ثقافة

الصحافة الكُردية: مرآة شعب وذاكرة أمة: أقلام لا تنكسر… وصُحف لا تموت

تحليل: د. سحر حسن أحمد

في رحاب الكلمات التي سُكبت من جراح الشعوب، وعلى ضفاف الحلم الذي لم يمتد له حرية المجتمع الكردي بعد، تنبض ذاكرة الأمم بأصواتٍ خُطّت لا بالحبر وحده، بل بنبض القلوب ومقاومة الأرواح… ومن بين شعوبٍ ناضلت من أجل الوجود، ينهض الكُرد  بشموخ الجبال التي تأويهم، وبحروفٍ سُطرت في المنفى قبل أن يُسمح لها أن تتنفس في الديار. ففي مثل هذا اليوم، من الـ22 من نيسان، لا نحتفل بحدثٍ عابر ولا بورقة نُشرت في صحيفة، بل نستعيد لحظة ميلاد الحرف الكُرد ي وهو يعلو صوتًا حرًا، يكتب ذاته بيده، ويروي للعالم حكاية أمةٍ أرادت أن تُسمع وتُرى وتُكتب بلغتها وتناضل لأجل حقوقها.

عيد الصحافة الكُردية

إن عيد الصحافة الكُردية ليس مجرد مناسبة تمرّ على التقويم، بل هو وثيقة تاريخية مفتوحة، تأبى أن تُطوى. ففي القاهرة، حيث اختلطت الألسن وتعددت الثقافات، ولد أول صوتٍ صحفي كردي على يد الأمير مقداد مدحت بدرخان (1858م – 1915م)، الذي أطلق صحيفة “كردستان”  فى 22 أبريل / نيسان 1898م – عُدا هذا اليوم عيداً قوميا للصحافة الكُردية، وذلك لكونها أول صحيفة كردية بالتاريخ – ، لا كصفحةٍ إخبارية، بل كنداءٍ قومي، وثورة لغوية، وصرخة وجود. كان المنفى مسرح الميلاد، وكان الحنين إلى الوطن وقود الكلمة. فلم تكن لك الصحيفة – التي حملت اسم الأمة – مجرد أوراق مطبوعة، بل كانت شمعة في نفق التاريخ الطويل، ونبراسًا في ليل الغربة، ومحاولة جريئة لصياغة هوية متجذّرة في التاريخ، لكنها مهمّشة في واقع السياسة والجغرافيا. لقد كانت “كردستان” أول حجر في بناء صرح الصحافة الكُرد  ية، الذي ظل شامخًا رغم العواصف، شامخًا بأقلامٍ لم تجف، وبحناجر لم تصمت، وبقلوبٍ أبت أن تموت.

وفي كل عام، حين يطل أبريل/ نيسان على جبال زاغروس وطوروس والسهول والقرى التي تتكلم بالكُردية، يُفتح دفتر الذكريات وتُروى من جديد حكايات أولئك الذين جعلوا من الكلمة سلاحًا، ومن الصحافة أداة للتحرر وبناء المجتمع. إنه عيدٌ لمن نذروا أقلامهم لكرامة شعبهم، وصاغوا الحروف بوجدان مكلوم، لكنه أبيّ. فلتُرفع اليوم راية الوفاء، لا لصحيفة فحسب، بل لفكرةٍ انبثقت منها: إن الكلمة الكُردية، وإن وُلدت في المنفى، فإنها تعود دائمًا إلى أرضها… حرة، حية، أبية.

 صحيفة كردستان صوت الشعب الكُردى

لأن الصحافة تُعد مرآة الشعوب وضمير الأمة وتجسيد الهوية جأت صحيفة كردستان لتُعبر عن كل هذا ؛ إذ يُصادف الثاني والعشرون من نيسان/أبريل من كل عام ذكرى عيد الصحافة الكُردية، وهو اليوم الذي شهد ميلاد أول صحيفة كُردية حملت اسم “كردستان” عام 1898م. لم يكن هذا التاريخ مجرد نقطة انطلاق للصحافة الكُردية فحسب، بل كان شرارةً أولى في مسيرة طويلة من النضال من أجل الحفاظ على الهوية الكُردية وتوثيق معاناة شعب حُرم من أبسط حقوقه في التعبير عن ذاته بلغته الأم .

وقد اختار الأمير مدحت مصر لتكون وجهته لإصدار الصحيفة ؛ إذ كانت مصر في أواخر القرن التاسع عشر تعيش أزهى عصورها الثقافية، تنبض بالحيوية الفكرية وتزدهر بحرية التعبير، بعيداً عن قبضة الدولة العثمانية المركزية. وقد وجد مقداد مدحت وشقيقه عبدالرحمن بدرخان في القاهرة البيئة المثالية لإطلاق مشروعهما الثقافي والإعلامي الطموح. فلم تكن القاهرة مجرد مدينة عربية كبيرة، بل كانت في ذلك الوقت واحدة من أكثر العواصم انفتاحاً وتقدماً في مجالات الفكر والثقافة، وملاذاً للحركات الإصلاحية، مما جعلها حاضنة طبيعية للأفكار الحرة والطموحات القومية.

وما زاد من جاذبية مصر للكرد، هو احتضانها للكرد الأحرار في سياق علاقة تاريخية تكاملية امتدت ما قبل التاريخ إلى اليوم ما بين حوض النيل وميزوبوتاميا، مما سهّل التواصل مع أبناء الشعب الكُردي. كما أن وضع مصر السياسي آنذاك منحها مساحة من الاستقلال النسبي؛ فتبعيتها للدولة العثمانية كانت شكلية فقط؛ إذ كانت تحت الاحتلال البريطاني منذ عام 1882م، مما حدّ من قدرة العثمانيين على التدخل فى شؤونها، وفتح المجال واسعاً أمام المفكرين الأحرار لممارسة نشاطهم بحرية.

بل وأكثر من ذلك، كانت بريطانيا نفسها ترى مصلحتها في احتضان المثقفين والمعارضين للعثمانيين، لاستخدامهم كورقة ضغط عند الحاجة، ما جعل مصر نقطة جذب رئيسية لكل الحركات المعارضة، ومن بينها الحركة القومية الكُردية.

في هذا المناخ الحر والتكاملي، أبصرت صحيفة كردستان النور  صادرة عن دار الهلال في القاهرة، كأول صحيفة تنطق باسم الشعب الكُردي وتدافع عن لغته وحقوقه. طُبعت منها ثلاثة آلاف نسخة، وُزّع معظمها مجاناً في أرجاء كردستان.

كان نشأة الصحافة الكُردية في المنفى، بعيداً عن أرض كردستان، تعبير صارخ عن المأساة الكُردية التي عانت منها هذه الأمة عبر التاريخ. فالأمير مقداد مدحت بدرخان، الذي اضطر إلى مغادرة إسطنبول بعد فشل الثورة التى كان مشاركاً في التخطيط لها، فقد اختار القاهرة منفىً له، ومن هناك أطلق أول صحيفة كردية تكتب باللهجة الكرمانجية وبالحروف الأرامية.  لم تكن “كردستان” مجرد صحيفة، بل كانت رسالة مقاومة ثقافية وسياسية، وصرخة مدوية ضد سياسات التهميش والإنكار التي مارستها السلطات العثمانية آنذاك ضد الشعب الكُرد ي .

لم تكن صحيفة كُردستان أول صحيفة كُردية فحسب، بل أول صحيفة مستقلة أيضاً، غير مرتبطة بحكومات أو منظمات أو جهات حزبية، صدرت بمبادرة فردية من مثقف كُردي ومناضل شجاع، أتقن إلى جانب لغته الكُردية؛ اللغات العربية والتركية والفارسية، وعمل على توعية شعبه وتعريفه بحقوقه، وإيصال صوته إلى العالم وتعريفه بقضيته، واستمرت بالصدور رغم امكانياتها المحدودة والظروف الصعبة في المنطقة، وسجلت لنفسها حضوراً رغم أعدادها القليلة وعمرها القصير، من خلال توزيعها في مصر وعبر دمشق إلى المنطقة كلها وكذلك في البلدان الأوربية، والأثر الذي تركته.

أربع سنوات من الترحال والمقاومة

عبرت صحيفة “كردستان” في رحلتها القصيرة (1898- 1902م) عن معاناة الشعب الكُردي نفسه، حيث تنقلت بين عدة عواصم عالمية هرباً من ملاحقة السلطات العثمانية. بدأت رحلتها في القاهرة حيث صدرت الأعداد الخمسة الأولى، ثم انتقلت إلى جنيف حيث صدرت الأعداد من 6 إلى 19، لتعود ثانية إلى القاهرة وتصدر أربعة أعداد أخرى، ثم إلى لندن ومدينة فولكستون البريطانية، قبل أن تختتم رحلتها في جنيف مرة أخرى . ورغم أن عمر الصحيفة لم يتجاوز الأربع سنوات وصدر منها 31 عدداً فقط، إلا أنها تركت أثراً عميقاً في الوعي القومي الكُرد ي، وأسست لتقاليد صحفية تحمل في طياتها روح المقاومة والتحدي .

صحيفة كردستان بين التنوير والقومية

حدد الأمير مقداد مدحت بدرخان أهداف صحيفته في رسالته الافتتاحية التي وجهها للقراء، حيث ذكر في افتتاحية العدد الأول للجريدة. أن من أهم أهدافها التنوير ونشر التعليم بين الشعب الكُردي وأبان أهميته، وتطوير ثقافته إيقاظاً له، وتشويقه لتحصيل الصنائع التى اعتبرتها الجريدة من أهم مصادر القوة للدول الكبرى، وكذلك أبان لهم أن عدوهم الأول هو الجهل، وحث العلماء والمفكرين والأمراء على تولى مسؤلية تنوير الكُرد  لأنه كان يرى أنهم الأقدر على فعل هذا. قد ذهب إلى حد وضع التنوير والتعليم بمثابة فريضة. حيث أكد على سعيه لنشر العلم وروح المحبة بين أبناء قومه، وحثهم على سلوك طريق التقدم والمدنية، والتعريف بالأدب القومي الكُرد ي . فلم تكن تلك الصحيفة منبراً سياسياً فحسب، بل كانت أيضاً وسيلة لنشر الوعي الثقافي والعلمي بين الكُرد ، حيث نشرت مقالات عن الاكتشافات العلمية والأحداث العالمية، كما اهتمت بالأدب الكُرد ي فنشرت ملحمة “مم وزين” لأحمد خاني وقصائد للشاعر حاجي قادري كوي .

كما ركزت الصحيفة بشكل كبير على قضية الوطن الكُرد ي، مُعربة عن تطلعات الشعب الكُرد ي في الحصول على استقلاله وحقوقه القومية. وقد تناولت المقالات المطالب السياسية للكرد، والدعوة إلى الوحدة والتضامن بين مختلف فئات الشعب لتحقيق هذا الهدف. وفى هذا السياق، كان لتاريخ الكُرد  وتراثه مكانة خاصة على صفحات “كردستان”. وركزت الصحيفة على تعزيز الهوية الكُردية ونشر الوعي الثقافي بين الكُرد . وقد تضمنت مقالات حول التاريخ الكُرد ي والأدب والفلكلور واللغة الكُردية. وكانت تهدف إلى إحياء التراث الثقافي وتعزيز الفخر بالهوية الكُردية.

كما لعبت ” كردستان” دوراً مهماً في نشر الأفكار القومية الكُردية والدعوة إلى الحقوق القومية للكرد. كما تضمنت مقالات تدعو إلى الوحدة والتضامن بين الكُرد  في مختلف مناطق تواجدهم، ودعمت الحركات التحررية الساعية للحصول على حقوق الشعب الكُرد ي. كذلك تناولت بعض الموضوعات عن الأحداث العالمية .

توقف الصحيفة

توقفت الصحيفة عن الصدور بعد العدد 31 الصادر فى 14 أبريل – نيسان 1902م وقد تم إرجاع السبب إلى عاملين رئيسين ألا وهما: أولاً، الأزمة المالية التى مر بها عبد الرحمن بدرخان؛ إذ كانت الجريد غير تابعة لأية مؤسسة أو جمعية، وكان يُنفق عليها من أمواله الخاصة ويُوزع أعدادها مجاناً فى المناطق الكُردية والمناطق المتاخمة لها. ثانياً، كثرة ملاحقة السلطات العثمانية للجريدة ولمحررها ذاته ولأسرته أيضاً، وكان هذا هو سبب صدور الجريدة من أكثر من مكان وفى أوقات متقطعة، فلم تكُف السلطات العثمانية يوماً عن ملاحقتها والسعى لإيقافها بطرق مختلفة تنوعت بين التهديد والسجن والإغراءات.

هكذا كانت “كردستان” أكثر من مجرد صحيفة، كانت شرارة فجر جديد في تاريخ الأمة الكُردية، وبداية عهد مختلف، انطلقت منه الكلمة لتشق طريقها وسط الظلام. لقد شكّلت تلك اللحظة قفزةً تاريخيةً هائلة، لا تقل أهمية عن معارك النضال على الأرض، بل كانت معركة الوعي، ومعركة إثبات الوجود بالحبر والورق.

ومنذ مطلع القرن العشرين، وحتى هذا القرن الحادي والعشرين، الذي غدا فيه الإعلام سلاحًا لا يُستهان به، دخل الكُرد  الساحة الإعلامية بثباتٍ وإصرار. وشيئًا فشيئًا، استطاع الإعلام الكُرد ي، بكل تنوعاته، أن يحجز له مكانًا مرموقًا بين نظائره العالمية، لا كمجرد ناقل للخبر، بل كصانع للرأي، وموجّه للوعي.

الصحافة الكُردية بعد “كردستان”: من الاضطهاد إلى النهوض

لم تكن “كردستان” مجرد صحيفة عابرة، بل كانت الشرارة التي أشعلت مسيرة صحفية كردية عاصفة، تتابعت كالموجات حاملةً هموم الأمة وصرخاتها. فبعدها جاءت “أوميد” (1900م) كصرخة أمل، و”كرد تافون والترقي” (1908م) كمنبر للإصلاح، تلتها “الشرق وكردستان” بجسرها بين البلقان وكردستان، و”الحرية” بصوتها الجريء. ثم انطلقت “بيمان” (1909م) متعددة اللغات، و”روژ كرد” (1913م) رائدةً في استخدام الصور، و”يكبون” و”هتاوي كرد” كتوأمين للنضال الطلابي، و”بانكي كردي” (1914م) كنداء بغدادي، وصولاً إلى “جين” (1918م) التي مزجت بين الروح القومية والهم الإنساني. رغم أنف القمع والمنع، ظلت هذه الصحف تشكل سجلاً حياً لمقاومة ثقافية صامدة، تحوّل كل إغلاق إلى بذرة لصحيفة جديدة، وكل اعتقال إلى فصل جديد في ملحمة كردية لم تكتمل بعد.

بعد هذا واجهت الصحافة الكُردية عقوداً من القمع والمنع، حيث منع الكُرد  من التعبير عن هويتهم أو إصدار صحف بلغتهم الأم. ومع ذلك، شهدت ثلاثينيات القرن الماضي محاولات جديدة مثل مجلة “هاوار” (الصرخة) التي أصدرها الأمير جلادت بدرخان في دمشق عام 1932م، والتي تعتبر أول صحيفة تكتب بالأحرف اللاتينية الكُردية . كانت أولى خطوات النهضة الصحفية الكُردية الحديثة، مستخدمةً الأبجدية اللاتينية لأول مرة في تاريخ الصحافة الكُردية. ثم دخلت الصحافة الكُردية مرحلة جديدة مع تأسيس الأحزاب السياسية الكُردية، حيث تحولت إلى صحافة حزبية سرية في كثير من الأحيان .

ولم تكن “هاوار” سوى البداية، حيث تبعتها “روناهي” (النور) عام 1942م، ثم صحيفتا “ستير” و”روجا نو” في بيروت، حاملات مشعل الثقافة الكُردية بلغة راقية وأقلام كبار الأدباء مثل جكرخوين وعثمان صبري. وفي كركوك ظهرت “بيان” (1958م) كصرخة ثقافية، تلتها مجلة “بيان” البغدادية (1970-1990م) التي أصبحت منبراً للأدب الكُرد ي المترجم. أما “آزاديا ولات” (1996-2016م) فكانت صوتاً جريئاً دافع عن الحقوق الكُردية في وجه القمع التركي، بينما حافظت مجلّتا “نوبهار” (منذ 1992م) و”بيرنَبون” (منذ 1997م) على استمرارية المشروع الثقافي الكُرد ي رغم كل التحديات، لتبقى هذه المنابر شاهدةً على إصرار الصحافة الكُردية في الحفاظ على الهوية ونشر الوعي عبر الأجيال. ومن وهج ثورة شمال سوريا وتجربة الإدارة الذاتية، وُلدت صحيفة روناهي عام 2011م، على يد ثمانية من المثقفين الكُرد ، لتكون صوتاً للحقيقة ومنبراً للديمقراطية. بدأت بخطى متواضعة وبـ500 نسخة، لكنها سرعان ما نمت وتوسعت لتصل إلى عشرات الآلاف، وتصدر اليوم بلغتين، حاملة هموم الشعب وآماله في شمال وشرق سوريا. وعلى ذات الدرب، ثم ظهرت صحيفة خوبون في آمد عام 2019م، بتعاون إعلاميين من كردستان والمهجر، لتكون منبراً جامعاً يعكس نبض الكُرد  في الوطن والمنافي، وتغطي قضايا السياسة والثقافة والهوية، وتعزيز العلاقات بين الشعوب والمكونات، ورغم القمع والحروب، لم تخفت شعلة الإعلام الكُرد ي الحر، بل تأججت، حتى غدا اليوم منظومة متكاملة تضم عشرات الصحف والقنوات، شاهدة على نضال لا يلين وكلمة لا تُقهر.

أثناء مسيرة الصحافة الكردية، استشهد المئات من الإعلاميين وتم سجن الكثير منهم بسبب عملهم في الصحافة الكردية التي تنقل واقع وهوية وطموحات ومعاناة الشعب الكردي والمكونات الأخرى في كردستان المقسمة بين أربعة دول، ولعلنا في كل أجزاء كردستان القتل العمد من قبل السلطات التي لا تعترف بوجود الشعب الكردي وهويته، ولعل شهداء الصحافة والإعلام في سد تشرين في شمال سوريا واعتقال الصحفيين في تركيا وزجهم في السجون من هذا السياق العدائي للصحافة الكردية التي تمثل إحدى أدوات النضال والمقاومة والهوية والتعبير الحر والصادق رغم كل الظروف والمعاناة الصعبة.

واليوم، وبعد مرور 127 عاماً على صدور أول صحيفة كردية، تشهد الصحافة الكُردية تحولات كبيرة، خاصة مع ظهور كيانات سياسية كردية مثل إقليم كردستان العراق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مما وفر هامشاً من الحرية للعمل الإعلامي. ومع ذلك، لا تزال الصحافة الكُردية تواجه تحديات جمة، بينها القمع والاعتقالات في بعض المناطق، وضعف المهنية في أحيان أخرى، وتأثير الاستقطاب السياسي على العمل الصحفي .

لقد لعبت الصحف ووسائل الإعلام الكُردية دورًا فاعلًا في تشكيل الرأي العام الكُرد ي، وفي إيقاظ الحس القومي، كما كانت منارة للثقافة، وسورًا يحمي القيم الاجتماعية والهوية الثقافية من رياح التذويب والضياع. فالإعلام الكُرد ي لم يكن مجرد صوت، بل كان ضميرًا حيًا ينطق باسم أمةٍ تتطلع إلى غدٍ يليق بتاريخها وتضحياتها.

لاشك أن الصحافة الكُردية تُمثل نموذجاً فريداً لصحافة حملت هموم أمة بأكملها، وظلت عبر تاريخها الطويل وسيلة للمقاومة والحفاظ على الهوية في وجه محاولات الطمس والإنكار. إن عيد الصحافة الكُردية ليس مجرد ذكرى لحدث تاريخي، بل هو احتفال باستمرار صوت الحق رغم كل الصعاب، وتذكير بدور الصحافة كسلطة رابعة تحمل رسالة تنويرية ووطنية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى