المرأة

المرأة في كتابات أوجلان

تحليل: د. ياسمين السبع

     بالتجول في عقل وأفكار أوجلان من خلال كتاباته، يتضح جليا أن له أيدلوجيته الخاصة، وأراءه التى كونها عبر قراءات عده متنوعه ووعي واضح وملموس لمن يطلع على أفكاره سواء أختلفنا مع بعض تلك الأفكار أو اتفقنا، إلا أننا نحترم هذا العقل الواعي غير المنصاع، والذي يضرب مثلا قويا في حرية العقل في ظل قيد الأجساد، وأن العقل لا يمكن اعتقاله وكم من حر مقيد العقل مغيبه، وكم من سجين نقرأ كتبه كأحرار ونستزيد مما أثرى به فكره على مدار سنين طوال، وقد عني فى كتاباته بالمرأة بل كانت أولى أولوياته، وقد طرح أفكاره حول وضعها الاجتماعي، وتحدث عن المرأة بشكل عام وعن نساء الشرق الأوسط بشكل خاص .

   اهتم أوجلان بقضية المرأة إلى حد كبير رغم أنه سياسي من الدرجة الأولى، وزعيم حزب كبير، و رغم أن العمل الحقوقى للمرأة له ناشطاته و نشطائه ، إلا أن أوجلان يعتبر قضية المرأة هى المصدر الذى يأتى أولا ثم تأتى جميع القضايا ، وهو أمر لافت للغاية ، كيف أنه أدرك أهمية المرأة ورأى أنها تأتي أولا، وحقيقاً فإن المرأة تأتي منها الحياة فإن لم نضع لها الأولولية فبالتبعية لن نضعها لحياة ، فقيمة المرأة مرتبطة بقيمة الحياة .

     يشير أوجلان فى كتاباته إلى الرؤية المادية البحتة للمرأة، وينتقدها والتى يتبناها العديد من الذكور حول العالم، بحصر المرأة فى جمالها أو قدرتها على الإنجاب، على الرغم من سمو الأمومة وأنها منطلق الحياة بمعناها الشمولى، غير أن جميع الكائنات تتكاثر، حتى أحادية الخلية منها .

     ينقد أوجلان فكرة التسليم لكون المرأة هي القائمة بأعمال المنزل قهرا كأمر مسّلم به، ومنهج ينتهجه القطعان، خالٍ تماما من أى استقلالية فى التفكير، أو تدبر لوضع المرأة والرجل معا، وهو أمر مجتمعى بحت، اختلقها ذوى العقول الاستبدادية الإستعمارية منذ ألاف السنين، و يفتقر للحيدة والعدالة، بل ويصل حد العبودية والاستغلال،باعتبارها عاملة مجانية و الكائن الذى لابد أن يخنع للرجل ويطيعه دون إبداء للرأى أو اتخاذ القرارات بمفردها التى تخدم حياتها الشخصية أو أحد أفراد أسرتها، ومع الأسف أنه حال الكثير من الأسر .

    يجرد أوجلان المرأة من ماديتها المطلقة التى ألصقها بها البعض وتبعهم الأمّعات، مشيرا إلى كينونتها الطاقية، والتى يقارنها بطاقة الرجل ويعتبرها أكثر كماً واختلافاً من حيث النوع، وأن طاقة الرجل عادة ما تأخذ شكلها المادى الملموس والذى ينعكس فى شكل السلطة والسيطرة وممارسته لهما، بينما المرأة ترفض طاقتها التحول إلى طاقة ملموسة مادية، وعادة ما تبقى متدفقة مستمرة فى التدفق كطاقة الحياة، وقد ربط بين جماليتها ورهافة حسها بشكل مباشر بطاقتها غير المتجمدة، هذا فى حال لم يكبتها رجل .

       وينتقد أوجلان هرمية العلاقات لدى الأسر الشرق أوسطية، وكيف أنهم حصروا المرأة فى نظام ذكورى أبوى صارم، بينما كانت تؤله فى أساطير بعض الحضارات، ويرجع تصنيفات الحضارات للمرأة باعتبارها السبب الرئيس فى نظرة المجتمع الذكورى الآن للمرأة باعتبارها أداه تفريغ غريزة ليس إلا ، كالحضارة السومرية والتى تبنت نشأة بيت البغاء الأول فى التاريخ ، وكيف أنهم كانوا يوظفون النساء وظائف دنيا باسم الدين ، كأن تعمل عاهرة فى المعابد ، وجارية فى القصور تباع فى الأسواق ، وأما الحضارة الإغريقية كانت المرأة تعتنى بالأعمال المنزلية فقط ، وكانت أداة جنسية بحته تابعه للرجل فى الحضارة الأوروبية  .

      ومع مرور الزمن اكتمل لدينا الشكل العام والنظرة الدونية للمرأة حول العالم ، حتى وإن أنكرتها بعض الدول التى تدعى المساواة والتمدن ، غير أن الإحصائات العالمية للاغتصاب  تخبر بالحقيقة ، ففى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا عام 2017 بلغ عدد جرائم العنف والاعتداء 1,247,321 وهو رقم ضخم للغاية ، ومايلفت الأنظار أن منهم  321 ألف جريمة اغتصاب للفتيات ممن يبلغون الإثنا عشر عاما وحتى عمر الرابعة والثلاثون وهو الرقم الذى يستدعى الدهشة ، وفى عام 2024  لدينا 520 ألف حالة اغتصاب فى الولايات المتحدة، نتج عنها 65 ألف حالة حمل، بينما تجرم 14 ولاية من الولايات المتحدة الإجهاض . 

     فإن كانت هذه الأرقام فى بلد تدعى الحرية واتساع أفاق وثقافة شعبها وتمدنه ، وتلك هى دول العالم الأول كما قصّوا على أسماعنا ، فما بال دول العالم الثالث ، والذى يعانى فيها الإنسان على جميع الأصعدة ، أظن أن الأرقام أيضا مدهشة   .

    ثم تأتى منظمة اليونسيف لتكشف عن إحصاءاتها لعام 2024 وهو الإحصاء الأكثر رعبا فى التعدى جنسيا على المرأة ، حيث لدينا ما يقرب من 370 مليون إمرأة حول العالم ، تم التعدى عليها جنسيا بشكل أو بآخر ، على مدار سنوات حياتها سواء فى طفولتها أو شبابها أو حتى كهولتها  .

     تلك الإحصائية تكشف الكثير، فعلى الرغم من التحامل على الولايات المتحدة ، لما تدعية طيلة الوقت من تمدن و رفاهة ورعاية لحقوق من يعيشون على أراضيها ، إلا أن انتهاك المرأة جنسيا هو جريمة عالمية، إذ لافرق فيها بين ولاية جورجيا أو الكنغو الديموقراطية ، فهؤلاء النساء يتم انتهاك أجسادهن فى عالمنا المعاصر، بما يشهده من طفرات حضارية وفكرية أيضا، فكيف كان حال النساء فى عصر الاضمحلال والعصور الوسطى .  

     وفى صورة مختلفة لانتهاك حقوق المرأة ولكن من زاوية أخرى ، فإن المرأة تتقاضى أجرا أقل من الرجل فى أغلب دول العالم ، إلا فيما ندر، لنفس الوظيفة والكفاءة والشهادة العلمية، وفى مختلف المجالات ،  ولا يقتصر الأمر على الفئات الدنيا ، أو الوظائف البسيطة وحسب ، بل فى أرفع المناصب يميز الرجل على حساب المرأة، بحسب نوعه وليست كفائته ، فبحسب تقرير الاتحاد الدولى لنقابات العمال ، أن الفجوة بين رواتب النساء للرجال بلغت 16% فى بعض دول أسيا وأفريقيا ، وفى اليابان 33,4% وفى الصين 32,7% وفى كندا 27,5% وبارجواى 31,3%  وأما البحرين فكانت الدولة الوحيدة تقريبا ، التى تمنح المرأة راتب أعلى بنسبة 40% ولكن أوضحت البيانات المتعلقة بالبحرين انخفاض مشاركة النساء فى قوة العمل ، بالإضافة إلى أن العاملات منهن من ذوى الدرجات العلمية الرفيعة ، والمهارات العالية ، وبالتالى يشغلن وظائف مرموقة ذات رواتب كبرى .

     وباستكمال الحديث عن سوق العمل ، كان للمرأة استخدامات أخرى كأداة مجردة من انسانيتها ، فعلى سبيل المثال جائت أغلب المادة الإعلانية المقدمة في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نساء ، لاستخدام أجسادهن في الترويج عن المنتجات ، بما يتبعه من تعري ، وربما حدث هذا بدعوى التحرر ، غير أن التحرر والتعري لا يلتقيان ، وإن هو إلا ذريعة لاستغلال شعور المرأة باستضعافها، ليتم دعوتها  لتحرر وهمي يُستغل جسدها من خلاله ، وهي الخاسر الأكبر وربما لا تعي ذلك ، وهذا يرتبط جليا بفكر أوجلان حين كتب عن ضرورة صقل المرأة بالمعرفة ، وعدم حصرها في أدوار محدوده .

النساء هنا تحمل الشرف وحدها !

       ومما يؤكد فكرة أوجلان تجاه نظرة المجتمع الشرقى للمرأة ، والعنف الممارس ضدها من ذويها والذى يعد الأعلى من نوعه مطلقاً ، جرائم القتل على سبيل المثال و التى تعرف إعلاميا وقانونيا بجرائم الشرف (مع التحفظ على المصطلح) ، والذى استبيح بموجبه إزهاق أرواح النساء ، باعتبار أن المرأة ملكية خاصة لرجال عائلتها ، وحتى القوانين تخفف إذا ما كانت ملابسات الجريمة تحذو حذو الشرف ، ليصبح لدينا قتل تحت مظلة القانون ، ففى الأردن ينص قانون العقوبات على أنه ” يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذى أقدم عليها بثورة غضب شديد ” وبناء عليه لا تتجاوز مدة عقوبة القاتل ثلاث سنوات ولا تقل عن سنة .

     ولدينا بحث مقدم من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى مصر، عن عام 2015 أفاد بأن 70% من جرائم الشرف فى مصر لم تقع فى حالة تلبس وإنما اعتمد مرتكبيها على الشائعات ، وأن تحريات جهات التحقيق فى 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجانى بالضحية والتربص بها ، مما يعنى أن الطريق للتخلص من إحداهن يكمن فى التفوه ببعض الترهات ، هذا بخلاف أن التربص جريمة بحد ذاته .

     وفى الكويت تنص المادة 153 من قانون الجزاء بتخفيف عقوبة القاتل فى جرائم الشرف حد الغرامة ، والتى لا تتجاوز 45 دولار .

      وبخلاف عقم تلك القوانين وعدم جدواها لتحقيق العدالة الإنسانية ، إلا أنه تكمن المشكلة الرئيسية فى مستوى الوعى لدى الشعوب ، ففى إحدى أشهر الجرائم بشاعة مؤخرا ،قتل رجل خمسينى على يد شاب بالإسماعيلية حيث قطع رأسة عن جسده فى الشارع أمام الماره، وتجول بالرأس المقطوع ، وحين تدخل أحدهم لإنقاذ الضحية قبل أن يقتل ، تراجع بمجرد أن تلفظ القاتل بأن المجنى علية قد اعتدى على أمه وأخته ، و لم يثبت شئ ضده من هذا القبيل في التحقيقات ، فالمجني عليه معيل ل سبعة أبناء ويعانى من مرض عضال بالكبد ، وقد اعترف الجانى فيما بعد فى التحقيقات أنه ادعى على المجني عليه قبل قتله ليستطيع الفرار من المارة  .

    وبقراءة ما بين سطور الحادث، نرى تأثير كل ما يمس الشرف لدى الجماهير حتى دون التحقق من الأمر، فكيف لكلمة تخص شرف النساء يمكنها إيقاف عدد من الناس عن منع جريمة شنعاء كهذه ؟ ، ولا تنفك الأفكار و التصورات لسيناريو أكثر وعيا لهؤلاء المارة ، كان ليكمل القتيل دوره فى إعالة أبنائه ، ولم نستيقظ وقتها على واحدة من أبشع الجرائم التى تمس الوجدان .

     وحتى الأمس لازالت تمارس جرائم الشرف ، ففى جريمة أخرى من تلك المتكررة ضد النساء فقط ،  فتاتان تم اختطافهما من قبل مجرمين مخدرات فى ريف حلب الشرقي ، وعقب الإفراج عنهما من قبل المجرمين و بعد عودتهم إلى الأهل ، تم قتلهم رميا بالرصاص على أيدى ذويهم ، وحقيقا لا يمكن تخيل هذه المأساه بالمنطق أو الفطرة  .

        وفى جريمة تدعو للتوقف قليلا،  ما عرف إعلامياً باسم سيدة حي السلام ، حيث اقتحم أشخاص شقة سيدة مصرية قبيل منتصف الليل يوم 11 مارس عام 2021 بذريعة وجود رجل غريب فى شقتها ، وضربوهما بالعصي وتم تقييد الرجل ، إلا أن المرأة اندفعت فزعاً لتلقى بنفسها من شرفة منزلها من الطابق السادس وماتت فى الحال  .

      وبغض النظر عن أنه أُثبت فيما بعد أن هذا الرجل كان عامل صيانة ، إلا أننا نقف أمام جرائم عدة مجتمعة في مشهد واحد ، سواء تلصص الجيران علي المجني عليها وكأنهم أوصياء عليها والتربص بها لمجرد أنها تعيش وحيدة ، وهو ما أكدته فيما بعد العديد من النساء الائي يعشن وحيدات تحت وسم ” #أنا_عايشه_لوحدي”، على مواقع التواصل الإجتماعي من أنهن يتعرضن لتربص بدءاً من الجيران وحتى حارس العقار ، هذا غير الافتراض دون تفكير فى أن هناك جريمة شرف تحدث حتى وإن لم تكن يربطهم بها رابطة دم ، بالإضافة إلى العنف المجرد والذي دفع بالسيدة إلى الإلقاء بنفسها من شرفة منزلها ، فى مشهد معاكس لغريزة البقاء ، ربما لهول ما رأت من هؤلاء المجرمين .

    وكل ماحدث  فى تلك الجريمة وغيرها مما يدعى ( جرائم الشرف) لا علاقة له بشرع أو منطق ، إن هي إلا موروثات مجتمعيه ، ولا دافع من وراء جرائم كهذه سوى استعباد المرأة والتنكيل بها واستضعافها ، وصنع حالة من الفزع والرعب و بيئة غير آمنه، وهذا ما ترفضة الأديان السماوية، ففى الإسلام على سبيل المثال، محرم تتبع العورات والتربص بالآخرين، كذلك محرم سوء الظن ، ولا يجوز رمي امرأة فى عرضها أو رجل ( إطلاق الإشعات حول الشرف )، وحدود الشريعة تسري على كلا الجنسين رجلا كان أو أمرأة، ، وعن حد الزنا فى الإسلام والذي قد يتخذه البعض ذريعة للتقبل المجتمعي ل ( جرائم الشرف ) كما يدعون ، فإنه لا يطبق إلا في حالة وقوع الحدث علي مرأى ومسمع من أربعة أفراد من ذوي الخلق الرفيع ، ولابد من مشاهدة الاتصال الجنسي بصورة مباشرة ولا يكتفى بمشاهدة مقدماته أو نهاياته ، مما يجعل تطبيق هذا الحد أقرب للاستحالة ، ولا ينفًذ الحد سوى أولياء الأمر (القضاء)  ، فلا يمكن لدين قويم أن يدعو للقتل بهذه البشاعة والعنصرية ، وهذا كان تفنيد لذريعة واحدة من عدة ذرائع  اتُخذت للتخلص من المرأة بخلاف الوعي المتدنى والذكورية المتفشية فى المجتمعات .

المرأة الأرنب

     يتطرق أوجلان نحو فلسفة مثيرة للتساؤلات قليلا ( المرأة والإنجاب ) ، واستخدام المرأة مجتمعيا لتزويد النسل ، اعتمادا على امكاناتها البيولوجية التي تؤهلها لذلك ، وكيف أن المرأة التي تنجب كثيرا تموت باكراً ، وقد يكون إنجاب الكثير من الأطفال ذا قيمة عليا على صعيد الدفاع عن النفس ، و ذلك لدى الشعوب النائية العاجزة عن تطوير نفسها ، من خلال أفرادها ومجتمعاتها ، ولا يمكن أن تكون متطورة فكريا أو سياسياً ، غير أن الإنجاب بكثرة يساهم فى مشكلة الزيادة السكانية عالميا والتى لا تتناسب مع موارد الكوكب ، ويثير أوجلان أمر قلً من أثاروه ، وهو أن الحياة (النفيسة ) مع المرأة تكون مع تلك التي أنجبت أقل قدر ممكن أو لم تنجب مطلقا ، فكلما عاشت المرأة بدون أطفال أو بأقل عدد ممكن عاشت حياة ذات جودة أعلى كثيرا ، ويمكنها المشاركة بفاعلية أكثر خارج نطاق الأمومة التى تحاصر بها ، ولا يتحقق ذلك إلا فى المجتعات التي تتمتع بقدر عالٍ من حرية الفرد  .

    وأنه على الرغم من أن تلك الميزة البيولوجية لدى المرأة هي أنها سبب الحياة على الكوكب ، إلا أن حصرها في هذا الدور والتركيز على التكاثر وهو ما ترعاه السلطة المهيمنة ذات الحاكمية الذكورية قد يكون سببا لنهاية الحياة ، ولذلك الأمر دلالات يذكر منها الاتى:

  أولا :- التضخم السكاني والذي بات يهدد حياة عدد من الكائنات الأخرى ، ومقارنة هذا التضخم بالموارد الطبيعية المؤهلة لعيش حياة ذات جودة عاليه .

ثانيا :-  نمط الحياة هذه يسمح للسلطات بممارسة العنف داخل المجتمعات.

ثالثا :- استغلال المرأة جنسيا وتحريف مجرى حياتها وحصره فقط فى جسدها .

رابعا :- أدى حصر المرأة فى الإنجاب إلي تهميشها مجتمعيا ، وأمست قوة عاملة بخسة بمقارنتها بالرجل .

خامسا :- ارتكاب إبادة ثقافية ضد المرأة من خلال انعدامية قيمتها إلا من خلال إدامة النسل و الالتفات للرغبات الجسدية ، وبذلك تم تجريد المرأة من قوة الدفاع الذاتي تمكنها من حماية نفسها جسديا وأخلاقيا.

سادسا :- إن مجتمعا يترك المرأة متخبطة في الحياة بلا معنى أو هدف واضح ، مجتمع مريض ، والمرأة التي بلا معنى تنتمي بالضرورة لمجتمع بلا معنى .

    وبالحديث عن حصر المرأة فى أدوار معينه ، فيمكننا القول أن صقل المرأة بالمعرفة والثقافة يساهم بشكل رئيسي فى ارتفاع مستوى الوعي لديها بالذات وبالمجتمع ، مما يحميها بصورة أو بأخرى من الإستغلال على صعيد الأخلاق والعمل والعلاقات الإنسانية .

     يرى أوجلان أن الحياة الحرة مستحيلة مع امرأة مستملكة مستبعدة وبالتالي خائفة مجردة من الحماية ، وهذه العبودية لا تتحقق بالضرورة إلا عند القضاء التام على الأخلاق.

 اقتراحات مثالية لحياة ندية   

أن تحرير المرأة أمرا ضروريا لإنقاذ الحياة ، ويستحيل الحياة مع المرأة كشيرك حياة  ما لم تطور الأفكار للتصدى للدلالات السابق ذكرها، ومن أراء أوجلان المثيرة أنه يمكن الحياة بدون رجل ، إلا أنها تستحيل بدون المرأة ، وبناء عليه ومن أجل حياة أكثر اتزانا ومستوى فعال من المشاركة بين الرجل والمرأة يقترح أوجلان عدة مقترحات كالتالي :-

أولاً :- تحقيق حياة ندية أيكولوجية ، والتى بالضرورة لا تتناسب واستمرار التكاثر والنسل على سطح الكوكب ، لأن الاشتراكية الحقيقية لن تشاد إلا بالتأسيس على الحياة الحرة مع المرأة .

ثانيا :- الكفاح الذهنى والمؤسساتي تجاه السلطة المهيمنة الحاكمة ، مع ضمان النصر فى هذا الكفاح ، حيث محال تحقيق الحياة الندية الحرة ، ما لم يتحقق النصر.

ثالثا :- يجب ان لا ينظر إلى المرأة لإدامة الغريزة الجنسية ، لأنه لا يمكن تحقيق حياه نديه حره إلا فى حال القضاء على الحياة الجنسوية المجتمعية ، حيث أن الحياة فى مجتمع يتعامل مع المرأة باعتبارها مادة جسدية لا يدل على الانحطاط الأخلاقي فحسب ، بل إنه ظاهرة اجتماعية قبيحة تحط من شأن المرأة وبالتالي شأن الرجل .

رابعا :- حياة الشراكة الندية الحرة مع المرأة غير ممكنة ، إلا فى الظروف والأجواء التي ترفض فيها الملكية وتفند ، وذلك بعد التخلص الكامل من الجنسوية الاجتماعية ، وتوطيد المساواة المجتمعية على جميع المستويات .

خامسا :-  حياة الشراكة الندية الحرة غير واردة ، إلا مع المرأة التي لم تعد أداة لاستمرار النسل، ولا عاطلة عن العمل ، ولا يدا عاملة بخسة أو مجانية ، بل خرجت من كونها موضوعا شيئيا وحققت ذاتيتها على جميع الأصعدة .

سادسا :- لن يتماشى المجتمع مع حياة الشراكة الحرة ، إلا فى ظل هذه الظروف الإيجابية ، ليتمكن بالتالي من التحول إلي مجتمع تسوده المساواة والحرية .

سابعا :- حياة الشراكة الندية الحرة واردة بين النساء والرجال الذين طوروا قيمهم البنيوية والعقلية في كنف الأوساط المجتمعية الإيجابية .

   كانت تلك اقتراحات أوجلان من أجل حياة متكافئة بين الرجل والمرأة ، والتي ندد فيها بأن المرأة تستخدم كأداة تفريغ شهوة ، وكمصنع للأجنة ،الأمر الذي بالضرورة تستحيل معة حياة الشراكة الندية الحرة ، غير أنه سرعان ما عاد إلى الواقع وما يحدث فى المجتمعات .

عودة للواقع المجتمعي

    يشير أوجلان لصعوبة تحقيق تلك المقترحات بسبب هيمنة الحداثة والمدنية واللتان تنكران الحياة الندية الحرة ، منطلقا من هذا المعنى لمفهوم أعمق بالضرورة ، وهو إمكانية تحقق (الحب السوي) بين الرجل والمرأة فى حالة عدم تحقيق هذا التوازن والندية ، وحقيقا أنه لا يمكن تحقيق علاقة حب سوية تحت عنوان العبد والسيد ، بل لابد أن تنشأ بين قطبين متساويان فإذا اختل التوازن _وهذا مايحدث في كثير من الأحيان تحت مسمى الزواج_ بات من السهل فك هذا الميثاق الذي فقد كثيرا من معانيه ، ونظرا لأن تحلى الطرفين بالإرادة الحرة المتكافئة هو شرط أساسي ليتحقق الحب ، فبالتالي يمكننا الجزم باستحالة نجاح علاقة الحب بين رجل وامرأة في ظل النظام الهرمي السائد فى المجتمعات .

    ولا يمكن النظر إلي علاقة الحب باعتبارها شأن خاص لأن هذه النظرية من صناعة الحداثة فالنظر إلى العام على أنه خاص ، وإلى الخاص على أنه عام هو أنسب كثيرا بالنسبة إلى طبيعة المجتمع وازدواجية المدنية ، ذلك لأن علاقة الرجل بالمرأة تنعكس بشكل مباشر على المجتمعات .

    يرى أوجلان أن أولى الخطوات التي نخطوها فى المجتمع البشري باسم الحياة يجب أن تتعلق بالحياة الندية ، وليست ما يتم ترويجه من خلال سوسيولوجيا الحداثة من أنه الاقتصاد والدولة هى العلاقة الأساسية ، فالاقتصاد والدولة في نهاية المطاف ماهي إلا وسائل للحياة الندية ، بل ويجب تسخير تلك الوسائل (الاقتصاد ، الدولة ، الدين) لخدمة الحياة الندية .

         ويمكن القول أن الأديان السماوية بالفعل جائت تشرع لحياة ندية تشاركية ، وكانت الخطابات فى الكتب السماوية تشرع للندية بين الرجل والمرأة ، وجائت الخطابات الموجهة لهما على حد سواء، فعلى سبيل المثال لا الحصر جاء في القرءان فى سورة النساء الآية124 (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) ، وفى سفر التكوين 27:1 (خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ، ذكرا وأنثى خلقهم) ، غير أن تلك المفاهيم تم تشويهها مجتمعيا، مع الحداثة والمدنية وتم تطويع النصوص الدينية لتبدو أنها تحط من شأن المرأة ، وإذا تتبعنا التاريخ سنجد أن بعض رجال الدين كانوا يشاركون فى تشويه الاتساق الكوني الفطري بين الرجل والمرأة الذي خلقه الله ، غير أننا بحاجة لخطاب ديني جديد وفهم قويم ، خال من الترجمة الحرفية للنصوص الدينية أو تطويعها  .

   يخبرنا الباحث حسام جاد في مقال له أنه في مصر في عهد السلطان برسباي وما بين عامي 1429 و 1439 سجل مقياس النيل تضارب ملحوظ ، الأمر الذي دفع المصريين نحو تخزين السلع الغذائية ، مما أدى بالضرورة إلى نفاذها من الأسواق وارتفاع أسعارها ، وبالتبعية ومع جفاف النيل تفاقمت الكوارث ، وتفشت أوبئة المحاصيل والأوبئة الحيوانية ، وانتشرت الجرذان والجراد ، هذا بخلاف عدد من الزلازل العنيفة التي تسببت في هدم العديد من البيوت وبالتالي تشرد أصحابها ، عجزت الهيئات المصرية السياسية والعسكرية عن مواجهة هذه الأزمات البيئية والاقتصادية ، والتي يبدو جليا أنها كانت نتيجة فساد النظم الإداري والمالي ، إلا أن التفسيرات الفقهية جائت على لسان الفقهاء أن تلك الظواهر ابتلاء إلهي وعاقبة أخلاقية لانتشار المعاصي وكثرة خروج النساء من منازلهن .

      وربما كانت تلك الواقعة أحد أهم المسامير التي دقت في نعش المرأة ككيان في المجتمعات، وتوطيد الأفكار المسمومة باتجاهها باعتبارها سبب للكوارث الطبيعية وغضب الإله ، فكلام ومعتقدات العوام ليس كأحكام الفقهاء ، خاصة في شعوبنا العربية والتي تتأثر كثيرا بكلمة رجل الدين ، بل ويبنى عليها بعد ذلك الكثير، لتمسي المرأة محط اتهام لمجرد خليقتها كإمرأة  من منظور مجتمع بأكمله ، فالربط بين كارثة طبيعية والمرأة هو كارثة غير طبيعية في حد ذاته ، وأصبح لدينا تصور كيف يمكن لمجتمعات بهذه الأيدلوجية أن تنشيء جيل أبوي، وتتوالى الأجيال .

    وبالعودة مرة أخرى إلي أوجلان ، فإنه يلفت النظر إلى أن الحياة الندية التشاركية لا تكون بين شخصين فقط وإنما ” هي حياة جوهرية كثيرا ما تعاش بنحو تجريدي بمعية قوة المعنى والجمالية العليا والأخلاق النبيلة ” ،وذهب إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن الرجال والنساء الملتزمون بحياة ندية تشاركية لا يمكنهم التمتع بحياة قويمة جميلة كأفراد مستقلين بذواتهم إلا إذا وطدوا الحياة الحرة عالميا وجماعيا.

     يرى أوجلان أن المسيحية بمنعها أو بفرضها قوانين شديدة الصرامة فيما يخص الحياة الجنسية في الكنيسة ، له دور لما قدمته من تطور مجتمعي ملحوظ ، ذلك للتركيز على تزكية النفس بعيدا عن غرائزها ، إلا أنه سرعان ماحدث رد فعل انعكاسي في ظل الحداثة الرأسمالية ، وأن الزواج(الأحادي) الكاثوليكي قد أثمر عن تطرف ثان شبيه لثقافة الرهبنة.

      وأن الحل الإسلامي لم يحرز النجاح في هذا الموضوع أيضا ، من خلال الإتاحة المطلقة من خلال التعدد  .

       هنا سأشتبك قليلا مع أراء المفكر أوجلان ، لاسيما وأن الإسلام لم يحث على تعدد الزوجات إلا في أطر معينة وبضوابط شديدة الخصوصية ، فالتعدد في الإسلام ليس على الإطلاق ، وليس هو القاعدة وإنما الاستثناء ، وكفل للمرأة حق الاشتراط في عقد الزواج بعدم قبولها بالتعدد ، وقد تكمن المشكلة الحقيقية في أولئك الذين يتعاملون مع الرخص الدينية في العموم باعتبارها أحكام مطلقه مسموحة للجميع ، ربما هذا يشير مرة أخرى لضرورة تجديد الخطاب الديني، ومدى فهم ووعي الرجل الرجل الشرقي، فليس كل المتاحات في عموم الحياة بالضرورة هي حق مكتسب .

       رجل يملك وعي  يعاني كثيرا

        يسلط أوجلان الضوء على الرجل ومدى فاعليته تجاه الحياة الندية المشتركة ، فيرى أنه ربما علي الرجل أيضا النضال مع المرأة لعيش حياة ندية تشاركية حرة ، وهذا يستلزم مواجهة تحديات عديدة ، قد تكون أحدها في المرأة نفسها والتي تعرضت لرهان شتى أنواع العبودية على مر التاريخ ، خاصة في سنوات الهيمنة الرأسمالية ، كما عليه أن يدرك أنه معرض لتأثير مؤسسة العبودية شأنه في ذلك شأن المرأة تماما ، ولأجل كسر ثوابت أسستها تلك المؤسسة العبودية عليه أن يندفع دوما نحو الحياة الإشتراكية ضمن نطاق المنزل.

       ومن أهم ما يجب على الرجل فعله هو مواجهة نفسه وصراعاتها المستمرة باستمرار الحداثة الرأسمالية، والتي تعمل على الإيهام بتعزيز (الرجولة) بينما هي تعزز (الذكورة) بيولوجيا بشتى الوسائل ، وشتان بين المعنيان ، فتعزيز الذكورة إن هو إلا التركيز على الجانب الغرائزي لدى الرجل ، وبالتالي إخضاعه من جانب آخر، حيث لا فرق بينه وبين ما تتعرض له المرأة من استضعاف على مر الزمان ، بينما الرجولة تكمن في استيقاظ الوعي الدائم، وعدم الحط من شأن الآخر، خاصة لو كان هذا الآخر امرأة ، والتشارك معها بدلا من التسلط عليها .

    وعلى هامش ذِكر (الرجولة) وفي محاولة للإنصاف علنا نناله ، فإن الرجل الواعي في المجتمع الشرقي ، يحمل أعباء لا قِبل له بها ، بدعوى أنه رجل فبالضرورة لابد أن يكون متجرد من المشاعر، خالٍ من رهافة الحس ، هذا بخلاف الضغوط التي يواجهها في عجلة الرأسمالية التي لا تقف عند حد ، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في خلق مزيج من التشوهات النفسية لديه ، والتي من شأنها أن تصنع منه  ذكر متجرد من الرجولة، ويظل يحارب في معركته ويصارع وإما أن يختار الانتصار كرجل واعٍ وهذا أمر ليس سهلاً في ظل مواجهة الأغلبية ، وإما أن يختار الطريق الأكثر سهولة، وهذا كله ينعكس بالضرورة على المرأة .

      وأخيرا وليس آخرا يظن أوجلان  أنه حان وقت اعتبار المرأة شريك فعال للرجل ذو فكر وأيدلوجية تمكنها من تحقيق المزيد مما هو أبعد كثيرا من حصرها فى أمومتها وأنوثتها البيولوجية .

      وربما على العالم توفير بيئة أكثر أمانا للمرأة، حتى لا تضطر مع مرور الزمن لإنكار أنوثتها التي تهب الحياة، ومحاولة التشبه بالرجل، كمحاولة بائسة منها لنيل بعض مزاياه في مجتمعه وحده، وسيظل الحلم قائم بعالم خالٍ من التعنيف النفسي، واللفظي، والجسدي للمرأة ، عالم خالٍ من التحرشات، والاعتداءات، والنظرات، والإيماءات، والاستغلال، غير أنه سيظل مجرد (حلم) .

قائمة المصادر والمراجع

عبد الله أوجالان:مانيفستو الحضارة الديموقراطية،ج5،ط3،مركز القاهرة للدراسات الكردية، 2016،

عبد الله أوجلان :مانيفستو الحضارة الديموقراطية، ج4،ط3،مركز القاهرة للدراسات الكردية،2016

www.almodon.com

www.bbc.com

[1] www.ajnet.me

www.fbi.gov،

www.unicef.org

raseef22.net

www.arabic.cnn.com

د.فوزية الدريع: الرجل الحيوان، منشورات الجمل، بغداد، 2009

مدخل إلى الجنولوجيا،ط2، أكاديمية جنولوجيا، 2020

The construction of beauty: a cross-cultural analysis of women,s magazine advertising.

د.محمد طه:ذكر شرقي منقرض،ط1،دار الشروق،القاهرة،2020

المغنى: موفق الدين أبي محمد عبد الله الحنبلي،تحقيق د.عبد الله عبد المحسن التركى،عبد الفتاح محمد الحلو،كتب التراث،2020

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى