المرأة

الحياة الندية: نحو مجتمع يرفض الهيمنة والاستغلال

تحليل: جاكلين جرجس

   من المؤكد أن طريق المساواة بين الرجل والمرأة لا يزال طويلًا وغير ممهد، خاصة وأن عقلية الرجل الشرقي تستنسخ نفسها مرارًا وتكرارًا، حيث يسعد الرجل بفرض هيمنته وسيطرته على المرأة، متوهمًا أنه الأقوى أو الأكثر حكمة والأكثر تعاطيًا مع المشكلات والتحديات، سواء في داخل الأسرة نواة المجتمع أو خارجها. بينما نعيش في عالم يئن تحت وطأة الأزمات المختلفة والحروب، باتت المساواة بين الجنسين حجر أساس في بناء اقتصاد مزدهر. كما تشير التقارير إلى أن هناك تحديًا خطيرًا يلوح في الأفق، وهو الحاجة إلى ما يزيد عن 360 مليار دولار سنويًا لسد فجوة المساواة بحلول عام 2030. وللخروج من هذا المأزق، حدد الأمين العام للأمم المتحدة خمسة ميادين رئيسية تتطلب تضافر الجهود: الاستثمار في النساء، القضاء على الفقر، اعتماد تمويل يستجيب لقضايا النوع، التحول نحو اقتصاد أخضر ومجتمع للرعاية، ودعم صانعات التغيير من الحركات النسوية، وعليه تتحقق تغيرات مهمة في المجتمع.

    وبالتوازي مع النشاط الشعبي والاجتماعي المطالب بالعدالة، يبرز نقاش واسع بين التيارات الفكرية والمدارس السياسية حول مفهوم العدالة وتعريفاتها وتوصيفاتها، إلى جانب ما يمكننا أن نسميه بمعركة المفاضلة بين مفهومي العدالة والمساواة، وأيهما يحقق ما تصبو إليه التجمعات المهمشة والفئات الأقل حظًا مثل النساء والأقليات الدينية والعرقية. وهنا يجدر بنا إلقاء الضوء على آراء القائد والمفكر عبد الله أوجلان، وهو أول قائد لحزب العمال الكردستاني عام 1978، وهو حزب يسعى لشكل من الاستقلال عن السلطة وبناء مجتمع يصفه بأنه “بيئي ديمقراطي متحرر”. لذلك كانت إحدى القضايا التي شغلته هي قضية حرية المرأة والحياة الندية، أي المتساوية بين الرجل والمرأة. يرى أوجلان أن علينا التخلي كليًا عن مفهومنا التملكي بشأن المرأة. وعلى المرأة أن تكون قائمة بذاتها، أي عليها أن تخرج نفسها من كونها تابعة ومملوكة. هكذا ينبغي أن يصاغ الشرط الأول للثورية والمناضلة. ومن يمر من هذه التجربة بنجاح، أي من يحقق الحرية في شخصيته بأحد المعاني، فسيكون بمقدوره إنشاء المجتمع الجديد والأمة الديمقراطية انطلاقًا من شخصيته المتحررة.

و من أقواله أيضًا :” إن الحياة العصرية السائدة تحولت إلى فخ يحيط كلياً بالمرأة التي هي أقدم عبد حيث أُقحمت المرأة في عهد الرأسمالية في وضع سيكون من الصائب وصفها فيه بـ” ملكة السلع ” ! و حيث كانت المرأةُ مُصِرّةً على البقاءِ حرةً رغمَ وطأةِ المجتمعِ الذكوريِّ الحاكمِ هذا، فعليها عندئذٍ أنْ تتَحَمَّلَ الوحدةَ الكُبرى والانزواءَ الأقصى، أو أنْ تحتمل مَشَقّاتٍ نضاليةً مليئةً بالكفاحِ الاشتراكيِّ الدؤوبِ في كلِّ لحظةٍ من لحظاتِه “.

    يؤكد هذا التعبير المجازى على النظرية التى طرحها أوجلان والتى تتعلق بالبحث عن حرية المرأة الكردستانية وتحقق من خلالها فكرة وجود الوطن الحر، إن أوجلان بطرحه لتلك النظرية الثورية المطالبة بحقوق المرأة الكردستانية يسعى إلى إعادة هيكلة البناء المجتمعى بما يشمله من قيم الحب والمساواة والحرية، والتى يُجسدها فى صورة المرأة ، فهو يرى أن المجتمع بما فيه من تخلف ورجعية كان نتاجاً لسلب إرادة المرأة ، فهو لا يرى أن الحب فى هذا المجتمع حباً حقيقياً ناتجاً عن مشاعر بين طرفين و وصفه بغريزة رخيصة يشبعها الرجل من المرأة دونما التفات لمشاعرها وكيانها الإنسانى ، وإن وصفت بالأم فيرتبط هذا بخدمتها للرجل ولبيتها فقط !.

   لذلك إن أردنا إعادة إحياء المجتمع الكردي، علينا أن نمر عبر بوابة حرية المرأة الكردية، واستردادها مكانتها المرموقة في المجتمع التي لعبت دورًا رياديًا فيه على مر العصور. وهذا ما أكده القائد عبد الله أوجلان، حيث كان أول من قام بطرح هذه الإشكالية وعرض العديد من الأفكار والنقاط من أجل قضية حرية المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، مناقشًا أهمية الحياة الندية التشاركية. كان هدفه الأساسي تعريف النساء بحقيقتهن وتحقيق العدالة بين المرأة والرجل، والتي بدورها تعني العدالة في المجتمع ككل. فقد رأى من خلال تحليلاته لشخصية المرأة أنها صاحبة إرادة قوية خلصتها من هيمنة الذكر، مؤكدًا أنه على المرأة إدراك دورها وقيمتها في الحياة الاجتماعية، وأن تعي معنى مصطلح المرأة كوجود إنساني. إذ بقدر ما تُعرَّف المرأة، يغدو تعريف الرجل أيضًا أمرًا واردًا. ومحال علينا صياغة تعريف صحيح للمرأة والحياة انطلاقًا من الرجل. ذلك أن الوجود الطبيعي للمرأة يتحلى بمنزلة محورية أكثر، الأمر كذلك بيولوجيًا أيضًا. لذا، فلجوء المجتمع الذكوري المهيمن إلى الحط من شأن المرأة وتهميشها إلى أقصى الحدود، ينبغي ألا يعيق استيعابنا لحقيقة المرأة وواقعها. فطبيعة الحياة مرتبطة أكثر بالمرأة، وإقصاء المرأة من الحياة الاجتماعية إلى آخر درجة يؤكد هذه الحقيقة ولا ينفيها.

لذلك علينا الاعتراف بأن الحياة الندية بين الرجل والمرأة أصبحت ضرورة، حيث يتساوى الجنسان في القيمة الإنسانية والفرص. من المؤكد أن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب جهودًا مشتركة، بداية من الحكومات والمجتمع المدني والأفراد، في عدة جوانب حياتية مثل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية أيضًا. كما يجب العمل على تقليص فجوة المساواة بين الجنسين، إذ تظهر الفجوة في الأجور والتمثيل السياسي والتعليم والعمل.

بعرض دراسة استقصائية دولية بشأن الرجل والمرأة والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلصت إلى أن غالبية الرجال، التي وصلت نسبتهم إلى 90 في المئة في بعض المناطق، توقعوا مصادرة حريات زوجاتهم، بداية من الملبس وحتى عدد مرات ممارسة الجنس. ووفقًا للمسح، يعتقد نحو نصف الرجال أو أقل أن النساء المتزوجات يجب أن يكون لهن نفس الحقوق في العمل مثل الرجل. وفي الوقت ذاته، قالت غالبية المستطلع آراؤهم في الدول الأربع إنهم سيقبلون أن يكون مديرهم في العمل امرأة.

ومع ذلك، ذكر المسح أن الرجال على استعداد للقبول بعمل المرأة طالما بقي هو معيل الأسرة وظلت هي المسؤولة الرئيسية عن رعاية الأسرة في البيت. وأظهر أكثر من 4830 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 59 عامًا دعمًا لبعض أبعاد المساواة بين الذكور والإناث. ويقول التقرير إن هؤلاء الرجال اتفقوا على ضرورة سن قوانين لحماية حقوق المرأة ودعم توليها مناصب قيادية، لكنهم قالوا إن عليها قضاء وقت أكثر في رعاية أطفالها.

ومن الملفت للانتباه في عملية المسح أن النساء أنفسهن دعموا بعض الأفكار التقليدية بشأن أدوار الذكور والإناث. حيث وجد أكثر من 70 في المئة من النساء، على سبيل المثال، قالوا إنهن يريدن الحق في العمل، لكن الغالبية منهم اتفقن كذلك على أنه إذا كانت فرص العمل قليلة، فإن الأولوية يجب أن تكون للرجال.

ومن خلال هذه الدلائل وما تقدم منها، نستطيع الارتكاز على أهمية نداء أوجلان بالحياة الندية التشاركية. بالرغم من أنه مفهوم جديد في الشرق الأوسط بشكل عام، إلا أنه نابع من فكرة المساواة والعدالة بين المرأة والرجل التي من الضروري تطبيقها في المجتمع. حيث أن فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” التي تبناها أوجلان كانت مصدر إلهام للنساء في الشرق الأوسط، ما دفعهن إلى النهوض لمواجهة الأنظمة القمعية، كما هو الحال في إيران، حيث تواجه النساء القتل والإعدام لمجرد المطالبة بحقوقهن. وإن الحل يكمن في التحول إلى نظام ديمقراطي تعددي يضمن مشاركة المرأة وكافة القوميات في إدارة شؤون البلاد.

   صحيح ليس هناك قاعدة عامة نستطيع تطبيقها على كل المجتمعات لكن من مميزات فكر أوجلان عن الحياة الندية أن المساواة تعزز من قيمة الأفراد بغض النظر عن الجنس أو العرق ، كما أنها تعطى فرصة للتضامن و التشارك بين أفراد المجتمع فتتحقق الحرية الفردية و الجماعية من خلال المشاركة فى صنع القرار و عليه تعيش المجتمعات فى حالة متوازنة من خلال العدالة الاجتماعية .

   و عليه أثمن كفاح المرأة الكردية التى لم تكتفِ بالعمل داخل سوريا فقط ، بل باتت تمثل نموذجاً للتحرر النسوي على المستوى العالمي، حيث أصبحت تساهم في تشكيل سياسات تضمن حقوق النساء في المجتمعات التي تعاني من القمع والتمييز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى