلة مغايرة ومختلفة تماماً عما كان عليه طوال الـ50 سنة الماضية.

وأوضح أننا لدينا الآن زعم من الكيان الصهيوني أنه الرقم الأول في الشرق الأوسط، وأنه نجح في أحداث تغييرات نوعية بالمنطقة، مثل “قصقصة أجنحة” حزب الله، وما جرى في سوريا من استهداف للوجود العسكري الإيراني ساهم في إسقاط النظام السابق، فيما توجه أمريكا ضرباتها إلى الحوثيين بما يصب في مصلحة تل أبيب.

ولفت إلى أن مصر أكدت رفضها لهذا “النهج غير المقبول” والتوسع من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقوم بانتهاكات غير مسبوقة وبالغة الخطورة في الضفة الغربية وسط تجاهل دولي لما يجري، موضحاً أن تل أبيب تزعم أنها الرقم الأهم الآن نظراً لحالة الدعم غير المسبوق الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لها، ومن قبل إدارة بايدن، على نحو جعل إسرائيل الكيان المهيمن.

وتحدث العزب الطيب الطاهر عن موقف النظام العربي مما تقوم به إسرائيل وما تطرحه من خرائط تعبر عن التمدد الإقليمي الذي يبدأ من سوريا والعراق ويتمدد إلى مصر، معتبراً أن الإسرائيليين بدأوا تطبيق خريطتهم التوسعية، ومن ثم فإن السؤال المهم الآن يتمحور حول قدرة الدول العربية على وقف هذا التمدد، معتبراً أنه من الصعب على العرب القيام بذلك؛ نتيجة تباين الرؤي والمواقف بينهم، كما أن بعض الأطراف لديها اتصالات مباشرة مع إسرائيل لتحقيق بعض المصالح الخاصة، مشيراً كذلك إلى أن هناك دولاً عربية تقيم الآن أقوى علاقات مع “الكيان الصهيوني”، ولهذا فإن الخيارات العربية الآن صعبة.

الموقف الخليجي

من جانبه، يؤكد أحمد أبوبكر الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الخليجية أننا في مرحلة تاريخية وجغرافية تتغير، داعياً إلى أنه لا يجب أن نتفاجئ مما يحدث في المنطقة، لأنها نتاج لمخططات موجودة يتم تنفيذها، ولهذا نرى إسرائيل تلتهم كل يوم قطعة، ونرى رغبة الإسرائيليين في أن تختفي غزة تماماً.

وعن الموقف الخليجي، يقول أحمد أبوبكر إن موقف دول مجلس التعاون يرتبط بما يجري من مفاوضات بين أمريكا وإيران، والتي لديها مخاوف من أي ضربات إسرائيلية تجاه أهداف نووية إيرانية، خشية أن يكون رد طهران في الخليج، مشيراً إلى أن هناك حتى الآن نتائج إيجابية فيما يتعلق بالمفاوضات بين طهران وواشنطن.

ويرى “أبوبكر” أن أموال الخليج واستثماراته داخل إيران ستكون جزءاً من خطة الحل مع طهران، لأن الأخيرة لن تتنازل ولا أمريكا مستعدة لضرب الإيرانيين – وإن كانت هناك محاولات للضغط من قبل تل أبيب باتجاه تنفيذ ضربات – منوهاً إلى أن الخليجيين لا يملكون إلا تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه بين الجانبين الأمريكي والإيراني، وسيستتبع ذلك ضخ أموال خليجية كبيرة للاستثمار في إيران.

Exit mobile version
التخطي إلى شريط الأدوات