“إسرائيل الكبرى” المشروع القديم الجديد .. مبررات التصريح عنه وخطوات تنفيذه

تحليل: فرناز عطية .. ماكانت إسرائيل تضمره في الخفاء أصبحت الآن في ظل الأوضاع المتردية في الشرق الأوسط والعالم العربي تجاهر به في العلن دون حفظ لماء الوجه، ففي لقاء تليفزيوني لـ”بينيامين نيتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي على القناة الإسرائيلية I 24 مع المحاور التليفزيوني اليميني المتشدد “شارون جال” صحفي وعضو كنيست سابق عن حزب “يسرائيل بيتنا” عن مدى إيمانه بدولة إسرائيل الكبرى، التي من المرجح أن تضم كل فلسطين المحتلة والأردن ولبنان وجزء كبيرًا من سورياو مصر والعراق والسعودية والكويت، وهذا وفقًا لما تتضمنه خرائط اليمين الإسرائيلي، والآن يخرج “نتنياهو” عن تقيته السياسية ويجاهر بأنه موقن بهذا الأمر بل وأنه يعده مهمة تاريخية ودينية، يقع عبء تحقيقها على عاتقه، وأن هذا الحلم في صيرورة وتخلق دائمين، وتعد تصريحاته في 13/8/2025 حول إيمانه وسعيه لإقامة “دولة إسرائيل الكبرى” هو سابقة تاريخية، للمرة الأولى على مدار ثمانية عقود، لرئيس وزراء إسرائيلي، كما يعتبر تبني رسمي وصريح  لتيار “الصهيونية الدينية” التي ترى إسرائيل وعدًا مجزمًا به في التوراه.

قراءة في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي حول “إسرائيل الكبرى”:

ترمي التصريحات التي أطلقها “نيتنياهو” بشأن السعي لتأسيس دولة “إسرائيل الكبرى” على حساب أراضي الدول العربية، أي أن إسرائيل تعد “دولة” فوق الإقليم”، وهي دولة ممتدة توسعية بحدود لانهائية، بل يفرض بذلك واقعًا جديدًا يضمن لها بسط النفوذ على سبل ومنافذ التجارة والطاقة في الوطن العربي والشرق الأوسط، والتحكّم في الدول العربية، سواءً عن طريق القوة الناعمة أو عبر أدوات الضغط العسكري والاقتصادي، وبالتالي فإن هذه الرؤية عمليًا تلغي أي أساس لما يعرف بـ “السلام الإبراهيمي” الذي تروج له إسرائيل والولايات المتحدة وأنصار التطبيع مع إسرائيل.

هذه الحقيقة، رغم قسوتها، تمنح العرب الرافضين للتطبيع سلاحاً سياسياً وأخلاقياً، إذ تُسقط كلّ الذرائع التي يستخدمها المطبّعون لتبرير الانفتاح على “تل أبيب”، كما تضع أمام الشعوب العربية صورة واضحة تتجسد في كون : “إسرائيل لا تنظر للعرب كشركاء، بل كمجال حيوي للتوسّع والسيطرة”.

الصهيونية الدينية ودولة إسرائيل الكبرى

ظهرت الصهيونية الدينية في مطلع القرن الـ20 نتاج التزاوج الديني مع الصهيونية السياسية، وحظيت بدعم من “أفراهام كوك” كبير حاخامات الطائفة اليهودية التي كانت موجودة في فلسطين قبل عام 1948، حيث أكد “كوك” بأن الحركة القومية العلمانية اليهودية تشكل أداة إلهية وخطوة للخلاص النهائي في آخر الزمان، ودعا “أفراهام” عام 1935 بضرورة تأسيس دولة يهودية علمانية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط يعيش فيها اليهود تحت سيادة ذاتية كاملة، وهو ما أرسى أسس التعاون بين الجناحين الديني والعلماني للحركة الصهيونية.

تجتمع الصهيونية الدينية بالأساس على عدة مبادىء سياسية أهمها:

وهنا تخالف الصهيونية اليهودية أو الدينية التيار اليهودي الأصولي الذي يرى أن دولة إسرائيل ينبغي أن تقام فقط عند ظهور المسيح المخلص، ويعتبر أن العمل على تأسيسها قبل ذلك يخالف الشريعة اليهودية،حيث أن الثابت تاريخياً ودينياً أن اليهود لا وطن لهم؛ وقد ذكرت التوراة هذه العقوبة فى أكثر من نص، فيقول أحد النصوص: «لأن أحكامي رفضوها وفرائضي لم يسلكوا فيها»، ويقول النص الثانى: «من أجل أنكم لم تسلكوا فى فرائضي ولم تعملوا حسب أحكامي»، ويقول النص الثالث: «من أجل أنك نجست مقدسى بكل مكرهاتك، وبكل أرجاسك فأنا أيضاً أجزّ ولا تُشفق عينى وأنا أيضاً لا أعفو، ثلث يموت بالوباء وبالجوع يفنون، وثلث يسقط بالسيف، وثلث أذريه فى كل ريح وأستل سيفاً وراءهم “، والخطاب في النص موجه لبني إسرائيل”.

وقد أدت  معتقدات الصهيونية الدينية إلى:

  1. تديين القرار السياسي: اعتبار الضم والسيادة على كامل “أرض الميعاد” واجبًا دينيًا.

2.   الاستيطان كأداة دولة: توسع سريع مع شرعنة قانونية وسياسية لمشاريع الضم الزاحف.

3.   تركيبة حكم هجينة: براجماتية نتنياهو مدعومة بأيديولوجيا توسعية ترفع سقف المطالب باستمرار.

ومنذ عهد “رونالد ريجان” الرئيس الأمريكي في مطلع ثمانينات القرن الماضي، بدأت الصهيونية المسيحية بالصعود التدريجي إلى مواقع صنع القرار الأمريكي والغربي، فيما تمكنت الصهيونية اليهودية قبل ذلك بسنوات قليلة من الوصول إلى مراكز القرار السياسي داخل الكيان الصهيوني، وقد شكلت حرب عام 1973 صدمة بخصوص مستقبل إسرائيل، وقوضت الثقة بالحكومة التي كان قد سيطر عليها اليسار، مما دفع قادة الصهيونية الدينية إلى تأسيس جماعة “غوش أمونيم” التي سعت للحفاظ على مكاسب حرب 1967 عبر تعزيز الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وأسهم ذلك في ارتفاع عدد المستوطنين بالضفة من 2800 مستوطنًا في عام 1977 إلى نصف مليون مستوطنًا، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، وخصوصاً بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995، تحولت الصهيونية الدينية اليهودية من كتلة مستوطنين مؤثرة إلى شريك مقرر في الائتلافات الحاكمة، مخترقة الجيش والأمن والقضاء والإدارة المدنية في الضفة الغربية.

وقد استطاع أنصار الصهيونية اليهودية التوغل في السلطة من حيث كثافتهم داخل حزب الليكود الذي بقي فيه الصقور فقط بعد أن انسحب منه شارون ليؤسس حزب كاديما، أو من ناحية حرصهم على الانخراط في الجيش الإسرائيلي إذ ارتفعت نسبتهم بين عامي 2000 و2012 في دورات تدريب الضباط من 15% إلى 43%، كما ازداد عددهم في الشرطة، وقد استطاعوا كسابقة أولى من نوعها  تشكيل حكومة ائتلافية مع نتنياهو في انتخابات 2022 من الفوز بحقائب وزارية حساسة مثل حقيبتي المالية والأمن القومي، مما ضمن لهم مقعدين داخل مجلس الوزراء الأمني المصغر، وتوظيف مؤسسات الدولة لتنفيذ مخططاتهم، إضافة إلى تأسيس أحزاب خاصة بهم مثل البيت اليهودي في عام 2008 بزعامة “نفتالي بينيت”، والقوة اليهودية في عام 2012، والصهيونية الدينية بزعامة “سموتريتش”.

خطوات تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى في إدارة “نتنياهو”:

أهمية التوقيت :

هناك عدد من العوامل والأسباب التي تكمن وراء جهر رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من المسئولين في الحكومة الإسرائيلية بمشروع “إسرائيل الكبرى” في الوقت الراهن، وتفسر أهمية التوقيت الذي اعترف فيه “نتنياهو” بأنه يسعى لإنجاز مهمة بناء دولة “إسرائيل الكبرى”، وأبرزها:

وهنا يفرض سيناريو أحادي نفسه في ظل بقاء الدول العربية على موقفها من إسرائيل والذي يفتقد الحسم والحزم، ومواقف الدول الغربية التي تتصف بالميوعة وترك الحبل على الغارب للجانب الإسرائيلي، ناهيك عن الموقف الأمريكي الداعم بقوة للجانب الإسرائيلي في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث يصبح الوضع أكثر سوءًا، فيما يتعلق بتطاول إسرائيل على الأراضي العربية والتوسع على حساب شعوبها ونهب ثرواتها ومقدراتها، مبررة ذلك للعالم بأسطورة حقوقها التاريخية والدينية في أرض العرب، وبالتالي يبغي على الدول العربية، أن تتخذ عدد من الإجراءات لمواجهة التوغل الإسرائيلي في أراضيها، التي من أبرزها:

Exit mobile version
التخطي إلى شريط الأدوات