ندوات

“الشرق الأوسط والدروس المستفادة من المواجهة بين إسرائيل وإيران” .. حلقة نقاشية| بالصور

تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”، عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية جديدة مساء يوم الثلاثاء 24 يونيو، لمناقشة تطورات الأوضاع في المنطقة في ضوء المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، التي دخلت الولايات المتحدة على خطها، وما لذلك من تداعيات خطيرة يمكن أن تدشن لمرحلة جديدة ربما من التوازنات الإقليمية، والدروس التي يجب الخروج بها.

تحدث في الحلقة النقاشية الدكتور حسن أبوطالب الخبير السياسي الكبير ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيما أدارها وقدمها الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات، وسط حضور لكوكبة من الأكاديميين والباحثين والصحفيين والمثقفين من مصر وبعض الدول العربية.

ظرف بالغ الخطورة

واستهل الندوة الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات بالتأكيد على أن هذه الحلقة النقاشية تعقد في ظرف بالغ الأهمية والخطورة من عمر الشرق الأوسط، والغرابة في نفس الوقت؛ لما تمر به المنطقة من أحداث مؤثرة، في إشارة منه إلى المواجهة التي كانت ساخنة بين إسرائيل وإيران، ثم ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مفاجئ من وقف لإطلاق النار.

 وبعد الترحيب به، نقلت الكلمة إلى الدكتور حسن أبوطالب الذي قدم استعراضاً شاملاً لما يمكن تسميته “دروساً” من المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران، إذ قال إن الأحداث في المنطقة تشهد تقلبات كثيرة، وأن هذه المواجهة التي استمرت 12 يوماً بها كثير من الدروس فيما يتعلق بإدارة الصراعات والاستفادة من طريقة إدارتها.

الانكشاف المتبادل

“الانكشاف المتبادل”، كان عنوان الدرس الأول الذي تحدث عنه الدكتور حسن أبوطالب، حيث قال إنه لا يمكن القول إن كل طرف سيطر على الآخر، وإنما كان هناك انكشاف متبادل؛ موضحاً أنه على الصعيد الإيراني فقد انكشفت إيران أمنياً، خاصة مع انتشار مجموعات التجسس الإسرائيلية في هذه البلد، على نحو يثبت أن تل أبيب كانت تعمل على هذا الأمر منذ فترة طويلة، مستعرضاً بعض الوقائع على ذلك والتي كان منها الكشف عن مصنع لعمل الطائرات المسيرة داخل الأراضي الإيرانية، لاستهداف مناطق حساسة ويعمل به أكثر من 140 أفغاني وعلى مدار 4 سنوات، وبالتالي يطرح الأمر علامات استفهام حول الكفاءة الأمنية في إيران، ويؤكد أن الجانب التجسسي الإسرائيلي متجذر.

ولفت أيضاً إلى أنه كان هناك انكشاف عسكري كذلك في إيران؛ فمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية تم استهدافها بطريقة مباشرة بداية المواجهة، وأصبحت السماء الإيرانية مفتوحة أمام إسرائيل في أول يومين فقط، ولذلك رغم كثرة عدد الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي كان يتم توجيهها إلى السماء الإيرانية لم يسقط منها سوى عدد قليل، وهذا أعطى تل أبيب أفضلية.

لكن فيما يخص الجانب الإسرائيلي أيضاً كان هناك انكشاف، حيث أخفقت منظومة الدفاع الجوي الصاورخية الإسرائيلية، مثل القبة الحديدية وغيرها، في توفير الحماية اللازمة لإسرائيل في مواجهة الصواريخ الإيرانية، ولم تستطع التعاطي بشكل جيد، معتبراً أن هذا الأمر يمثل بالنسبة لإسرائيل سقوطاً مريعاً؛ لأنه يمس الصناعة العسكرية الإسرائيلية.

الوصول إلى الأهداف

“الوصول إلى الأهداف” كان الدرس الثاني الذي تحدث عنه الدكتور حسن أبوطالب؛ إذ قال إن إسرائيل كان لديها قدرة كبيرة في الوصول إلى إحداثيات الأهداف الإيرانية، – وإن كانت تستعين بأدوات أمريكية وغربية – ولهذا استطاعت توجيه ضربات حاسمة.

واستدرك أنه في الوقت ذاته كان لدى إيران القدرة على الوصول لإحداثيات دقيقة لبعض الأهداف الإسرائيلية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه باستهداف معهد وايزمان النووي الذي تم تدميره بما فيه من أبحاث وعلماء، كما استطاعت طهران الحصول على إحداثيات معهد السموم في عسقلان بما له من أهمية. وكذلك تدمير الوحدة 8200 التي تستخدم للتنصت وهي ذات أهمية كبيرة.

كما استطاعات طهران بضرباتها تدمير نحو ثلث تل مدينة أبيب مدمر، وربع مدينة حيفا المركز الاقتصادي لإسرائيل، مشيراً إلى أنه ربما ستكون هناك خسائر أكثر سيتم الكشف عنها مستقبلاً داخل إسرائيل خاصة أنه من المتوقع تشكيل لجان للتحقيق في الأمر. واعتبر أنه حتى لو إيران دفعت ثمناً باهظاً في هذه المواجهة أبرزها المنشآت النووية، فإن إسرائيل هي الأخرى دفعت ثمناً، وإن كانت المواجهة تكشف أن طهران – رغم كل الصعوبات – استطاعات إنشاء صناعة عسكرية قوية وهي صناعة الصواريخ الباليستية.

المجتمع الأصيل والمجتمع المصطنع

تطرق الدكتور حسن أبوطالب للحديث عن درس آخر، إذ قال إن هذه المواجهة كانت كاشفة عن الفوارق بين المجتمعين الإسرائيلي والإيراني، واصفاً الأول بـ”المصطنع” والثاني بـ”الأصيل”، موضحاً أن المواجهة لم تكن عسكرية فقط بل كانت كذلك بين هذين المجتمعين؛ حيث أن حالات الهروب الجماعي للإسرائيليين بمجرد وصول الصواريخ الإيرانية إلى الأراضي الإسرائيلية تثبت أن هؤلاء ليسوا أصحاب الأرض، في المقابل لم نسمع عن شيء مماثل لدى الإيرانيين، ما يكشف عن حالة الانهيار النفسي الموجودة في إسرائيل.

ودلل “أبوطالب” على رأيه باستعراض رقمي لتركيبة المجتمع الإسرائيلي والجنسيات المزدوجة به، حيث قال إن هناك نحو 750 ألف إسرائيلي لديهم جنسية أمريكية، ونحو مليون و600 ألف لديهم الجنسية الروسية، ونحو 174 ألفاً من حاملي الجنسية الفرنسية، ونحو 53 ألفاً من حاملي الجنسية الألمانية، مشيراً إلى أن هناك على سبيل المثال 56 ألف إسرائيلي من حملة الجنسية المغربية فروا إلى المغرب، معتبراً أن هذه الأرقام توحي وكأن ليس هناك مجتمعاً.

ولفت إلى أن إسرائيل مع اندلاع المواجهة دفعت باتجاه إغلاق السفارة الأمريكية لديها؛ حتى لا يتمكن مواطنوها مزدوجوا الجنسية الأمريكية من الحصول على التأشيرات والمغادرة، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رأى أن هناك خطراً على إسرائيل كدولة، أي باتت تواجه تهديداً وجودياً، وأنه دون الدعم والمساندة الأمريكية لن تحمي تل أبيب نفسها، كما أنه يتحرك انطلاقاً من كونه حامياً لكل من يحمل الجنسية الأمريكية في أي مكان بالعالم.

إسرائيل والانفجار الداخلي

وأعرب الدكتور حسن أبوطالب عن تقديره بأن التدخل الصارم الذي فعله ترامب كان بالأساس لحماية إسرائيل؛ لأنها وصلت لمرحلة ضعف وخواء كبيرة جداً، فنتائج المواجهة تدفع هذه الدولة إلى الانفجار الداخلي مع الوقت لا سيما في ظل غياب التجانس الداخلي؛ فحين ينظر الإسرائيلي فيجد ثلث تل أبيب مدمراً، ويجد ربع حيفا مدمراً سيحدث هذا الانفجار الداخلي مع الوقت ربما خلال 10 أو 15 سنة.

ولفت إلى أنه في ضوء ما تعرضت له إسرائيل جراء الصواريخ الإيرانية، فقد انتهت فكرة الهيمنة الإسرائيلية التي كان يروج لها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، لأنه ثبت أن تل أبيب غير قادر على حماية شعبها، منوهاً إلى أن هذا يدعونا في الأوساط العربية إلى ضرورة عدم الانسياق وراء البروباجندا الإسرائيلية، لأن ما جرى يثبت أنه يمكن القضاء عليها بسهولة، وأن الإسناد الأمريكي والغربي هو الذي يضمن استمرارها.

البرنامج النووي وتدخل ترامب

وقد تطرق الدكتور حسن أبوطالب كذلك إلى الجدل المثار حول إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدمير المنشآت النووية بالكامل، حيث لم يبد قناعة كبيرة بالرواية الأمريكية، إذ لا يتخيل أن دولة مثل إيران يتم تدمير برنامجها النووي بهذه السهولة، خصوصاً وأن العقلية الإيرانية نفسها في مسألة البناء والتشييد لديها خصوصية فيما يتعلق بالأنفاق والتحصينات.  

وأشار إلى أنه حسب المعلومات هناك نحو 35 ألف عامل في البرنامج النووي الإيراني، ومن تم الإعلان عن استهدافهم 9 فقط. ومما يدلل على اعتقاد الدكتور حسن أبوطالب بشأن المنشآت النووية الإيرانية أن وسائل إعلام أمريكية نوهت إلى تقييمات استخباراتية تعتقد أن البرنامج النووي الإيراني تم تعطيله فقط ولم يتم تدميره بالكامل كما زعم ترامب، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول مصداقية الرئيس الأمريكي.

واختتم الدكتور حسن أبوطالب حديثه بالتأكيد على أن هذه الدروس تكشف أن طرفي هذه المواجهة – أي إسرائيل وإيران – كل دفع ثمناً، لكن الأكيد أنها أثبتت أن إسرائيل ليست بالقوة التي يتم الترويج لها من قبل المسؤولين الإسرائيليين، بل لديها خواء داخلي، ويمكن القضاء عليها، داعياً الدول الأخرى إلى النظر جيداً إلى المواجهة بين تل أبيب وطهران وضرورة استقاء الدروس منها.

تبادل رؤى ونقاشيات ثرية

عقب ذلك فتح الباب أمام مداخلات وتساؤلات الحضور في الحلقة النقاشية، حيث جرى نقاشاً ثرياً، سواء ما يتعلق بدورس المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية نفسها، أو ما ارتبط بها من تداعيات ونقاط على الهامش ترتبط بالصراع مع إسرائيل ووضع المنطقة بصفة عامة. وكانت البداية من الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة دمنهور، الذي لفت إلى أن إسرائيل بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت من أسرع الدول التي التفتت إلى زراعة وجود أمني لها في دول آسيا الوسطى لمراقبة إيران، وهذا منذ سنة 1991.

كما تحدث “الإمام” كذلك في مداخلته عن إشكالية افتقادنا إلى مشروع عربي منذ ضرب المشروع العربي للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بينما لدى إسرائيل وإيران وتركيا مشروعاتهم، ما جعلنا نتشرذم في مواقفنا بين هذه الأطراف، معتبراً أننا أمام فرصة لنقدم مبادرة بجهد مصري لإعادة بناء المشروع العربي.

أما الدكتور محمود زايد الأكاديمي المتخصص في الشأن الكردي فقد توجه بسؤال للدكتور حسن أبوطالب حول كيفية تفادي الانكشافات التي سقطت فيها إيران وكذلك إسرائيل، والذي أجابه بأن الدول الأخرى في المنطقة مطالبة بأن تنظر إلى ما جرى وتأخذ منه الخبرات، كما أن المواجهة هذه تؤكد أنه لا بد من وجود صناعة عسكرية متطورة لمنظومات الدفاع الجوية خاصة الطيران المسير.

زاوية أخرى تطرق إليها الدكتور طه علي أحمد الباحث والكاتب السياسي وهي الحاجة في الوقت الحالي إلى إعادة تشريح ودراسة المجتمع الإسرائيلي، لا سيما أن عقلية الإسرائيليين تبدو تغيرت بدليل تنامي التعليم الديني، الذي أوجد الآن هذه النخبة اليمينية المتطرفة التي تدير البلاد. وعقب الدكتور حسن أبوطالب على ما طرحه الدكتور طه قائلاً إن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية على سبيل المثال به الكثير من الباحثين الذين يقدمون دراسات ذات صلة بهذا الأمر.

شهدت الحلقة النقاشية كذلك تطرق إلى مخططات تقسيم الشرق الأوسط، الممتدة منذ اتفاقية “سايكس – بيكو” وما تلاها، بهدف تقسيم المنطقة إلى كيانات صغيرة تسهل السيطرة عليها، وهي النقطة التي تطرق إليها الدكتور علي ثابت صبري الأكاديمي المتخصص في علم التاريخ، وكذلك الدكتورة سحر حسن أحمد وهي أيضاً متخصصة في علم التاريخ، خاصة في ظل التنافس بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي وكذلك التركي.

وقد رأى الدكتور حسن أبوطالب أن انعكاسات هذه المشروعات يتوقف على مدى قدرة المنطقة على المقاومة، معتبراً أن الشواهد خلال الفترة الماضية تؤكد أن هذه المنطقة لديها مقاومة كبيرة وقادرة على إفشال المشروعات التي لا تحقق مصالحها. وأشار في هذا السياق، إلى المشروع التركي على سبيل المثال، حيث قال إنه كان قائماً على العنجهية ووجد مقاومة؛ فأعاد النظر في طريقته، معتبراً أن بقية هذه المشروعات سوف يتم إعادة النظر فيها.

وفي ختام ردوده على الحضور، جدد أبوطالب تأكيده على أن المواجهة بين إسرائيل وإيران لها دروس، والمهم استفادة الأطراف الأخرى من هذه الدروس، معتبراً أن أهم درس هو أن إسرائيل ليست الكيان الضخم الذي نخشى منه، وأن هناك حاجة إلى التخلي عن القناعات التي أوجدتها البروباجندا الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى