من استهداف النووي إلى إسقاط النظام.. حدود القوة الإسرائيلية ومآلات التصعيد الإيراني

تحليل: شروق صابر – في خضم التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، يتكشف بوضوح المسار الذي تتبناه الولايات المتحدة، والمتمثل في دفع طهران نحو مفاوضات توقع فيها إيران ما يشبه “وثيقة استسلام نووي”، تتخلى بموجبها نهائيًا عن طموحاتها في هذا المجال. وفي المقابل، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى هدف أكثر تطرفًا، يتمثل في الإطاحة الكاملة بنظام “الولي الفقيه” عبر ضرب مفاصل البرنامج النووي الإيراني وشل بنيته الدفاعية والسياسية. غير أن كلا الهدفين، على طموحهما، يصعب تحقيقهما من دون انخراط مباشر وفعلي من واشنطن في العمليات العسكرية، وهو ما يطرح علامات استفهام حول حدود التورط الأمريكي واستعداده للذهاب إلى هذا الحد.
وسط هذا المشهد المضطرب، تبرز تساؤلات عديدة: كيف ومتى يمكن لهذا التصعيد أن يتوقف؟ وهل تمتلك إسرائيل فعليًا القدرة على إسقاط النظام في طهران، أم أن ذلك يظل رهين الأمنيات السياسية لا الواقع الاستراتيجي؟ ثم، إلى أي مدى يمكن لهذا الصراع أن يتجاوز نطاقه الثنائي ليعيد خلط أوراق الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط؟
إسرائيل.. هل الهدف إسقاط النظام؟
منذ بدأ الهجوم الإسرائيلي الأول في هذا التصعيد ضد إيران يوم 13 يونيو 2025، كان متوقعًا أن تسير الأجواء داخل إيران وفقًا لسيناريوهين. الأول: أن تشكل هذه الأزمة حافزًا لتعزيز التلاحم الشعبي والالتفاف حول القيادة، في محاولة جماعية لتجاوز المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، فالشعب الإيراني الذي تحمل وطأة العقوبات الاقتصادية طيلة العديد من السنوات، لم يكن الهدف من وراء صبره هذا مجرد الصمود أمام ضغوط الخارج، بل للدفاع عن ما يعتبره مشروعًا قوميًا سياديًا وهو “البرنامج النووي”، ويمكن القول أنه السيناريو المتحقق الآن في إيران. والثاني: أن ينتج عن هذا التصعيد تصاعد للتوترات في الشارع الإيراني، حيث تبدأ الأسئلة حول قدرة النظام على حماية مصالحه الوطنية وأمنه القومي في أن تصبح موضوعًا حيويًا للنقاش الشعبي. وقد حاولت إسرائيل والمعارضة الإيرانية استثمار السيناريو الثاني على النحو التالي:
– كشف حجم الاختراق الأمني: منذ اللحظة الأولى للهجوم، كان واضحًا أن تل أبيب قد سعت إلى إحراج النظام الإيراني على الصعيدين الداخلي والدولي، مستغلة الفرصة لكشف حجم الاختراق الأمني الذي طال المؤسسة الإيرانية. ففي خطوة غير مسبوقة، عرضت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورًا قالت إنها لعملاء من الموساد وهم يقومون بتركيب أنظمة أسلحة هجومية داخل إيران، مما أبرز عمق الاختراق الأمني وسهولة الوصول إلى مواقع حساسة داخل الأراضي الإيرانية.
أيضًا أظهرت العملية مرحلة جديدة في طريقة جمع المعلومات الاستخباراتية، حيث ركزت الهجمات على شخصيات بعينها، مثل قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس الأركان محمد باقري، بالإضافة إلى علماء نوويين بارزين، مثل فريدون عباسي دواني. فتسريب المعلومات الدقيقة عن تحركات هذه الشخصيات رغم حالة التأهب التي استمرت لأشهر يعكس اختراقًا استخباراتيًا عميقًا لبنية النظام الإيراني، كما يكشف عن حجم التحدي الذي يواجهه النظام في الحفاظ على سرية مواقعه القيادية وأمن قياداته. فهذا الاختراق لم يكن ليحدث لولا وجود شبكات تجسس ميدانية متطورة، فضلًا عن التفوق التقني في مجالات المراقبة والرصد.
– محاولة حشد الشعب الإيراني: حاولت المعارضة الإيرانية في أعقاب الهجوم الإسرائيلي استغلال الموقف لإشعال شرارة داخلية، ودفع عناصر من الجيش أو الأمن نحو التمرد أو على الأقل التردد في الولاء للنظام. استنادًا إلى قناعة بأن النظام الإسلامي هش داخليًا رغم مظهره الصلب خارجيًا. وناشد رضا بهلوي نجل شاه إيران الراحل يوم 13 يونيو 2025، قوات الأمن في البلاد “الانشقاق عن الدولة التي يحكمها رجال الدين”، معربًا عن أمله في الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية بعد الضربات العسكرية التي شنتها إسرائيل. كما قام بوصف خامنئي بأنه من “جر إيران إلى الحرب” في محاولة لنزع الشرعية الدينية والسياسية عنه، خاصة في ظل التوتر الشعبي الناتج عن الضغوط الاقتصادية والعزلة الدولية. هذا بجانب المحاولات الإسرائيلية للدفع في هذا الاتجاه، حيث صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يوم تنفيذ عملية “الأسد الصاعد”، إن “النظام الإيراني لم يكن قط أضعف مما هو عليه الآن، وهذه فرصة للشعب الإيراني للوقوف في وجهه”، في محاولة إسرائيلية لتأليب الرأي العام الإيراني ضد قيادته وضرب تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية في لحظة حساسة تشهد فيها البلاد ضربات موجعة.
من أجل ممارسة المزيد من الضغوط التي تهدف إلى تقويض شرعية النظام أمام المواطنين، استمرت الضربات الإسرائيلية والتي لا تستهدف فقط البرنامج النووي بل طالت حتى “مبنى الإذاعة والتلفزيون” والتي تعتبرها إيران أداة رئيسية للسيطرة على الخطاب الداخلي وتحريض الخارج، لذا فاستهدافها يأتي لإضعاف هذه الآلة الدعائية، ويخلق حالة من الذعر لدى المواطنين، فضلًا عن نزوح واسع من العاصمة.
ويمكن القول أن النظام الإيراني استوعب تلك التهديدات سريعًا، بدا ذلك من خلال استيعابه سريعًا لتلك الضربة، وإيجاد بدائل سريعة للقادة الذين استُهدفوا، حتى أنه استطاع سريعًا أيضًا توجيه ضربة للداخل الإسرائيلي وقد كان هذا الرد الإيراني مفاجئًا في قوته وسرعته حيث أحدث “تغييرًا جذريًا” في المزاج العام داخل إسرائيل، وخلق صدمة عميقة داخل المجتمع والنخبة السياسية والعسكرية على حد سواء.
إيران مستعدة منذ فترة لطرح البديل
راهنت إسرائيل على أن يخلق تصعيدها الحالي تجاه إيران، صدمة تقنع الفئات المؤثرة سواء في الجيش أو الاقتصاد إن النظام لم يعد قادرًا على الصمود، وأن يقضي هذا بجانب وجود جيل إيراني شاب لديه نزعة كبيرة للتمرد على السلطة التقليدية للملالي بإسقاط النظام.
لكن تعد خلافة خامنئي، من القضايا التي تشغل الرأي العام الإيراني على الدوام، لذا كان موضوع الخلافة في واجهة المناقشات لدى الأوساط السياسية في إيران. في خضم تصاعد التقارير الإعلامية عن صحة المرشد الأعلى آية علي خامنئي (86 عامًا)، وتأثير وفاة الرئيس السابق آية الله إبراهيم رئيسي الذي كان ينظر إليه في طهران على أنه خليفة محتمل للمرشد الحالي، فضلًا عن التوترات الإيرانية الإسرائيلية في الفترات الأخيرة والتي كانت تُنذر بما تحقق الآن بقيام إسرائيل بتوجيه ضربة نحو إيران واغتيال خامنئي تمهيدًا لسقوط النظام بعد توقع حدوث انتفاضة شعبية في حال غيابه المفاجئ.
لذا تم خلال الفترات الأخيرة عملية البحث واختيار المرشد الأعلى الثالث لإيران، والتي تخضع لآليات دستورية دقيقة، ترتكز على سرية التحضيرات الأولية عبر إعداد لجنة سرية من مجلس خبراء القيادة قائمة المرشحين المحتملين للقيادة، وقيامها بتقييم وفحص مؤهلاتهم بشكل دوري بكامل السرية، فحتى الأفراد المحتملين للقيادة لا يعرفون بوجود أسمائهم في القائمة التي تعدها اللجنة السرية، كما لا يعرف أحد في إيران تركيبة أفراد اللجنة القائمة على دراسة الأشخاص المؤهلين للقيادة لتحييد الضغوط عنهم. وأشارت التقارير حينها أن مجلس الخبراء اختار ثلاثة أشخاص لخلافة المرشد الأعلى، وفقًا للأولويات، لكن أسمائهم سرية. إلا أنه من المتوقع أن تكون تلك الشخصيات هم:
– مجتبى خامنئي: الابن الثاني للمرشد علي خامنئي، وأكثر أبنائه انخراطًا في السياسة، حيث يصفه أنصار التيار المحافظ بـ”الفقيه المتميز” والمتمرس في إدارة المؤسسات القيادية الكبرى بحكم قربه من مكتب المرشد الأعلى في البلاد. فهو الابن الوحيد من أبناء خامنئي الذي أعلن عن تجهيزه لتولي القيادة، ويلعب دورًا كبيرًا في إدارة الشؤون الكبرى للنظام الإيراني منذ 27 عامًا وبموافقة والد، ما يجعله المرشح الأوفر حظًا.
– علي رضا أعرافي: نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، عضو مجلس صيانة الدستور، وإمام جمعة قم، والذي يعتبر من الشخصيات المؤثرة في الحوزة العلمية؛ حيث تزيد مكانته البارزة في هيكل السلطة من احتمال اختياره خليفة لـ “خامنئي”.
– هاشم حسيني بوشهري: نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، رئيس جمعية مدرسي الحوزة العلمية في قم، والذي يجعله قربه من خامنئي، وتوليه مناصب مهمة، خيارًا ممكنًا.
هذا فضلًا عن وجود عدة أسماء أخرى مطروحة لتولي المنصب مثل: علي الخميني وحسن الخميني، وهما من أحفاد مؤسس النظام الإيراني المرشد السابق “الخميني”، إلا أن فرصهما ضعيفة، بسبب غيابهما عن هيكل السلطة العليا الحالي.
ويمكن القول إن العملية التي ستجري خلف الأبواب المغلقة لمجلس الخبراء ستكون حاسمة في رسم مستقبل الجمهورية الإسلامية، حال غياب المرشد الأعلي عن المشهد.
حدود تحركات إيران
تستشعر إيران أنها تقترب من لحظة مفصلية، قد تفرض عليها انتهاج خيارات غير تقليدية، تتراوح بين تصعيد في الممرات المائية، كإغلاق مضيق هرمز، إلى عمليات تشمل الهجمات السيبرانية أو استهداف المصالح الأمريكية عبر وكلائها الإقليميين. هذا التوجه يعكس تصميمًا إيرانيًا على منع أي محاولة لعزلها أو تقويض نفوذها الإقليمي دون رد مكلف.
– التهديد بإغلاق مضيق هرمز: يعد مضيق هرمز شريانًا حيويًا للطاقة العالمية، حيث يمثل ممرًا استراتيجيًا حيويًا في نقل النفط والغاز الطبيعي، ويعد السيطرة عليه أو تهديد إغلاقه أداة ضغط قد تستخدمها إيران في حالة استمرار التوترات العسكرية والضغوط السياسية عليها. يمر عبر المضيق نحو 20 مليون برميل من النفط يوميًا، مما يشكل حوالي خمس الإنتاج العالمي، إضافة إلى كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال.
ولطالما وظفت إيران التهديد بإغلاق مضيق هرمز كأداة ضغط سياسية في مواجهة الضغوط الغربية، دون أن تُقدِم فعليًا على تنفيذ هذا التهديد، وهو ما جعله ورقة ردع أكثر منه خطوة فعلية. ومع تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة، خاصًة في ظل المواجهة المحتدمة مع إسرائيل واحتمالات انزلاقها إلى صراع إقليمي أوسع، تتزايد المخاوف من أن يتحول المضيق إلى مسرح مباشر للمواجهة. فقد يأخذ التصعيد أشكالًا متعددة، تشمل هجمات بحرية على السفن العابرة، أو عمليات إلكترونية تستهدف البنية التحتية الملاحية، كما قد تشمل هذه السيناريوهات زرع الألغام البحرية، أو حتى احتجاز السفن كرسائل استراتيجية مدروسة، مما يُنذر بتداعيات إقليمية ودولية معقدة.
فقد استخدمت إيران بالفعل بعض هذه الأساليب خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات، حيث تسببت في اضطرابات كبيرة في حركة الملاحة البحرية، رغم أنها لم تتمكن من إغلاق المضيق بشكل كامل. ومع ذلك، تمكنت إيران حينها من زيادة تكلفة تأمين شحنات النفط بشكل ملحوظ، مما أثر بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية. وعلى الصعيد العسكري، أظهرت إيران قدرة كبيرة على تعزيز حضورها في هذه المنطقة الحساسة، فقبل وفاته وصف قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، الخليج العربي والمناطق المحيطة به بأنها “إحدى أهم مناطق الدفاع” لإيران. كما أشار إلى تطوير زوارق هجومية سريعة مزودة بصواريخ قادرة على قطع مسافة عشرة كيلومترات في أقل من ثلاث دقائق، مما يعكس تعزيز قدرة إيران على تنفيذ عمليات دفاعية باستخدام مزيج من الأسلحة المتطورة.
إن تداعيات إغلاق مضيق هرمز ستكون فورية وعميقة، فقد تكون خطوة بمثابة أداة ردع قوية، لا تختلف في تأثيرها عن امتلاك إيران لسلاح نووي، بالنظر إلى تداعياته الكبرى على الاقتصاد العالمي؛ إذ من المتوقع أن يرتفع سعر النفط بشكل حاد، مما يفاقم من الضغوط الاقتصادية العالمية. إضافة إلى ذلك، سيتسبب إغلاقه في تأخيرات كبيرة في تسليم الشحنات، مما يزيد من تعقيد سلاسل الإمداد العالمية. وقد يؤدي هذا الوضع إلى تصعيد أوسع، قد يشمل تدخلات عسكرية مباشرة من قوى دولية، مثل الولايات المتحدة، مما يفاقم من حدة التوترات الإقليمية والدولية.
– التهديد بالإنسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي: أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية يوم 16 يونيو 2025، أن البرلمان يدرس مشروع قانون للانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وتقوم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي انضمت إليها إيران عام 1970، على معادلة واضحة؛ السماح للدول بتطوير برامج نووية لأغراض سلمية، مقابل تعهد دائم بعدم السعي لامتلاك أو إنتاج أسلحة نووية، والخضوع الكامل لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولا تزال إيران تصر في خطابها السياسي على رفض تطوير أسلحة نووية، وتستند إلى فتوى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بتحريم السلاح النووي.
إلا أن إيران، ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، ارتفعت التقارير التي تشير إلى أنها تنتهك تدريجيًا التزاماتها، إلى أن وصلت إلى تخصيب اليورانيوم بمستوى يتجاوز 60%، وهو مستوى يقترب من العتبة اللازمة لصناعة الأسلحة النووية. لذا فسيعد انسحاب إيران من المعاهدة إعلانًا صريحًا عن نهاية الالتزامات القانونية المتعلقة بالسلمية، ما يفتح الباب أمام إجراءات دولية أكثر تشددًا، سواء عبر إعادة عقوبات الأمم المتحدة أو عبر عمل عسكري استباقي من قبل خصومها الإقليميين والدوليين.
يشكل تلويح إيران بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPTبمثابة تحدٍ مباشر للنظام الدولي للحد من التسلح، ما قد يُضعف هيبة المؤسسات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع خروج إيران المحتمل من إطار المعاهدة، يصبح سيناريو امتلاكها لسلاح نووي أكثر واقعية من أي وقت مضى، إذ يُتيح لها المضي قدمًا في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عسكرية من دون أي التزامات رقابية أو تفتيشية، ما يفتح الباب أمام سباق نووي إقليمي، ويضع المنطقة والعالم على حافة منعطف بالغ الخطورة.
– شد العصب الشيعي الإقليمي : تُظهر إيران أنها ما تزال تحتفظ بقدرتها على الاعتماد على أذرعها الإقليمية، رغم الضربات المتلاحقة التي وجهتها إسرائيل لمحور المقاومة منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر. ويتجلّى هذا التوجه في الرسائل الرمزية والسياسية التي تبعث بها طهران إلى حلفائها في الإقليم، مؤكدة استمرار التنسيق ووحدة المعركة.
وقد تجسد ذلك بوضوح في الهجوم الواسع الذي شنته إيران على إسرائيل، والذي أطلقت عليه اسم “الوعد الصادق 3″، ورمزها: “يا علي بن أبي طالب في الليلة المباركة من عيد الغدير”. حيث جاء الهجوم ليلة “عيد الغدير” وهو من أهم المناسبات في العقيدة الشيعية، حيث يعتقدون أنه “اليوم الذي أعلن فيه النبي محمد ﷺ ولاية الإمام علي”. ويمثل نداء “يا علي” في الثقافة الشيعية رمزًا للبطولة والنصرة الإلهية، ويُستخدم في المعارك بوصفه دعاءً واستمدادًا للعون من الإمام علي، الذي يُعتبر في التشيع رمز العدل والشجاعة والولاء. مما يضفي على العملية بعدًا عقائديًا يربط بين الإرادة الإلهية والرد العسكري، حيث افتُتحت العملية بنداء “يا علي بن أبي طالب”، في رسالة موجهة إلى الداخل الإيراني مفادها أن الرد ليس مجرد رد انتقامي، بل هو تجسيد لعقيدة المقاومة والصبر والثأر المقدس.
وفي مرحلة لاحقة من تطور الأحداث، لن تتوقف إيران عن إرسال رسائل مشحونة بالرمزية الدينية والتاريخية والسياسية، حتى من خلال المرشد الأعلى “علي خامنئي” وذلك عبر التدوينة المنشورة له على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أرفقها برسم لشخص يحمل سيفًا أمام حصن، قائلًا: ” باسم حيدر تبدأ المعركة علي يعود إلى خيبر بذو الفقار”. فـ “حيدر” هو أحد ألقاب الإمام علي بن أبي طالب ويعني “الأسد”، كما أن “خيبر” هي معركة مشهورة في التاريخ الإسلامي، والتي يرى الشيعة أن الإمام علي قاد فيها فتح الحصون اليهودية في خيبر، ويعدونها من أبرز انتصاراته. أما “ذو الفقار” فهو اسم السيف الأسطوري المنسوب للإمام علي، ويرمز إلى الشجاعة والعدالة والقوة، ويُعتقد أن هذا السيف كان له فضل كبير في انتصاراته في المعارك، ويُعتبر رمزًا دينيًا مهمًا في المذهب الشيعي. ما يعني أن المعركة الحالية بين إيران وإسرائيل تشبه فتح خيبر من قبل الإمام علي. وأن القيادة الإيرانية ترى نفسها الآن في موقف بطولي ضد عدو يشبه أعداء الإسلام في خيبر. بالتالي فأي ضربة أو رد توجهه إلى إسرائيل هو امتداء لبطولات الإمام علي. مما يجعلها أشبه بـ”جهاد مقدس” وليس مجرد عمل عسكري، في محاولة لشد العصب الشيعي الإقليمي، من العراق إلى لبنان واليمن.
ختامًا،تمثل الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل لحظة فارقة في مسار إعادة تشكيل معادلات التوازن الإقليمي، وفي هذا السياق المضطرب، تصبح الأيام القليلة القادمة بمثابة اختبار حاسم لاتجاهات الصراع، وحدود التصعيد، وإمكانية احتوائه أو انفلاته نحو مآلات أكثر خطورة.