الصراع المحموم بين تركيا وإسرائيل على الأراضي السورية

تحليل: د. فرناز عطية

بعد سقوط نظام الأسد، ومغادرة رأس السلطة “بشار الأسد” إلى موسكو، مما يعني بشكل أو بآخر خروج دمشق من العباءة الإيرانية وسيطرتها الإقليمية وكذلك انحسار الدور الروسي داخل سوريا، مما ترتب عليه سباق محمومًا بين القوى الإقليمية وكذا القوى الدولية لتوسع نفوذها داخل الدولة السورية ومحاولة كل قوى اجتذاب العناصر المهادنة لها داخل البلاد، وكان الحظ الأوفر في التواجد على الساحة السورية لتركيا، لاسيما مع توسع أنقرة على حساب المناطق الكردية السورية في شمال سوريا واحتلالها الصريح لبعض المدن كعفرين ورأس العين وتل أبيض، أو التوافق بينها وبين الحكومة السورية الانتقالية بقيادة “أحمد الشرع”، مما يشكل مصدرًا للقلق لدى أحد المنافسين الإقليميين وهي إسرائيل التي هرعت للتوغل في الأراضي السورية، ولجأت إلى التصعيد ضد النظام السوري، وتركيا لتكون الترتيبات الجديدة غير مهددة لها .

مظاهر التصعيد الإسرائيلي في سوريا:

وقد أدى هذا التصعيد إلى جعل المشهد أكثر تشابكًا واحتدامًا ما بين كل من أنقرة وتل أبيب، ودخول العلاقات التركية – الإسرائيلية مستوى جديد من التوتر الغامض، وإن كان مفخخًا بالكثير من الشكوك والهواجس المضمرة، إلى مسار التوتر المعلن، ولكنه لن يرق إلى أن يصل إلى حد الصراع والصدام المباشر.

أسباب تأزم العلاقات بين تركيا وأنقرة في سوريا:

ولكن مع كم الأسباب التي تحدث توترًا متصاعدًا في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وتنافساً على تقسيم الكعة السورية، إلا أننا نجزم أنه من الصعوبة بمكان حدوث صدام أو مواجهة مباشرة بين كل من أنقرة وتل أبيب سواءً داخل سوريا أو خارجها، وذلك لكون تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي، وعلاقة إسرائيل بأمريكا والدعم العسكري لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة، إضافة إلى وجود الكثير من مناحي التعاون الاقتصادي والسياسي ومجال التسليح، وبالتالي لا يمكن أن تضحي تركيا بعلاقاتها مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة والغرب، لأجل سوريا، في حين يمكن أن يكتفي بتحديد نقاط النفوذ لكل من البلدين في سوريا،  وبالتالي لا يمكن لإسرائيل وتركيا أن تجازفا بالدخول في صدام ساخن رغمًا عن الناتو والولايات المتحدة بوجود إيران وعلاقاتها المتوترة مع الغرب، لكن قد يدخل البلدان في حرب استنزاف عبر حرب بالوكالة.

محادثات لتهدئة التوتر بين الطرفين

عقدت محادثات مؤتمر “باكو” بأذربيجان 9 إبريل 2025 بين إسرائيل وتركيا لتهدئة التوتر بين الدولتين، والتوصل إلى آلية لخفض التصعيد ووضع قواعد للاشتباك، ومنع وقوع حوادث أو صدام على الأراضي السورية، واللافت أن الاجتماع كان على مستوى التقنيين وهو الأول من نوعه، وليس على مستوى الدبلوماسيين، وقد تم التأكيد بأن المحادثات ستتواصل عقب احتفالات عيد الفصح التي تستمر حتى 19 أبريل 2025، ويذكر أن “أردوغان” و “الشرع” ناقشا في منتدى أنطاليا تطورات الأوضاع في سوريا والعلاقات الثنائية في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية وفي مجال الطاقة، مما يعني استمرار الدعم التركي والتواجد التركي في الأراضي السورية، ولكنه لا يعني بالضرورة المواجهة مع إسرائيل.

وبناء على ما تقدم، نجد أن هناك عدة سيناريوهات مطروحة على أرض الواقع لما سيئول له التنافس التركي الإسرائيلي على الأراضي السورية، وتتمثل في:

وفي حال حدوث هذا السيناريو، من المتوقع ألا تلتزم إسرائيل بهذا التقسيم ويتم اللجوء للتوسع والتناوش من وقت لآخر بحجة صيانة أمن إسرائيل ومستوطنيها في المناطق المحتلة بسوريا، مما يعني تطويقًا للنفوذ التركي في سوريا.

أما السيناريو الثاني: وهو الذي يفضي إلى صدام مباشر بين الجانبين داخل سوريا، وهذا ما تطرقنا إلى استبعاده وصعوبته، نظرًا لعضوية تركيا في حلف الـ”ناتو” وما يترتب على ذلك من التزامات الدفاع والتدخل في الصراع من قبل الدول الأعضاء في الحلف لصالح تركيا، إضافة للالتزام الأمريكي الدائم بحماية أمن إسرائيل، وهو ما يستحيل أن تقدم عليه تركيا من مواجهة للولايات المتحدة، ومن زاوية أخرى فإن الولايات المتحدة ليست مؤيدة لتصادم بين تل أبيب وأنقرة في سوريا، لاسيما مع تصريحات ” الرئيس الأمريكي ترامب” بأنه في حال وجود خلاف مع “أردوغان” يتوجب حله، وتأكيده لعلاقة الصداقة بينه وبين الرئيس التركي مما يعطي الضوء الأحمر لإثناء “نتنياهو ” عن التهور بأي عمل عدائي ضد تركيا في سوريا، وهذا يعكس التبعية التركية لأمريكا.

وهنا نجد أن السيناريوهان الأول والثاني هم الأكثر ترجيحًا والأقرب للواقع، وهو ما يتفق مع نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، في طبعاتها المُحدّثة، حيث أوكلت المهمة للجيش والاستخبارات الإسرائيليين، على أن يجري إنجازها على “أرض العدو”، بعيدًا عن الحدود والجبهة الداخلية، وقد يتضمن هذين السيناريوهين انسحاب إسرائيل من بعض النقاط ولكنها قادرة على العودة لها في أي وقت حال وقوع أي تهديد أمني لإسرائيل، وقد يتخلل ذلك إنعاش لاتفاقية فك الارتباط 1974 ، مع التحكم في مساقط المياه، وقمم المرتفعات، والحفاظ على حقوق أكبر للجانب الإسرائيلي.

Exit mobile version
التخطي إلى شريط الأدوات