الوعي الشعبي والأزمة الثقافية في الشرق الأوسط

تحليل: د. فرناز عطية .. لا يخفى على المتابعين للشأن الثقافي والسياسي مدى الارتباط الوثيق بين مفهومي “الوعي الشعبي” و”الثقافة”، لاسيما مع ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تدهور في مستوى الوعي الشعبي الذي خلف وراءه أزمة ثقافية تعاني منها كافة الدول الشرق أوسطية، وفيما يلي سنتطرق لمحددات العلاقة بين كلا المفهومين، وحالة المفهومين في الوضع الراهن في دول المنطقة، والأزمة الثقافية وكيفية تخطيها برفع مستوى الوعي الشعبي.
أولاً: مفهوم الوعي الشعبي:
الوعي (Awareness)مصطلح غني بالمعاني والدلالات، وفي قواميس اللغة العربية، نجد أن كلمة “وعَي” تعني حفظ الشيء وفهمه وقبوله، ونستنتج من ذلك أن الوعي مرتبط بامتلاك المعرفة وفهمها، كما أنه يتضمن التفاعل مع هذه المعرفة سواءً بشكل إيجابي أو سلبي، ويشير الوعي اصطلاحًا إلى أنه هو الحالة العقليّة والإدراكية التي يتم من خلالها إدراك الواقع عن طريق اتّصال الإنسان واحتكاكه مع المحيط الذي يعيش فيه، سواءً كان هذا الواقع ملموساً أو محسوساً، بما في ذلك إدراك العلاقات الشخصية والاجتماعية والإنسانية التي تتفاعل مع هذا الواقع وتتأثر به، وهذا التواصل مع البيئة، هو الذي يخلق لدى الإنسان حالة من الوعي بما يجري من حوله، ويمنحه القدرة على إدراك الأمور وتقييمها، ومن هنا يمكننا القول بأنّ الوعي مرتبط بالطبيعة والعقل (وبالتالي بالعِلْم) ارتباطاً قوياً[1]، وكذلك يمكن تعريف الوعي بأنه: هو المحصول الفكري الذي ينضوي عليه عقلُ الإنسان وقدرته على قراءة المعلومات والمعطيات وفهمها وصولاً إلى تكوين وجهات النظر المختلفة والمتعلقة بالقضايا التي يعايشها بكافة مستوياتها: الفردية والاجتماعية والسياسية والفكرية والإنسانية[2]، والوعي هو أساس المعرفة والفهم حول أي موقف أو قضية أو موضوع، ويتم بناؤه من خلال المعلومات والخبرة، حيث إنه الشرارة التي تشعل العمل، وتدفع التغيير، وتشكل كيف نرى ونستجيب للعالم من حولنا في مجتمعنا المتصل اليوم، أصبح خلق الوعي أداة حاسمة لمعالجة الكثير من التحديات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي تؤثر على مجتمعاتنا. [3]
مستويات الوعي: [4]
هناك مستويين من الوعي:
- الوعي الفردي :خاص بالفرد أو الشخص نفسه.
- الوعي الشعبي: وهو وعي جمعي وعام، خاص بالشعوب والجماهير.
وهنا يعمد المنظور الرأسمالي إلى الفصل بين هذين المستويين فصلاً تعسفياً: بين المجتمع والذات، والشعبي الجماعي والفردي، وبين الحياة العامة والخاصة، وبالتالي فإن الوعي الشعبي تنبع أهميته من كونه المُوحِد والضامن للفعل الشعبي/الجماهيري، ومن دوره في ترسيخ الأهداف والثوابت الأساسية للنضال الاجتماعي والطبقي ومصالح الأكثرية الشعبية (الطبقات الشعبية) وتأصيل لفكرة الهوية والمقاومة.
الوعي الشعبي Public Awareness))
فيعرف على أنه: الفهم والإدراك الجماعي للقضايا المتباينة السياسية والاجتماعية، أو الشواغل البيئية، أو قضايا الحقوق المدنية بين عامة الناس، ويلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام، وتعبئة المجتمعات، والتأثير على القرارات السياسية، عندما يكون الناس على دراية ومشاركين، يمكنهم الدعوة إلى التغيير، والمساهمة في الحركات التي تعالج أوجه عدم المساواة وتعزز الرعاية البيئية، ويعرف الوعي أيضًا بأنه مجموعة الطبائع والأمزجة النفسية التي شكلت وجدان فئة بعينها من الناس، كذلك عرف الأديب” توفيق الحكيم” في كتابه (فن اﻷدب) الوعي الشعبي بأنه: هو شعور الجماعة نحو موقف من المواقف، وقرارها إزاء مسألة من المسائل، وهذا الشعور وهذا القرار ينبعان فجأة وفي الوقت بعينه، كأنهما خارجان من قلب واحد وعقل واحد، كأنما هذا الرأي العام إذًا كائن مستقل، يخلق ويحبو وينمو، إلى أن يصبح قوة ناضجة محركة وموجهة تؤثر في الدولة والمجتمع)، وقوله (من اليسير أن نجد الشعور العام الموحد… ﻷن الشعور العام يصدر عن الضمير، والضمير قلما يختلف بين إنسان وإنسان)، أما “أفلاطون” فقد صاغ تصوراً منطقيا محكماً عن عالم متكامل تماماً، هو عالم مثالي، ولكنه عالم تجريدي مفارق لعالمنا الواقعي إلا أنه بالرغم من هذه المفارق قد جعله (أفلاطون) مهيمناً ومدبراً وذا سلطة عليا على عالمنا الواقعي، بحيث لا يمكن لديه حكم الجمهورية على اﻷرض إلا بقوانين العالم المثالي الفاضل، إذاً فاﻹدراك مع البناء العقلي المنطقي مع الفهم هو ما يؤلف (الوعي)، وهذا الوعي هو متلازمة الشعب، ونوع الوعي هو الذي يميز بين شعب وآخر. [5]
الوعي الشعبي وجدلية الثابت والمتحول
كما ذكر (جيلبرت رايل) يمكن التعرف على مفهوم الوعي الشعبي وخصائصه من خلال عرض جدلية (الثابت) و(المتحول) وفق الدلالة المنطقية اﻷولية لكل منهما، حيث أن الثابت منطقيًا هو (العلاقة) relation القائمة بين متغيرات وهي المحدد للحكم على القضية التي تشمل هذه المتغيرات كما أنها تحدد شكل القضية التي ترد فيها هذه المتغيرات على وجه العموم، فثابت القضية المنطقية: هو اﻷرض التي تتعاقب عليها العوامل والمفردات المتغيرة دون أن تتغير هي، وعلى هذا اﻷساس يمكن هنا تنزيل هذه الدلالة للثابت المنطقي على الصورة التكوينية بالنسبة لما هو شعبي وهو هيئة الشعوب والقبائل، وتفسير ذلك أن كلمة (شعب) وكلمة (قبيلة) تمثل كل منها علاقة ثابتة تجمع وتأطر (متغيرات) variables هم (الأفراد) و(الشخوص) في سمات مشتركة تلزم بالضرورة من يتحدث عنهم تصنيفهم جملةً واحدة بما يميزهم عن غيرهم، وعلى الأغلب يصطلح لذلك التصنيف تسمية عرفية تلصق بالشعب المعين أو القبيلة المعينة، أما من جهة الاختلاف بين (شعب) و(قبيلة) فيمكن القول انه محض اختلاف كمي اعتباري أو تقديري – فكلما صغرت الوحدة الاجتماعية كلما كانت الروابط والسمات بين أفرادها أشد وأقوى بنحو أقرب إلى الشكل الأسري أو العائلي؛ وبالتالي فإن الفرد في انتمائه إلى شعب أو قبيلة يكون هذا الانتماء حتمياً وضرورياً لا محالة[6].
أما المتغير هنا فهو الريح التي تمر على الأرض الواحدة تغدو ولا تعود، ومياه نهر (هيراقليطس) المتجددة إلى ما لا نهاية بين ضفتين ثابتتين، ويمكن أن يشمل ذلك على المستوى الثقافي كل العوامل والعناصر التي تطرأ على الأصول المزاجية والتكوينية لشعب ما، ويمكن هنا اعتماد كلمة (شعب) لتشمل في داخلها مفهوم القبيلة باعتبارها كلمة تدل على دائرة كبرى تتضمن داخلها دائرة صغرى بكون القبيلة حالة من حالات الشعب، على هذا الميزان، ووفق منطق أن الضد يظهر حسنه الضد، ففي النقطة التي تبلغ عندها ردة فعل شعب معين على ثقافة وافدة عليهم بما يميز مزاج وتكوين هذا الشعب هي بالضبط النقطة التي عندها يمكن وصف سمة (الوعي الشعبي) لديهم، وهي حالة – أي الوعي الشعبي – تبعد تماماً عن كونها حالة لاوعي وإن بدت في صدورها عن الأشخاص على نحو من التلقائية والاندفاع ما يوحي لأول وهلة أن الذي يتحدث هو اللاوعي أو العقل الباطن وليس الوعي أو العقل الواعي. [7]
وهنا نختلف عن رأي “جوستاف لوبون” في نموذجه (سيكولوجية الجماهير)، إذ أنه كان أقرب في تناوله لوعي الجماهير إلى نوع من البنيوية التي ترهن العناصر المفردة إلى الكل أو الاطار الكلي الى الدرجة التي لا تسمح بالحرية الكافية لهذه العناصر المفردة فتسير بصورة حتمية لا إرادية تحت هذا الاطار الكلي، فالوعي الشعبي هنا يعبر عن حالة (الوعي الارادي القصدي) التي أسس (إدموند هوسرل) عليها منهجه في الفينومينولوجيا – فهذا الوعي القصدي يركز به الإنسان الانتباه نحو موضوع محدد ثم يجري عليه عمليات (العقل الحسابي) reason من استنباط واستقراء، وأيضاً يجري عليه عمليات (العقل الانفعالي) mind من ردود الأفعال والتفاعلات النفسية والابداعية، وكلتا العمليتين هما مما يؤلف الحكم على الموضوع كما يؤلف التعبير عن هذا الحكم بقضايا لغوية وعمليات فنية، ويمكن الملاحظة في هذا الحيز فيما يتعلق بالوعي الشعبي أن عمليات العقل الانفعالي فيه هي ما يمثل الثابت، بينما يكون المتحول المصاغ على مقتضى الثابت هو ما ينقلنا بصورة نسقية systematic إلى المبدأ الآخر في تأليف الوعي الشعبي. [8]
ثانيًا: مفهوم الثقافة (Culture)
تُعرّف الثقافة لغة على عدّة أوجه، وتعني العمل السيف، والثقاف هي الخشبة التي تُسوَّى الرماح بها، فعند قول جملة (تثقيف الرماح) يعني تسوية الرمح بآلة الثقاف، ومن جهة أخرى تُعرَّف الثقافة على أنّها الفطنة، فعند القول (ثقف الرجل ثقافة) يعني أنّه صار رجلاً حاذقاً وذا فطنة، وتعني كلمة ثقافة، كل ما يضيء العقل، ويهذب الذوق، وينمي موهبة النقد، وباشتقاق كلمة ثقافة من الثقُّف يكون معناها الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة، والشخص ذو الاطلاع الواسع يُعرَف على أنّه شخص مثقّف. [9]
أما اصطلاحًا تعرف الثقافة بأنها: نظام يتكوّن من مجموعة من المعتقدات، والإجراءات، والمعارف، والسلوكات التي يتمّ تكوينها ومشاركتها ضمن فئة معينة، والثقافة التي يكوّنها أيّ شخص يكون لها تأثير قوي ومهم على سلوكه، وتدلّ الثقافة على مجموعة من السمات التي تميّز أيّ مجتمع عن غيره، منها: الفنون، والموسيقى التي تشتهر بها، والدين، والأعراف، والعادات والتقاليد السائدة، والقيم، وغيرها [10].
وتعرف أيضًا بأنها:
سلوك اجتماعي ومعيار موجود في المجتمعات البشرية، وتعدّ الثقافة مفهومًا مركزيًا في الأنثروبولوجيا، تشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الاجتماعي في المجتمعات البشرية، وبعض جوانب السلوك الإنساني، والممارسات الاجتماعية مثل الثقافة، والأشكال التعبيرية مثل الفن، الموسيقى، الرقص، الطقوس، والتقنيات مثل استخدام الأدوات، الطبخ، المأوى، والملابس هي بمثابة كليات ثقافية، توجد في جميع المجتمعات البشرية[11].
تحتضن الثقافة طيفاً واسعاً يمتد من المعالم التاريخية التي نعتز بها والمتاحف إلى ممارسات التراث الحي وأشكال الفن المعاصر، وتترك بصمتها في حياتنا بطرق لا حصر لها، وتساعدنا في تشييد مجتمعات شاملة، مبدعة وقادرة على التأقلم[12].
وقد اختلف المفكرون والدارسون في رؤيتهم وفي تعريفهم لمفهوم (الثقافة)، فقد عرّف مالينوفسكي (Malinowski) [13]الثقافة على أنّها وسيلة تحسّن من وضع الإنسان، حيث يستطيع مواكبة التغيُّرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية، أما تايلور(Taylor) فعرفها بأنها: نظام متكامل يشتمل على كلٍّ من المعرفة، والفن، والقانون، والعادات والتقاليد، والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع، وحاول سايبر (Saper) الوصول لمفهوم شامل للثقافة؛ لذا وضع ثلاثة تعريفات تُكمّل بعضها البعض، وهي كما يأتي:
- أيّ صفة يتّصف بها الإنسان يكون مصدرها الإرث الاجتماعي. [14].
- مجموعة من الأفكار والمعلومات والخبرات التي تنتشر في مجتمع ما بسبب التأييد الاجتماعي لها، ويكون أساسها التراث.
- مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحياة والاتجاهات العامة ومظاهر الحضارة التي يتميّز بها شعب ما، وتُكسبه مكانة خاصة في العالم.
وبالنسبة لكلايد كلوكهون (Clyde Kluckhohn) عرَّف الثقافة على أنّها إرث اجتماعي وصل إلى الأفراد من المجتمع الذي ينتمون إليه، والذي خلّف أساليب حياة الشعوب التي عاشت في ظلّ ذلك المجتمع، بمعنىً آخر هي المعلومات التي خزنها الشخص في كتبه، أو حتى في ذاكرته، ومن زاوية أخرى ترى ليزلي هوايت (WHITE) الثقافة على أنّها وسيلة تساعد الأفراد على تنظيم معتقداتهم، وقيمهم، ومعارفهم، وجميع الأشياء التي تعلّموها في حياتهم، والذي يُشكّل في النهاية أنماط سلوكهم[15].
عناصر الثقافة:
- اللغة
- التاريخ
- الدين
- العادات والتقاليد
- التراث المادي
- التراث اللامادي
حسب منظمة اليونسكو في المادة(2) يعرف بأنه مجموع المعارف والتجارب التي تناقلها الأفراد والجماعات، وكلّ ما يتعلق بها من أدوات ومناطق ثقافية، وعلى ضوء ذلك يتجلّى التراث الثقافي اللامادي في مجموع العادات والتقاليد المتوارثة شفاهيًّا والتي يستدلّ عليها عبر اللغة كأداة للتعبير عن ذلك التراث[16].
- التعليم
- القيم والاتجاهات
- الفنون
- التنظيم الاجتماعي
أهمية الثقافة:
توجد العديد من الأسباب التي تجعل الثقافة تلعب دورًا مهمًا في حياة مجتمعات الشرق الأوسط، ومنها[17]:
- الثقافة مصدراً مهماً للحصول على معلومات تتعلّق بالأجداد والتاريخ، وكأنّها بوابة تساعدنا على الوصول إلى تاريخ أسلافنا والتعرُّف عليه، ومعرفة التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في وقتهم.
- فهم الذات: تساعد الثقافة السائدة في المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد على التعرُّف على نفسه بصورة أفضل من خلال معرفة أصله وتاريخه بصورة واضحة، وبما يُعزز كرامة الفرد، واحترامه لذاته، وشعوره بالفخر بانتمائه إلى تلك الثقافة.
- التنوّير ومعرفة تطوّر الفرد: من خلال إلقاء نظرة على العصور القديمة، والتعرُّف على الثقافات الأخرى، وتوضيح مراحل التطوّر التي مرّ بها الإنسان.
- القيم الأخلاقية: تمتلك كل ثقافة مجموعة من القيم والمعتقدات والمعارف الخاصة بها، والتي تساعد على إنشاء مجتمع أفضل.
- الانضباط: تشتمل كل ثقافة على مجموعة من القواعد والقوانين الخاصة بها، والتي يؤدي اتّباعها إلى الحصول على سلوك سليم ومنضبط. [18]
- المعرفة: تُوفر المعرفة العميقة، فيصبح هذا الفرد أكثر دراية ووعياً .
- التعاطف: تهدف التقاليد الثقافية ضمن أيّ ثقافة إلى نشر السلام، فهي تُعلِّم كيفيّة التعايش مع الثقافات الأخرى السائدة في جميع أنحاء العالم، واحترام الجميع والتعاطف معهم حتى يسود السلام والأمان.
- حماية الأجيال القادمة: من خلال نقل التقاليد الثقافية القيّمة التي تركها الأجداد والتي تتميز بتوفير الخبرة لهم؛ لجعل حياتهم أسهل.
- المسؤولية: يساعد انتماء الشخص لثقافته ومجتمعه والتزامه بما فيه من عادات وتقاليد، وقوانين، وغيرها على أن يكون شخصاً مسؤولاً تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
من هو المثقف؟
هو ذلك الإنسان الذي اختار لنفسه أن يمارس النشاط الثقافي عبر الكتابة والقراءة والبحث والتنوير والفكر والطرح, ولا تقتصر الأنشطة الثقافية على الأعمال والنتاجات الأدبية كما يُساء الفهم أحياناً، فحقول الثقافة واسعة وسعَ حياة الإنسان، ورحبة كرحابة المجتمعات عبر امتداها الاجتماعي والجغرافي[19].
المثقف ومن خلال النافذة التي تم الإشارة إليها لا يختلف عن أي فرد في بيئته، غير أنه يمنح للمواقف أبعاداً مختلفة عن الإنسان العادي، ويقرأ الإشارات والإيحاءات والإيماءات بطريقة مختلفة, ويستطيع في الوقت عينه أن يترجمها للآخرين، وقد يتطور به الأمر إلى استشراف المستقبل بناءً على سبر خبرات وتجارب الماضي
قدّم الفيلسوف الإيطالي “جرامشي” تصنيفاً للمثقفين وأنواعهم كالتالي: [20]
- المثقف العضوي: هو الذي ينتمي إلى هموم الناس، ويتبنى مصالح الجماهير، فيعلن موقفه بشكل صريح أنّه مع هموم وآلام الناس أينما كانوا.
- ـالمثقف الذاتي: هو مثقف متقوقع على نفسه منطوٍ على ذاته، غير آبه بمآسي الإنسانية, إنه يتصرف على نحو غير مبالٍ بما يدور من حوله، فهو يكتب عما يجول في خاطره هو وما يتأثر به هو، بمعنى أن ثقافته ما هي إلا انعكاس لحالته الذاتية الخاصة.
من الواضح أنّ تصنيف “جرامشي” متجانس مع تصنيفات المدارس والمذاهب الأدبية، فالمثقف العضوي لدى “جرامشي” هو: الأديب الواقعي الملتزم الذي تبنّى هموم الناس، بينما نرى أنّ المثقف الذاتي: هو الصورة المتطابقة مع الأديب أو الشاعر الرمزي الذي نأى بنفسه عن كل ما يتعلق بالناس وهمومها وآلامها.
ويمكن إضافة تصنيفات أخرى للمثقف اقتضتها ظروف الواقع الثقافي والواقعي الاجتماعي والأخلاقي:
- المثقف المنتمي: هو الذي حمل على عاتقه الدفاع عن مجموع القيم الإيجابية التي ينبغي أن يعيش بها الناس على الأقل من وجهة نظره, فهو المدافع عن الحريات والحقوق الفردية والعامة, ويناهض كل أشكال القمع والاستبداد والفقر والاستسلام والخنوع, إن انتماءه الشديد هذا إلى الجماهير والمجتمع والإنسان يجعله متمرّداً على القضايا العامة لا الخاصة، يتمرّد على البؤس والشقاء والفقر والجهل وخنق الحريات وقمع الرأي, يتمرّد ويناهض الديكتاتورية ويناصر قضايا الفئات المسحوقة، فهو المثقف المناضل.
- المثقف الفوقي: هو المثقف المتعالي على مجتمعه، الذي يعيش في برجه الذي رسمه لنفسه وضرب من حوله الأسوار لمنع الاحتكاك بالناس وقضاياهم، بالتالي يبتعد عن المجتمع، فلا يعدّ مؤثّراً[21].
- مثقف السلطة: هو بوق للسلطة الحاكمة, بل هو محامٍ مراوغ يدافع عن قضية غير عادلة إذا كانت السلطة الحاكمة ظالمة جائرة، وبالعكس فهو مواطن شريف قبل أن يكون مثقفاً في حال كان دفاعه وثقافته في سبيل نظام حكم عادل ومنصف، نظام انبثق عن الجماهير ووضع كل ثقله وإمكاناته لخدمة تلك الجماهير التي منحته ثقتها وسلّمته مصيرها وفق عقد اجتماعي بين الطرفين، أما إذا تحيز لجانب السلطة على حساب الشعب، فهو نمط من أنماط الفساد.
العلاقة مابين الوعي الشعبي والثقافة
أثر واقع الوعي الشعبي في منطقة الشرق الأوسط على الثقافة السائدة للمجتمعات، وذلك من خلال عدة عوامل، منها:
- تشكيل الهوية الثقافية: الوعي الشعبي يلعب دورًا هامًا في تشكيل الهوية الثقافية للشعوب .
- التأثير على القيم والمعتقدات: الوعي الشعبي يؤثر على القيم والمعتقدات التي تشكل الثقافة في منطقة ما.
- التفاعل مع التحديات المعاصرة: الوعي الشعبي يمكن أن يساعد في فهم التحديات المعاصرة التي تواجهها المجتمعات.
الوعي الزائف والأزمة الثقافية:
تعاني غالبية شعوب وجماهير الشرق الأوسط من تشويه وعيهم الجمعي، والذي يتحول إلى ما يعرف بظاهرة “الوعي الزائف” وتعرف بأنها: إدراك الأمور على غير حقيقتها، وهو بذلك عكس “الوعي الحقيقي” ، ويحدث الوعي الزائف حين لا تتوفر المعلومات والمعطيات الصادقة، أو حين يتم تشويهها أو تقديمها على نحو خاطئ أو كاذب، وهو ما يؤدي إلى تشويه الموقف من القضايا والأحداث والشخصيات، واتخاذ مواقف خاطئة، مما يؤثر سلبًا على ثقافة هذه الشعوب ويخلق أزمة ثقافية[22].
الأزمة الثقافية : [23]هي المعدن الذي تصاغ منه كل الفاجعات وكل النكسات وكل المحاولات الفاشلة، سواءً في الميدان الصناعي أو الزراعي أو الأخلاقي أو السياسي أو العسكري، فأي إخفاق يسجله مجتمع في إحدى محاولاته إنما هو التعبير الصادق على درجة أزمته الثقافية، أو بعبارة أعم التعبير عن الأزمة التي تمر بها حضارته في تلك المرحلة من تاريخه، وتصل “الأزمة الثقافية” في ذروتها بالنسبة إلى الفرد إذا ما قدرنا أنه حرم منذ البداية مما يسمى بـ (الجوالثقافي)، وذلك بحرمان الفرد من حقه في التعبير والنقد بسبب القيود المفروضة عليه لأسباب دينية أو دستورية، أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. [24]
وتنشأ أزمة ثقافية مآلها البعيد أفول حضارة، وفي القريب زوال الالتزام بين المجتمع والفرد زوالاً، يعبر عنه في صورته الفلسفية كتاب مثل (اللامنتمي) للإنجليزي (كولين ولسون)، أو في صورته السلوكية عصابات (الهيبيز)، ويجب أن نلاحظ هنا أن كل ظاهرة اجتماعية لا تستقر في صورة منشئها، فهي كائن مرتبط بحياة المجتمع، بينها وبين هذه الحياة تفاعل جدلي ينمي نتائجها في المجتمع من حد الصفر إلى نقطة (اللارجوع). [25]
فالأزمة الثقافية تنمو وتنمو معها أيضاً نتائجها، من الحد الذي يمكن تداركه بالتعديل البسيط إلى الحد الذي يصبح فيه التعديل مستحيلاً، أو لا يمكن إلا بثورة ثقافية عارمة تكون في الحقيقة بمثابة انطلاقة جديدة للحياة الاجتماعية من نقطة الصفر.
وبين هذين الطرفين تبرز حقيقة ألا وهي أن ظرفاً واحداً هو أزمة الثقافة، يخلق أمام مجتمع متقهقر أو جامد استحالة لا يستطيع التغلب عليها فيستسلم- كما يقولون- للواقع، بينما يخلق هذا الظرف نفسه بالنسبة لمجتمع آخر فرصة لدفعة جديدة لحركيته، مثل الدفعة التي أعطاها (ماوتسي تونج) للحياة الصينية تحت اسم (الثورة الثقافية).
محددات تراجع الوعي الشعبي وتفاقم الأزمة الثقافية في الشرق الأوسط:
أولاً: المحددات الاجتماعية
- التنشئة السلبية
غالبًا ما تكون عملية التنشئة للفرد مسئولة عن الوعي وعنصر من العناصر الرئيسة التي تشكل الثقافة لدى الأفراد، فالأسرة سواءً النووية أوالأسرة الموسعة الممتدة هي اللبنة الأولى في تشكيل الوعي لدى الأفراد، ومن خلال مجموعة القيم والمعتقدات الاجتماعية والدينية التي تبثها داخل الفرد، والعادات والتقاليد التي ينشئ عليها الفرد، وتؤثر في وعيه وثقافته، وكما أكد “سيغموند فرويد” أن الإنسان يكون “مُنْتَجاً صغيراً في سن الرابعة والخامسة” وما سيفعله في سنوات حياته اللاحقة لن يكون سوى “أن يكشف تدريجياً عما كان بداخله سلفاً”، حيث تؤدي التنشئة على الأفكار والمعتقدات الرجعية والسلبية كالعنف والتطرف والإنغلاق للكراهية وعدم قبول الآخر والاختلاف، ومحدودية التفاعل مع الثقافات المختلفة؛ مما يؤثر سلبًا على الوعي الفردي ومن ثم الوعي الشعبي، ويفاقم من أزمة الثقافة التي تعيشها وتعاصرها الكثير من الأسر والمجتمعات في الشرق الأوسط.
- مشكلات التعايش الثقافي والاجتماعي:
التعايش الاجتماعي لا يعني إلغاء هوية الآخر أو محوها أو التسلق عليها، وإنما الانسجام مع الآخر ومراعاة شخصيته وعقيدته وعاداته لتكوين التجانس والاحترام والإشادة بعاداتٍ المجتمع المتكامل ثقافياً، وتربية الأجيال على أسس حضارية وأخلاقية وتقبّل الأفكار والمعتقدات المختلفة لتأسيس مجتمع خالٍ من الآفات الاجتماعية، وفي هذا السياق يندرج التعايش الثقافي الذي تمثله الشخصيات المثقفة المتحررة من قيود الفكر المتعصب، والتي تتجمّل بقيم ومبادئ أصيلة ترتبط بالجماعة وتحافظ على الإرث الحضاري بقيمه الفكرية والروحية والمعنوية، وتحافظ على المسار الواحد للفئات المختلفة.
- انتشار فكرة الهوية الأحادية والبعد عن التراث الإنساني المشترك والهوية التعددية
انتشرت مؤخرًا في عدد من دول الشرق الأوسط ومجتمعاتها فكرة الهوية الأحادية، مما أدى للتأثير سلبًا على الوعي الشعبي وتشوية الثقافة، حيث تؤدي الهوية الضيقة والمنغلقة إلى التطرف، فهذا النوع من الهوية يُشعر الفرد بأنه مهدد دائمًا، ويغذي خطاب “نحن ضدهم”، ويؤدي أيضًا لسهولة التجييش والتعبئة، كما أن الجماعات المتطرفة تبني سردياتها على الهويات المنغلقة؛ مما يعزز الرغبة في الانتقام أو الانسحاب [26]، بالإضافة إلى رفض الآخر المختلف، فحين يترسخ تصور “الهوية الوحيدة”، ويصبح الآخر عدوًا بالضرورة، وليس شريكًا في الوطن أو الإنسانية[27] ، ولأنّ التراث الإنساني يُعد عنصرًا هامًّا في بناء السلام مما ورد من مؤشرات التراث في مناطق تشهد حروباً وصراعات، ومحاولة استخدامه في قضايا المساواة الاقتصادية، فقد أقرَّ الاتحاد الأوروبي في تقريره الأخير أن للتراث دوراً هاماً وهو عنصر رئيسي في تمثيل[28] هوية المجتمعات وقدرته على بناء السلام[29]، ومؤخرًا تعرضت عدة مناطق ودول في الشرق الأوسط إلى محاولات وتخريب وسرقة وطمس تراثها الإنساني والثقافي من خلال الصراعات المسلحة والحروب، والعمليات التخريبية التي قامت بها جماعات متطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
- النظام التعليمي التلقيني
ليس أسلوب “التلقين وحشو المعلومات” في المناهج التدريسية في مدارس وجامعات دول منطقة الشرق الأوسط في أغلبها، وحده الذي يخضع لهيمنة أيديولوجيا الطبقة الحاكمة والبنية الفوقية للنظام الحاكم، بل إن مجمل العملية التعليمية والتربوية تخضع لهذه الهيمنة وإملاءاتها في تكوين الأركان الأساسية لوعي الأجيال الناشئة ومداركها المعرفية والثقافية، كما أن هذا النظام التعليمي وما يتضمنه من نهج تربوي ومواد تعليمية يعكس تلاقي مصالح السلطتين، السياسية والدينية وإحكام سيطرتهما على المجتمع، وهو ما يظهر منذ عقود في جمود الأنظمة التربوية والتعليمية في بلادنا، ما أدّى إلى غياب حرية الفكر والتعبير وضحالة فكرية ومعرفية وغياب النقاش حول قضايا الفكر والإنسان والمجتمع، ولعل التعليم التلقيني هو الأخطر والأكثر تأثيراً على الأجيال الناشئة ومستقبلها ومستقبل البلاد بشكل عام، وليست بلادنا الوحيدة ولا الاستثناء، بل نجد حالات مماثلة ومشابها في كل الأنظمة الحاكمة في العالم، يقوم الأسلوب التلقيني، إن جاز التعبير، على اكتساب التلاميذ للمعرفة عن طريق فرض المعلومات والمحاكاة: محاكاة الآخر أو الأكبر أو الأكثر سلطة وقدرة مثل المُدرس وغيره، ولا يقتصر هذا الأسلوب في التعليم على التلاميذ الصغار في سنوات التعليم الإبتدائية، بل نشاهده في مراحل التعليم الثانوية والجامعية أيضا، مما يقتل القدرة على الإبداع وإعمال العقل[30].
- تفشي الأمية في الشرق الأوسط:
يؤدي ارتفاع نسبة الأمية المنتشرة في دول الشرق الأوسط، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية من حروب وصراعات داخلية وعدم استقرار سياسي وتطرف ينتج عنها عمليات نزوح وهجرة، وتغيرات ديموغرافية، إلى التأثير السلبي على المستوى الثقافي والتعليمي والمعرفي بشكل عام لسكان تلك المناطق، وبالتالي اتساع الأزمة الثقافية.
- تردي مستوى الإعلام وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وفقر المحتوى المقدم
يحتل الإعلام في عالم اليوم، وفي واقعنا العربي بشكل خاص، موقعاً مركزياً إذ أنه يعمل على مدار الساعة على تشكيل وعي المواطنين، والأخطر تزييف هذا الوعي، ومن المظاهر اللافتة في الإعلام العربي والشرق أوسطي، وبالطبع ليس فيها وحدهما بل هي سمة العصر في الإعلام الغربي أيضاً، هو اللهاث وراء الأحداث المتسارعة دون التوقف للتفكير والتحليل أو الذهاب إلى الأعمق لفهم تأثيراتها الحقيقية على القطاعات الكبيرة من المجتمع والشعب[31]، وقد يجد المرء بعض التفسير لهذه الظاهرة في تسارع وسخونة الأوضاع في بلادنا على مدى عقود من الأحداث والتطورات الجسيمة المتتالية بدون توقف، غير أن مؤثرات الإعلام في المنطقة على وعي المواطن والشارع قد تعاظمت في العقود الثلاثة الأخيرة لعدة أسبابٍ وعوامل أهمها:
– ارتهان وسائل الإعلام لمَنْ يملكها وتوظيفها في مصلحة القوى المالية/الاقتصادية والسياسية التي تمولها وتسيّرها وفق نهجها ومصالحها.
– المؤثرات التقنية في الإعلام، وبشكل خاص تقنية الصوت والصورة.
– الضخ المستمر والتكرار مما يضاعف من التأثير الكمي على المتلقي على نحو يشبه الانفجار المعلوماتي بآلاف الرسائل يومياً؛ وما يؤدي للاعتماد على الكم وليس الكيف.
–انتشار وسطوة الشبكة العنكبوتية وتشعباتها من عالم افتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تسارع التطور التكنولوجي بشكل يصعب استيعابه، وظهور الذكاء الاصطناعي.
– تحوّل الكثيرين من المثقفين العرب على اختلاف أدوارهم وألوانهم – المفكر والفيلسوف، أو الكاتب والشاعر، أو الناقد والفنان والرسام – ليصبحوا مأجورين للإعلام والنفطي منه على وجه الخصوص، وأداة من أدواته، وبوقاً من أبواقه.
– خلو الساحة السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية بعد هزيمة الأحزاب والتنظيمات الاشتراكية واليسارية، وانخراط كثير من كوادرها في المشاريع والمؤسسات الرجعية واليمينية والأجنبية الممولة من حكومات الغرب الاستعماري.
– سلعنة الثقافة والفكر في عالم إستعراضي يصبح فيه الإنسان والفكرة سلعة.
- التغييرات الاجتماعية
أدت التغيرات الاجتماعية الراديكالية والمتلاحقة في الشرق الأوسط إلى إحداث خلل وبلبلة في منظومة الوعي الشعبي بدول الشرق الأوسط، والذي عجز بدوره عن استيعاب هذه التغيرات المتلاحقة التي تمر بها دول المنطقة، وكذلك صراع الهويات: حيث ينشب الصراع بين القيم التقليدية والقيم الحديثة مما يولد أزمات ثقافية، كذلك محدودية التواصل الثقافي بين الثقافات المتعددة في المنطقة.
8 – استخدام الدين كآلية لتزييف الوعي[32].
تبدأ عملية التربية الدينية في مجتمعاتنا وغيرها من المجتمعات، منذ نعومة أظفار الطفل في إطار الأسرة ولاحقاً في دور العبادة والمؤسسة الدينية، ومن خلال المؤسسات التربوية والتعليمية من مدارس وجامعات ووسائل الثقافة والإعلام، ولا تتوقف هذه العملية، بل تستمر في إطار الحياة الاجتماعية والأنشطة المجتمعية عبر الحضور الهائل للدين والتدين والمؤسسة الدينية وما تمتلكه من وسائل الإعلام والثقافة والدعاية، كل هذا يساهم، في مرحلة مبكرة من نمو الإنسان وتكوّن وعيه، وفي زرع المفاهيم الدينية وترسيخ أهداف الدين وممارساته، وهو ما يلعب دوراً هاماً في تكوين وعي الفرد والمجتمع وكذلك في صياغة القيم السائدة والسلوكيات الفردية والمجتمعية، ويتعاظم دور التربية الدينية وأثرها في تكوين الوعي وحياة الفرد والمجتمع، وتحت شعارات التعليم الديني والتوعية الدينية التي تنتشر مشاريع ومؤسسات تتخذ لنفسها شكل التوعية الدينية والتبشير بالقيم الخيِّرة، ولكنها كثيراً ما تعمل في خدمة أجندات وغايات سياسية وإيديولوجية تزيد من الاحتقان بين مختلف الأديان والطوائف والمذاهب وتحرض على الآخر، وتدعو إلى التطرف والإرهاب؛ مما يولد الحاجة للتدين الوسطي المعتدل ونشر الوعي الديني الصحيح.
ثانياً: المحددات السياسية
- النخب السلطوية في معظمها: [33]
معظم النخب الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي تتسم بالسلطوية، وبالتالي تحاول فرض واقع معين على الوعي الشعبي والمثقفين، ولاتسمح إلا بقدر محدود من الحرية، والذي يعزز مصالحها بدوره؛ مما يؤثر سلبًا على الثقافة ويفاقم أزمتها.
- تهميش الثقافة ضمن السياسات العامة:
بحيث يتم إحكام السيطرة على الثقافة وتوجيهها لما يتلائم مع طبيعة السلطة، أو ممارسة ما يعرف بالقمع المؤسساتي الذي طال الحياة الثقافية، ويندرج معنا هنا أيضًا العمل تحت الرقابة الرسمية الصارمة للدولة وعدم وعدم خلق مساحات مستقلة للنقاش والإبداع.
- السياسيون هم المثقفون : [34]
تسليم المواقع الثقافيّة إلى السياسيّين أنفسهم، فالأخيرون، مَسوقين بعُظامهم المعهود، مستعدّون دوماً، إلى “ملء الفراغ” الذي يُحدثه انكفاء المثقّفين، يظهر هذا الانتهاك خصوصاً في الأنظمة الديكتاتوريّة والتوتاليتاريّة المفطورة على ابتلاع الحياة الثقافيّة، وابتلاع التعليم ومؤسّساته، كما يظهر في الحركات النضاليّة والحزبيّة التي تسعى بالعنف والقوّة إلى كسر وضع اجتماعيّ وسياسيّ ما.
- التأثيرات والتهديدات الخارجية:
التحديات الخارجية مثل الاستعمار والتدخلات الأجنبية التي تعرضت لها جل دول الشرق الأوسط، وفرض النفوذ والهيمنة من بعض الدول الإقليمية والدولية في المنطقة مما أثر على الهوية والانتماء بشكل سلبي، سواءً الاستعمار والتدخل المباشر في الماضي أو التدخل والاستعمار غير المباشر بالسيطرة على الفكر والاقتصاد والعقل الشرق أوسطي.
- محدودية التعاون الإقليمي بين دول منطقة الشرق الأوسط:
حيث يتراجع مستوى التعاون بين دول الشرق الأوسط سياسًا وتنظيميًا، لاسيما فيما يتعلق بالثقافة، والمؤسسات والمشروعات الثقافية، وإن نشأت لاتستمر لفترة طويلة أو تكون ضعيفة المستوى والأداء، وذلك إذا ما قورنت بالمشاريع مع الغرب.
المحددات الاقتصادية
- الأوضاع المالية والمستويات المعيشية
تلعب الأوضاع المالية والمعيشية المتردية في أغلب دول الشرق الأوسط باستثناء قلة من الدول الريعية النفطية، دورًا بارزًا في التأثير على ثقافة الشرق الأوسط، سواءً في فترة الاستعمار الصريح، أو في فترة التبعية والضعف الذي تعيشه أغلب هذه الدول، حيث تخضع وسائل الاعلام والتعليم وغيره للتسعير والربحية، أيًا كانت المدخلات مما يؤدي إلى مخرجات هشة ومستهجنة بعيدة عن قيم الوعي والثقافة الشرق أوسطية، إضافة إلى الفقر الذي يؤثر سلبًا على الوضع الثقافي والتعليمي ويحرم فئة عريضة من التمتع بما وصل له التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم المعاصر.
- ارتفاع تكلفة التقنيات والتكنولوجيا المتطورة
التطور السريع في التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وأجيالها المختلفة، والذي يعتبر مكلفًا جداً كما أنه يكاد يقتصر على الدول المتقدمة، وقد تحرم منه الكثير من الدول النامية، سواءً من انتاجه أو الحصول عليه، كما أن الاستثمار في التكنولوجيا يحتاج رؤوس أموال ضخمة، مما يجعل هناك تراتبية بين الدول، مابين دول متقدمة وأخرى متخلفة، ويخلق نوع من هيمنة وتبعية الدول المتفوقة والغنية اقتصاديًا على حساب الدول الفقيرة والضعيفة اقتصاديًا، كذلك يمكن أن تؤثر هذه الأوضاع الاقتصادية التراتبية سلبًا على الوعي الشعبي والثقافة المحلية، من خلال صعوبة التواصل بين الأجيال في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة.
- التحول الراديكالي من الاشتراكية للرأسمالية
معظم الدول الشرق أوسطية كانت تعتنق المذهب الاشتراكي بتبعاته الاقتصادية، التي توفر مساحة من دعم الدولة والحفاظ على الاستقرار، وبرامج الحماية الاجتماعية، ولكنها تحولت بشكل راديكالي إلى النقيض وهو الاقتصاد الرأسمالي، حيث الدور المحدود للدولة، والسعر الحر والمنافسة المفتوحة، مما أدى للسعي للربحية لدرجة الاستغلال وسلعنة كل شيء بما فيه الثقافة، بغض النظر عن المنظومة القيمية والأسس والمعايير الثقافية لهذه الدول مما أدى لصدمة حضارية، وواقع مشوه فهي لم تبق كما كانت في الحفاظ على ثقافتها وتراثها، ولم تنجح في محاكاة الدول الغربية الرأسمالية التي تختلف وتبتعد كل البعد في قيمها عن دول الشرق الأوسط ومجتمعاتها.
فالمجتمع الرأسمالي الصناعي كشف يوما بعد يوم عن اغتراب الإنسان وتشيئه، ولقد حاولت الإيديولوجية الرأسمالية استخدام الثقافة بمختلف مظاهرها عن طريق ربطها بالصناعة لفرض هيمنتها على الفرد، فبرز ما صار يعرف بـ”صناعة الثقافة ” والذي أعتبر موضوعا رئيسيا في أعمال مدرسة فرانكفورت.
- محدودية الوعي الاقتصادي [35]
تندر المجتمعات التي يتوفر لدى أفرادها وعيًا اقتصاديًا، في الشرق الأوسط، فمعظم هذه المجتمعات يتبنى أفرادها ثقافة الاستهلاك، والبعد عن الادخار والاستثمار؛ بسبب غياب الوعي الاقتصادي.
ففلسفة الوعي الاقتصادي تعد أحد أهم فروع علم الاقتصاد وهو الاقتصاد السلوكي الذي يهتم بظاهرة الاستهلاك على المستوى الجزئي والكلي ( سلوك المستهلك ) وكذلك على مستوى الإنتاج ( سلوك المنتج ) لذلك الوعي الاقتصادي يعكس المعرفة ونظريات النشاط الاقتصادي والاحتياجات الفردية والمجتمعية التي تتشكل وفقًا للظروف والمتغيرات الاقتصادية وصولاً إلى تحسين الواقع الاقتصادي، كما أن الجوانب البيئية لوعي الإنسان التي تحقق لدى الفرد الموقف الجمالي والأخلاقي دون الإضرار بتلك المكتسبات بل انه منطقياً سيحافظ عليها لتفيد الأجيال القادمة.
من هنا يلعب السلوك الاستهلاكي للمجتمعات دورا مهما عند القيام بشراء السلع والخدمات بشكل متزايد دون تخطيط واحتياج حقيقي مما يؤدي حتماً إلى زيادة الضغط على الاقتصاد المحلي وخاصة عندما تكون تلك السلع مستوردة مما يتسبب في حدوث خلل متوقع في ارتفاع الأسعار وميزان المدفوعات في صالح الاستيرادات على حساب الصادرات مما يستوجب معه رفع مستويات وعي الافراد الاقتصادية فكلما زاد الوعي زادت القدرة على إدارة الأموال بطريقة متوازنة بين الاستهلاك والدخل والاستثمار[36].
- ظاهرة التصنيع الثقافي [37]
اجتاح المجتمع المعاصر حركة صناعية مهيمنة، سيطرت على جميع الميادين، واعتبرت هذه الحركة الصناعية عادة سيئة للإنسان لأنها أفرغته من محتواه وجردته من حريته، وهذا بسبب النظام الاستهلاكي القائم، فأصبح الفرد لا يشعر بالراحة ولا يتلذذ بالجمال، و امتدت هذه الحركة لتشمل الجانب الثقافي، مما أدى إلى ظاهرة التصنيع الثقافي” ، فقد بينت مدرسة فرانكفورت في حديثها عن صناعة الثقافة في المؤلف المشترك ” جدلية التنوير” أن الثقافة بمختلف مظاهرها خاصة ما تعلق منها بالفنون المختلفة والجوانب الإعلامية والاتصالية، ووسائل الإعلام المختلفة، كالسينما، والتلفزيون والإذاعة- تحولت في المجتمعات الغربية المعاصرة إلى أدوات للسيطرة تمارس بواسطتها الأنظمة السياسية في المجتمعات الرأسمالية ضغطا لانتهاك حرية الأفراد بجميع صورها خاصة منها حرية التعبير، بل صارت هذه الوسائل تعمل على المحافظة على سيرورة هذا النظام الرأسمالي وهذا ما أدى إلى تزيف الوعي والواقع الجماهيري، وبهذا الشكل تكون الثقافة بكل مظاهرها قد أبعدت عن دورها الأساس في نشر الوعي السياسي والاجتماعي للأفراد،والكشف عن زيف الأنظمة السياسية والاقتصادية بفقدانها للقدرة النقدية.
العناصر ينبغي مراعاتها عند تشكيل برامج الوعي الشعبي:
هناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار عند تصميم برامج تساهم في تنمية ورفع الوعي الشعبي، وهي: [38]
- إدراك الخطر ووجود تهديد هو أمر بالغ الأهمية، لأنه ما لم يشعر الجمهور بوجود تهديد لهم ولمنظومتهم القيمية والثقافية، فليس هناك أمل كبير في أن يتخذوا التدابير المناسبة للتخفيف من آثار الأزمة التي تتعرض لها المجتمع فيما يخص الوعي والثقافة.
- المواءمة الثقافية: تحتاج برامج التوعية العامة المستخدمة في أي مجال إلى الالتزام بالقيم الثقافية للناس لضمان قبول الرسائل و قابليتها للتطبيق، وتشير المتغيرات الاجتماعية والثقافية إلى أن برامج مختلفة مطلوبة داخل المناطق الحضرية والريفية في البلاد، وسيساهم التعرف على هذه القيم في برنامج فعال وقابل للتكيف سيكون لديه فرصة جيدة للحصول على قبول عام، وقد أظهرت نتائج بعض الدراسات في الولايات المتحدة أنه في بعض المناطق، الرسائل المقدمة بشأن التوعية العامة من خلال وسائل الإعلام مثل النتلفاز والراديو فعالة، لكن الناس يفضلون الاعتماد على امتلاك وثيقة مكتوبة (ناتش وآخرون، 1999).
- تقييم الاحتياجات، حيث تصمم برامج التوعية العامة الفعّالة دائمًا وفقًا للاحتياجات المحددة للفئات المستهدفة، أو من خلال إجراء استطلاعات للرأي.
- التعلم من الخبرات المستفادة من الماضي ومن البرامج الناجحة الحالية، وإبراز النماذج المتميزة، ودور القدوة.
- تقديم معلومات كاملة وصحيحة، والحصول على المعلومات من مصادر موثوق فيها.
- التعامل مع القضايا بشكل تفاعلي، لتشارك الجماهير أنفسهم في إنهاء الأزمة ورفع الوعي.
- نشر المعلومات بشكل مستمر ومنتظم، وتقييم البرامج أولاً بأول وقياس مدى تأثيرها على الفئات المستهدفة.
مقترحات لتنمية الوعي الشعبي وتخطي الأزمة الثقافية:
ومما سبق يتضح لنا أنه ينبغي علينا كأفراد ومجتمعات ودول الاهتمام بقضية الوعي الشعبي والثقافة، وضرورة تخطي هذه الأزمة للنهوض بالمجتمعات الشرق أوسطية والحفاظ على هويتنا وتراثنا، وحفظ كيانات مجتمعاتنا ودولنا، والاهتمام بالتعجيل بعدد من الإصلاحات وانجاز عدد من المهام؛ لتحقيق الغايات المنشودة ومن أبرزها:
- تمويل مشاريع ثقافية تركز على نبذ الكراهية وبناء التماسك الاجتماعي.
- إصلاح المنظومة التعليمية لتعزيز قيم التعدد والتسامح والبعد عن الشوفانية والتطرف.
- ترسيخ فكرة الانتماءات المركبة (الدينية، الوطنية، الإنسانية) كمصدر قوة لا تهديد وتحقيق التعليش السلمي وقبول الأخر.
- محاربة الأمية والفقر المعرفي .
- تعزيز الثقافة التاريخية والذاكرة الجماعية التعددية.
- تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ودعم العدالة الثقافية.
- تمكين المجتمعات المحلية من إنتاج الثقافة ونشرها.
- دعم اللامركزية الثقافية والتحرر من السلطوية ووصاية النخب الحاكمة على الثقافة والمثقفين.
- ترشيد وتوظيف استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخ القيم الثقافية وحماية تراث المجتمعات الشرق أوسطية وتوعية الشباب.
- اعتماد مقاربة تشاركية بين وزارات التعليم، الثقافة، الشباب، والشؤون الدينية.
- إشراك المنظمات الأهلية في تطوير البرامج الثقافية والتراثية والإبداعية.
- ربط نتائج الأبحاث بالسياسات التعليمية والثقافية العامة وسوق العمل.
- تنمية ثقافة الحرف الإبداعية لدى شباب المنطقة.
- الاهتمام بالتفاعل والاحتكاك الثقافي العالمي عن طريق البعثات والمنح وورش العمل الدولية.
[1] Public Awareness – (AP US History) – Vocab, Definition, Explanations | Fiveable | Fiveable
[2] What is public awareness? https://www.bing.com/copilotsearch
[3] Fundamentals of CSR, Understanding Awareness: Definition, Importance, and Impact, July 7, 2024, Understanding Awareness: Definition, Importance, and Impact • CSR Education
[4]مسعد عربيد، “الوعي الشعبي بين الحقيقي والزائف: مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته (الجزء الأول)”، مجلة كنعان الفصلية الالكترونية، 14 يونيو2020 https://kanaanonline.org 2020.
[5]وائل أحمد خليل الكردي، “مقدمة في نقد الوعي الشعبي”، https://mqqal.com/%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A
[6]وائل أحمد خليل الكردي، “م س ذ “، https://mqqal.com/%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A
[7]وائل أحمد خليل الكردي، “مقدمة في نقد الوعي الشعبي”، م س ذ.
[8]وائل أحمد خليل الكردي، “مقدمة في نقد الوعي الشعبي”، م س ذ.
[9] Grandon Gill , Culture, Complexity, and Informing: How Shared Beliefs Can Enhance Our Search for Fitness, University of South Florida, Tampa, FL, USA, Volume, 2013, page 1.
[10] mawdoo3.com/تعريف_الثقافة.
[11] https://ar.wikipedia.org.
[12] Meaning of culture, www.UNESCO.org, 2023-06-11
[13]سليمة فيلالي ،”بنية الهوية الجزائرية في ظل العولمة”، جامعة محمد خيضر بسكرة،2014 ، ص 109, 110, 111.
[14] Gabriel Idang, AFRICAN CULTURE AND VALUES, 98. Edited, Page 97, University of Uyo, Uyo, Akwa Ibom State,2015.
[15] mawdoo3.com/تعريف_الثقافة.
[16]شيراز محمد، الموروث الثقافي لشعوب الشرق الأوسط وتأثيراتها على التعايش السلمي والتسامح، 3 سبتمبر 2024، https:// alawset.info.
[17] mawdoo3.com/تعريف_الثقافة.
[18] mawdoo3.com/تعريف_الثقافة.
[19]أحمد دالي، جدلية العلاقة بين المثقفين والدولتية وطبيعة دورهم في مجتمعات الشرق الأوسط، منصة براكسس، 18/10/2024
https://praxis-platform.com/.
[20]أحمد دالي، م س ذ https://praxis-platform.com
[21]أحمد دالي، م س ذ https://praxis-platform.com
[22]مسعد عربيد، “م س ذ ” مجلة كنعان الفصلية الالكترونية، 14 يونيو2020 https://kanaanonline.org 2020.
[23] مالك بن نبي ، مشكلة الثقافة،المكتبة الشاملة،ص 90-92 https://shamela.ws/book
[24] مالك بن نبي ، مشكلة الثقافة،المكتبة الشاملة،ص 90-92 https://shamela.ws/book
[25] مالك بن نبي ، م س ذ،المكتبة الشاملة،ص 90-92 https://shamela.ws/book
[26]إلهام النجار، تحولات الوعي الجمعي: دور التعليم والثقافة في كسر دوائر التطرف والإرهاب، دورية شاف، 1 مايو 2025، https://shafcenter.org.
[27] Appiah, Kwame Anthony, Cosmopolitanism: Ethics in a World of Strangers, (2006)
[28]شيراز محمد، م س ذ، 3 سبتمبر 2024، https:// alawset.info.
[29]إلهام النجار، م س ذ ، دورية شاف، 1 مايو 2025، https://shafcenter.org.
[30]مسعد عربيد، م س ذ ، 14 يونيو2020 https://kanaanonline.org 2020.
[31]مسعد عربيد، “الوعي الشعبي بين الحقيقي والزائف: مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته (الجزء الأول)”، مجلة كنعان الفصلية الالكترونية، 14 يونيو2020 https://kanaanonline.org 2020.
[32]مسعد عربيد، م س ذ ، 14 يونيو2020 https://kanaanonline.org 2020.
[33]انكماش الثقافة في زمن انكماش الحيّز السياسي https://orientxxi.info/dossiers-et-series
[34]حازم صاغية، مداخلة في ثقافتنا السياسيّة و«أزمتها»، https://aljumhuriya.net/ar/2023/02/03.
[35]عبد الرحمن الجبيري، الوعي الاقتصادي، العربية، 27/8/2021، https://www.alarabiya.net
[36]عبد الرحمن الجبيري، م س ذ، العربية، 27/8/2021، https://www.alarabiya.net
[37]معان سارة . عماري خيرة ، “ظاهرة التصنيع الثقافي وأثارها في تزييف الوعي والواقع الجماهيري مدرسة فرانكفورت نموذجا”، مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، الجزء 11،الجزائر، 5/3/2021، ص 691 -697.
[38] Ian Davis, Mahmood Hosseini,and Yasamin O. Izadkhah,” Public Awareness and the Development of a Safety Culture: Key Elements in Disaster Risk Reduction”, Fourth International Conference of Earthquake Engineering and Seismology, Tehran, 12-14 May 2003, https://d1wqtxts1xzle7.cloudfront.net/48350775/Public_Awareness_and_the_Development_of_20160826-2928