منتدى آتون الثقافي يحتفل باليوم العالمي للعصا البيضاء باستضافة أكاديميين من ذوي البصيرة

في تقليد يتواصل للعام الثاني على التوالي، احتفى منتدى آتون الثقافي، أمس الأربعاء، باليوم العالمي للعصا البيضاء، الذي يُصادف 15 أكتوبر من كل عام، وهو مناسبة عالمية تهدف إلى تعزيز الوعي بحقوق ذوي الهمم من المكفوفين ودمجهم الكامل في المجتمع، والتأكيد على أن فقدان البصر لا يعني فقدان القدرة أو الإبداع.
وفي إطار هذا الاحتفال، نظم المنتدى ندوة خاصة استضاف خلالها اثنين من كبار الأكاديميين من ذوي البصيرة، هما الدكتور محمد عبدالحميد خليفة أستاذ الأدب والنقد بجامعة دمنهور، والدكتور محمد محمود الدوداني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة دمياط، حيث قدما تجربتيهما الشخصية ومسيرتهما العلمية والمهنية وما واجههما من تحديات. وإلى جانب ذلك – وكالعام الماضي – كانت الندوة ذات طابع مختلف بالتطرق إلى بعض القضايا الفكرية خاصة القضية الكردية.
وقد أدار الندوة الباحث السياسي محمد صابر، الذي أشار إلى أن الضيفين قدّما نموذجاً مُلهماً في تجاوز العقبات، وتحويل الإعاقة إلى دافع للتميز والإبداع، مؤكداً أن المنتدى يسعى من خلال هذه الفعاليات إلى دعم ثقافة التمكين والاحتفاء بالكفاءات الإنسانية دون تمييز.

العصا البيضاء .. أهمية بالغة
وفي كلمته، أكد الدكتور محمد عبدالحميد خليفة أستاذ الأدب والنقد بجامعة دمنهور أن العصا أداةً بالغة الأهمية اعتمدها الإنسان منذ القدم في حياته اليومية، ثم تطورت عبر الزمن لتصبح وسيلة أساسية تساعد فاقدي البصر وتُميزهم عن الآخرين، كما أن التراث العربي يذخر بالكتابات عن قيمة العصا في الحياة.
وقد تطرق أستاذ الأدب إلى سيرة الأديب الكردي السوري هوشنك أوسي، والذي لديه رواية مهمة وهي “كأني لم أكن”، التي حياة فنّان تشكيلي مقيم في دمشق، لا علاقة له بالسياسة والثورة وكل ما جرى في سوريا، فقط يركز على فنه، ومنهمك في تحضير معرضه المؤلف من اثنتي عشرة جدارية مستوحاة من 12 قصيدة قصيرة، كتبها جده، من جهة أمه. وقد أنجز 11 لوحة، واللوحة الثانية عشرة، لم يكملها، بسبب إصابتهِ المفاجئة بالعمى.
ويقول الدكتور محمد عبدالحميد خليفة إن ما كتبه يتفق مع ما يكتبه الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، ولكن من منظور أدبي، حيث تشير الرواية في جزأها الأول إلى والد بطلها وهو كردي من أصول عراقية، اضطر في فترة ما إلى الانتقال إلى روسيا وعاش 11 عاماً، ثم يعود لاحقاً إلى العراق، وهنا يسرد الكثير من تفاصيل القضية الكردية. كما يتطرق في الرواية إلى ما تعرض له الكرد من خيانات، وكذلك ما قاموا به من نضال.

مؤامرة القرن
أما الدكتور محمد محمود الدوداني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر فقد قدم قراءة تحليلية ونقدية لكتاب “المؤامرة الدولية في هذا القرن” لعبدالله أوجلان، وهو من أبرز النصوص التي توثّق فكراً تحررياً ناضجاً تشكل في قلب المأساة، فالكتاب ليس مجرد سرد لواقعة اعتقاله عام 1999، بل تحليل شامل لبنية النظام الدولي الحديث الذي تهيمن عليه الرأسمالية العالمية والدولة القومية.
ولفت الدوداني إلى أن أوجلان يقدم من خلال الكتاب مفهوم “المؤامرة” كآلية دائمة للهيمنة، لا كحدث عابر، معتبراً أن ما جرى له يمثل نموذجاً لصراع بين مشروعين حضاريين: الحداثة الرأسمالية القائمة على الربح والسيطرة، والعصرانية الديمقراطية التي تدعو إلى الحرية والمجتمع الأخلاقي.
وأشار إلى أن أوجلان يحلل أبعاد المؤامرة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، موضحاً أن تركيا كانت أداة للإمبريالية الغربية، وأن الهدف لم يكن شخصه بل فكر الأمة الديمقراطية. وفي سجنه بجزيرة إمرالي، تحولت العزلة إلى مدرسة فكرية صاغ فيها نظرياته الكبرى حول الحرية الداخلية والمجتمع التشاركي، وانتقل من القومية إلى الفلسفة الإنسانية.
ويخلص الكتاب إلى أن المؤامرة فشلت في هدفها، إذ ولدت فكراً عالمياً جديداً تُرجم عملياً في تجارب مثل روج آفا، وأعادت تعريف السياسة بوصفها أخلاقاً جماعية لا سلطة، والحرية كتحرر ذهني لا مجرد تحرر مادي، مشيراً إلى أن أوجلان ظهر في الكتاب كظاهرة فكرية وليس مجرد زعيم سياسي.

يُذكر أن اليوم العالمي للعصا البيضاء أُقر لأول مرة عام 1964 بمبادرة من الاتحاد العالمي للمكفوفين، وأصبح منذ ذلك الحين رمزاً عالمياً لاحترام حقوق المكفوفين واستقلالهم في الحياة اليومية.




