
نشأت علاقة الإخوان المسلمين بالمجتمع الأردني على أساس العمل الخيري والدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، وتطورت عبر توسع مؤسساتها الاجتماعية والسياسية، ومع ذلك، أدت التوترات مع النظام بعد اكتشاف تورطها في تشكيل خلايا إرهابية مسلحة، إلى تراجع نفوذها، وصولاً إلى الحظر في 2025، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل تأثيرها في المجتمع الأردني.
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945 بمبادرة من عبد اللطيف أبو قورة، الذي تواصل مع حسن البنا، مؤسس الجماعة في مصر، لتبني فكرها ومنهجها، وجاء التأسيس في سياق المد الشعبي للجماعة بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ، مما ساعدها على جذب أنصار في الأردن، وفي البداية، ركزت الجماعة على العمل الخيري والاجتماعي، مثل إقامة الندوات، المحاضرات، ودعم مخيمات اللاجئين، مما أكسبها قبولاً شعبياً،وعام 1946، حصلت الجماعة على ترخيص رسمي كجمعية خيرية، مما عزز وجودها القانوني.
في أواخر 1953، تولى محمد عبد الرحمن خليفة منصب المراقب العام، وقام بإعادة هيكلة الجماعة من خلال إنشاء نظام أساسي وهيئات إدارية منتخبة في كل شعبة، وركزت الجماعة على دعم اللاجئين الفلسطينيين، خاصة بعد نكبة 1948، حيث أسست مدارس مثل مدرسة البر لأبناء الشهداء في مخيم عقبة جبر، وأصدرت مجلة “الكفاح الإسلامي” لنشر أفكارها (أغلقت بعد 11 عدداً بقرار حكومي)، وبدأت الجماعة المشاركة في الحياة السياسية مبكراً، حيث قدمت مرشحين مستقلين للبرلمان في 1951 و1954، ثم ترشحت باسمها الصريح في 1956، وهذا الانخراط عزز نفوذها بين فئات المجتمع المحافظة، وخلال فترة الستينات والسبعينات، دعم النظام الأردني الجماعة في مواجهة التيارات اليسارية والاشتراكية ، واستغلت الجماعة الفرصة في التغلغل داخل المجتمع الأردني، وأسست مؤسسات كبرى مثل جمعية المركز الإسلامي في الستينيات، التي تدير المستشفى الإسلامي ومدارس ومستوصفات، وجمعية المحافظة على القرآن الكريم التي جذبت عشرات الآلاف من الطلاب، كما أنشأت أكثر من 40 مدرسة وكلية المجتمع الإسلامي، ودعمت تأسيس جامعة الزرقاء الأهلية.
استوعبت الجماعة الفلسطينيين الأردنيين في أطرها التنظيمية، خاصة بعد خروج المنظمات الفلسطينية من الأردن في السبعينيات، مما جعلها ممثلاً رئيسياً لهم، وعزز هذا شعبيتها بين الأردنيين من أصول فلسطينية، وبقيت العلاقة ودية نسبياً مع النظام الأردنى، حيث استخدم النظام الجماعة كأداة لاحتواء المجتمع ومواجهة التيارات المناهضة، وفي عام 1992، أسست الجماعة حزب جبهة العمل الإسلامي لتجنب حظر الأحزاب ذات العلاقات الأجنبية، وأصبح الحزب أكبر قوة معارضة في الأردن، محققاً نجاحات كبيرة في الانتخابات البرلمانية.
# بين المواجهة والانقسامات
واصلت الجماعة توسيع نفوذها عبر سيطرتها على النقابات المهنية والجمعيات، وأنشطتها في التعليم، الصحة، والإغاثة، حتى اندلعت الاضطرابات التي عرفت باسم الربيع العربي، حيث انخرطت الجماعة في احتجاجات عام 2011 المطالبة بالإصلاح، لكنها تجنبت المواجهة المباشرة مع النظام لتفادي المصير الذي واجهته في دول أخرى مثل مصر، وبعد سجلات طويلة رد النظام بتعديلات قانونية، مثل قانون الجمعيات عام 2014، الذي قيد عمل الجماعات السياسية، وأجبر الجماعة على تسجيل نفسها كجمعية خيرية، مما هدد هيكليتها.
أدى ذلك خلال السنوات الماضية إلى انقسامات داخلية في الجماعة، بين تيار إصلاحي (مبادرة زمزم) يركز على القضايا المحلية، وتيار تقليدي متمسك بالعلاقة مع الإخوان المصريين وحماس.، ودعمت السلطات التيار الإصلاحي، مما أدى إلى تسجيل جمعية جديدة باسم الإخوان في 2015، وسحب الترخيص من الجماعة التقليدية، وأغلقت السلطات المقر الرئيسي للجماعة في 2016 وحظرت انتخاباتها الداخلية، مما أضعف نفوذها، وأصدرت محكمة التمييز (أعلى سلطة قضائية في الأردن) قرار بحل الجامعة عام 2020،
كما أغلقت قناة اليرموك التابعة لجبهة العمل الإسلامي في 2024 بسبب عدم الترخيص، ورغم تراجع نفوذها السياسي، حافظت الجماعة على قاعدة شعبية عبر مؤسساتها الاجتماعية، خاصة بين الفلسطينيين الأردنيين، لكنها واجهت انتقادات بسبب اتهامات بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية، حتى أعلنت وزارة الداخلية الأردنية عن ضبط خلية إرهابية تنتمى للإخوان، وفي 23 أبريل 2025 أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية حظر جميع أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، معتبرًا إياها جمعية غير مشروعة، مما يعني تجريم الانتساب إليها أو الترويج لأفكارها تحت طائلة المساءلة القانونية، نتيجة اكتشاف مخططات أمنية تورط فيها أفراد مرتبطون بالجماعة، مثل تصنيع الصواريخ وتهريب الأسلحة.
# علاقة حماس بالإخوان
نددت حركة حماس في بيان مفاجئ بضبط الأردن خلية إرهابية ينتمى عناصرها للإخوان، وطالبت بالإفراج عن المتهمين باعتبارهم يقومون بواجب وطنى لدعم المقاومة الفلسطينية، وقد أثار هذا البيان تساؤلات كثيرة حول العلاقة بين الإخوان في الأردن وحركة حماس والتي مرت بمراحل من الاندماج التنظيمي إلى الانفصال الرسمي مع استمرار التواصل الأيديولوجي والسياسي، فقد استفادت حماس من البنية الشعبية للإخوان في الأردن لتعزيز نفوذها، لكن هذا أدى إلى انقسامات داخل الجماعة وتوتر مع النظام الأردني، والحظر الأخير يعكس تصاعد المخاوف الأردنية من تأثير حماس عبر الإخوان، خاصة في ظل التحديات الإقليمية الحالية.
فقد انبثقت حركة حماس 1987 من جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، التي كانت تابعة فكريًا لجماعة الإخوان في مصر، وقد سبق بعد ضم الضفة الغربية للأردن عام 1950، اندماج تنظيم الإخوان في فلسطين مع تنظيم الإخوان في الأردن، مما عزز الروابط بين الجماعتين، شارك الإخوان في الأردن في إقامة معسكرات تدريب وتنفيذ عمليات فدائية ضد إسرائيل عبر حركة فتح في الستينيات، واستفادت حماس، بعد تأسيسها، من البنية التنظيمية للإخوان في الأردن، حيث كانت تُعتبر امتدادًا للجماعة في فلسطين، وخلال الثمانينيات والتسعينيات، كانت حماس تتمتع بحضور قوي في الأردن، حيث أسست مكتبًا سياسيًا في عمان (1992) برئاسة موسى أبو مرزوق، ثم خالد مشعل، وكانت العلاقة مع الإخوان في الأردن وثيقة، حيث دعمت الجماعة أنشطة حماس سياسيًا ولوجستيًا، ودعم الملك الحسين هذا الحضور، مما جعل الأردن مركزًا لنشاط حماس خارج فلسطين، لكن مع اتجاه الأردن للسلام مع إسرائيل تصاعد الخلاف مع حماس، وفي عام 1999، أدى قرار الملك عبد الله الثاني بإبعاد قيادات حماس من الأردن إلى سوريا إلى توتر العلاقة بين حماس والنظام الأردني. هذا القرار تسبب في انقسام داخل الإخوان، حيث اتهم البعض قيادات الجماعة بالصمت على قرار الإبعاد، وبحلول 2008، أصبحت حماس تنظيمًا قطريًا مستقلًا يتبع مكتب الإرشاد في مصر مباشرة، وليس عبر الإخوان في الأردن، وهذا الانفصال أدى إلى تغييرات قيادية في الإخوان الأردنيين، حيث تولى أشخاص من أصول فلسطينية (مقربون من حماس) مناصب عليا مثل المراقب العام سالم الفلاحات، واستغلت حماس تعاطف الشارع الأردني مع القضية الفلسطينية (خاصة مع نسبة الأردنيين من أصل فلسطيني التي تزيد عن 60%) لتعزيز نفوذها داخل الإخوان، وضخت حماس أموالًا طائلة لتجنيد عناصر نشطة داخل الإخوان، بما في ذلك أشخاص من أصول شرق أردنية، مما أدى إلى سيطرة تيار موالٍ لحماس على مفاصل الجماعة في الأردن مما أدى إلى انقسام بين الأردنيين من أصل فلسطيني ومن أصل شرق أردني داخل الجماعة، وفي 2006، أثارت زيارة محمود الزهار (وزير خارجية حماس) مخاوف أردنية بعد اكتشاف خلية مرتبطة بحماس، مما زاد التوتر مع الإخوان بسبب دعمهم لحماس، وفي 2015، اعتقلت السلطات الأردنية ناشطين من الإخوان بتهمة دعم حماس عسكريًا، وحُكم على بعضهم بالسجن، وفي 2024، أعربت الحكومة الأردنية عن عدم استغرابها من التواصل بين الإخوان وحماس بسبب “العلاقة الأيديولوجية”، لكنها حذرت من استغلال هذه العلاقة لزعزعة الاستقرار، وقد نظم الإخوان في الأردن مظاهرات داعمة لحماس خلال الحرب على غزة (2023-2024)، مستغلين غضب الشارع لتعزيز نفوذه، هذا أدى إلى فوز جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي للإخوان) بمقاعد برلمانية كبيرة في انتخابات 2024.
# تحريض تركى
اثار الانتباه صدور بيان عن المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين (تيار التغيير) الموجود في تركيا، ويحتضنه اردوغان منذ سقوط حكم الجماعة في مصر، يندد بقرار السلطات الأردنية بحظر جماعة الإخوان المسلمين، ويصفه بأنه جزء لا يتجزأ من حملة إقليمية تهدف إلى كسر إرادة الشعوب، ومصادرة حقها في النضال والمــ ــقاومة، وقطع الطريق أمام أي مشروع يواجه الاحــ ــتلال أو يرفض مسار التطـ ــبيع، ويصل الأمر إلى حد التحريض على النظام الأردني واصفا الأنظمة العربية بأنها تمثل اليوم العقبة الأبرز في وجه أي مشروع تحرري أو مقــ ــاوم. وإن مواجهة هذه الأنظمة باتت ضرورة استراتيجية لا بد منها، وهي البداية الحقيقية لمسار تحرير الأقصى واستعادة قرار الأمة وإرادتها، موجها الحديث إلى شباب الحركات الإسلامية، وخاصة في الأردن: أنتم سلاح الأمة في لحظتها الفاصلة، والمواجهة أصبحت واجبًا تاريخيًا لا مفر منه، فالتصدي للأنظمة التي تحرس المشروع الصـ ـــهيوني ليس خيارًا، بل هو طريق حتمي لتحرير الأقصى، وإنقاذ الأمة من الاحـ ـــتلال والاستبداد، بكل أشكاله، السياسي والعسكري والفكري. لا تسمحوا لهذا القرار أن يكسر عزيمتكم، بل اجعلوه نقطة الانطلاق.
ومع عدم صدور أي رد فعل تركى رسمي تجاه إعلان الأردن ضبط خلية إرهابية تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار لديه، يرى المراقبون ان سماح النظام التركى لفرع الإخوان الموجود لديه وتحت سيطرته بإصدار بيان تحريضى ضد النظام الأردني، يكشف حقيقة نوايا النظام التركى ضد الأردن.
# مستقبل الجماعة بعد الحظر
أظهرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعى انقساماً في الرأي العام، حيث اتهم البعض الجماعة بالتطرف وزعزعة الاستقرار، بينما رأى آخرون أنها كانت وسيلة لاحتواء التوترات الاجتماعية، وكان تبني الجماعة لفكر إسلامي محافظ جعلها جاذبة لفئات واسعة، لكن اتهامات بإدخال الدين في السياسة أضرت بصورتها، رغم الحظر، لا تزال مؤسسات الجماعة الاجتماعية (مثل المستشفى الإسلامي) تؤثر في المجتمع، لكن نفوذها السياسي تضاءل بشكل كبير، والانقسامات الداخلية والضغوط الحكومية قلصت من قدرتها على الحشد الشعبي، لكنها تحتفظ بقاعدة محدودة بين الفئات المحافظة والفلسطينيين الأردنيين.
وقد جعل الحظر جماعة الإخوان المسلمين كيانًا غير قانوني، مما يعني تجريم الانضمام إليها أو الترويج لأفكارها، مع عقوبات قانونية مثل السجن والغرامات، وقد يؤدي ذلك إلى استهداف الجناح السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، مما قد يغير المشهد السياسي، بما في ذلك حل البرلمان وربما إعادة هيكلة القوى السياسية، يبدو من المرجح أن الجماعة ستفقد وجودها السياسي ونفوذها في الأردن، رغم تاريخها الاجتماعي.
ويتماشى قرار الحظر مع اتجاه إقليمي لتقييد جماعة الإخوان المسلمين، حيث تتخذ دول مثل مصر والإمارات إجراءات مشابهة، ويمكن أن يعزز هذا النهج الإقليمي التعاون بين الدول لمواجهة نفوذ الجماعة، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة بالمنطقة.