متابعات

خطة ترامب وقمة شرم الشيخ: إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية

تحليل: فتحى محمود .. دخلت المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة حيز التنفيذ، بالتزامن مع عقد قمة عالمية في شرم الشيخ تضم عدد من قادة العالم العربى والإسلامى والأوروبى برئاسة ترامب والرئيس عبد الفتاح السيسي تحت شعار (قمة شرم الشيخ للسلام)، وتؤكد كل المؤشرات أن ما يحدث ليس مجرد اتفاق لوقف حرب غزة ولكن تداعياته ستؤدى إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، ليس فورا بل تدريجيا، من خلال تعزيز السيطرة الأمريكية على الأوضاع في المنطقة، وتفكيك المحور الإيراني، ودمج الوسطاء العرب في نظام أمني جديد، بل إعادة بناء للشرق الأوسط، يعتمد نجاحه على التزام الأطراف، وكما قال ترامب (هذا أكثر من غزة؛ إنه سلام دائم) ، قد يؤدى لإعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية في المنطقة.

هذا التحليل يحاول الإجابة على السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستؤدي هذه الخطة وقمة شرم الشيخ إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط؟ سنستعرض خلفية الخطة، تأثيرها على التحالفات الرئيسية، والسيناريوهات المحتملة، مع الاستناد إلى الردود الدولية والسياق التاريخي، وإن كانت كل المؤشرات تقول أن الإجابة هي نعم، ولكن بدرجة معتدلة إلى حد كبير، اعتمادا على تنفيذ المراحل اللاحقة، فهذا الاتفاق ليس مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، بل يمثل إمكانية لإعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية، حيث يعزز من تحالفات (السلام الإبراهيمي) التي بدأها ترامب في فترته الأولى (2020)، ويضعف محور المقاومة الإيراني، ويفتح أبوابا لتطبيع جديدة، ومع ذلك، يحمل مخاطر، مثل التوترات الداخلية في إسرائيل أو رفض جماعات فلسطينية متطرفة للخطة في مراحلها التالية، مما قد يعيد إشعال الصراع.

خلفية الخطة وأهميتها الإقليمية

بدأت حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 بهجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي وأسر 250 آخرين، مما أدى إلى رد إسرائيلي دمر أكثر من 90% من البنية التحتية في غزة وأودى بحياة أكثر من 67,000 فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، وفشلت محاولات وقف إطلاق النار في نوفمبر 2023 ويناير 2025، واستمر العدوان الإسرائيلي على غزة، في هذا السياق، جاءت خطة ترامب كحل شامل يجمع بين الضغط العسكري (تهديد بإبادة كاملة لحماس إذا رفضت) والحوافز الاقتصادية (إعادة إعمار غزة بمليارات الدولارات من خلال لجنة دولية تشمل خبراء من مدن معجزة حديثة في الشرق الأوسط).

الخطة مبنية على 20 نقطة رئيسية، منها: وقف فوري للقتال، إطلاق جميع الرهائن مقابل سجناء فلسطينيين، نزع سلاح حماس مع عفو عن الأعضاء الذين يلتزمون بالسلام، نشر قوة استقرار دولية (ISF) بقيادة دول عربية، حكومة انتقالية فلسطينية تقنية تحت إشراف “مجلس السلام” الدولي برئاسة ترامب، ومسار مشروط نحو دولة فلسطينية موحدة (غزة مع الضفة الغربية)، هذه النقاط ليست جديدة تمامًا؛ فهي مستوحاة من اتفاق يناير 2025 وخطة ترامب للسلام 2020، لكنها تتميز بضمانات أمريكية قوية ودعم إقليمي واسع.

الموافقة على المرحلة الأولى في 9 أكتوبر، بعد مفاوضات غير مباشرة في شرم الشيخ بوساطة قطرية – مصرية، تمثل انتصارًا دبلوماسيًا لترامب، الذي وصفها بيوم عظيم في التاريخ، ومع تنفيذ المرحلة الأولى ينتقل التركيز إلى المراحل الثانية والثالثة، التي تشمل الانسحاب الكامل الإسرائيلي وإعادة الإعمار، هذا السياق يجعل الخطة بوابة لإعادة تشكيل التحالفات، حيث تحول الصراع من حرب محلية إلى فرصة لإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية.

تخفيف التوترات الإقليمية الفوري:

يُتوقع أن يقلل الاتفاق من خطر التصعيد الإقليمي، حيث ساهمت الحرب في غزة في توسيع النزاع ليشمل إيران (التي دعمت حماس وحزب الله)، اليمن (الحوثيين)، ولبنان (حزب الله). على سبيل المثال، أدت الهجمات المتبادلة إلى إغلاق طرق تجارية بحرية في البحر الأحمر، مما رفع أسعار النفط عالمياً.

الآن، مع وقف القتال، من المتوقع انخفاض أسعار النفط بنسبة 5-10% في الأسابيع القادمة، واستئناف التجارة، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي في دول الخليج مثل السعودية والإمارات. 

تعزيز السلام الإبراهيمي

أبرز تأثير الخطة يكمن في تعزيز التحالفات بين إسرائيل والدول العربية ، خاصة في إطار (اتفاقيات إبراهام) التي وقعتها ترامب في 2020 مع الإمارات، البحرين، المغرب، والسودان، خاصة أن خطة غزة تعتمد على دور عربي قيادي في قوة الاستقرار الدولية (ISF)، مما يجعل الدول العربية شريكا أساسيا في إدارة القطاع، وهو ما يعزز من مصداقيتها كقوى إقليمية مسؤولة.

فقد رحبت السعودية بجهود ترامب الصادقة وأكدت استعدادها للمشاركة في التنفيذ، مشروطة بحل الدولتين، وهذا الدعم يأتي بعد تعليق مفاوضات التطبيع السعودي- الإسرائيلي في أبريل 2024 بسبب الحرب، لكنه يعيد فتح الباب، إذا نجحت الخطة، قد تشهد الرياض تطبيعا كاملا مع إسرائيل بحلول 2026، مدعوما بضمانات أمريكية لأمنها أمام إيران، مما يعيد تشكيل التحالف الخليجي كمحور سني-إسرائيلي موحد ضد طهران، وهذا التحالف الجديد لن يكون مجرد اقتصادي (كما في اتفاقيات إبراهيم)، بل أمنيا، مع تدريبات مشتركة وتبادل معلومات استخباراتية، يغطي من اليمن إلى سوريا.

كما اعلنت الإمارات العربية المتحدة، التي كانت أول من وقع اتفاق إبراهام، دعمها الكامل، مع عرض تمويل جزء من إعادة إعمار غزة (تقدر بـ50 مليار دولار)، وترى في الخطة فرصة لتعزيز دورها كوسيط إقليمي، خاصة بعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر التي أثرت على تجارة الإمارات، وهذا يعني إعادة تشكيل التحالف الخليجي، حيث تتحول الإمارات من شريك تجاري إلى حليف أمني رئيسي لإسرائيل، مما يضعف نفوذ قطر (التي تدعم حماس سياسيا) داخل الخليج.

والأردن، الذي يواجه ضغوطا داخلية من الرأي العام المؤيد لفلسطين، رحب بالخطة لأنها تشمل منع التهجير للفلسطينيين، وهو شرط ملكي أساسي، يحمي حدودها من تداعيات الصراع.

هذه التغييرات مجتمعة تعيد رسم الخريطة: من ثلاثي إسرائيلي- خليجي -أمريكي إلى تحالف إقليمي أوسع يشمل مصر وقطر وتركيا، يركز على الاستقرار الاقتصادي والأمني.

ضعف المحور الإيرانى

من الجانب الآخر، ستؤدي الخطة إلى تفكيك المحور الإيراني، الذي يشمل حماس، الجهاد الإسلامي، حزب الله، الحوثيين، والميليشيات العراقية. الخطة تطالب بنزع سلاح حماس وإنهاء سيطرتها على غزة، مع عفو مشروط أو إخراج قادة إلى المنفى، لكن حماس، التي وافقت على المرحلة الأولى تحت ضغط تركى وقطري، تواجه انقساما داخليا؛ فزعيم الجهاد الإسلامي زياد النخالة وصف الخطة بـ (وصفة لتفجير المنطقة)، مما يشير إلى تمرد محتمل.

إيران، التي دعمت حماس بمليارات الدولارات منذ 2007، ستفقد أحد أذرعها الرئيسية في فلسطين، ومع انهيار حكم حماس، يضعف نفوذ طهران في الضفة الغربية، حيث قد تندمج السلطة الفلسطينية (التي رحبت بالخطة) مع غزة تحت حكومة انتقالية بعد فترة، كما أن ضعف إيران يعزل حزب الله في لبنان، الذي خسر معظم كوادره في هجمات إسرائيلية 2024-2025، ويحد من قدرة الحوثيين على استهداف السفن في البحر الأحمر، خاصة مع دعم سعودي-إماراتي للخطة.

الوساطة كأداة للنفوذ الجديد

لاشك أن مصر وقطر، الوسيطان الرئيسيان، يستفيدان من الخطة لتعزيز دورهما، فالقاهرة استضافت المفاوضات، وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي ترحيبه بمخرجاتها  ، مشددًا على  دور مصر الحاسم في الاستقرار الإقليمي،

وقطر، رغم دعمها المالي لحماس، رحبت بالخطة كخطوة نحو السلام الدائم، وستقود جزءًا من ISF وهذا يعيد ترتيب تحالفها مع الخليج: بدلاً من التوتر مع السعودية بسبب الإخوان المسلمين، تصبح الدوحة شريكًا في الاستقرار، مما يؤدي إلى مصالحة سعودية – قطرية كاملة بحلول 2026.

تركيا، تحت أردوغان، أيدت الخطة رغم انتقاداتها السابقة لإسرائيل، معتبرة إياها فرصة لإنهاء النزيف، وسوف تشارك في إعادة الإعمار، مما يعزز نفوذها في فلسطين ويحسن علاقاتها مع الغرب، وتسعى أنقرة إلى تشكيل تحالف تركي – عربي، بعد سنوات من التوتر بين الجانبين بسبب دعم تركيا للجماعات الإسلامية وتدخلها في الشأن الداخلى للدول العربية.

الكتلة الأوروبية، ممثلة بممثلة السياسة الخارجية كايا كالاس، أعلنت رغبتها في دور في السلطة الانتقالية، معتبرة أن أوروبا لها دور كبير، وهذا يعني تمويلا أوروبيا للإعمار (حوالي 20 مليار يورو)، مما يقوي التحالف الأمريكي-الأوروبي-العربي.

توسع الدور الأمريكي في المنطقة

يُعتبر نجاح اتفاق غزة إنجازاً دبلوماسياً كبيراً لترامب، الذي وصفه بـ(يوم عظيم للعالم العربي والإسلامي وإسرائيل)، مما يعزز مصداقية ترامب كـ(صانع صفقات)، خاصة بعد ضربات على إيران أضعفت نفوذها، وهذا يفتح الباب لاستخدام نفس النموذج (الضغط العسكري + التفاوض) في أزمات أخرى، مثل لبنان، للدفع نحو نزع سلاح حزب الله أو إعادة ترسيم الحدود مع إسرائيل، حيث كانت حرب غزة تشكل مظلة غير مباشرة لحزب الله، الذي أوقف هجماته الرئيسية بعد اتفاق وقف إطلاق نار في نوفمبر 2024.

ومع انتهاء النزاع في غزة، يفقد حزب الله الدعم الاستراتيجي من حماس، مما يعزز التركيز الدولي على لبنان لتكون الجبهة الثانية، عبر زيادة الضغط الدبلوماسي الأمريكي والإسرائيلي لتعزيز السيطرة على الجنوب اللبناني، مع تهديدات بعقوبات اقتصادية إذا لم يتم الامتثال لنزع السلاح، كما أن الاتفاق في غزة يفتح الباب لمساعدات دولية لإعادة إعمار الجنوب اللبناني، لكن بشرط نزع سلاح الميليشيات غير الشرعية، مما يعمق التوترات الداخلية في لبنان، حيث يُنظر إلى الاتفاق في غزة كنقطة تحول إقليمية تحول التركيز نحو تفكيك محور المقاومة الإيراني. 

وفى العراق قد يشجع اتفاق غزة على تقليل نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، مع زيادة الاستثمارات الأمريكية في النفط لتعزيز الاستقرار.

وفى ليبيا، حيث يستمر التقسيم بين حكومتين، يمكن أن يُستخدم النجاح في غزة كنموذج لتفاوض بين الشرق والغرب الليبيين، بوساطة مصرية -تركية ـ أمريكى.

استقرار سوريا

 إنهاء حرب غزة وفق خطة ترامب قد يجلب استقرارا اقتصاديا لسوريا ويفتح باب التطبيع مع إسرائيل، لكنه يعتمد على تنازلات أمنية قد تثير مشكلات مع المجموعات الجهادية المتحالفة مع نظام الشرع، أما مكونات الشعب السورى التي لا يسيطر عليها نظام الشرع فوضعها قد يتحسن عبر ضغط أمريكى على دمشق لتوفير كافة حقوق مكونات الشعب السورى مثل الكرد والدروز حتى تنجح عملية تعويم سوريا اقتصاديا بعد رفع العقوبات عنها والوصول إلى حالة من الاستقرار في كافة المناطق وعلى مستوى الدولة.

السيناريوهات المحتملة والمخاطر

السيناريو الأول إيجابي: تنجح المراحل الثانية (سحب كامل وإعادة إعمار) بحلول 2026، مما يؤدي إلى تطبيع سعودي -إسرائيلي وحكومة فلسطينية انتقالية، ويحول الشرق الأوسط إلى منطقة تجارية مزدهرة (غاز غزة، موانئ مشتركة)، وهذا يعيد تشكيل التحالفات كـ(دائرة سلام) تشمل 10 دول عربية وإسرائيل.

السيناريو الثانى سلبي: إذا حدث خرق من جانب أي مجموعة فلسطينية أو إسرائيل سوف ينهار الاتفاق، مما يعزز عودة إلى التحالفات التقليدية: إيران-حماس-حزب الله، ويزيد من التوترات الداخلية في إسرائيل.

ومع ذلك، سيظل الدور الأمريكي محدوداً بالقوة من موقع القوة، كما يصفها ترامب، دون تدخلات عسكرية واسعة، لتجنب حروب لا نهاية لها، والخبراء يرون أن هذا النجاح قد يؤدي إلى سلام إقليمي أوسع، لكنه يعتمد على تنفيذ المراحل اللاحقة دون انتهاكات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى