تحليل: د. عزة محمود علي
فيلم بريتان ليس مجرد عمل فني يوثق سيرة مناضلة كُردية رحلت مبكرًا تاركة خلفها أثرًا، بل هو نص بصري وفكري يتقاطع فيه التاريخ مع الفلسفة، والذاكرة الفردية مع الذاكرة الجمعية. إن ما يقدمه الفيلم يتجاوز حدود الرواية الواقعية ليطرح سؤالًا جوهريًا عن ماهية الحرية، وعن العلاقة بين اللغة، والذاكرة، والهُوية في سياق مقاومة الاضطهاد الإنساني.
الفيلم يضعنا منذ لحظاته الأولى أمام معادلة وجودية؛ كيف يمكن للإنسان، وهو مُحاصر بالموت والجوع والخذلان، أن يظل متمسكًا بجدوى الكلمة؟ هنا تبرز فلسفة الحروف التي يتعلمها الشهيد فداكار، وتتغنى بها الفتاتان اليافعتان “غونش” و”چيان”، والتي تستحضرها بريتان في لحظة فقد رفيق الكفاح فداكار وصديقتها بريفان؛ الحروف ليست أصواتًا عابرة، بل هي فعل مقاومة، إذ تتيح للإنسان أن يحفظ ذاته في مواجهة محاولات المحو والإنكار. ومن هذا المنظور، فإن الحروف في الفيلم تتحول إلى رمز للحرية، باعتبار أن الكتابة واللغة هما الطريق الأول إلى التحرر، قبل أي شكل آخر من أشكال المقاومة.
إن ما يمنحه – بريتان – من قيمة فكرية لا يكمُن في سرد بطولي مباشر، بل في الكشف عن الجوهر الفلسفي للمقاومة؛ الموت هنا ليس نهاية، بل هو انتقال من الوجود الفردي إلى الوجود الرمزي، الشهيد لا يرحل بوصفه جسدًا فقط، بل يتحول إلى “نص” مكتوب في ذاكرة الجماعة. ومن هنا، تُصبح التضحية في الفيلم ليست مجرد حدث مأساوي، وإنما فعل تأكيد للهُوية، وضمان لاستمرار المعنى.
وعلى المستوى الأكاديمي، يمكن قراءة الفيلم في إطار فلسفة الذاكرة الجماعية؛ والتي ترى أن الجماعات تُبني هُويتها من خلال ما تحفظه وتتداوله من رموز، وأيضًا في إطار الأنطولوجيا الوجودية؛ حيث يتحول الموت إلى لحظة وعي بالكينونة الأصيلة.
إن استدعاء الماضي في شكل “فلاش باك Flashback” ليس مجرد تقنية سردية، بل هو تأكيد على أن الزمن في تجربة المقاومة غير خطي؛ الحاضر يستمد معناه من الذاكرة، والمستقبل يُولد من صدى الحروف والدموع.
وبذلك، يصبح فيلم بريتان أكثر من وثيقة فنية أو سياسية؛ إنه تجربة فلسفية بصرية، تضع المُشاهد أمام سؤال مُلح؛ هل الحرية تُصنع بالسلاح فقط، أم أن الكلمة، الحرف، والذاكرة هي أسلحتها الأولى؟
يُصور الفيلم المُعنون بـ “بريتان” بطلته، المناضلة كلناز قره تاش (اسمها الحركي بريتان)، كرمز للبطولة والإصرار في مواجهة الخيانة، نُفِذ إنتاجه عام 2006 لتكريمها ونقل قصتها إلى الجمهور الأوسع.
- ملحمة بريتان “خلفية المقاومة والمسار الحياتي”:
وُلدت كلناز عام 1971م في ديرسم “في باكور كردستان”، وانتقلت إلى سولاخان “سولهان” التابعة لجولك؛ حيث تأثرت بقمع الدولة التركية لمجتمعها؛ ما أدى إلى انخراطها في العمل الثوري مع حزب العمال الكُردستاني عام 1991م تحت اسم “بريتان“ وتميزت بقدرتها على القيادة والإدارة، وأصبحت بالفعل قائدة فصيل، ومشرفة على تدريب المقاتلين.
المواجهة والتضحية الفائقة:
في عام 1992، خلال هجوم مشترك شنّه الاحتلال التركي مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني، حُوصرت بريتان مع مجموعة من الكريلا، أمرتهم بالانسحاب بينما ظلت هي بمثابة درع حقيقي، ومُقاومة حتى نفاد الذخيرة، ثم قامت بتحطيم بندقيتها كي لا تقع بيد الخونة، وصرخت: “تعيش الحرية ولتسقط الخيانة”، قبل أن تُلقي بنفسها من أعلى قمة جبل خاكورك[1] لتموت شرفًا بدلًا من السقوط في الأسر.
التأثير الفني والنفسي للمشهد:
صحّح المشهد موقف من كان يحاصرها حتى أنهم بدّدوا سلاحهم ولم يعودوا يقاتلون أبناء شعبهم بعد أن شهدوا شجاعتها، وتحول استشهادها إلى أسطورة حية في داخل وخارج صفوف الكريلا، وكانت مصدر إلهام لتجهيز وحدات نسائية مستقلة.
رمزية وتأثير الفيلم والتحليل:
رمزية المرأة والمقاومة: عُدّت بريتان نموذجًا للمرأة الحرة التي لا تستسلم، ومؤسسًا لمرحلة جديدة في تنظيم النساء ضمن الكريلا، إذ فتح استشهادها الطريق لتنظيم الوحدات النسائية المستقلة تحت شعار “تجييش المرأة” الذي أطلقه القائد والمفكر “عبد الله أوجلان”.
تفاصيل العملية الفدائية:
في عام 1992م، ونتيجة اتفاقية تمت بين الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكُردستاني PDK والاتحاد الوطني الكُردستاني، بهدف القضاء على حركة التحرر الكُردستانية، أطلقت الدولة التركية المحتلة عملية عسكرية ضد قوات الكريلا في جبال كردستان؛ بمشاركة الآلاف من قوات الحزب الديمقراطي الكُردستاني، وأصرّت بريتان على المشاركة في التصدي لهذه العملية، لتكون واحدة من بين المقاتلات اللواتي قاومن ودافعن من أجل كسر هجمات الخونة المتعاونين ضدهم.
وأثناء اشتداد الاشتباكات بين قوات الكريلا وقوات PDK في إطار تلك الحملة، حُوصرت بريتان في 25 تشرين الأول من عام 1992، برفقة مجموعة من الكريلا كانت تقودهم، إلا أنها أمرتهم بالانسحاب للنجاة من الحصار، وبقيت هي لتحمي المجموعة بنيران سلاحها أثناء انسحابهم، واستمرت بمقاومتها؛ حتى نفاد الرصاصة الأخيرة في جعبتها، في تلك الأثناء، كانت فلول قوات الحزب الديمقراطي الكُردستاني تقترب من موقع تمركزها، حتى وصلت إليها مجموعة من القوات، فناداها قائد المجموعة للاستسلام مبيّنًا أنه لا خيار آخر أمامها سوى الاستسلام، لكنها أبت ذلك، فكسرت بندقيتها كي لا يغتنمها الخونة، وألقت بنفسها من قمة في أعالي جبل خاكورك، وهي تنادي بأعلى صوتها “تعيش الحرية ولتسقط الخيانة“
بعمليتها تلك فضّلت بريتان الموت على الاستسلام والوقوع في الأسر بيد الخونة من أبناء جلدتها، وأثبتت الخيانة التي لا يزال الديمقراطي الكُردستاني يمارسها بحق الشعب الكُردي وقوات الكريلا[2]
استشهاد بريتان بداية لمرحلة جديدة:
استشهدت المناضلة بريتان كان بمثابة مرحلة جديدة بالنسبة للمقاتلات الكُرديات ضمن حزب العمال الكُردستاني PKK، وهي مرحلة تعزيز قدرات المرأة؛ حيث وجّهت لنساء العالم أجمع رسالة أنه بالإرادة سيتحقق النصر، كما جسدت في شخصيتها حقيقة تاريخ المرأة الكُردستانية ضد الذهنية الهادفة إلى إنكار المرأة وإنكار إرادة الشعوب.
قبل استشهادها قالت: “سأقاتل على نحوٍ أصبح فيه لائقة بالقيادة، ولن أترك خندقي أبداً، وسأحاسب الخونة”، وهكذا تحولت في 25 تشرين الأول 1992، إلى أيقونة نضال بين صفوف الكريلا والشعب الكُردي، وكُتبت عنها الأشعار والقصائد والأغاني، فيما أنتج رفاقها (عام 2006) فيلم يخلد اسمها …… “بريتان“.
الرسالة ضد الخيانة:
حملت العملية رسالة واضحة لكل من سولت له نفسه التعاون مع الأعداء: أن الخيانة لن تمضي بلا عقاب، وأن التضحية والنضال تبقى أعلى قيمة، وقد تابعت الكُرديات النضال على خط بريتان، وهدِرت صرخات “لا للخيانة” دفاعًا عن الهُوية والقضايا العادلة.
العناصر الفنية والدراماتيكية للفيلم:
لا تتوفر معلومات محددة عن أسلوب إخراجي أو تفاصيل سينمائية كاملة من المصادر التي رجعنا إليها، لكننا نستشف بناءً على الإدراك البصري للمحتوى أن التركيز الدرامي المنغمس في الحدث التاريخي يجعل المشاهد ربما تركز على التضاد بين الانسحاب والكفاح، والتوتر الحارق للقرار النهائي، كما أن استخدام رموز القوة، والحرية، والسقوط من القمة، كسر البندقية، والصراخ من أعالي الجبال، كلها رموز تعكس رفض الخنوع والاحتفاظ بالكرامة.
التحليل المصدري لـ فيلم بريتان:
يبدو أن تحليل الفيلم الشهيدة (بريتان) مشهود له بالدقة في المصادر، لكن للأسف لا يتوفر تحليل تفصيلي لكل مشهد على حدى من خلال المصادر المتاحة، ولذلك سوف نعمل على ايضاح ذلك بالمقال محل العرض.
ما توصلت إليه المصادر:
يشير مقال نقدي إلى أن الفيلم لا يكتفي بتمجيد البطولة الفردية، بل يعرض “بريتان” كرمز للمرأة الكُردية الحرة، ويصور أبعادًا متعددة مثل الحب الأسمى، والتضحية، والخيانة، والجُبن، ضمن تقابل واضح بين التضحية والشجاعة مقابل الخوف والخيانة.
كما سجّل الفيلم رمزية قوية بصريًا في الطريقة التي عرض بها الخيانة والجُبن، من خلال قادة داخليين يقعون في طيات الخيانة[3]، وتعبير درامي عن الجُبن داخل صفوف الثورة قبل المعركة الحقيقية . كان للمشهد الأخير حضور قوي في الأذهان، بما فيه لحظة ” إلقاء نفسها من الجبل” بعد إعلاء شعار المقاومة، وهو لحظة تُجسد التحرر والرفض التام للخيانة، كما عبّرت الممثلة المُشاركة “چيندا باران Baran “Jînda عن صعوبة تجسيد هذا المشهد، خاصّة تصوير ردّات الفعل المتناقضة بين الخوف والحرفية في مواجهة النهاية.
وسوف نقوم بتقسيم الفيلم إلى مشاهد رئيسية محتملة، وتحليل كل منها وفق ما يُعرف عن الحبكة الرمزية، المشهد المحتمل، التحليل الرمزي والدلالي، الافتتاح وتأطير الشخصية، مشهد افتتاحي:
يُعرّف بريتان وهويتها كفدائية، ويعكس الصراع الكُردي ويضع القاعدة الدرامية للمقاومة. تعبئة المجموعة ومحرضي الخيانة:
يُعرّف الفيلم أبرز الجهات المغروسة في الحلف أو المجموعة التي تتآمر، ويرسّم حدود الصراع بين الوطنية والخيانة.
حوار القائد الخائن يقف كرمز للفساد الداخلي ونقطة التحول:
في لحظة يتم فيها عرض الخديعة بشكل شبه مرن، فيما يعكس أنّ الخونة لا يكونون دائمًا عنيفين بل متسللين ومندسين.
مواجهة الخيانة والتصدي:
مشهد مواجهة بريتان للخائن، وحثّها للمجموعة على رفض الانسحاب، يوضح شجاعة المرأة الكُردية واحتوائها للقيم الثورية.
تفكّك الرتب أو ضعفهم النفسي:
عرض مشاهد للثائرين المستكينين أو الهالعين، كإشارة إلى الانطماس الداخلي ونقطة السواد التي يجب اجتثاثها داخل النفس الثورية.
تحطيم البندقية: رمز واضح للمقاومة على الرغم من انعدام السلاح أو الإمكانية، واختيار الرمزية بدلاً من الخضوع بأن تصبح السلاح الذي لا يُستخدم ضد الشعب.
الصرخة أو الشعارات الصارخة مثل: “تعيّش الحرية، ليس الخيانة”، أو هتاف “عاش القائد أوجلان (APO)” تمثل تحمل الأمل والتفويض الحسابي للثورة والحرية، حتى في اللحظة الأخيرة.
القفز من فوق الجبل القرار النهائي الذي يجسد التضحية المطلقة، رفض السقوط في الأسر أو الخيانة، والذهاب إلى الحرية أو الموت، وهو أقوى مشهد درامي في الفيلم بحسب المصادر.
ما سبق يعكس لنا عدم توافر تحليلات مشهدية مفصلة لكل لحظة في فيلم الشهيدة بريتان، ولكن من خلال مراجعة المصادر، يمكن ملاحظة أن الفيلم يعتمد بشكل كبير على الرمزية في
الأزياء، البيئة، اللقاءات النفسية، والخطب، ليبني أسطورة بريتان كشخصية مقاومة، ومثال للمرأة الحرة والثورة.
المشاهد الرئيسية المذكورة أعلاه تُظهر تدرّج الشخصية من الانتماء إلى التضحية المطلقة، مع إبراز جوانب الخيانة، والتضحية، والتاريخ.
الأسلوب الإخراجي للفيلم:
فيلم بريتان يتميز بأسلوب إخراجي يوازن بين البُعد الوثائقي والدرامي، ويستند إلى لغة بصرية تعكس قسوة الجبال وصمود المقاتلات الكُرديات.
وفيما يلي أبرز الملامح الإخراجية والتفاصيل السينمائية للفيلم:
- الأسلوب الإخراجي العام: اعتمد المخرج على الواقعية (Realism) في السرد، إذ جاءت اللقطات قريبة من السرد الوثائقي، بوجوه طبيعية غير متكلّفة، وبأداء بسيط يركز على صدق المشاعر لا على الإبهار.
- التصوير: استخدم التصوير في أماكن طبيعية (الجبال، الكهوف، الغابات)، ما منح الفيلم صدقًا بيئيًا يعكس حياة الفدائيات وظروف نضالهن.
- الزمن: الجمع بين الزمن الدائري والفلاش باك؛ حيث يتم الرجوع إلى الماضي عبر المذكرات والذكريات، مما يضيف بُعدًا فلسفيًا لقضية النضال والتضحية.
- الصورة والإضاءة: الإضاءة طبيعية؛ حيث تم الاعتماد على ضوء الشمس والنار والقمر، لإيصال الإحساس بالخشونة والواقعية
- الألوان تُرابية (بني، رمادي، أخضر قاتم): لتعكس عالم الجبال والقسوة، مع ندرة للألوان الزاهية مما يرسّخ الطابع المأساوي
- بعض المشاهد الليلية استخدمت تقنية الإضاءة الخافتة مع الظلال لتعميق الإحساس بالترقب والخطر
- حركة الكاميرا الكاميرا المحمولة (Handheld Camera): لتعكس الاهتزاز والتوتر أثناء المعارك أو الملاحقات.
- اللقطات القريبة (Close-up): تركز على وجوه المقاتلات وانفعالاتهن، خاصة لحظة بكاء بريتان أو قراءة المذكرات.
- اللقطات العامة (Long Shot): تظهر الجبال الشاهقة لتُبرز صغر الإنسان أمام الطبيعة وعظمة التضحية.
- المزج بين الثبات والحركة: فالمشاهد الحوارية غالبًا ثابتة، بينما المعارك والمطاردات متحركة، مما يخلق تنوعًا إيقاعيًا.
- المونتاج إيقاع متدرج: يبدأ بطيئًا في لحظات التأمل، ثم يتسارع مع القتال أو عند توتر الأحداث.
- توظيف المونتاج الموازي: بين مشاهد الحياة اليومية للمقاتلات ومشاهد المعركة، ليظهر التناقض بين لحظات الإنسانية ولحظات الحرب.
- استخدام الفلاش باك لربط الماضي بالحاضر؛ حيث تعود البطلة بذاكرتها إلى تجاربها السابقة أو إلى مذكرات رفيقاتها.
- الموسيقى والصوت حضور قوي لـ الأغاني الكُردية الفلكلورية، خصوصًا الحزينة، لإبراز البُعد التراثي وبُعد الهُوية.
- الموسيقى قليلة التدخل: غالبًا تُترك الطبيعة (صوت الريح، الرصاص، الصمت) لتكون جزءًا من السرد.
- الأصوات جاءت أحيانًا خامًا، بدون تنقية مبالغ فيها، لزيادة الطابع الواقعي.
- الرمزية السينمائية: العلم الكُردي المدفون الذي يظهر في بداية الفيلم؛ يرمز للهُوية الممنوعة والتي تعود للسطح رغم القمع.
- المذكرات: رمز للذاكرة الجمعية، ولتوارث النضال عبر الأجيال.
- الجبال: ليست مجرد مكان، بل بطل صامت يرمز للحرية، والحماية، والخلود.
- الأداء التمثيلي معظم الممثلين من بيئة حقيقية، ما يجعل الأداء قريبًا من التلقائية.
- البطلات جسدن شخصياتهن بمزيج من الصلابة والعاطفة، خصوصًا في لحظات الوداع أو الشهادة. ويمكن القول إن المخرج اعتمد مدرسة الواقعية الشعرية؛ واقعية في توثيق حياة المقاتلات، وشاعرية في تصوير الجبال والرموز.
تحليل تفصيلي بناءً على تقسيم زمني:
وفيما يلي التحليل التقسيمي الزمني للفيلم (كل 15 – 30دقيقة تقريبًا) وقد قمت بإعداده استنادًا إلى ما ورد عن سير القصة والرموز الدرامية المعروفة للفيلم، حيث أن الفيلم لم يكن متاحًا بمادة مشروحة مشهدًا بمشهد، وقد راعيت فيه تأطير الأحداث الرئيسة بالفيلم:
البداية والتأطير للحدث: (تقسيم زمني الدقائق15دقيقة):
الفيلم يفتتح بمشاهد الطبيعة الجبلية الكُردستانية (جبال ديرسم[4] وخاكورك وبارورك[5]) مع موسيقى حزينة تعكس صوت القدر، يظهر صوت الراوي أو لقطات أرشيفية عن القمع التركي، وسياسة التهجير؛ ثم تقديم شخصية كلناز قره تاش (الاسم الحركي: بريتان).
التحليل: البيئة الطبيعية ليست مجرد خلفية، بل رمز لصلابة المقاومة، التركيز على ملامح بريتان الشابة يعكس انتقالها من “ابنة قروية” إلى “رمز ثوري“، المشاهد الأولى تضع المُشاهد في جو صراع وجودي؛ حيث لا فصل بين الأرض والإنسان.
الدقائق 15 – 30: تشكيل القناعة والانضمام والحدث Flashback قصير عن طفولتها وتأثرها بالظلم في قريتها، ثم التحاقها بالكريلا سنة 1991م، مشاهد التدريب القاسي، وأحاديث مع رفيقاتها عن الحرية والخيانة وعبارتها الباسمة لرفيقتها روكان – لقد شوهت لغتنا الكُردية – .
التحليل: الحوار بين المناضلات يُظهر البُعد النسوي الثوري للفيلم: المرأة ليست “تابعًا” بل فاعلة في حمل السلاح.- حديثها لروكان دلالة على محاولات الأتراك لطمس الهوية الكُردية –
نبرة الفيلم: نبرة تعليمية؛ كيف تتحول الفتاة العادية إلى أيقونة مقاومة، ويظهر لأول مرة ظل “الخيانة الداخلية” كخطر لا يقل عن العدو الخارجي.
الدقائق 30 – 45: المواجهة الأولى مع الخيانة:
الحدث: تستيقظ بريتان وتحادث روكان بأنها تشعر أنه اليوم الأخير للحرب، تناول الحلوى مع الرفقاء، البحث عن بطارية للكاميرا، استشهاد فداكار، ثم مشهد داخل المعسكر أثناء اجتماع؛ حيث يُكتشف أن بعض العناصر تتعاون سرًا مع العدو التركي.
التحليل: يتعمد المخرج إظهار مدى استشعار بريتان بلحظة رحيلها، قوتها ورغبتها في تحقيق النصر، خشيتها على الرفقاء، ورغم شعورها تحاول أن تغتنم لحظات من السعادة، ثم لحظة التباين بين وجوه المقاتلين؛ العيون المخلصة مقابل نظرات الخونة المترددة، هذه اللحظة تحضر كـ”تمهيد درامي” لمعركة خاكورك، بريتان هنا تبرز كصوت الحقيقة، تحذر من
أن الخيانة أخطر من الرصاص.
الدقائق 45 – 60: التحضير للمعركة:
الحدث: معسكر الكريلا يتعرض لضغط كبير، القوات التركية بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني تبدأ هجومًا عام 1992م، بريتان تلقي خطابًا قصيرًا لرفاقها: “المعركة ليست فقط بالسلاح بل بالشرف”.
التحليل: عنصر التصعيد الدرامي واضح: الانتقال من الحوارات النظرية إلى خطر حقيقي ووشيك، التركيز على شخصية بريتان كقائدة روحية ونفسية.
المونتاج: بين الطبيعة (العاصفة أو الليل) ووجوه المقاتلين يعكس توتر اللحظة.
الدقائق 60- 90 فلاش باك لحظات رومانسية:
تظهر بريتان وهي تتحدث مع رفيقها في الكفاح وحبيبها حسن؛ حيث يتحدثان عن القوة التي تتولد بينهما من خلال الحب، وأن خاتم زواجهما سيكون وعد النصر بينهما، ثم يحفران للخاتم في أعلى الجبل حتى يعودان بعد النصر
التحليل: الخاتم هنا هو رمز للوعد الإنساني بالحب، والارتباط. لكن دفنه لا يعني التخلي عنه، بل العكس: هو شكل من أشكال صونه من التشتت وسط الحرب. الحفر فوق قمة الجبل يمنحه قدسية خاصة، كأنه وُضع في معبد طبيعي يطل على العالم. بالنسبة للحبيبين، هذه اللحظة تجسد وعدًا باللقاء المؤجل، لقاء مشروط بانتصار القضية قبل أن يكون لقاءً شخصيًا.
الدقائق 90-105 : اندلاع المواجهة.
الحدث: المعركة تبدأ، المقاتلون في الجبال، أصوات الرصاص والقصف، بريتان توجه المجموعة للانسحاب التكتيكي، لكنها تظل متقدمة في الخطوط الأمامية.
التحليل: هنا يدمج المخرج الحركة (الأكشن) بالرمزية: كل طلقة ليست مجرد رصاصة، بل تحدٍ للعدو والخيانة، كما تكشف مشاهد الانسحاب التباين بين الخوف والشجاعة، بريتان تزداد وضوحًا كـ درع للجميع.
الدقائق 105 –120: ذروة الدراما – ما قبل لحظة القرار.
الحدث: القوات التركية تقترب، الذخيرة تنفد، بريتان تأمر رفاقها بالانسحاب، وتظل وحدها في موقع المقاومة تحارب من كل اتجاه وتلتف حول الأعداء من أعلى الجبل وكأنها تحل محل جميع الرفقاء الشهداء وتقاتل للنهاية.
الدقائق 120 –135: القرار
بريتان تحطم بندقيتها حتى لا تقع بيد الأعداء. تصرخ: “تعيش الحرية… تسقط الخيانة”
التحليل: تحطيم البندقية فعل رمزي: السلاح يصبح عديم القيمة أمام مبدأ الكرامة، الصرخة تمثل النهاية، المقاومة ليست خيارًا بل قدرًا.
الإخراج يركز بالكاميرا على وجهها – نصفه نور، نصفه ظل – كدلالة على التحول من الإنسان إلى الأسطورة.
الدقائق 135– 150: الخاتمة – القفزة الأسطورية
الحدث: بريتان تصعد إلى قمة الجبل، بينما يطوّقها الأعداء، بلقطة بطيئة (slow motion) تلقي نفسها من الجبل، يدوّي صدى صوتها، تتحول النغمات لمزيج بين الحزن والفخر.
التحليل: القفز ليس موتًا، بل ولادة جديدة؛ رمز أن الجسد يفنى لكن الفكرة تحيا.
المخرج يترك النهاية مفتوحة من حيث المعنى: هل سقطت إلى الهاوية أم صعدت إلى الخلود؟ ينتهي الفيلم بمونتاج صور نساء كًرديات أخريات يقاتلن، كإشارة لاستمرار خطها النضالي.
الخلاصة التحليلية للبُعد الزمني بالفيلم:
الفيلم مبني على تصاعد درامي تقليدي: (تقديم → توتر داخلي → مواجهة → قرار مصيري
→ خاتمة أسطورية
بريتان تجسد المرأة المُقاومة: الإنسان الذي يختار الموت بكرامة على الحياة في الخيانة. المشاهد موزعة بدقة لتعكس مراحل تحولها من إنسانة عادية إلى أيقونة.
الرسالة المركزية: أن البطولة ليست مجرد قتال، بل فعل أخلاقي /فلسفي في مواجهة الخيانة.
الشخصيات الأخرى:
قدّم فيلم بريتان شخصيات أخرى إلى جانبها لتجسيد أبعاد القصة(المقاومة، الخيانة، التضحية)
الشخصيات الرئيسة في الفيلم
- رفيقات بريتان في الكريلا: مجموعة من النساء يظهرن إلى جانب بريتان في مشاهد التدريب والمعارك، لسن أسماء فردية بارزة بقدر ما يمثلن “المرأة الجماعية”، أي أن بريتان لم تكن وحيدة، بل جزء من قوة نسائية تصاعدت بعد استشهادها.
- القادة الخونة / المتعاونون مع العدو يجسدون شريحة من العناصر الكُردية التي تعاونت مع الجيش التركي أثناء هجوم 1992م، يمثلون “الوجه الآخر” للمقاومة؛ الخيانة الداخلية، التي تراها بريتان أخطر من رصاص العدو.
- الجيش التركي + قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) يظهران كخصوم مباشرين في المعركة، ويمثلون كتلة عسكرية معادية، يرمزون إلى الاحتلال والقمع والتواطؤ.
- القائد/الموجه المعنوي: إشارة لعبد الله أوجلان – آبو، رغم أنه لا يظهر بشخصه في الفيلم، إلا أن اسمه وشعاراته تُستحضر في الحوارات والصرخات الأخيرة؛ حيث يمثل البعد الإيديولوجي والفكري الذي ترتبط به بريتان ورفيقاتها.
خلفية القصة[6]:
المرجع التاريخي؛ يستند الفيلم إلى سيرة (بريتان)؛ من أبرز رموز الذاكرة النضالية الكردية في التسعينيات. تَحوَّلَت قصتها ــ رفضُها الاستسلام في خاكورك/شاكرِك عام 1992 ثم كسر السلاح والقفز من الجرف ــ إلى رمزٍ ثقافي وسياسي واسع التأثير.
اللغة السينمائية:
تصوير خارجي طبيعي بالكامل تقريبًا؛ جبال ضارية، مناخ قاسٍ، وممرات وعرة؛ الكاميرا المحمولة والإضاءة الطبيعية تخلقان واقعية خشنة تُشبه “سينما الأنصار”. الأداء: غير مُؤدلج في حضوره اليومي؛ لأن الممثلين مقاتلون حقيقيون، يتقدّم «السلوك» على «التمثيل»، فتبدو الحركات/الإشارات/الصمت أدوات أداء.
الإيقاع: المدة الطويلة (162 دقيقة) تُستخدم لبناء عالم وتجربة معايشة، لا حبكة سريعة؛ ما يراكم ثِقَل القرار في المشهد الأخير.
الصوت والموسيقى: تعتمد الموسيقى والأناشيد والهوامش الصوتية (الريح/الخطى/الرصاص) لخلق طبقة وجدانية أقل «تزويقًا» وأكثر تسجيلية.
الثيمات الرئيسة:
- المرأة بوصفها ضميرًا جمعيًّا: لا تُقدَّم بريتان «استثناءً فرديًا» بل نقطة اتّزانٍ أخلاقي تُصالح بين صرامة القتال وعدالة القضية
- الجسد كجبهة مقاومة: كسر السلاح قبل السقوط يجعل الجسد هو «الحدّ الأخير» للاختيار الحر.
- الخيانة مقابل الرفاقية: السرد يضع الانقسام الداخلي كتهديدٍ وجودي أخطر من العدو المباشر
- الطبيعة/الجبل كبطلٍ موازٍ: ليس مجرد خلفية بل «محكّ» أخلاقي ونفسي — من يحتمله يتهيّأ لتحمّل أثمان الحرية
- خطاب الفيلم وموقعه الأيديولوجي: الفيلم صُنع داخل شروط حركةٍ مسلّحة وبمنطقها القيمي، لذا يحمل بعدًا تعبويًا واضحًا (وظيفة الذاكرة/القدوة/التماسك)، ورغم ذلك، فإن الاختيارات الجمالية (المَشاهد الحميمية، الحوارات غير المنمّقة، البعد التأمّلي للطبيعة) تمنعه من التحوّل إلى منشورٍ دعائي صِرف.
- تُفيد المصادر بأن العمل جزء من مسار مخرجٍ كرّس أفلامًا للجبال والمقاتلين، ما يضعه ضمن «سينما الأنصار الكردية» مطلع الألفية.
- قراءة نسوية: يرتقي الفيلم بصورة المرأة من «أيقونة» إلى ذاتٍ صاحبة قرار سيادي على جسدها ومصيرها، لا تُختزل بطولتها في الفداء النهائي؛ بل في «تربية» الجماعة على معنى الحرية والكرامة اليومية؛ بذلك يُسهم العمل الفني في تفكيك مركزية الذكورة في أفلام الحرب عبر بطلةٍ مُعلِّمة وقائدة في آنٍ واحد.
- الرموز والدلالات: كسر البندقية؛ يعني نزع الشرعية عن «القبض على الجسد» بوصفه انتصارًا؛ فالسلاح بلا صاحبه ووعيه، مجرّد حديد.
- القفز من الجبل: انتقال من جغرافيةٍ مُحاصَرة إلى «ميتافيزيقا الحرية» — يَحسم الصراع على تعريف الكرامة.
- الجبال/الضباب: ذاكرة جمعية لا تُرى كاملة — كلّ جيل «يكمل الرؤية» من فجوة تخصه.
- السياق والتلقّي حُفظت سيرة بريتان في الأغاني والذاكرة الشفوية، ووُثِّقت أكاديميًا وإعلاميًا، كما أُشير إلى الفيلم كأحد تمثيلات سيرتها، ويُحضر العمل اليوم عبر نسخ رقمية (منها نسخ مترجمة 2021)، ما أعاد إدخاله في التداول الثقافي العربي.
- نقاط القوة: صدقية المكان والأداء (تمثيل المقاتلين/التصوير الحقلي، اتساق جمالي بين الفكرة والوسيط: خشونة الصورة تُعادل خشونة التجربة
- بناء تدريجي يُثمّن «المعنى» قبل «المشهدية»، ويمنح الخاتمة وزنًا أخلاقيًا.
- المآخذ المحتملة: الإيقاع المتمهّل قد يُرهق مشاهدًا يبحث عن حبكةٍ سريعة، رؤية من داخل منظومةٍ واحدة؛ تمثيلٌ محدود لوجهات النظر الأخرى.
- طبيعة العمل وموقعه: التقنيات محدودة قياسًا بسينما الاستوديو؛ لكنّها هنا جزءٌ من صدقيّة الفيلم، وقد وفّرت النسخة الأخيرة ترجمة احترافية ببياناتٍ واضحة للفريق المشرف، ما سهّل وصول الفيلم إلى جمهورٍ عربي أوسع، وهذه النسخة مُوثَّقة بذكر الأسماء في وصف الفيديو (يوتيوب/ روتوب)
- قوّته في أنه فيلم عن معنى الانتصار قبل صورته؛ وعن امرأةٍ تصنع معيارًا أخلاقيًا لجماعتها لا بلحظة الفداء فقط، بل بكلّ ما سبقها من تعليمٍ وحضورٍ وتربيةٍ على الكرامة.
بدايةً التحليل البصري المختصر لمشاهد الفيلم:
المشهد الأول: العثور على العلم الكُردي على زي عسكري مدفون في التراب.
الوصف البصري: يُفتَتح الفيلم بلقطة جند (أو خصوم) يعثرون على زيّ عسكري مطمور جزئيًا في التراب، فوقه أو داخله قطعة قماش (العلم الكُردي)، الإطار قريب من الأرض، الحركة بطيئة، وتعلو الخلفية أصوات الريح/ الخطى.
الرمزية:
- التراب/ الدفن: إشارة إلى محاولة طمس الهُوية أو محو أثر المقاتلين والذاكرة الكردية
- العلم الكردي: حضوره رغم الطمر يرمز لاستمرارية القضية والهوية، وأنها تنبعث حتى من بين الركام
- الزي العسكري: يمثل «الجسد الغائب» للمقاتل؛ أي أن البطل (أوالبطلة بريتان لاحقًا) حاضر
بالرمز؛ حتى إن غاب باللحم والدم، و الدلالة السردية أن هذا المشهد لا يقدّم شخصية مباشرة، بل يُمهّد للبطلة عبر الرمز؛ وهُوية جماعية تُحاول القوى المعادية طمسها، لكنها تعود للظهور دومًا. ومن ثمّ تصبح شخصية «بريتان» تجسيدًا حياً لهذا العلم الخارج من التراب، وتظهر الوظيفة الجمالية بالجمع بين الأرض (المكان) والهُوية “العلم” يجعل المشاهد في مناخ «واقعي- أسطوري»؛ فمنذ البداية؛ نحن أمام قصة لا تُقرأ كأحداث فقط، بل كذاكرة تتجاوز الزمن
التمهيد الدرامي: الافتتاحية هنا تشبه «عتبة رمزية» تُخبر المشاهد بأن القصة لن تبدأ من البطلة مباشرة، بل من ذاكرة الأرض والجماعة. أي أن بريتان ليست فردًا منفصلًا، بل امتداد لرايةٍ لا تُدفن.
نبؤة معكوسة: في ضوء الفيلم كاملًا لاحقًا، عندما تصل القصة إلى المشهد الأخير (كسر السلاح والقفز)، يصبح واضحًا أن المشهد الافتتاحي كان بمثابة «نبؤة معكوسة»: البداية بالعلم المدفون يقابل النهاية بجسد يرفض الدفن الرمزي، فيُحوِّل سقوطه إلى رايةٍ خالدة، وبذلك، يُغلق الفيلم دائرته، من علمٍ مدفون إلى علمٍ مرفوع في الضمير الجمعي.
حديث بريتان مع الفتاتين غونش وجينا: في الفيلم يمثل ذروة رمزية عالية في السرد، لأنه ليس مجرد حوار مباشر، بل هو بمثابة خطاب أيديولوجي ونفسي يشرح جوهر التجربة الكردية في ظل المقاومة، ويضع الفتاتين أمام اختبار للوعي والالتزام.
أبعاد التحليل:
البعد النفسي: بريتان تتحدث بروح الأم والقائدة معًا، فهي تدرك هشاشة الفتاتين وصعوبة الحياة في الجبل، لكنها في الوقت نفسه تحاول أن تبني داخلهما صلابة نفسية. خطابها يوازن بين الحنان والتحفيز، فهي لا تعاتب الفتاتين بل تفتح أمامهما أفقًا أكبر من مخاوفهما الفردية. البعد الأيديولوجي والسياسي: حديثها يربط بين تجربتهن الشخصية ومصير الأمة الكردية، فهي ترى أن النضال ليس خيارًا فرديًا، بل قدرًا جماعيًا. تحاول بريتان أن تنقل الوعي بأن التضحية ليست هزيمة، بل وسيلة لبقاء الذاكرة الكردية حيّة
البعد الرمزي: غونش وجينا تمثلان الأجيال الجديدة التي تتردد بين الخوف والاندماج في التجربة الثورية. بريتان، في خطابها، تؤكد أن البطولة ليست مجرد قتال بالسلاح، بل موقف وجودي ضد الفناء. حديثها يكاد يشبه “وصية” أو “شهادة” تُغرس في وعي الجيل الجديد. البعد الدرامي داخل الفيلم: هذا الحوار يهيئ المشاهد نفسيًا لخيارات بريتان البطولية لاحقًا (خاصة فعلها الاستشهادي)
المشهد يعكس فلسفة الفيلم: أن الكردية ليست مجرد مقاتلة، بل صوت يعلّم ويرشد ويترك أثرًا حتى بعد الغياب، بل إن خلاصة حديث بريتان مع غونش وجينا ليس مجرد نص سردي، بل هو تجسيد لصراع بين الخوف والأمل، وبين الفردية والجماعية. إنه خطاب تأسيسي يضع الفتاتين أمام مسؤولية حمل القضية بعد رحيل الرمز “بريتان“
المغزى الأساسي : زرع البذرة؛ بريتان تعرف أن مصيرها قد يكون الاستشهاد، لكنها تريد أن تترك في غونش وجينا ما هو أبقى من وجودها الجسدي: الإيمان بالقضية. تحويل الخوف إلى معنى؛ بينما الفتاتان تجسدان القلق الطبيعي من القتال والموت، وبريتان تحاول أن تجعل من هذا القلق وقودًا للثبات، أي أن الخوف لا يُلغى بل يُعاد توجيهه.
المقاومة كهُوية: رسالتها أن النضال ليس مجرد سلاح أو معركة، بل هو هوية وجودية، من دونها يذوب الكرد في محيط من النسيان والإنكار.
المرأة كقائدة: حديثها يبرز أن المرأة ليست تابعًا في التجربة الكُردية، بل هي صانعة المعنى وناقلة للرسالة، تمامًا كما فعلت هي مع الفتاتين.
البعد الرمزي: بريتان تمثل الجيل المؤسس، وغونش وجينا تمثلان الجيل المستلم للقضية والحوار ليس لإقناع لحظي، بل هو طقس تسليم شعلة من جيل إلى جيل. مغزى الرسالة أن البطولة لا تموت مع الفرد، بل تعيش في ذاكرة ووعي الآخرين.
مغزى الحديث هنا أن الثورة ليست حدثًا، بل حالة مستمرة تنتقل عبر الوعي. بريتان، وهي تعرف أن نهايتها قريبة، أرادت أن تجعل من الفتاتين مرآة للمستقبل، كي يتحول موتها إلى ولادة جديدة للنضال.
هذا النداء: “أيها الأنجاس الأوغاد، أين أنتم أيها الإرهابيون ب ك ك؟
عندما نضعه في سياق فيلم بريتان، لا يمكن أن نقرأه على أنه مجرد سب أو تحقير، بل هو مكوّن درامي وسياسي يفضح خطاب السلطة في مواجهة المقاومة الكُردية.
التحليل في ضوء الفيلم
لغة التشويه والدعاية العبارات القاسية (“أنجاس، أوغاد، إرهابيون”) تعكس لغة الأنظمة العسكرية التي لا ترى في الطرف الآخر بشرًا أو أصحاب قضية، بل تحاول حصرهم في صورة “عدو قذر” يجب القضاء عليه.
هذه اللغة الدعائية تظهر في الفيلم كصوت خارجي مضاد، هدفه شيطنة المقاتلين الكرد أمام المجتمع وإلغاء إنسانيتهم.
المفارقة الدرامية بينما ينادي “الصوت” بهذا الشكل العدائي، نرى على الشاشة بريتان ورفيقاتها في صورة مختلفة تمامًا: شجاعة، إنسانية، مليئة بالإيمان بالقضية.
هنا يخلق الفيلم تباينًا بين الخطاب الدعائي الرسمي (الذي يصفهم بالإرهابيين) وبين الواقع الذي يقدمه الفيلم (نساء يقاتلن من أجل الحرية والكرامة)
البعد الرمزي: الصوت العدائي يرمز إلى عقلية الدولة المركزية التي تنفي وجود الكرد عبر وصمهم بالإرهاب. في المقابل، بريتان تمثل الصوت الداخلي للأمة الكردية: صوت التضحية، الهوية، والذاكرة الجمعية، وهكذا نرى صراع صوتين متناقضين: صوت السلطة الذي ينفي، وصوت المقاومة الذي يؤكد الوجود.
وظيفته في البناء الدرامي:
هذا النداء ليس مجرد خلفية، بل يساهم في تصعيد التوتر وتهيئة المشاهد لمصير بريتان البطولي، إنه يذكّر المتلقي بأن المعركة ليست فقط عسكرية، بل أيضًا معركة خطاب: كيف يُنظر إلى المقاتل؟ كـ “إرهابي” أم كـ “مناضل شهيد”؟
في ضوء فيلم بريتان، يمثل هذا الصوت العدائي الوجه الآخر للصراع: حرب اللغة؛ فالأنظمة تستعمل خطاب الإهانة لتجريد الكرد من إنسانيتهم، بينما الفيلم يعيد إليهم صورتهم كبشر أصحاب قضية. المغزى أن المعركة الحقيقية ليست في الميدان فقط، بل أيضًا في الوعي واللغة والرموز.
تحليل للصوت:
“ألم يكن هذا الظلام لكم؟ ألم تكن تلك الجبال لكم؟“ يُعد من أعمق المقاطع الرمزية في بريتان، لأنه يتجاوز حدود السؤال المباشر ليصبح خطابًا فلسفيًا عن الملكية والانتماء والذاكرة.
أولًا: تحليل الصوت القائل: “الصوت يبدو وكأنه صادر عن العدو/ السلطة”، لكن طريقة صياغته تجعله ملتبسًا بين الاستهزاء والتوبيخ، إنه ليس سؤالًا بريئًا، بل سؤال استنكاري يحمل معنى: “لقد فقدتم حتى ما كان لكم“. بهذا يتحول الصوت إلى أداة حرب نفسية، هدفها تقويض ثقة المقاتلين الكُرد في أنهم أصحاب الجبال والأرض.
ثانيًا: البعد الرمزي: الظلام هنا ليس مجرد ليل، بل رمز للقهر والحرمان واللا عدالة.
السؤال “ألم يكن هذا الظلام لكم؟” يوحي بأن حتى المعاناة نفسها قد صودرت، أي أن الكُرد لا يملكون إلا الألم، وحتى هذا الألم يُنزع منهم.
الجبال: الجبال في المخيال الكُردي ليست جغرافيا فقط، بل هي أم وملاذ وهوية، حين يقول الصوت: “ألم تكن تلك الجبال لكم؟”، فهو يحاول أن ينزع قداسة الجبل ويحوّله إلى مجرد مساحة ضائعة، لتدمير الرابط الروحي بين المقاتل وأرضه.
ثالثًا: المفارقة في الفيلم بينما يحاول الصوت أن يشكك في علاقة الكرد بالظلام والجبال، نرى أن الفيلم يعكس العكس تمامًا :الظلام يصبح غطاءً للمقاومة، يخبئ خطوات المقاتلين ويمنحهم الاستمرارية، الجبال تتحول إلى حاضنة للبطولة، المكان الذي يولد فيه الأبطال مثل بريتان. أي أن ما يحاول العدو تصويره كـ “فقدان” هو في الحقيقة مصدر قوة.
رابعًا: وظيفة هذا الصوت في البناء الدرامي يُظهر الصراع ليس فقط على الأرض، بل أيضًا على المعنى: لمن ينتمي الظلام؟ لمن تنتمي الجبال؟ إنه يكشف محاولة العدو سرقة الذاكرة الجمعية للكرد، لا مجرد أراضيهم. في المقابل، بريتان تجسد الجواب العملي: الاستشهاد في الجبل يعني أن الجبال ما زالت لهم، وأن الظلام ما زال ساترهم
الخلاصة الصوت القائل: “ألم يكن هذا الظلام لكم؟ ألم تكن تلك الجبال لكم؟” يمثل خطاب التشكيك والتقويض، محاولة لنزع الانتماء والذاكرة من المقاتل الكردي. لكن الفيلم يقلب المعادلة: فالظلام والجبال لا يُنتزعان، لأنهما محفوران في الوعي الجمعي، ويستمران كرموز للوجود والمقاومة.
ونعود لتقنية الفلاش باك (Flashback) أو تقنية الاسترجاع الزمني بفيلم بريتان:
الفلاش باك في فيلم بريتان لم يُستخدم كزينة سردية فقط، بل كأداة لربط الذاكرة الفردية لبريتان بــ الذاكرة الجمعية الكردية، وتُعد من أبرز الأدوات السينمائية في فيلم بريتان، إذ لم يعتمد الفيلم على السرد الخطي (من البداية إلى النهاية)، بل اختار أن يفتح نوافذ على الماضي لتفسير دوافع الشخصيات وربط الحاضر بالماضي القريب والبعيد.
توظيف الفلاش باك في الفيلم:
- استدعاء الذاكرة الفردية حين تواجه بريتان لحظات صراع داخلي أو قرار مصيري، تنتقل الكاميرا إلى مشاهد من طفولتها أو تجاربها السابقة، مما يجعل المتلقي يعيش رحلتها النفسية العميقة ويدرك جذور مقاومتها
- الربط بين البطولة والحياة اليومية الفلاش باك يكشف لنا أن بريتان ليست مجرد مقاتلة، بل إنسان مرّ بمراحل اجتماعية وعائلية قبل الانخراط في العمل النضالي. هذه العودة الزمنية تذكّرنا أن البطولة ليست منفصلة عن الواقع الإنساني
- إضفاء البعد التاريخي من خلال الاسترجاعات، يستعرض الفيلم صورًا من القمع والحرمان الذي تعرض له الكرد، وهو ما يفسر السياق السياسي والإنساني الذي دفع الشخصيات لاتخاذ خياراتها الصعبة
- تأكيد على استمرارية الصراع، الاسترجاع لا يُستخدم فقط للتفسير، بل أيضًا لإظهار أن لم ينقطع عن الحاضر، وأن التضحيات التي قدمتها الأجيال السابقة ما زالت تلهم الجيل الجديد.
الأثر الدرامي للفلاش باك يكسر رتابة السرد:
- إدخال مشاهد من الماضي يمنح المتلقي تنوعًا بصريًا وزمنيًا، كما أنه يُعمّق فهم الشخصيات؛ فنتعرف بل ونرى دواخل بريتان وأسباب عنادها وصلابتها، كما يحمل بعدًا عاطفيًا يجعل المُشاهد أكثر قربًا من المأساة الإنسانية للشخصية.
باختصار، إن تقنية الفلاش باك في بريتان ليست مجرد أداة جمالية، بل هي جزء من بنية الفيلم الفكرية، إذ تكشف الذاكرة عن أن المقاومة ليست حدثًا طارئًا، بل استمرار لمسار طويل من الظلم والبحث عن الحرية، وفيما يلي أمثلة من مشاهد الفيلم التي وظّفت الفلاش باك لتوضيح الفكرة:
- عندما يظهر “فداكار” أحد رفقاء بريتان في مشاهد الفلاش باك، يتخذ دوره بُعدين:
ا- البُعد الشخصي/ العاطفي: استدعاء علاقة الرفقة والإنسانية وسط القسوة والحرب.
2- البُعد الرمزي/التاريخي: يمثل الامتداد الكُردي المُقاوم؛ أي أن بريتان ليست وحدها بل هي حلقة في سلسلة ممتدة من التضحية.
الفلاش باك هنا يجعل من لقاء “بريتان” و”فداكار” أشبه بجسر بين الماضي (ذاكرة النضال) والحاضر (معركتها مع العدو)، وكأن الفيلم يرسل رسالة أن البطولة ليست حدثًا فرديًا بل تراكمًا لرفاق ورفيقات سبقوا واستمروا.
كيف ساعد الفلاش باك على بناء صورة بريتان كبطلة أيقونية في المخيال الكردي؟
الفلاش باك وصناعة الهوية النضالية:
وذلك من خلال الاسترجاعات المتكررة لذكريات الطفولة، والانضمام للمقاومة، يضع الفيلم بريتان في خطٍّ تاريخي ممتد؛ من طفلة بريئة تحلم بالحرية، إلى مقاتلة واعية تختار التضحية، هذا الامتداد الزمني يجعلها رمزًا لا يُختزل في لحظة موتها، بل في مسار حياتها بأكمله.
الفلاش باك كأداة للتبرير الأخلاقي:
حينما يسترجع الفيلم صور القمع والتهجير الذي تعرض له الأكراد، يصبح قرار بريتان بالمقاومة مفهومًا ومشروعًا، بل حتميًا، بذلك، يتحول فعلها البطولي إلى نتيجة طبيعية لمعاناة جماعية
الفلاش باك وبناء البُعد الإنساني:
قبل لحظات المواجهة الأخيرة، تظهر ومضات من حياتها الخاصة: ضحكة مع رفاقها، وداع عائلتها، حبها للجمال والطبيعة، لقاؤها برفيق حياتها حسن، هذه المشاهد تجعل المشاهد يتماهى معها إنسانيًا، فيراها ليست مجرد مقاتلة، بل امرأة، إنسانة كاملة الأحاسيس/ مُحبة، ومن هنا، يصبح استشهادها فعلًا أسطوريًا لأنه يجمع بين الحب والحياة والموت.
الفلاش باك وإضفاء بُعد أسطوري:
الفلاش باك يربط بريتان بالذاكرة الجمعية الكُردية، وكأنها حلقة جديدة في سلسلة الأبطال الذين سبقوها، كل استرجاع لصور الرفاق أو المآسي الجماعية يُوحي بأن دمها هو استمرار لدماء الآخرين، هذا التراكم الزمني يجعلها تبدو رمزًا خالدًا يتجاوز حدود حياتها الفردية.
النتيجة:
بريتان كأيقونة من خلال الفلاش باك تتحول إلى شخصية إنسانية (بمشاعرها وأحلامها، رمز وطني بالمقاومة ضد الظلم. أيقونة أسطورية (بالارتباط بالذاكرة والهُوية الكُردية) وبالتالي، يصبح الفلاش باك ليس فقط تقنية سردية، بل أداة لصناعة الأسطورة السينمائية التي خلدت بريتان في الوعي الجمعي الكُردي، تمامًا كما تخلّد الميثولوجيا أبطالها عبر الزمن.
العبارات المؤثرة بفيلم بريتان:
الحروف هي طريقنا إلى أن نصير أحرارًا؛ هذه العبارة التي قالها فداكار تحمل شحنة رمزية عظيمة جدًا، يمكن قراءتها على مستويين:
المستوى الواقعي: الحروف هنا هي فعل التعلّم، هي اللغة التي تُحفظ بها الذاكرة ويُدوَّن بها التاريخ، وهي السلاح الموازي للبندقية، فداكار يتعلّم الحروف ليُثبت أن الكرد، بهويتهم ولغتهم، موجودون ولن يُمحَوا.
المستوى الرمزي/الفلسفي: الحروف ليست مجرد أصوات مكتوبة، بل هي هوية، ومن يكتب بلغته، يحفظ ذاته ويعلن وجوده؛ لذلك فإن تعلم الحروف يتحول إلى فعل مقاومة، إلى طريق يقود إلى الحرية، فالحرية لا تبدأ بالرصاص فقط، بل بالكلمة، بالحرف الأول الذي يتحدى النسيان والطمس.
خاتمة
إن فيلم بريتان لا يُغلق ستاره الأخير عند حدود الرواية، بل يفتحه على أفق أرحب، حيث تتداخل الحقيقة بالأسطورة، والتاريخ بالوجدان، والبطولة بالخلود؛ فبريتان ليست مجرّد شخصية عابرة في مسار المقاومة الكُردية، بل هي تجسيد لجدلية الحرية والموت؛ حيث يتحوّل الفناء إلى ولادة جديدة، ويغدو الدم لغةً تُكتب بها الذاكرة الجماعية. لقد قدّم الفيلم خطابًا بصريًا وفكريًا متكاملاً، أعاد للمرأة موقعها في صلب الفعل الثوري، وأكد أن البطولة ليست امتيازًا فرديًا بل مسؤولية إنسانية تتوارثها الأجيال. وهكذا، يبقى اسم بريتان مشعلاً في الظلام، ودليلًا على أن السينما حين تتماهى مع الحقيقة تتحول إلى قوة مقاومة بحد ذاتها، تحرس الذاكرة، وتؤكد أن الحرية لا تموت ما دام ثمة من يرويها بالصورة والكلمة والدم.
[1] خاكورك: (Xakurke) تقع في أقصى شمال إقليم كردستان العراق قرب الحدود التركية. تمتاز بوعورتها وارتفاعها الكبير، حيث تُعد امتدادًا لجبال زاغروس. عُرفت تاريخيًا بأنها ملاذ للمقاتلين الكرد منذ عقود طويلة بسبب طبيعتها الجبلية المعقدة التي تجعلها صعبة الوصول. تشتهر بغطائها النباتي الكثيف وينابيعها الطبيعية.
[2] بعد عملية بريتان ألقى كل مسلحو الديمقراطي الكردستاني، الذين كانوا قريبين منها وشهدوا الحادثة، أسلحتهم ولم يحملوا سلاحاً بعد ذلك في وجه إخوتهم من الكرد قط، فما كانوا يعلمون أن بريتان وحدها هي التي كانت تقاوم لساعات ضدهم.
[3] مقابلة بريتان للقائد چيا الخائن وهو رمز لكسر المقاومة ومحاولة تفكيك روح الجماعة والتحالف مع الأعداء.
[4] جبال ديرسم (المعروفة اليوم بمنطقة تونجلي في شرق الأناضول – تركيا). ديرسم: منطقة جبلية وعرة في كردستان الشمالية (تركيا الحالية)، اشتهرت بتاريخها الثوري وانتفاضاتها وخاصة انتفاضة ديرسم عام 1937–1938
[5] بارورك: تقع في المثلث الحدودي بين تركيا والعراق وإيران، وهي امتداد لجبال زاغروس في إقليم كردستان، وغالبًا ما تُذكر مع خاكورك، زاب، قنديل كونها من المناطق التي شهدت نشاطًا عسكريًا ومقاومة كردية. وهما سلسلتان جبليتان مختلفتان، تفصل بينهما مسافة كبيرة: ديرسم في الشمال الغربي من كردستان. بارورك في الجنوب الشرقي قرب المثلث الحدودي.
[6] العنوان: Bêrîtan بريتان النوع: دراما/حرب (سيرة نضالية بملامحٍ شبه وثائقية)
اللغة الأصلية: الكردية (كُرمانجية) – الإخراج: خليل أويصال/ خليل داغ[6] (Halil Uysal /Halil Dağ)؛ وتُنسب مشاركات لفريق كريلا في التمثيل والإنتاج الميداني. سنة الإنتاج: 2006م، المدة: نحو (162 دقيقة)، التمثيل: يؤدي الأدوار مقاتلون حقيقيون، وصُوِّر العمل في جبال كردستان بظروف إنتاج “أنصاريّة/غِريلّية” الترجمة العربية: (نسخة 2021م): ترجمة ملك حسين، تدقيق ريزدار محمد ، ومحمد عبدي، تنسيق ميلاندار، إشراف عام: نوري/ نور عدنان وندى حسين.
